كيف يساهم تسعير الكربون في حماية البيئة ؟

محمد التفراوتي30 مارس 2018آخر تحديث :
كيف يساهم تسعير الكربون في حماية البيئة ؟

آفاق بيئية : عبد الهادي النجار / البيئة والتنمية 

يتاجر العالم في كل شيء تقريباً، من قصب السكر إلى السيارات الراقية، إلى جانب المنتجات غير المادية مثل الملكيات الفكرية وبراءات الاختراع. ومع تغير المناخ، جاء الخبراء بفكرة تداول الحق في التلويث، وخلق حافز مالي لكبح الانبعاثات. وكان من نتيجة ذلك تحويل الكربون إلى سلعة يجري تداولها.

 آلية تسعير الكربون

يملك صانعو السياسات ثلاثة خيارات للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. الخيار الأول هو وضع حد معين للانبعاثات لا يمكن للشركات تجاوزه. الخيار الثاني هو فرض ضريبة على الكربون حيث تدفع الشركات مقابل كمية ثاني أوكسيد الكربون التي تطلقها في الجو، وهذا الخيار سيدفع الشركات للاستثمار في بدائل أنظف طالما كانت الكلفة أرخص من دفع الضريبة.

 الخيار الثالث يقوم على وضع خطة لتجارة الانبعاثات (سوق للكربون)، وفي هذا السيناريو تقوم الشركات بشراء وبيع “حق التلويث” بين بعضها البعض. ومنذ توقيع بروتوكول كيوتو عام 1997، ظهر في أدبيات دبلوماسية البيئة مفهوم “تسعير الكربون” الذي يهدف إلى وضع سعر لانبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، تطبيقاً لواحد من أهم مبادئ الإدارة البيئية التي ارتضاها المجتمع الدولي في اعلان ريو عام 1992، وهو مبدأ “الملوث يدفع”.

 ويقول الدكتور إبراهيم عبد الجليل، خبير شؤون الطاقة وأستاذ البيئة في جامعة الخليج العربي في البحرين، إن دولاً كثيرة “بدأت تتبنى هذا المفهوم كأحد آليات الحد من انبعاثات الكربون المسببة لتغيرات المناخ. إلا إن ذلك قوبل بالرفض من دول وصناعات أخرى، خاصة كبار منتجي النفط والصناعات القائمة عليه مثل صناعة البتروكيماويات وغيرها. وكانت المجموعة العربية ضمن فريق المعارضين، فهي اعتبرت ذلك مؤامرة على صناعة النفط. وحتى حينما لاحت فرص الانخراط في سوق الكربون العالمي من خلال آلية كيوتو للتنمية النظيفة، كانت المشاركة العربية محدودة للغاية”.

تملك كل سلعة نشتريها بصمةً كربونيةً تمثل الكمية المكافئة لغاز ثاني أوكسيد الكربون الذي تحرر خلال مراحل إنتاجها. لنفترض أن سيارة متوسطة احتاجت إلى طن من الحديد لتصنيعها، فالبصمة الكربونية لإنتاج هذه الكمية من الحديد تساوي ما مقداره طنين من ثاني أوكسيد الكربون. حسب الأسعار الحالية للكربون في الاتحاد الأوروبي، ستكون قيمة هذه الانبعاثات نحو 27 دولاراً، وتستطيع الشركات التي يمكنها خفض انبعاثاتها من الكربون أن تبيع حقوقها في التلويث لتلك الشركات التي لا تملك القدرة على خفض الانبعاثات لقاء مبلغ يقل عن 27 دولاراً.

 ترتبط تصاريح بيع الكربون بمبلغ إجمالي يقابل هدف كل بلد في خفض انبعاثاته. في بداية مرحلة التداول، يجري تخصيص التصاريح للشركات مجاناً أو يتم شراؤها من خلال مزاد أو سوق للكربون. ثم يتناقص عدد التصاريح المتاحة بمرور الوقت، وهذا يدفع الشركات للاستثمار في خيارات الإنتاج الأنظف وتقليل مخرجات ثاني أوكسيد الكربون. وعلى المدى الطويل، تساهم تجارة الكربون في تعزيز الابتكار وتؤدي إلى خفض أسعار التقنيات الجديدة.

 يمكن لتجارة الكربون أن تحقق معادلة الربح لجميع الأطراف إذا جرى تطبيقها مع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة العالمية لتغير المناخ، ويكون ذلك من خلال الجمع بين تسعير الكربون مع “أرصدة الإزاحة”. وتقوم فكرة أرصدة الإزاحة على دفع ثمن الانبعاثات التي تتم إزاحتها في بلد آخر غير البلد الذي يتسبب فيه التصنيع بالتلوث. فقد يكون لصانع فولاذ أوروبي تقنية متقدمة في الإنتاج ضمن بلاده، لكنه يختار الاستثمار في مشروع تنموي نظيف في الهند لخفض مجمل الانبعاثات الناتجة عن استثماراته.

 تساعد أرصدة الإزاحة أصحاب الأموال في تجنب إنتاج كميات أكبر من الكربون، عبر الاستثمار في الأسواق الناشئة أو النامية، حيث تكون تكاليف خفض الانبعاثات أقل نسبياً.

 على أرض الواقع، تتبع السلطات مجموعة من الإجراءات بهدف خفض غازات الاحتباس الحراري. ولا يقتصر الأمر على إلزام الملوثين بخفض انبعاثاتهم أو تسعير الكربون، بل توجد أيضاً حوافز تشجيعية تقلل كلفة اعتماد البدائل التقنية النظيفة. وتشمل هذه الحوافز الإعفاءات الضريبية، وخفض الرسوم الجمركية على المنتجات الخضراء، وتوفير الدعم الحكومي لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة.

 في سنة 2016، جمعت الحكومات حول العالم نحو 22 بليون دولار من إيرادات تسعير الكربون عبر مزادات التصاريح، والمدفوعات المباشرة للوفاء باشتراطات حدود الانبعاثات، وإيرادات ضرائب الكربون. ويمكن استخدام هذه الأموال من خلال إعادة استثمارها في مشاريع تنموية خضراء، أو توظيفها في خفض العبء الضريبي الإجمالي.

سوق عالمية للكربون

مع نهاية سنة 2017 كانت هناك 42 دولة و25 سلطة حكم إقليمي تقوم بتسعير الكربون. ومازالت سوق الكربون في الاتحاد الأوربي هي الأكبر حتى الآن، وإن كانت الصين بدأت بإطلاق ثماني مبادرات تجريبية تمهيداً لإنشاء نظام تجارة كربون على المستوى الوطني سيكون هو الأضخم عالمياً.

 والأمر لا يقتصر على الحكومات، إذ إن هناك أكثر من ألف شركة ومستثمر يؤيدون اعتماد سعر شامل للكربون. كما انضم نحو 80 من كبار المدراء التنفيذيين إلى مجموعة قادة المناخ في المنتدى الاقتصادي العالمي، في حين يواصل ائتلاف “قيادة تسعير الكربون” حشد تأييد قطاع الأعمال لجهوده، علماً أنه أصبح يضم حالياً 30 حكومة و180 شركة.

 وتقوم العديد من الشركات بتسعير الكربون عند إعداد حساباتها الداخلية، بما فيها نحو 1300 شركة تتعامل مع تغير المناخ كأحد المخاطر التي تهدد أعمالها. هذا الإجراء يساعد الشركات على وضع خططها المستقبلية وموازنة المخاطر المالية لاستثماراتها، حيث يُفترض بالشركات أن تعيد النظر في كلفة إنجاز الأعمال في ظل توجه العديد من السلطات نحو تسعير الكربون.

 إن انتهاء العمل ببروتوكول كيوتو المناخي في سنة 2020 يعتبر تاريخاً فارقاً، إذ سيكون اتفاق باريس هو الناظم لخطط تسعير الكربون الدولية بعد تلك السنة. لذلك فإن تفاصيل آلية تجارة الكربون العالمية مازالت قيد التفاوض، نتيجة اعتماد اتفاق باريس على مبدأ “المساهمات المحددة وطنياً” في خفض الانبعاثات.

 وفي حين كان بروتوكول كيوتو يتبنى دفع التعويضات للبلدان النامية مقابل الانبعاثات التي تطلقها الدول المتقدمة، فإن اتفاق باريس يوفر الفرصة لتوسيع نطاق أسواق الكربون وتعزيز تكاملها. ففي ظل الخطط القائمة حالياً، يمكن لشركات صناعة السيارات أن تختار مورّداً للصلب لا يخضع لضريبة الكربون، بينما سيؤدي ربط مختلف نظم تداول الكربون في سوق عالمية مشتركة إلى استقرار الأسعار وتقديم خيارات لتخفيض الانبعاثات تكون أكثر فعالية من حيث الكلفة.

 مواطن الضعف في تجارة الكربون

يُفترض بأسعار تصاريح الكربون أن تكون مرتفعة نسبياً من أجل دفع المنتجين للاستثمار في تقنيات أنظف. غير أن أسواق الكربون شهدت أسعاراً منخفضةً على مدى عدة سنوات. وفي مطلع سنة 2017، تراوح سعر طن ثاني أوكسيد الكربون بين أقل من دولار واحد في المكسيك وبولندا 126 دولاراً في السويد، في حين لايزال السعر السائد في أكثر الأسواق العالمية نحو 10 دولارات للطن الواحد. وهذا ما يدفع الخبراء والعديد من السياسيين، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمطالبة باعتماد حد أدنى يكون ملزما في تسعير الكربون دولياً.

 أظهر مسح غير رسمي جرى خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في دافوس أن غالبية المدراء التنفيذيين يرون أن تحديد سعر عادل لطن الكربون بنحو 20 دولاراً ضروري لإنجاز التحول الفعّال في الاستثمارات، واقترح أكثر من نصفهم أن يصل هذا السعر إلى 40 دولاراً بحلول 2025. وترى مؤسسات أكاديمية أن تحقيق هدف الإبقاء على زيادة درجة الحرارة العالمية في نطاق درجتين مئويتين يستلزم أن يصل سعر طن الكربون إلى ما بين 50 و100 دولار خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.

 إن الخطط السابقة لتجارة الكربون جعلت من الصعوبة بمكان وضع خطوط استرشادية للانبعاثات، كما أن التخصيص الحر لتصاريح الكربون أدى إلى زيادة العرض في الأسواق. ويمكن معالجة ذلك من خلال تشديد القيود بما يتماشى مع أهداف المناخ الحالية، والإلزام ببيع جميع التصاريح المتاحة من خلال المزادات العلنية.

 وفي حين لم تجر العادة على إدراج الطيران والشحن الدوليين ضمن خطط التجارة بالكربون، لكن الطيران المدني اتجه في سنة 2016 إلى إنشاء آلية قائمة على العرض والطلب للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وستدخل هذه الآلية حيز التنفيذ اعتباراً من سنة 2020.

 ويقول عبد الجليل إنه حتى الآن “لم ينجح المجتمع الدولي في خلق سوق عالمية للكربون تتحدد فيها الأسعار بموازين العرض والطلب، كما أن اتفاق باريس لتغير المناخ ترك الباب مفتوحاً أمام جميع الدول لاختيار ما يناسب ظروفها من إجراءات وسياسات للحد من الانبعاثات، مفضلاً فرض ضريبة الكربون عن الاتجار فيه. وإلى أن تتبلور الاجندة الدولية، ولا أرى ذلك في المستقبل القريب، فسيظل موقف الدول العربية متأرجحاً”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!