مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) السنوي الحادي عشر
تمويل التنمية المستدامة يتطلب سياسات ملائمة ومكافحة الفساد
آفاق بيئية / بيروت : محمد التفراوتي
نظم المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) مؤتمره السنوي الحادي عشر يومي 7 و 8 نونبر الجاري في بيروت، تحت برعاية الرئيس سعد الحريري الذي مثله رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، معلنا عن تقريره “تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية .
استهل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رئيس مجلس أمناء “أفد” رئيس الوزراء الأردني السابق الدكتور عدنان بدران، مذكرا بجهود الباحثين الذين تقدموا بأوراق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030 ومشيرا إلى أنه تم بحث أجندة التنمية المستدامة ضمن إطار أجندة أديس (Addis Agenda)، وتبلغ كلفتها التقديرية في جميع أنحاء العالم حوالي 5 – 7 تريلون دولار، وتحتاج المنطقة العربية إلى 230 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والفجوة التمويلية للدول العربية التي تعاني عجزاً مالياً تصل إلى تقدر حاجتها 100 مليار دولار. وهذا يتطلب تحويل جزء من تمويل المشاريع التقليدية إلى مشاريع التنمية المستدامة. وهذا يمكن تحقيقه إذا أنهينا الصراعات والحروب في المنطقة التي تجاوزت خسارة العرب فيها 900 مليار دولار منذ نشوبها عام 2011 ، مما يستوجب من الحكومات العربية إدارة الموارد البشرية والموارد المالية والموارد الطبيعية بكفاءة عالية، والقضاء على الترهل الحكومي والفساد وإنشاء شراكة بين القطاع العام والخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030. واحلال السلام من خلال الدبلوماسية النشطة لحل النزاعات القائمة في دول المنطقة وتحويل النفقات الباهظة لشراء الأسلحة إلى تمويل الاقتصاد الأخضر للتنمية المستدامة يفتح فرص عمل للحد من البطالة. كما يجب توجيه المساعدات الإنمائية والاستثمارات الخارجية وتبني سوق الكربون وإصدار السندات الخضراء وغيرها لتمويل أهداف التنمية المستدامة.
صعب: أكثر من 45 مليون نسمة في البلدان العربية يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صحية مأمونة
وأفاد عام “أفد” نجيب صعب أن تحقيق أهداف التنمية والانخراط في المساعي الدولية لرعاية البيئة ومواجهة آثار التغيّر المناخي تتطلب أولاً سياسات وخططاً ملائمة. لكن التنفيذ يستدعي، في نهاية المطاف، إيجاد مصادر التمويل المناسبة.
وأشار صعب أن المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” دعا في تقاريره وتوصياته إلى نموذج تنموي متجذر في اقتصاد أخضر، يقوم على إعطاء وزن متساوٍ للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. فتلبية هذه الأهداف الثلاثة يوفر أساساً سليماً لمعالجة نواقص الاقتصادات العربية، من تخفيف الفقر والبطالة، إلى تحقيق أمن غذائي ومائي وطاقوي، إلى توزيع أكثر عدالةً للمداخيل. إلى ذلك، يركز الاقتصاد الأخضر على الاستعمال والتوزيع العادلَين للأصول الطبيعية من أجل تنويع الاقتصاد، وهذا يوفر مناعة في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي.
وأضاف صعب أنه يمكن فهم التوترات العامة التي تسببها نماذج التنمية العربية الراهنة من خلال تفحص بعض المؤشرات. فالفقر يهيمن على مئة مليون نسمة في البلدان العربية. وانعدام الأمن الاقتصادي يتفاقم مع ارتفاع مقلق لمعدلات البطالة التي تجاوزت 15 في المئة من السكان، وهي تصل إلى 30 في المئة في صفوف الشباب. ولن تتمكن الاقتصادات العربية، وفق هيكليتها الحالية، من خلق 50 مليون وظيفة جديدة يُتوقع أن تكون مطلوبة بحلول سنة 2022.
وتساءل صعب عن أبرز التحديات البيئية في العالم العربي، وإمكانية تمويل البرامج الضرورية لمعالجتها ليجيب أن
الموارد المائية تواجه أزمة حادة في معظم البلدان العربية، مدفوعة غالباً بسياسات تشجع على الإفراط في الاستهلاك وتجيز المبالغة في استغلال الموارد المائية الشحيحة المتوافرة. و”في البلدان العربية اليوم أكثر من 45 مليون نسمة يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صحية مأمونة، وهم يمثلون نحو 10 في المئة من عدد السكان”.
ويشكل الأمن الغذائي تهديداً كبيراً آخر، يدفعه بشكل رئيسي إهمال القطاع الزراعي وتخلفه، الأمر الذي يؤدي إلى سوء الإنتاجية الزراعية وانخفاض كفاءة الري وتدهور الأراضي المنتجة. وقد بلغت الفجوة الغذائية العربية نحو 40 بليون دولار سنوياً، مع ازدياد الوضع سوءاً بسبب تأثيرات تغيّر المناخ والحروب والنزاعات.
ويفتقر نحو 60 مليون نسمة في البلدان العربية إلى خدمات طاقة حديثة، ما يحد من الفرص المتاحة لهم لتحسين مستويات معيشتهم. وتُعتبر اقتصادات عربية عدة من بين الأقل كفاية والأكثر تلويثاً حول العالم في مجالات الطاقة.
كما أن كل التمويل المطلوب ليس مبالغ إضافية جديدة. فقسم كبير منه يأتي من وضع حد للهدر وتحويل جزء من الالتزامات المالية التقليدية في الموازانات الحالية إلى مشاريع تدعم أهداف التنمية المستدامة. كما وجد التقرير أنه يمكن تمويل جزء كبير من احتياجات التنمية عن طريق مكافحة الفساد، الذي يحرم المنطقة العربية من نحو 100 بليون دولار سنوياً.
الراجحي: استراتيجية لتمويل التنمية المستدامة
وأشار توفيق الراجحي، وزير المشاريع الكبرى في تونس، إلى أن الدستور الجديد كرس الحق في البيئة السليمة. وأضاف أن تحديات التنفيذ فرضت وضع استراتيجية تمويل التنمية المستدامة في تونس، وذلك بتعزيز موارد صناديق الخزانة المخصصة للبيئة، مثل صندوق إزالة التلوث وصندوق التحول الطاقي، وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التعاون المالي الدولي.
السنيورة: إصلاحات تتلاءم مع المتغيرات
وقال الرئيس فؤاد السنيورة أن من ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة ، المتكاملة مع بعضها بعضاً، هناك ضرورة للإشارة إلى ثلاثة أهداف أساسية لكونها تشكل ثُلاثيةً أساسيةً في الكثير من المناطق في العالم، وخاصة في عالمنا العربي. وهي ثلاثية الطاقة والمياه والغِذاء. وهذه الثلاثية وفي كل مجالٍ منها تشكل بالنسبة للمنطقة العربية مصدراً من مصادر القلق الشديد على المستقبل لما تحمله معها من تحديات مترابطة ومتداخلة، وما تتضمنه وتتسبب به من مشكلات ومن تفاقم للاختلال الاستراتيجي القائم في المنطقة العربية ومن حولها في هذه الشؤون.
وتناول السنيورة إشكالية المياه، مذكرا أن المنطقة العربية تشكل بمساحة اليابسة فيها قرابة 10% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، وعدد السكان فيها يزيد قليلاً عن خمسة بالمائة من عدد سكان العالم ولكن هذه المنطقة تمتلك ما يقل عن 1% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم. غير أنّ ما يزيد هذه المشكلة تعقيداً وحدّة، أنّ ما يزيد عن 56% من مصادر تلك المياه العذبة تأتي من مصادر عابرة للحدود الدولية. وذلك ما يعطي صورةً قاتمةً عن طبيعة المشكلات التي تعيشها المنطقة العربية في هذا الصدد. وهذا ما يشكل أيضاً عقبةً كأداء في قدرة الدول العربية المعنية على بسط سلطتها والتحكم الحرّ في مصدر أساسي من مصادر الحياة بالنسبة للمواطنين والمقيمين في العديد من أقطار العالم العربي ولاسيما بالنسبة لدول مثل السودان ومصر والعراق وسوريا.
وعلى مستوى الغِذاء، قال السنيورة أن المنطقة العربية تعاني من مشكلة مستعصية، فهي ماتزال تُعتبر بين أكثر المناطق في العالم استيراداً للغذاء. وهذا العامل أيضاً يؤشر إلى حجم المشكلات التي تتناسل في هذا الخصوص لتضيف مزيداً من التعقيد والاستعصاء على الحال التي وصلت إليه المنطقة العربية على مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة. مشيرا إلى أن في بعض المناطق مثل السودان إمكانات زراعية هائلة ولكنها ماتزال كامنة وبحاجة إلى إنشاء بنى تحتية كبيرة وإلى تطوير وإجراء إصلاحات بنيوية عديدة، بما في ذلك في إدارة الموارد المائية المتاحة بشكل منظّم وكفء. وذلك ما تحتاجه أيضاً معظم بلدان العالم العربي لتجنب الهدر الكبير الحاصل في استخدام المياه، لتتم الاستفادة من كامل الفرص الكامنة. ” إنه وعند القيام بها، فإنّ ذلك ربما يسهم في تحقيق تقدم على مسار توفير كميات إضافية من الغذاء لذلك الكمّ الكبير والمتعاظم من الأفواه في العالم العربي والتي تنتظر أن يصار الى تلبية حاجاتها في العقد القادم”.
“جائزة العمر البيئية” إلى الحربش
وقدم نجيب صعب “جائزة العمر البيئية” إلى سليمان الحربش، مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) الذي تولّى قيادة الصندوق بين 2003 و2018، “تقديراً لعمله خلال 15 عاماً على إدخال البيئة والتنمية المستدامة في صلب اهتمام صندوق أوبك، وهو من قاد ادخال القضاء على فقر الطاقة كواحد من أهداف التنمية في الأمم المتحدة”. وأشار إلى أن “فترة رئاسة الحربش للصندوق تميزت بازدياد كبير في القروض والمنح التي تم منحها لمشاريع تتعلق بالبيئة والطاقة المتجددة على نحو خاص”.
وسبق أن منح “أفد” الجائزة سابقاً إلى العالم المصري الراحل محمد القصاص (2008) ورئيس المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، عبد الرحمن العوضي (2016).
وقال الحربش في كلمة بالمناسبة إن “الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة شرط مسبق وحيوي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإن حملتنا من أجل القضاء على فقر الطاقة هي من أهم إنجازاتنا، وهي سابقة لمبادرة الأمم المتحدة المتعلقة بالطاقة المستدامة للجميع”. مضيفا أن مكافحة فقر الطاقة تستند إلى استراتيجية ذات أركان ثلاثة هي حشد التأييد وتوسيع العمليات في الميدان والشراكات.
وقدم المؤتمر خلال يومه الأول عبر أربع جلسات نتائج تقرير “أفد” وناقش أبرز توصياته. وتناول ممثلو صناديق التنمية العربية والدولي سبل التعاون لتعبئة موارد إضافية تقود إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأكدوا على أن الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لا تتطلب كلها أموالاً جديدة، بل تعتمد بشكل كبير على تحويل وجهة التمويل من المشاريع التقليدية إلى أخرى تقوم على مبادئ الاستدامة. ودعت جلسة لتمويل الطاقة المستدامة إلى اعتماد أدوات جديدة مثل السندات الخضراء والصكوك، وشددت على أهمية استقطاب استثمارات القطاع الخاص في الطاقة المتجددة. وتحدث ممثلون عن قطاع الأعمال عن الفرص التجارية التي يوفرها التحول إلى التنمية المستدامة، شرط وجود الحوافز والتشريعات والقوانين الملائمة.
وعقدت منظمة التعاون الدولي والتنمية جلسة خاصة قدمت فيها تقريراً أعدته عن دور تمويل المشاريع والبرامج المتعلقة بتغيّر المناخ في دعم خطط التنمية المستدامة عامة.
و عقدت ثلاث جلسات خلال اليوم الثاني تناولت ربط النظم المالية مع أهداف التنمية المستدامة، وتمويل التنمية من خلال مكافحة الفساد. وعرض مجموعة من روّاد الأعمال الشباب عرضاً للاستراتيجيات التي يعتمدونها لتمويل مشاريعهم. وتخصص جلسة لطلاب “منتدى قادة المستقبل البيئيين”، يشارك فيها نحو 50 طالباً من جميع أنحاء العالم العربي.
يشار أن المؤتمر عرف مشاركة وزراء ونواب وديبلوماسيون ورؤساء منظمات معنية بالبيئة وصناديق تنمية إقليمية وعالمية، بينها البنك الدولي والاسكوا والفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق الكويتي. وضمت لائحة المتحدثين وزير الإصلاحات الكبرى التونسي توفيق الراجحي، ووزير الطاقة الأردني السابق خالد الإيراني ووزير البيئة الأردني السابق طارق الشخشير ونائب حاكم مصرف لبنان سعد عنداري وممثل البنك الدولي لدى منظمة التجارة العالمية في جنيف يوس فيربيك، والمبعوثة الخاصة لوزارة الخارجية الهولندية حول المياه والطاقة تيسا تيربسترا ومدير دائرة مكافحة الفساد في منظمة التعاون الدولي والتنمية باتريك موليت. ويشارك في المؤتمر 400 مندوب من 40 بلداً، يُمثّلون الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية والقطاع الخاص، إلى جانب 50 طالباً من الجامعات العربية.