ركيزة مرجعية عالمية في مجال رفع التحديات الطاقية
آفاق بيئية : حسن هرماس (ومع)
ما فتئ “المشروع المغربي للطاقة الشمسية” يثير اهتماما متزايدا من طرف الدول والمنظمات الدولية وكبريات المقاولات المتخصصة في مجال الطاقة على الصعيد العالمي، وذلك منذ الإعلان عن هذا المشروع في 2 نونبر من سنة 2009 في مدينة ورزازت خلال حفل ترأسه جلالة الملك محمد السادس.
ولم ينحصر هذا الاهتمام في حدود المنافسة الحادة التي تجري بين التكتلات الاقتصادية العالمية للفوز بصفقات إنجاز هذا المشروع العملاق الذي سيكلف استثمارا ماليا كبيرا تصل قيمته 9 مليارات دولار،بل تعداه ليشمل جوانب أخرى من ضمنها ما يتعلق بالوقع الإيجابي للمشروع على التخفيض من مستوى الانبعاثات الغازية،وتقليص التبعية الطاقية للخارج، والتخفيض من الاعتماد على مصادر الطاقة ذات الأصل الأحفوري، وتطوير البحث العلمي، وخلق فرص للشغل.
ومن الأكيد أن الجدية ووتيرة العمل التي يواكب بها المغرب مختلف مراحل إنجاز هذا المشروع الضخم، أكسبت هذا الأخير مصداقية متزايدة لدى الأوساط العالمية المهتمة بالطاقات النظيفة، وكذا لدى الأطراف الممولة وفي مقدمتها البنك العالمي الذي أعلن في شهر دجنبر 2009، أنه بصدد دراسة أنماط التمويل الممكنة للمشروع المغربي للطاقة الشمسية، كما اعتبر البنك العالمي هذا المشروع “جد طموح بمقدوره تحقيق أهداف السياسة الطاقية التي يتبناها البنك، إلى جانب اضطلاعه بدور محرك للنمو ومساهمته في التنمية الصناعية وإحداث مناصب شغل”.
وتتجلى هذه الجدية لدى المغرب في الإجراءات المتتالية التي تم اتخاذها من أجل توفير إطارات مؤسساتية وقانونية وتشريعية قصد الإسراع بتنفيذ أولى المحطات المبرمجة في إطار هذا المشروع، والمتمثلة في مركب ورزازات الذي سينتج 500 ميغاواط من الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية،حيث تم إصدار القانون 13-09 الذي يهم الطاقات المتجددة والقانون المتعلق بالنجاعة الطاقية وقانون إنشاء وكالة مغربية للطاقة الشمسية.
وفي السياق ذاته،أحدث صندوق تنمية الطاقة، وتأسس معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، كما تأسست الوكالة المغربية للطاقة الشمسية،وتم إخراج مشروع الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية إلى حيز الوجود، وغيرها من الإجراءات العملية الأخرى.
وأكد السيد عبد العزيز بنونة، الخبير المغربي في الطاقات المتجددة، أن “المشروع المغربي للطاقة الشمسية”، الذي أعطى انطلاقته جلالة الملك محمد السادس في نونبر 2009 بورزازات، يعتبر “النموذج الأمثل” لما يجب أن تكون عليه جميع المشاريع المتعلقة بالطاقات المتجددة عموما، وليس الطاقة الشمسية لوحدها.
وأوضح السيد بنونة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش مشاركته في أشغال الندوة الدولية حول الطاقات المتجددة التي تحتضنها مدينة ورزازات حاليا، أن المشروع المغربي يمثل الطريقة النموذجية لتطوير الطاقة المتجددة، لأنه لم ينطلق من البعد الاقتصادي، ولكنه تأسس على منطلق مبدئي يتمثل في أن الطاقة الشمسية يجب أن يكون لها دور محدد.
وأضاف السيد بنونة، المنسق السابق لوحدة تكنولوجيا واقتصاد الطاقات المتجددة? التابعة للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، أنه بعدما تم الأخذ بعين الاعتبار للبعد الطاقي للمشروع المغربي، جاء القرار السياسي، ثم الإجراءات المتعلقة بالمردودية الاقتصادية لهذا المشروع الذي تشرف عليه “الوكالة المغربية للطاقة الشمسية” المعروفة اختصارا باسم “مازن”.
ولاحظ السيد بنونة، وهو أيضا عضو مؤسس للهيئة المتوسطية للتعاون في مجال الطاقة المتجددة? أن من بين المشاكل المرتبطة بمجال الطاقة على الصعيد العالمي، هي كون القرارات الطاقية يحظى فيها المنطلق الاقتصادي بالأولوية على حساب الاعتبارات الأخرى، مؤكدا أن الواقع يفرض الاهتمام بالبعد الطاقي في المقام الأول، وذلك على اعتبار أن هناك مبادئ طبيعية هي التي يجب أن تحدد مجال التحرك حينما يتعلق الأمر باستغلال الموارد الطاقية.
وأعرب عن اعتقاده بأن “المبادئ الطاقية لا تخضع لحكم السياسة، ولا للأحكام الاقتصادية”، حيث لاحظ أن المشاريع المرتبطة بمجال الطاقة تستوجب التوفر على صاحب القرار السياسي الذي يعي المبادئ الطاقية، ليأتي بعد ذلك القرار الاقتصادي الذي يبقى مرتبطا بالقرار التقني.
وأشار إلى أن المشروع المغربي للطاقة الشمسية، سار على هذا المنوال ومن تم فهو يعتبر”الطريقة المثلى التي يجب الاقتداء بها، ليس فقط في مجال الطاقة الشمسية، ولكن في مجال المشاريع الطاقية بشكل عام”.
وبخصوص الكفاءات البشرية الضرورية لمواكبة تنفيذ “المشروع المغربي للطاقة الشمسية”، الذي يشمل إنشاء خمس محطات (ورزازات وعين بني مطهر وفم الواد وبوجدور وسبخت الطاح) لإنتاج 2000 ميغاواط من الكهرباء في أفق سنة 2020، قال السيد بنونة، إن هذا الجانب لا يطرح أي إشكال يذكر، وذلك على اعتبار أن تكوين مهندسين أكفاء لا يتطلب سوى 3 إلى 6 سنوات على أكثر تقدير، مسجلا أن فترة إنجاز المشروع توفر للمغرب إمكانية إعداد ما يكفي من الأطر المؤهلة بكل عقلانية لمواكبة هذا المشروع في الوقت المطلوب.
وأكد السيد بنونة أن المغرب قادر، في المستقبل، على تصدير الطاقة النظيفة قبل تحقيق اكتفاءه الذاتي منها، وذلك لأسباب تقنية تتعلق باستقرار الشبكة، من قبيل الاحتفاظ بالتوربينات الغازية لفترة زمنية تتراوح بين 15 إلى 20 سنة، وذلك في الوقت الذي يمكن للمغرب أن يتوفر لديه فائض من الطاقة الشمسية والطاقة الريحية.
وارتباطا بموضوع تصدير المغرب للطاقة النظيفة، أشار إلى أن الحل الأمثل في مجال الطاقات المتجددة بالنسبة لأوروبا في علاقتها بشمال إفريقيا ككل، وليس بالمغرب وحده، هو السير في اتجاه خلق علاقة تكاملية، وذلك اعتبارا لكون الطلب على الطاقة في أوروبا لا يمكن تغطيته باستعمال الطاقات المتجددة.
وعلاوة على ذلك، فإن تكاليف إنتاج الطاقات المتجددة في أوروبا لا يمكن أن تقارب تكلفة إنتاجها في المغرب، فضلا عن كون أوروبا من مصلحتها الاقتصادية استيراد الطاقة النظيفة من المغرب، لأن هذا الإجراء من شأنه أن يدفع بالمغرب إلى استيراد منتجات أوروبية أخرى، ما سينعكس بشكل إيجابي على تطور اقتصاد الطرفين معا.
وفيما يتعلق بالإقبال المتزايد على استعمال الطاقات المتجددة وانعكاسه على أسعار الطاقة ذات الأصل الأحفوري، قال السيد بنونة إن الانخفاض يمكن أن يشمل الأرباح التي يكسبها بائعو المواد الطاقية ذات الأصل الأحفوري لكونها حاليا أرباحا مرتفعة، مضيفا أنه بقدر ما ترتفع حدة منافسة الطاقة المتأتية من مصادر متجددة، بقدر ما يمكن من ينخفض سعر تسويق الطاقة ذات المصدر الأحفوري.
ومقابل ذلك، فإن تكلفة إنتاج الطاقة ذات المصدر الأحفوري ـ يقول السيد بنونة ـ ستواصل ارتفاعها بسبب توفر مصادر ذات جودة متدنية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب استهلاك الموارد الأحفورية سهلة الاستخراج، واللجوء المتواصل إلى استغلال الموارد الصعبة الاستخراج، وهو ما يتطلب توفير موارد مالية متزايدة تؤدي حتما إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج.