اسطنبول تشهد معانقة الفريد للسعيد

محمد التفراوتي6 نوفمبر 2009آخر تحديث :
اسطنبول تشهد معانقة الفريد للسعيد

آفاق بيئية : محمد التفراوتي

تحررت روح الفريد من جسد الأنصاري ، انسلت خلسة بين محبيها، متطلعة إلى السمو ومتخلصة من ربقة التراب ،الذي يبدو انه تواطأ معها وتلكأ في حملها فاسحا المجال لمبتغاها كي ترفرف عاليا ،عاليا، عاليا…

“وي إ…..ذاب كل التراب”

نعم لقد ذاب التراب وسمت الروح، متخلصة من قبضة الطين…

لقد اعتل الجسد ولم يعد يحتمل ثقل تلك الروح التواقة نحو الجمال وذلك الفكر الحادي إلى منطق الحقيقة
لقد انتصرت روح الفريد على تراب الأنصاري وأرجعت سجنها مرغما وبمشيئة رب العزة ، إلى التراب مقتفية أثر السعيد

نعم لقد فاز بالانفلات من سجن الجسد العليل وحاز حظوة الانتقال إلى العالم الآخر ملبيا دعوة رب العزة

فمرآة الروح إن صفت ولمعت ترى بجلاء ذلك المجهول المنشود من قبل الأصفياء

“فيا لبؤس عمر يعيشه الإنسان وهو يشعر بأن الموت هو آخر المطاف!”.

كانت مشيئة الرب كي لا ينهي الفريد مشواره الفكري ومشروعه” من العمران الى القرآن” في ريعان الشباب ممنيا محبيه

ومريديه بفلسفة عمرية تقاس بالعرض عوض الطول …

حقا وكأنك تسارع عقارب الزمن تأليفا وتوثيقا لملامح فكرك كي تترك تلك الذخيرة العلمية المشرقة بلطائف إبداعاتك

وجمال استنباطاتك وفن تأملاتك.

كأني أرى تغير ملامح وجهك كلما عرضت ذوقيات مشاهداتك العلمية فوق الكرسي بالجامع الكبير بمكناسة الزيتون

إنها انعكاس نشوة الروح حين الفتح وتملي القرب…

لقد حاول الأنصاري أن يبرر انسلاله الهادئ بعيدا عن أهله من جسر الدنيا إلى العالم الآخر ، قبلا بكتابة آخر مقالاته

بمجلة حراء التركية عن فلسفة العمر :

و” العمر -عند التفكر في الخلق الإلهي- هو حقيقة الإنسان. إذ ليس المرء إلا بداية ونهاية! ساعة ولادة فساعة وفاة. ولكن.. شتان شتان بين عمر وعمر! ليس ذلك باعتبار الطول والقصر؛ إذ الأعمار كلّها قصيرة كما أسلفنا، ولكن باعتبار العرض والعمق، إذ قد يكون العمر طويلا -حسب العد البشري النسبي- ولكن يكون ضيقا من غير سعة. كما قد يكون قصيرا بالاعتبار نفسه، ولكنه عريض جدا، حتى لكأنه لا يكاد ينتهي أبدا. ”

أولم يقتف الفريد آثر السعيد متجاوزا مقياس الزمن ، متذوقا فلسفته ومتلذذا بتأملاته ..و متفننا في إبراز رسائل النور لاستيعاب

حقيقة الحياة بتأمل جمالي وحس بياني..

كيف لا وهو القائل :

” وكان بديع الزمان النورسي يذرع الأرض ما بين شروق وغروب، وهو يلتقط لآلئ الأسرار كل لية بدرية!
قيل لي مات سنة: 1380هجرية/ 1960 م ، وتلك كانت سنة ولادتي بالذات!”

……
…..

“بيد أني يا سادتي فوجئت به يوما بمكناسة الزيتون ! شاخصا ببصره نحو السماء ..وكأنما يهم بمعانقة قمم الجبال الشامخة ! كنت قريبا منه جدا، لكني لم أستطع أن أقتحمه ! ومشى فمشيت حتى اختفى بمسالك الزيتون! ”

أي إحساس ذلك الذي يسكنك وان تسارع الخطى متعقبا أثره ؟

” ثم أؤكد لكم أني وجدته ذات مطر ليلي – بعد ذلك ، في سفر طويل – بجزيرة سرواك بماليزيا ! كان يصلي بلي بإحدى الغرف العليا من فندق بمدينة كوتشي ! ثم ضاع مني فجأة ! ثم لست ادري كيف أحسست انه عاد مرة أخرى إلى بلاد الأناضول ”

لم تعدم تلك الروح الزكية من نسمات مغازلة الوجدان ونشد الجمال وتذوق تلك المشاهدات التي حدث صاحبها الفريد الأنصاري الناس بتأمل عميق ملامسا خيوط البهاء الروحي بدعابة ورقة….

“وي إ…..ذاب كل التراب”

و استانبول تشهد معانقة الفريد للسعيد

حيث فاضت روح الحبيب لبارئها

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!