حوَّلت إيران مياهه وبنت عليه سدوداًفانحسر دفقه عن الأراضي الزراعية العراقية
كاظم المقدادي
لنهر دجلة ثلاثون رافداً دائماً وموسمياً تنبع من إيران، التي حولت مسارات معظمها إلى داخل أراضيها وبنت عليها سدوداً عديدة.
نهر الوند ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل العراق جنوب شرق مدينة خانقين، ويتجه شمالاً شاطراً المدينة إلى شطرين، قبل أن يلتقي نهر ديالى شمال مدينة جلولاء. ويبلغ طول الوند نحو 50 كيلومتراً، ويعتبر شريان الحياة لمدينة خانقين. فهو المصدر الرئيسي والحيوي للأنشطة الزراعية كافة، وتنبسط على طول ضفتيه الأراضي الزراعية الشهيرة بزراعة الشلب والرقي والبطيخ والخضرالأخرى، والبساتين الغنية بأشجار الحمضيات والنخيل والفواكه.
ويعاني نهر الوند من انخفاض مناسيبه، خصوصاً في فصل الصيف، بسبب تحكم الجانب الإيراني به، الأمر الذي يهدد الواقع الزراعي والاقتصادي والاجتماعي في قضاء خانقين بالخطر. وفي حين كانت مناسيبه عالية في ثمانينات القرن الماضي، ويصل دفقه في موسم الفيضان إلى 10 أمتار مكعبة في الثانية، تراجع حالياً إلى أقل من متر مكعب في الثانية قبل أن ينقطع. وقد شقت السلطات الإيرانية عام 1951 قناة لجر مياهه، من دون موافقة العراق أو استشارته، لري أراض زراعية محاذية للحدود العراقية. وتمكنت فعلاًً من إنجاز الجزء الأول من هـذه القناة، وتـلاه القسم الثاني بطول 11 كيلومتراً وعرض 6 أمتار وعمق 4 أمتار، وبهذا العمل استأثرت إيران بـ 60 في المئة من مياه النهر.
نضوب وتلوث وأمراض
كان نهر الوند يعج بالحياة وتعتمد عليه مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في ديالى، لكن نضوبه غير معالمها وجعل معظمها جرداء. وزاد الأمر سوءاً ارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار. وقال مدير عام مشاريع الري والبزل في وزارة الموارد المائية علي هاشم: «لقد استحوذت إيران على القسم الأكبر من مياه نهر الوند، خارقة بذلك جميع الاتفاقيات السياسية مع العراق حول البلدان المتشاطئة».
وأكدت الخبيرة في المعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي الدكتورة مها الزيدي أن «أكثر من 50 قرية و3000 دونم من بساتين مدينة خانقين منيت بأضرار كبيرة نتيجة لتجفيف النهر»، مضيفة أن البساتين معرضة لخطر الجفاف التام في الصيف.
المفارقة أن «ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي برر سياسـة قطع الأنهار المتدفقة من إيران نحو العراق. وقال عضو الائتلاف محمد سعدون الصيهود ان الأزمة المائية في جنوب العراق ليست بسبب قطع إيران للأنهر النابعة منها، وإنما بسبب جفاف الأنهر القادمة منها بفعل الحرارة ونقص المياه. لكن وزارة الموارد المائية اعتبرت أن إيران تستغل نهـر الوند بشكل يضر بالأراضي العراقية، وأكد الوزير مهند السعدي أن الوزارة ناقشت هذا الموضوع مع إيران عبر اللجان المشتركة.
وكان عدد من النواب أثاروا مسألة تلوث نهر الوند وما يترتب عليه من أضرار صحية واقتصادية على المواطنين الساكنين على ضفافه. وعلل عضو لجنة الصحة والبيئة النائب جواد البزوني أسباب التلوث باستخدام إيران الماء العذب في أراضيها بعدة مشاريع، فبات ما يرد منه مجرد مبازل مالحة لا تصلح حتى للاستهلاك الحيواني أو الزراعة، بالإضافة الى رميها مخلفات المصانع وتسليط المياه الثقيلة فيه. وطالب بتدخل الحكومة لمنع إيران من زيادة مشاريعها على هذا النهر.
هل تستخدم الورقة الاقتصادية؟
حذّر المركز العالمي للدراسات التنموية من كارثة بيئية كبيرة قد تحل في محافظات العراق الشرقية والجنوبية إذا ما استمرت إيران بالامتناع عن إطلاق مياه بعض الأنهار، ومنها نهر الوند الذي تمتنع عن إطلاق مياهه منذ أربع سنوات. وقال المركز في بيان له إن ذلك «تسبب في تدمير نحو 10 في المئة من الأراضي الخصبة، كما ساهم في هجرة أهالي العديد من القرى بسبب جفاف أراضيهم، وأدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل في العراق بنسب كبيرة وصلت في بعض السنوات إلى 80 في المئة مع تردّ كبير في جودتها».
وقد نفت وزارة الموارد المائية مؤخراً توصلها إلى حل مع الجانب الإيراني بشأن إطلاق مياه نهر الوند. وقال مدير عام مشاريع الري والبزل في الوزارة علي هاشم: «لقد أجرت الحكومة العراقية اجتماعات ولقاءات مع إيران بخصوص حصة العراق المائية، وخاصة موضوع نهر الوند الذي أقدمت على غلق سدودها المشيدة عليه، ما حجب المياه عنه»، مؤكداً أن «تلك اللقاءات وجميع مذكرات التفاهم لم ترتق إلى مستوى تحديد الحصة المائية لكل بلد في الأنهر المشتركة، حيث النقاش يدور فقط حول قضايا التنمية بين البلدين لا غيرها».
من جهته، أعلن وزير التجارة خيرالـله بابكر امتناعه عن توقيع اتفاقية تجارية مع نظيره الايراني لامتناع الطرف الايراني عن حل مشكلة نهر الوند والأنهر الأخرى، مؤكداً «نحن مستعدون لتوقيع هذه الاتفاقية بمجرد اطلاق مياه هذه الأنهر.
وانتقدت عضو لجنة الاقتصاد النيابية النائبة ناهدة الدايني موقف الحكومة ومجلس محافظة ديالى المتفرج، داعية إلى استخدام الورقة الاقتصادية للضغط على إيران بهذا الخصوص، باعتبار أن العراق هو السوق الرئيسي للمنتجات الايرانية. وطالبت بتحويل الملف الى الأمم المتحدة، مضيفة أن «قضية نهر الوند وصلت الى طريق مسدود، إذ تذرع الجانب الإيراني بعدم وجود اتفاقية سابقة تضمن للعراق حصة من مياهه، وهذا ما يتيح لهم إغلاق جميع منافذ النهر عن الأراضي العراقية».
حيال هذا يتساءل كثير من العراقيين: الى متى تسكت الحكومة على انتهاك حقوق العراق المائية؟
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد تشرين الأول/أكتوبر2012)