التغلب على ايديولوجية إهمال المناخ

محمد التفراوتي26 فبراير 2019آخر تحديث :
التغلب على ايديولوجية إهمال المناخ

آفاق بيئية : أندرس فريمستاد / مارك بول

 لقد حققت الولايات المتحدة الامريكية قبل ثلاث سنوات علامة بارزة سلبية تتمثل في أول لاجئي المناخ فمع ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل سريع لتغرق بلدة جزيرة دي جان شارلز الصغيرة في ولاية لويزيانا ، اضطر افراد قبيلة بيلوكسي-تشيماشا-شوكتاو والذين كانوا يعتبرون تلك الجزيرة موطنا لهم الى مغادرتها وفي السنوات القادمة فإن مئات المجتمعات في طول الولايات المتحدة الأمريكية وعرضها ستلقى المصير نفسه وحتى لو توقفت انبعاثات غاز الدفيئة فورا.

على الرغم من إجماع العلماء على الاسباب والعواقب الوخيمة للإحتباس الحراري فإن صناع السياسات مستمرون في تجاهل التحذيرات المتعلقة بالازمة المناخية التي على وشك الحدوث فحتى قبل أن يسحب الرئيس الامريكي دونالد ترامب الولايات المتحدة الامريكية من معاهدة باريس للمناخ لسنة 2015 فإنها لم تبدأ بعد بعمل خفض كبير للانبعاثات والسبب كما يجادل نشطاء المناخ بشكل متزايد هو الرأسمالية أو بشكل اكثر تحديدا الايدولوجيه الليبرالية الجديدة والتي هيمنت على صنع السياسات الاقتصادية بالغرب لمدة 40 سنة على اقل تقدير .

وببنما تحتدم المناقشات المتعلقة بصفقة بيئية جديدة فإن من المهم جدا بالنسبة للعامة ان يدركوا الدور الذي لعبته الليبرالية الجديدة في تعطيل السياسات المتعلقة بالحد من الانبعاثات والتخلص التدريجي من الوقود الاحفوري وتبني تقنيات تتعلق بالطاقة المتجددة.

لقد حذر خبراء المناخ مرارا وتكرارا بإن ” الوضع القائم والعمل كالمعتاد” لن يجنبنا التغير المناخي ولكن بينما هذا الكلام صحيح فإن العبارة نفسها تتناقض مع هوس الليبراليين الجدد في تشكيل العمل والنشاط التجاري وكأن المواطنين هم فقط متفرجون على قوى اقتصادية اكبر وهي تقوم بتشكيل ذلك النشاط . ان الجميع لديهم دورا فاعلا في تشكيل الاقتصاد ولكن من اجل عمل ذلك يجب علينا الخلاص من القيود التي وضعها التفكير الليبرالي الجديد على مخيلة الناس.

لقد كانت وجهة النظر السائدة في العاصمة الامريكية واشنطن منذ سنة 1980 بإن على الحكومة ان تلعب دورا محدودا في الاقتصاد وطبقا للعبارة الشهيرة لعضو مجموعة الضغط المعادي لفرض الضرائب جروفر نوركويست ” انا لا اريد ان الغي الحكومة ولكني اريد ببساطة ان اقلصها لتصل الى الى الحجم الذي يمكني من سحبها الى الحمام واغراقها في حوض الاستحمام “.

إن السياسات التي جاءت نتيجة لتلك العقلية – عدم تمويل الاستثمارات العامة او خفضها وإزالة الاحكام والقواعد التي تنظم الاقتصاد والديمقراطية اللامركزية- قد منعت الولايات المتحدة الامريكية من تقليل اعتمادها على الوقود الاحفوري فلقد رفض صناع السياسات من كلا الحزبين الحث أو حتى التأييد الضمني للإستثمارات العامة في مصادر طاقة بديلة وبيئة تحتية خالية من الكربون.

إن الإعتقاد بإن الحكومة فقط هي التي تعيق الدينامية الاقتصادية يعتبر تحولا كبيرا عن وجهة النظر العالمية الكينزيه والتي هيمنت على عملية صنع السياسات من الاربعينات وحتى الستينات من القرن الماضي . ان السياسات التي تقوم على أساس الاعتقاد بإن الانفاق الحكومي على المنافع العامة يكمل القطاع الخاص بدلا من اخراجه من المنافسة ساعدت الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق نمو غير مسبوق في مرحلة ما بعد الحرب.

إن التدخلات الحكومية طبقا للنظام الاقتصادي الكينيزي تعتبر ضرورية من اجل حل مشاكل التنسيق وهذا بالضبط ما ينطبق على التغير المناخي ولكن للاسف فإن الانتعاش القصير للتفكير الكينيزي بعد الازمة المالية لسنة 2008 تم خنقه بسرعه بسبب سياسات التقشف في الغرب مما أحبط الجهود من اجل خفض انبعاثات غاز الدفيئة وذلك من خلال الاستثمارات العامة في النقل والاسكان العام البيئي والبحث والتنمية .

إن الركن الثاني من الليبرالية الجديدة وهو إزالة الاحكام والقواعد المنظمة قد ساهم كذلك في التغير المناخي فعندما نسعى للتراجع عن معايير كفاءة الطاقة والأحكام المنظمة لاستخراج الوقود الاحفوري فإن السياسيين يعشقون القول انهم فقط “يتخلصون من البيروقراطية ” ولكن في كثير من الاحيان فإن هولاء السياسيين انفسهم كانوا يتمتعون بعطايا الصناعة الهيدروكربونية.

للإسف وبينما زادت ازمة المناخ ،زادت كذلك الضغوطات من اجل ازالة القواعد والاحكام التي تنظم الوقود الاحفوري فعلى سبيل المثال في يناير نشرت مجموعة كبيرة من الاقتصاديين البارزين رسالة مفتوحة تدعو فيها الى ضريبة كربون متواضعه من اجل استبدال ” القواعد والاحكام المرهقة” علما ان تلك القواعد والاحكام نفسها قد أدت الى تخفيضات كبيرة في انبعاثات غاز الدفيئة في ولايات مثل كالفورنيا. إن القواعد والأحكام مسؤولة بشكل عام عن الانخفاض في الانبعاثات والذي تم تحقيقه على المستوى الفيدرالي وذلك من خلال برامج مثل معايير ملف الطاقة المتجددة ومعايير معدل استخدام الوقود بشكل اقتصادي لقطاع الشركات .

لو ارادت الولايات المتحدة الامريكية ان يكون لها فرصة للنجاح في تخفيض الانبعاثات طبقا لتوصية لجنة الحكومات الخاصة بالتغير المناخي فإنه يتوجب عليها ان تعتبر الاحكام والقواعد البيئية المناسبة كتكملة لاستثمارات عامة على نطاق واسع ولتسعير الكربون وليس بديلا عنها.

إن الطريقة الثالثة التي استخدمتها الليبرالية الجديدة في تقويض التعامل مع قضية المناخ هو نقل القرارات من المستوى الفيدرالي الى مستوى الولايات والمستوى المحلي وبينما السيطرة المحلية مفيدة في بعض مجالات السياسات ، إلا انها فاقمت من مأساة العامة فيما يتعلق بالتغير المناخي وفي الوقت الذي تعتبر الليبرالية الجديدة ان تسعير الكربون هو الحل للتغير المناخي ،فهي ترفض المركزية اللازمة وذلك من اجل إنجاح تلك السياسة.

في واقع الأمر فإن إمكانية ان تطبق جميع الولايات الامريكية تسعيرة للكربون هي امكانية شبه معدومة فصناعة الوقود الاحفوري وجماعات الضغط التي تعمل لصالحها قد عملت طويلا على تحريض الولايات الامريكية –بالاضافة الى نقابات العمال – ضد بعضها البعض من خلال الوعد بخلق فرص عمل محلية في استخراج الوقود الاحفوري . لقد شنت صناعة الوقود الاحفوري كذلك حملات عدائية ضد مبادرات الاقتراع البيئية على مستوى الولاية وعلى المستوى المحلي وهي مستويات تستطيع بسهولة من خلالها الانفاق بشكل اكبر من الجهات المنافسة.

طالما بقي صناع السياسات مقيدون بالايدولوجية الليبرالية الجديدة ، فإنه لن يحصل اي تقدم ذو معنى تجاه التعامل مع التغير المناخي ولقد ظهر ذلك جليا في المواجهة المسجلة بين عضوة مجلس الشيوخ الامريكي دايان فاينشتاين ومجموعة من نشطاء المناخ الشباب حيث تبنت دايان اسلوبا متعاليا وعدائيا ولكن لحسن الحظ فإن الدعم الكبير على المستوى الشعبي “للصفقة البيئية الجديدة” يظن ان  الناخبين لا يؤيدون هذه الايدولوجية.

لكن من اجل تحقيق هدف الصفقة الجديدة الخضراء وهو صافي تعادل الاثر الكربوني خلال عشر سنوات فإن هذا لا يتطلب وضع سياسة لسعر الكربون والعائد فحسب ولكن ايضا استثمارات عامة واسعة النطاق والاحكام والقواعد المكملة ومعا فإن تلك الاجراءات يمكن ان تحشد القدرات الانتاجية الكامنة في امريكا بطرق لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية وبدونها فإن الجهود العالمية للتعامل مع التغير المناخي لن تحظى بأي فرصة للنجاح.

======================

 = أندرس فريمستاد هو أستاذ مساعد للاقتصاد في جامعة ولاية كولورادو.

= مارك بول هو أستاذ مساعد للاقتصاد في كلية نيو فلوريدا في فلوريدا ، وهو زميل في معهد روزفلت ، ومؤلف تقرير معهد روزفلت “لا تخف على الروبوتات”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!