حماية المستهلك في عقود التمويل البنكي بين التشريع والممارسة

محمد التفراوتي24 ديسمبر 2013آخر تحديث :
حماية المستهلك في عقود التمويل البنكي بين التشريع والممارسة

آفاق بيئية : الدكتور عمر السكتاني 

شهد المغرب في الآونة الأخيرة في إطار الانفتاح الاقتصادي مجموعة من التغيرات في مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية ومختلف المؤسسات الإدارية والاقتصادية الفاعلة استجابة لمتطلبات الظرفية الراهنة وما تقتضيه من انفتاح اقتصادي على السوق العالمي ، وقد استتبع هذا الانفتاح الاقتصادي وما يسوده من انفتاح في الأسواق ظهور منتجات وخدمات متنوعة في الأسواق الوطنية الغرض منها هو إشباع حاجيات المستهلك ، بيد أن هذا الأخير كثيرا ما يكون محل خطر نتيجة لوجود بعض التلاعبات والمناورات من قبل فئة التجار ومقدمي الخدمات الذين لا يؤمنون إلا بالربح السريع نتيجة للجشع الذي يرتابهم بعيدا عن كل روح تنافسية مشروعة ، وهو ما يتطلب إدماج الشق الاجتماعي في سياسات التنمية من خلال مراعاة حقوق ومصالح المستهلكين ، ولا شك أن توجه المجتمعات اليوم نحو تجدر ظاهرة المجتمع الاستهلاكي ، إضافة إلى تطور أساليب الإشهار والتسويق وتفننها في حث الأفراد على الاستهلاك أدى إلى كثرة اللجوء إلى الاستدانة والاقتراض حتى أصبح ارتفاع مديونية الأفراد والأسر من المشاكل المستعصية التي تعاني منها مجتمعات اليوم بشكل لم يكن مألوفا من ذي قبل ، حيث أصبح عدد المتضررين من هذه القروض الاستهلاكية يتضاعف يوما بعد يوم ، ذلك أن ضعف مداخيل الأسر المغربية وتوقها إلى الوصول في مستوى العيش إلى ما وصلت إليه بعض الأسر الميسورة كلها عوامل جعلت من تقنية القروض الاستهلاكية فرصة ذهبية للحصول على منتجات وخدمات كثيرة وبأقسى سرعة ممكنة ، وفي هذا الإطار فقد شهد المغرب في الآونة الأخيرة مثل باقي دول العالم تحولات عديدة وخطيرة فيما يتعلق بنمط استهلاك المواطنين الذي أصبح يتجاوز الإمكانيات المادية لأغلبهم بعدة أضعاف لأسباب اقتصادية واجتماعية مركبة ترتبط بطبيعة السياسات العامة المتبعة وسوء التوزيع العادل للثروات وما ترتب عن ذلك من اختلال في التوازن بين العرض والطلب ، وفي هذا الإطار يشكل التمويل البنكي الوسيلة الأكثر انتشارا والتي يلجأ إليها المواطنون لتلبية حاجياتهم اليومية والاجتماعية ، إلى حد أصبحت معه المؤسسات البنكية تتفنن في صناعة أدوات لجلب أكبر عدد من المواطنين إلى الاقتراض ولو لأبسط الحاجيات كما هو الأمر في الأعياد والدخول المدرسي ومواسم الاصطياف والعطل وحفلات الزفاف …، فهل يعتبر التمويل البنكي الوسيلة الوحيدة لسد الحاجات الاجتماعية لمختلف الأفراد ، والى أي حد استطاع التشريع أن يكفل حماية حقيقية ومنصفة للمستهلك في عقود التمويل البنكي؟

في هذا الإطار يمكن القول بأن المشرع المغربي كان في الموعد ولم يتخلف عن مواكبة الركب والتطور المتسارع الذي يعرفه العالم ، فأمام قصور النظرية العامة للالتزامات في حماية المستهلك سواء في المجال البنكي أو في غيره من المجالات ذات الطبيعة الخاصة ، تدخل المشرع بإصدار مجموعة من القوانين التي ترمي إلى تحقيق ما يسمى بالعدالة التوزيعية بين طرفي العقد كبديل لفشل مفهوم العدالة التعاقدية ومبدأ سلطان الإرادة ، ومن بين هذه القوانين يمكن الإشارة إلى القانون البنكي ومدونة التجارة وقانون حرية الأسعار والمنافسة ونظام التمويلات البديلة وقانون تدابير حماية المستهلك ، ومن خصائص هذا القانون الأخير أنه دشن لمرحلة جديدة تقوم على مفهوم النظام العام الحمائي حيث تحرر من بعض القواعد العامة المقررة في القانون العام لصالح قواعد استثنائية من بين أهم تجلياتها حماية المستهلك من الشروط التعسفية ، خاصة وأن الممارسة أثبتت بأنه كثيرا ما يقوم المقرض من خلال هذه العقود بإملاء شروطه على المقترض الذي لا يملك إلا التسليم بها دون مناقشة خصوصا وأن العقد الذي يربط بين الطرفين عادة ما تقوم بصياغة بنوده مؤسسة القرض بشكل محترف يؤمن مصالحها بالدرجة الأولى وتدس خلاله العديد من الشروط التعسفية كما يبقى هو شريعة المتعاقدين والمرجع في حل كل نزاع بينهما وهو ما يتبين منه حجم ومستوى الخطر الذي قد يتعرض له هذا المستهلك من وراء هذا النوع من العقود ، وتفاديا لهذه المخاطر المحتملة جاء القانون بمجموعة من الضمانات الحمائية في باب الاستدانة والتمويل بالقروض، حيث يلزم القانون ، الإعلان عن هوية المقرض وعنوانه ومبلغ التسديدات بالدرهم عن كل استحقاق ، والكلفة الإجمالية للقرض ، وتكلفة التأمين عندما يكون إجباريا للحصول على القرض ، وخصص القانون حيزا هاما لعمليات القروض بمختلف أنواعها وتكريسا لهذه الأهداف فقد نصت المادة الأولى من القانون القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك على أن هذا القانون يهدف إلى تحقيق ما يلي :

- إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها ؛

–  ضمان حماية المستهلك فيما يتعلق بالشروط الواردة في عقود الاستهلاك ولاسيما الشروط التعسفية والشروط المتعلقة بالخدمات المالية والقروض الاستهلاكية والقروض العقارية وكذا الشروط المتعلقة بالإشهار و البيع عن بعد و البيع خارج المحلات التجارية ؛

– تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع و الخدمة بعد البيع و تحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض عن الضرر أو الأذى الذي قد يلحق بالمستهلك ؛

– تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها من خلال جمعيات حماية المستهلك التي تعمل طبقا لأحكام هذا القانون .

ومن بين المشاكل التي يثيرها التعامل البنكي ما يسمى بالإشهار الخادع أو الكاذب الذي قد يؤدي إلى تغليط المستهلك حول حقيقة العمليات التي قد يتعامل بشأنها ، وفي هذا الإطار فقد أولى القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك أهمية خاصة لتقنين الإشهار الخاص بالقروض سواء العقارية أو الاستهلاكية بصفة مستقلة عن باقي المواد التي تعالج الإشهار بصفة عامة ، فقد أشارت المادة 76 أن أي إشهار يتعلق بالقروض الاستهلاكية يجب أن يكون نزيها وإخباريا ، وأن يتضمن مجموعة من البيانات بما فيها التكلفة الإجمالية للقرض والسعر الفعلي الإجمالي ، كما أشارت نفس المادة المذكورة بضرورة أن يشير كل إشهار مكتوب بالطابع الثابت أو القابل للمراجعة للسعر الفعلي الإجمالي ، ومجموع المبالغ المسددة عن أي استحقاق ، وأن تكون هذه المعلومات ” مكتوبة بحروف لا يقل حجمها عن الحجم المستعمل للإشارة إلى كل معلومة أخرى تتعلق بمميزات التمويل ومدرجة في صلب النص الإشهاري ” .

هذه المادة تقابلها المادة 115 والتي نصت على أن الإشهار المخصص للقرض العقاري يجب أن يؤدي وظيفته الإخبارية وأن يتحلى بالنزاهة ، وأن يكون أداة لإعلام المستهلك لا للاحتيال عليه ، و يلاحظ أن المشرع المغربي لم يواكب التطور الذي عرفه مجال القروض البنكية الاستهلاكية كما كان الحال بالنسبة للمشرع الفرنسي ولم ينص في القانون الجديد على عقوبات زجرية مناسبة في حالة الإخلال بالإعلام النزيه بسعر القرض البنكي.

وتطبيقا لمقتضيات المادة 77 من نفس القانون يجب أن يسبق كل عملية قرض منصوص عليها في المادة 74 عرض مسبق للقرض يحرر بكيفية تمكن المقترض من تقييم طبيعة ومدى الالتزام المالي الذي يمكن أن يتعهد به وشروط تنفيذ العقد المذكور كما يجب أن تنجز عمليات القرض الواردة في المادة 74 وفق بنود العرض المسبق الذي تسلم نسختان منه مجانا إلى المقترض وعند الاقتضاء نسخة إلى الكفيل ، وفي كافة الأحوال يلزم المقرض عند تسليم العرض المسبق بالإبقاء على الشروط الواردة فيه خلال مدة لا تقل عن سبعة أيام من تاريخ تسليمه للمقترض ، ونعتقد أن المشرع كان موفقا عندما نص على ضرورة إخبار المستهلك بخصوصيات القرض وذلك بتحديد قائمة المعلومات التي يجب أن يتضمنها إشهار القروض المقترحة من طرف المقرض ويحدد أيضا شروط صحة عقود القروض الاستهلاكية والعقارية من خلال إلزام المقرض بتقديم عرض مسبق إلى المستهلك يتضمن كل المعلومات الضرورية والكافية لفهم وتقييم العقد ويمكن للمستهلك التراجع عن التزامه في الآجال المحددة في هذا القانون والتي تحتسب ابتداء من تاريخ قبوله للعرض النهائي ، كما ينص هذا القانون أيضا على إمكانية الأداء المبكر للقرض بالنسبة للمستهلك . وقد رتب المشرع جزاء صارما تجاه المقرض الذي يمنح قرضا دون أن يسلم للمقترض عرضا مسبقا مستوفيا للشروط المنصوص عليها في المواد 77 إلى 83 يتجلى في حرمانه من الفوائد ، بحيث لا يلزم المقترض إلا بإرجاع مبلغ رأس المال وحده وفق جدول الاستحقاقات المقرر في هذا الشأن .

ويمكن للمستهلك التراجع عن التزامه في الآجال المحددة في القانون والتي تحتسب ابتداء من تاريخ قبوله للعرض النهائي. وينص هذا القانون أيضا على إمكانية الأداء المبكر للقرض بالنسبة للمستهلك.

ومهما كانت ايجابيات هذا النص فإن هناك مجموعة من الثغرات والنقائص التي تشوبه أهمها إشكالية التزاحم وغياب التنسيق مع باقي القوانين التي لها ارتباط بالموضوع ، كما أن استثناء القروض التي لا تتعدى مدتها ثلاثة اشهر يبقى محل نقاش ، وإضافة إلى ذلك فإن استعمال اللغة الفرنسية في صياغة العقود يعتبر مجالا خصبا للتغرير بشريحة واسعة من المجتمع ، وفضلا عن ذلك فإن المشرع تحدث عن القرض المجاني لكن الممارسة أثبتت بأنه غالبا ما يكون مقنعا بحيث توجد الأرباح في أمور أخرى مرتبطة بالمعاملة ، كما أن هناك بعض السلوكات المتنافية مع منطق القانون والتي لازال معمولا بها في الممارسة الائتمانية والبنكية تتجلى أساسا في تضمين عقد القرض لشروط منع التفويت ومنع الرهن ومنع الكراء علما أن هذه الشروط تعتبر شروطا تعسفية وتتنافى مع طبيعة حق الملكية الذي نص الدستور على صيانته وقدسيته ، لذلك فإننا نعتقد بأن الدور الكبير لحماية المستهلك يبقى للمجتمع المدني وخاصة جمعيات حماية المستهلك التي تلعب دورا لا يستهان به في التوعية والتحسيس كما يجب تفعيل إحداث المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك كهيئة استشارية تكون ذات قوة اقتراحيه وتوجيهية من شأنها دعم عمل الحكومة في مجال سياسات الاستهلاك ، وفي هذا الإطار تبقى المسؤولية ملقاة على عاتق القضاء باعتباره المسؤول عن حسن تطبيق القانون خدمة للعدالة التي نسعى إليها جميعا .

الاتحاد الاشتراكي يوم 24 – 12 – 2013

*عمر السكتانيأستاذ باحث في قانون الأعمال والمقاولات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!