آفاق بيئية : باتر محمد علي وردم
الجمعة, 15 سبتمبر, 2006 -مرصد البيئة العربية
من المعتاد أن يكون المقال الأول في أية مدونة أو موقع جديد مختصا بتوضيح مزايا هذا الموقع، ولكنني سأتجاوز المألوف هنا، لأفتتح المقالات التي ستشكل مدونة “مرصد البيئة العربية” بالحديث عن رواد الإعلام البيئي الإلكتروني في العالم العربي وهما الأستاذ عبد الهادي النجار مؤسس موقع “أخبار البيئة العربية” في سوريا، والأستاذ خالد غانم مؤسس موقع البيئة الآن في مصر.
في هذا السياق، أعيد هنا نشر مقالة كنت قد نشرتها في مجلة “البيئة والتنمية” اللبنانية في نهاية العام الماضي حول هاتين التجربتين الرياديتين، موجها كل الشكر والاحترام للأستاذين النجار وغانم، وآملا في أن ترتقي مدونة “مرصد البيئة العربية” إلى مستوى أدائهما الرفيع، وتشكل عملا تكامليا في إطار الإعلام البيئي الإلكتروني العربي.
وتايا نص المقال:
هناك الكثير من المزايا الإبداعية التي تتمتع بها ثورة الاتصالات المعرفية العالمية، ولكن معظم الدول في العالم العربي لا ترى في ثورة الاتصالات وبالتحديد الإنترنت أكثر من وسيلة للربح الاقتصادي من خلال تشجيع استهلاك الأجهزة الإلكترونية ووصلات التشبيك بين المؤسسات وبرامج الحاسوب المختلفة، هذا في حال كانت هذه الحكومات قد وصلت إلى مستوى من الحداثة والتطور بحيث تسمح بإنتشار الإنترنت بدلا من قمع مستخدميها.
وبالرغم من الانتشار السريع لمصطلح “مجتمع المعرفة” في العالم العربي إلا أن الفائدة الرئيسية للإنترنت في تطوير ونشر واستثمار المعرفة لا زالت ضئيلة الاستخدام، وهذه ظاهرة تتساوى بين جميع القضايا والعلوم ومحاور العمل العام. لقد قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعريفا لمجتمع المعرفة في تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني الصادر عام 2003 كما يلي: ” مجتمع المعرفة هو ذلك المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي وصولا للارتقاء بالحالة الإنسانية بإطراد أي إقامة التنمية الإنسانية”. ومن الواضح أ، هذا التعريف يجعل نجاح العرب الإجمالي في استثمار وسائل الاتصالات لإنتاج مجتمع المعرفة قليلا جدا مقارنة بزيادة أرباح شركات الاتصال وحسابات خبراء البرمجة.
ولكن الميزة الأهم لشبكة الإنترنت هي قدرتها على توفير المساحة الكافية أمام الأفراد الجادين والمبدعين لتحقيق إنجازات قد تعجز بعض المؤسسات الممولة بطريقة ضخمة من تحقيقها. وفي مجال التوعية والتعليم والتثقيف البيئي، وهي الأسباب التي تجعل منك عزيزي قارئا لهذه المجلة وهذا المقال، فإن هناك مبدعان في مصر وسوريا يبذلان جهودا مضنية في مجال تحقيق ثلثي أهداف مجتمع المعرفة البيئية وهما إنتاج المعرفة ونشرها على شبكة الإنترنت، تاركين التوظيف الايجابي لهذه المعرفة كمسؤولية مباشرة للمؤسسات البيئية العربية التي تعمل في ميزانيات ضخمة في أحيان كثيرة، وخاصة المؤسسات الحكومية. هذا المقال يمثل رحلة في عقل وجهد د. خالد غانم رئيس تحرير موقع “البيئة الآن” في مصر والمهندس عبد الهادي النجار رئيس تحرير موقع “أخبار البيئة” في سوريا كنماذج حية حول النتائج التي يمكن أن يحققها فرد واحد يملك العزيمة والإبداع والرغبة في إحداث فارق على أرض الواقع.
البيئة الآن: موسوعة تفاعلية وإخبارية
ما أن يدخل المتصفح إلى الصفحة الرئيسية لموقع “البيئة الآن”. http://www.ennow.net حتى يدرك بأنه داخل موقع يقدم له خدمة معلوماتية على أعلى المستويات. الموقع يتميز بالتحديث اليومي وهذا ما يجعله من المواقع البيئية العربية النادرة التي توثق الحدث الإخباري، ولكن هناك ما هو أكثر من مجرد نشر الأخبار. تتضمن الصفحة الرئيسية للموقع 24 مفتاحا للمعلومات Icons أو محاور للمضمون، إضافة إلى سلسلة الأخبار التي تعرض في الصفحة الأولى. الأخبار يتم صياغتها للموقع من خلال مجموعة من المحررين وهذا ما يكسبها ميزة ملكية الموقع حتى لو كانت مستمدة من مواقع أخرى حيث مرت في مرحلة تحرير داخل موقع البيئة الآن وهي أخبار تتميز بالقصر والمباشرة في الطرح وتقديم المعلومات.
ويهتم الموقع بثلاث محاور رئيسية تم مفاتح خاصة بها في أعلى الصفحة الرئيسية وهي الملف والمقالات والتحقيقات. ويضم الموقع عددا كبيرا من الملفات التي تتميز بالشمولية والتحديث وآخرها ملف مثير حول وادي الحيتان في مصر والذي دخل مؤخرا قائمة التراث الطبيعي لليونسكو.
أما التحقيقات فهي في الواقع مواد إعلامية قصيرة ولكن تمتلك ميزة التحليل وربط الأسباب بالمسببات لكنها ليست طويلة أو مبنية على بحث متواصل ومقابلات ميدانية لكي تكتسب صفة التحقيقات، وربما يكون من الافضل لمحرري الموقع تغيير وصف هذه المقالات إلى ما هو أكثر تواضعا وتوازنا مع القيمة العالية لهذا الموقع.
وتضم صفحة المقالات مجموعة متميزة من المقالات لكتاب وإعلاميين بيئيين عرب مساهمين مع الموقع أو مقالات مترجمة عن الصحافة الدولية، وهي من أكثر الصفحات فائدة للقارئ نظرا للمضمون الراقي من المعلومات.
ومن ابرز صفحات الموقع “أخبار ومتابعات” والتي تضم مجموعة من الأخبار الحديثة والتي يتم متابعتها وتحليلها من قبل محرري الموقع، وبعض هذه الأخبار يكون مبنيا على وكالات أنباء أو مواقع أخرى ويتم متابعته من قبل الموقع لتقديم المزيد من الفائدة.
وهناك بعض الصفحات ذات الطبيعة الاستثنائية ولكنها بحاجة إلى المزيد من الجهد لتقوية المضمون والمحتوى ومنها صفحة “أفكار ومشروعات” وبيئة كليب وحوارات، ومن المثير للاهتمام أن صفحة الحوارات تتضمن حوارا مع عبد الهادي النجار رئيس تحرير موقع أخبار البيئة السوري، وهي عادة حميدة في أن يسلط موقع ما الضوء على موقع آخر ولا يعتبره منافسا له، وهذه من شيم الأخلاق الرفيعة.
وفي النهاية يتضمن الموقع بوابات كثيرة مثل السياحة والتنوع الحيوي والبيئة والمرأة والبيئة والغذاء والتي تشكل مداخل معرفية هامة للباحثين عن الثقافة البيئية الرصينة والمعلومات الحديثة.
أخبار البيئة: ميزات تفاعلية
اعتمد المهندس عبد الهادي النجار مؤسس موقع أخبار البيئة http://www.4eco.com/ على تقنية المدونات Blogs والتي طورتها شركة جوجل لتسهيل إنشاء المواقع الخاصة ومن ثم تحولت الفكرة إلى موقع غير مجاني الاستضافة بسبب الزيادة في اهتمام المتصفين بهذا الموقع، والذي أطلقه النجار رسميا في 5 حزيران 2004 بمناسبة يوم البيئة العالمية.
وقد كان الدافع الرئيسي للنجار في تطوير هذا الموقع هو إثبات أن العمل الإعلامي البيئي العربي يمكن أن يتضمن تجربة ناجحة يقوم بها شخص واحد عبر الإنترنت كنموذج ايجابي يتم تقديمه للكثير من المؤسسات البيئية والإعلامية التي تتقاعس عن تقديم خدمات مفيدة للقراء إما بحجة نقص التمويل أو نقص الكوادر والبنى التحتية. وبالفعل فإن الموقع يشكل حاليا وبعد سنة من إطلاقه الرسمي شهادة إنجاز كبيرة لهذا الجهد الفردي الطموح، والذي كافأته مؤسسة فورد مؤخرا بواحدة من جوائزها البيئية البسيطة على سبيل الدعم والتقدير.
ويبدو حجم الجهد الذي يبذله النجار عاليا جدا عندما نأخذ بعين الاعتبار أن معدل المواد المضافة إلى الموقع يوميا هو 4-5 مواد، وتتميز هذه المواد الإخبارية بالكثير من الخصائص الهامة ومنها تحديد ربط المادة المنشورة بمصدرها، وكذلك بالصفحة الخاصة بالموضوع المحدد لهذه المادة من بين قائمة تتضمن 26 موضوعا بيئيا في الموقع تشمل كل المحاور البيئية المعروفة. ويقدم الموقع أيضا خدمة التعليق على المادة المنشورة والتفاعل معها. ويقوم محرر الموقع بجهد مشكور أيضا في ترجمة بعض المواضيع والمقالات البيئية الهامة عن مصادر أجنبية معروفة ومع تحديد مصدر هذه المقالات أيضا.
وقد بدأ الموقع بتطوير بوابات خاصة مثل “عندما تهتز الأرض” وهي بوابة معرفية خاصة بعلم الزلازل وتأثيراته على البيئة، ومن المنتظر تطوير بوابات معرفية تفصيلية أخرى.
وبالرغم من أن لجهد الرئيسي في تطوير مادة الموقع ينصب على النجار فإن مؤسس الموقع تمكن منم استقطاب بعض الإعلاميين العرب المتميزين في مجالات الكتابة البيئية للمساهمة في إضافة مواد هامة لهذا الموقع، من خلال مقالات مكتوبة أو مترجمة أو أخبار وقد قام المهندس النجار بتوثيق جهود هؤلاء الكتاب والإعلاميين وهذا ما يشكر عليه أيضا في إعطاء التقدير العالي لزملاء لم يكن الموقع ليستمر دون جهودهم، كما وصف النجار هذه الجهود بنفسه.
وفي المحصلة فإن الموقع يتمتع بميزات تفاعلية تعطي المتصفح فرصة لعرض آرائه وتعليقاته، كما أن هناك نظاما متميزا للبحث واسترجاع المواد يعتمد على الأرشيف الذي يحدد أوقات إضافة المواد وتحديثها يوميا كما يتم تصنيف المواد المنشورة حسب قائمة المواضيع والتي تضم كما أسلفنا 26 محورا بيئيا تشكل كل قضايا البيئة بلا استثناء تقريبا.
توفر هذه الأمثلة نموذجا هاما لكيفية استثمار القدرات الفردية والطموح والالتزام بالمبادئ البيئية في تطوير آليات توعية وتثقيف بيئي تعتمد على الحد الأدنى من الموارد المالية والبشرية والفنية، وتجسد مثالا للعمل البيئي الإعلامي الذي يهدف إلى التوعية والمصلحة العامة أكثر من تحقيق المكتسبات الشخصية والأرباح.
أن الإرادة والالتزام يتجاوزان في كثير من الأحيان المعيقات المالية، ويقدم غانم والنجار نموذجا أمام المؤسسات البيئية والإعلامية العربية التي لا تتحرك إلا ضمن موازنات ضخمة تصرف على مستلزمات استهلاكية ورواتب ولا تحقق جهدا واضحا على أرض الواقع كما حقق شخصان اعتمدا على الذات وعلى الجهد الكبير والالتزام الواضح بقضايا التوعية البيئية مما يجعلهما يستحقان الإعجاب والتهنئة وكذلك الدعم والمساندة بكل أنواعها.
أضافها باتر محمد علي وردم في إعلام بيئي @ 05:22 ص