المنتدى العربي في بيروت منصة إستراتيجية لتمويل الطبيعة وتعزيز الصمود المناخي

محمد التفراوتيمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
المنتدى العربي في بيروت منصة إستراتيجية لتمويل الطبيعة وتعزيز الصمود المناخي

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

انعقد في مقر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” ببيروت المنتدى العربي متعدد الشركاء حول تمويل التنوع البيولوجي من أجل تعزيز الصمود المناخي، في أجواء رسمية جسدت الأهمية المتزايدة للموضوع المطروح، حيث حضر ممثلون عن منظمات دولية وخبراء من مختلف القطاعات البيئية والتنموية، ليؤكدوا التزامهم بمسار مشترك يعزز التكامل بين الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر. المنتدى جاء ثمرة لمسار أطلق عام 2023 بدعم من حكومة السويد، حين شكلت المنصة العربية المتعددة الشركاء لحماية التنوع البيولوجي كفضاء للتعاون الإقليمي، انبثقت عنه مجموعات عمل ركزت على ثلاثة محاور أساسية هي الحلول القائمة على الطبيعة للصمود في وجه تغير المناخ، وتدهور الأراضي في النظم الزراعية القاحلة، إضافة إلى الطاقة المتجددة والتنوع البيولوجي، وقد انخرطت في هذه المجموعات عشرات المؤسسات الأكاديمية والبحثية والمجتمعية عبر المنطقة العربية.

تمويل الطبيعة: ركيزة الصمود والاستقرار في العالم العربي

في كلمتها الافتتاحية، أكدت الدكتورة رولا دشتي، الأمينة التنفيذية للإسكوا، أن هذا المنتدى يمثل ثمرة مسار تراكمي بادرت إليه الإسكوا بدعم من حكومة السويد، وبمشاركة واسعة شملت أكثر من أربعين منظمة من عشر دول عربية، ضمن رؤية تسعى إلى جعل الاستثمار في التنوع البيولوجي أداة للتنمية المستدامة والصمود المناخي. وشددت على أن “اللاعمل ليس خيارا”، في ظل تصاعد ضغوط التدهور البيئي والتصحر وفقدان النظم الإيكولوجية، داعية إلى تحويل الأصول الطبيعية إلى فرص استثمارية عبر شراكات مبتكرة وآليات تمويل متقدمة.
أما وزيرة البيئة اللبنانية تمارا الزين، فقد أرسلت رسالة سياسية قوية، مؤكدة أن المنطقة العربية تقف على “بركان قابل للانفجار” نتيجة فقدان التنوع البيولوجي وضغوط التغير المناخي. وأبرزت أن الحل يكمن في التخطيط والعمل المشترك العابر للقطاعات والحدود، معتبرة أن التجربة التي نسقتها الإسكوا عبر ثلاثة فرق عمل إقليمية خلال العامين الماضيين برهنت على إمكانية بناء حلول جماعية تعكس الأولويات المحلية في إطار عالمي. واعتبرت الزين أن تمويل التنوع البيولوجي ليس ترفا، بل ركيزة أساسية لضمان الأمن الغذائي والسلام والازدهار المستدام.


كما ألقت كارلا خاطر، مديرة مركز الاستشعار عن بعد في المجلس الوطني للبحوث العلمية، كلمة باسم الوزيرة الزين، أوضحت فيها أن التحديات التي تواجه المنطقة متشابهة وتشمل النزاعات والجفاف والتلوث والنزوح، مؤكدة أن هذا المنتدى يشكل تحولا نحو “تصميم الحلول معا بدل مواجهة الأزمات بشكل منفرد”. وبينت أن مواءمة تدفقات التمويل الوطنية والدولية وتخفيض المخاطر المرتبطة بالاستثمارات القائمة على الطبيعة من شأنها أن تمكن من الانتقال من حالة الأزمة إلى مرحلة التعافي وإعادة البناء.
كما تناولت الكلمات الافتتاحية مداخلات لسفراء كولومبيا والبرازيل في لبنان، اللذين شددا على الطابع الكوني للتنوع البيولوجي، مؤكدين التزام بلديهما بتعزيز التعاون جنوب-جنوب في هذا المجال. بدوره، أكد محمود فتح الله، رئيس أمانة مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، أن العمل العربي المشترك يجب أن يكون مرتكزا على العلم والتمويل المبتكر، مع إعطاء الأولوية لمواءمة اتفاقيات ريو وتعبئة الموارد لمواجهة التدهور البيئي.

و القى الدكتور محمود فتح الله، مدير إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية بجامعة الدول العربية، كلمة مهمة مؤكدا على أهمية التنوع البيولوجي كحجر زاوية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بتغير المناخ، تدهور الأراضي، وشح المياه، وارتباط ذلك بالأمن الغذائي.

و أشار الدكتور فتح الله إلى ضعف حصة الدول العربية في الحصول على التمويل الدولي، وصعوبة إعداد مشاريع قابلة للتمويل، مما دفع جامعة الدول العربية إلى التعاون مع الإسكوا لمعالجة هذه القضية من خلال مبادرات مثل استراتيجية الدول العربية للحصول على تمويل العمل المناخي وتعبئته 2030، والمبادرة العربية لحشد التمويل المناخي من أجل المياه. كما نوه إلى أن المنتدى يعد منصة رائدة لتبادل الخبرات وصياغة مقترحات مشاريع عملية في مجالات حيوية مثل استعادة الأراضي المتدهورة، وحماية النظم الإيكولوجية الهشة، وتطوير الطاقة المتجددة المتوافقة مع الحفاظ على التنوع البيولوجي. وأكد على أن التمويل هو وسيلة لتمكين المجتمعات من حماية مواردها الطبيعية وتعزيز صمودها في مواجهة الأزمات، وفتح آفاق جديدة للتنمية الخضراء.

و شكر الدكتور فتح الله الشركاء الدوليين ومنظمة الإسكوا على تنظيم هذا المنتدى، معربا عن أمله في خروج المنتدى بنتائج ملموسة ووضع خارطة طريق واضحة تعزز التكامل العربي وتدعم الجهود الدولية لحماية التنوع البيولوجي.
واختتمت الجلسة بتقديم سارة دانيال، مساعدة الشؤون الاقتصادية في الإسكوا، عرضا حول المنصة متعددة الشركاء لحماية التنوع البيولوجي، أوضحت فيه أن هذه المبادرة تستند إلى التعاون بين مؤسسات حكومية وإقليمية ودولية ومجتمع مدني وقطاع خاص، بما يحول المنتدى من مجرد ورشة تقنية إلى خارطة طريق إقليمية متكاملة.
وهكذا جاءت الجلسة الافتتاحية بمثابة إعلان واضح أن مستقبل المنطقة العربية يتوقف على قدرتها على بناء شراكات تمويلية مبتكرة تعيد للتنوع البيولوجي مكانته كقاعدة أساسية للصمود المناخي والتنمية المستدامة.
يمكن القول إن الجلسات الافتتاحية لم تكن مجرد كلمات بروتوكولية، بل شكلت مدخلا غنيا للنقاش والتحليل، حيث عكست تنوع المقاربات وتلاقيها حول ضرورة وضع خطط عملية ومتكاملة لحماية التنوع البيولوجي ومكافحة التدهور البيئي. وبدت القناعة مشتركة بأن المنتدى يشكل فرصة تاريخية لإعادة ترتيب الأولويات، وتأسيس شراكات جديدة، ووضع أسس عملية لتحويل الالتزامات إلى أفعال ملموسة تعود بالنفع على الأجيال الحالية والمستقبلية.

بعد الكلمات الافتتاحية، شرع المشاركون في نقاش موسع عكس عمق التحديات المطروحة. فقد تمت الإشارة إلى أن المنطقة العربية تعيش اليوم ضغوطا متزايدة بفعل التغيرات المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة وتواتر موجات الجفاف، إلى تراجع الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية. وأوضح المتدخلون أن هذه التحديات البيئية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات المحلية، حيث يتعرض المزارعون لفقدان أراضيهم، وتزداد المخاطر على سبل العيش التقليدية، وتتفاقم الهجرة القسرية، ما يجعل من قضية التنوع البيولوجي مسألة إنسانية واجتماعية بالدرجة الأولى.

البعد الإعلامي والتواصلي كان حاضرا أيضا في النقاش، إذ اعتبر الخبراء أن تعزيز الوعي العام بقيمة التنوع البيولوجي يمثل مدخلا أساسيا لإنجاح أي استراتيجية. فبدون مشاركة المواطن وإحساسه بأن الحفاظ على البيئة يصب في مصلحته المباشرة، تبقى الجهود ناقصة. من هنا جاء التأكيد على أهمية العمل مع وسائل الإعلام، والاعتماد على الأدوات الرقمية، واستثمار قوة السرد القصصي في تقريب المفاهيم البيئية إلى الناس.
الطابع التحليلي للمنتدى تجلى كذلك في النقاش حول موقع المنطقة العربية في السياق العالمي، حيث أشار المتدخلون إلى أن التحديات البيئية لا تعترف بالحدود، وأن غياب التنسيق الإقليمي يجعل من الصعب تحقيق إنجازات ملموسة. ودعا المشاركون إلى اعتماد رؤية عربية مشتركة تعكس الأولويات الوطنية، وفي الوقت ذاته تنسجم مع الالتزامات الدولية، بما يتيح تعزيز صوت المنطقة في المفاوضات العالمية.

بعد الكلمات الافتتاحية، شرع المشاركون في نقاش موسع عكس عمق التحديات المطروحة. فقد تمت الإشارة إلى أن المنطقة العربية تعيش اليوم ضغوطا متزايدة بفعل التغيرات المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة وتواتر موجات الجفاف، إلى تراجع الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية. وأوضح المتدخلون أن هذه التحديات البيئية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات المحلية، حيث يتعرض المزارعون لفقدان أراضيهم، وتزداد المخاطر على سبل العيش التقليدية، وتتفاقم الهجرة القسرية، ما يجعل من قضية التنوع البيولوجي مسألة إنسانية واجتماعية بالدرجة الأولى.

وتوالت النقاشات تمحورت حول الانتقال من التعهدات النظرية إلى برامج عملية ذات أثر مباشر. زياد خياط من الإسكوا شدد على أن المنطقة تحتاج إلى ربط الالتزامات بخطط تنفيذية واضحة، فيما أوضح “ييبين شيانغ” من أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي أن التمويل المبتكر وربط الموارد بالنتائج البيئية يشكلان مدخلا أساسيا لدعم الدول النامية. وأكد محمود فتح الله أن التحديات في المنطقة متشابكة ومترابطة بين شح المياه وفقدان التنوع البيولوجي والتصحر، الأمر الذي يستدعي مبادرات إقليمية منسقة بدل المقاربات المجزأة.
وتحدث المشاركون خلال أشغال الملتقى أن القضايا البيئية لم تعد ملفات قطاعية محدودة، بل تحولت إلى رهانات سياسية واستراتيجية تمس الأمن الغذائي والمائي والقدرة على الصمود. كما أكدوا أن الفجوة بين الطموحات والواقع تظل قائمة، خاصة في ما يتعلق بحشد الموارد والتمويل، وأن تجاوزها يقتضي اعتماد مقاربة شمولية تتجاوز الحلول الجزئية وتؤسس لرؤية متكاملة تدعم التكامل بين اتفاقيات ريو وتمنح الأولوية لبناء تحالفات إقليمية قادرة على ترجمة الرسائل السياسية إلى مسارات عملية تخدم الإنسان والبيئة معا.

منصات الشراكة الإقليمية: من التنسيق إلى التنفيذ المشترك

و خلال الجلسات نقاشية الأخرى المختلفة من حيث زاوية المقاربة وفق محاور منهجية ودقيقة بسط المتدخلون من خلالها مختلف الأفكار والتصورات و التشخيصات والتجارب في إيقاع علمي عالي ومن زوايا مختلفة، وتفاعل علمي ساهم في تنشيطه خبراء…( الإسكوا) وفعاليات متخصصة و مؤسسات قطاعية معنية و مجتمع مدني ومنظمة دولية و مؤسسات مانحة، واعلام..،  تفاعل أهل من التقائية الأفكار و من استخلاص رؤى حددت معالم الطريق و رسمت الآفاق ووجهت الاختلالات و صقلت و وجهت المشاريع المعروضة كي تبدو مقنعة لمعايير التمويل من الجهات المانحة وكذا القطاع الخاص…

من استعادة الغابات إلى بناء مجتمعات صامدة، الطبيعة تعود إلى الواجهة كحليف أول للصمود.

و تناول المشاركون من ضمن العروض المقدمة مجال الحلول المبنية على الطبيعة والتنوع البيولوجي، إذ سعى المتدخلون إلى إبراز العلاقة الوثيقة بين التحديين العالميين المزدوجين. التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي. وقد أشير إلى أن المنطقة العربية من بين أكثر الأقاليم هشاشة أمام هذه الظواهر، حيث تشهد معدلات احترار تفوق المتوسط العالمي، إلى جانب تسارع وتيرة تدهور النظم البيئية. وفي هذا السياق، طرحت الحلول المبنية على الطبيعة كخيار إستراتيجي يجمع بين التخفيف والتكيف المناخي من جهة، وحماية واستعادة التنوع البيولوجي من جهة أخرى.
تم التأكيد على أن هذه الحلول، بما تحمله من مقومات طبيعية، تشمل الإدارة المستدامة، الحماية، الترميم وإعادة التأهيل، ويمكن أن توفر إجابات ملموسة للتحديات الاجتماعية والبيئية. وقدمت أمثلة متعددة مثل استعادة “المانغروف”، حماية الغابات، وإدماج الطبيعة في المدن عبر بنية تحتية خضراء، مما يعزز صمود المجتمعات ومرونتها. كما أبرز أن الحلول المبنية على الطبيعة قادرة على الإسهام بما يقارب 37 غي المائة من جهود خفض الانبعاثات الكربونية المطلوبة بحلول 2030، فضلا عن دورها في تنظيم المياه، منع التعرية، وتوفير الأمن الغذائي.
لكن النقاش لم يخل من إبراز التحديات المؤسسية والفكرية. إذ لا يزال الغموض قائما حول تعريف موحد ومعايير دقيقة لما يمكن اعتباره حلا مبنيا على الطبيعة، إلى جانب غياب الأطر التشريعية اللازمة لإدماج هذه الحلول في السياسات الوطنية. كما برزت فجوة واضحة في التمويل، إذ إن الاحتياجات المقدرة حتى 2030 تبلغ نحو 200 مليار دولار، فيما لم يتحقق حتى الآن سوى جزء ضئيل من هذا المبلغ. وأشار الخبراء كذلك إلى نقص المعطيات العلمية والاقتصادية الضرورية لتقييم الخدمات البيئية ومردودها.

تجارب عربية وإقليمية ملهمة من المغرب والإمارات والعراق واليمن

وعرضت الجلسات دروسا من تجارب إقليمية لافتة. فمشروع استعادة “المانغروف” في الإمارات مثل نموذجا ناجحا للتنمية المستدامة، فيما أظهرت دراسات “الإسكوا” أولويات للتدخل في مناطق حساسة من قبيل الغابات الجبلية في الأطلس بالمغرب، السواحل المتوسطية في الجزائر ولبنان، السهول الجنوبية في العراق لمكافحة العواصف الرملية، والغابات العمانية واليمنية. هذه التجارب أبرزت إمكانية توظيف المعرفة التقليدية إلى جانب البحث العلمي لتصميم حلول سياقية وفعالة.
كما تناولت النقاشات مسألة إدماج الحلول المبنية على الطبيعة في الاستراتيجيات الوطنية. فقد أشارت غالبية الدول العربية إليها في مساهماتها المحددة وطنيا (NDCs)، لكن بمستويات متفاوتة، إذ ركز بعضها على التكيف مثل لبنان، فيما دمجت دول أخرى مثل الإمارات والأردن بين التخفيف والتكيف. أما في خطط التنوع البيولوجي (NBSAPs) وخطط التكيف الوطنية (NAPs)، فالإدماج لا يزال محدودا وغالبا في شكل أهداف عامة غير مصحوبة بآليات تنفيذية واضحة.

وقدم المشاركون توصيات أساسية، أبرزها تكامل السياسات الوطنية بدل إعدادها في عزلة، الانتقال من الأهداف العامة إلى خطط عملية محددة بميزانيات وجداول زمنية، و تطوير آليات تمويل مبتكرة، مع تعزيز البحث والمعرفة العلمية، وأخيرا ضمان إشراك المجتمعات المحلية والاستفادة من معارفها التقليدية في تعزيز صمود النظم البيئية.

تمويل غير كاف، معايير غير موحدة، ونقص في البيانات… أبرز العراقيل أمام تحول بيئي فعال.

و ناقش المشاركون في الجلسات عدة محاور تتعلق بالتمويل المستدام للمناطق الجافة والحلول المبنية على الطبيعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تم التركيز على طبيعة هذه البيئات الفريدة وضرورة تطوير آليات تمويلية ملائمة، إذ أن بعض النماذج المستخدمة في الغابات المطيرة، مثل (REDD Plus)، قد لا تكون مناسبة للنظم البيئية ذات النمو البطيء والكتلة الحيوية المحدودة. وأكد المتحدثون أن هناك تقريرا قيد الإعداد مع إحدى وكالات الأمم المتحدة حول الحلول المبنية على الطبيعة في المنطقة، ويتوقع إطلاقه خلال مؤتمر COP 30، بما يوفر فرصة للتعرف على أفضل الممارسات والتجارب.
كما تطرقت الجلسة إلى جهود البنوك التنموية متعددة الأطراف لتطوير منهجية تمويل طبيعية، بما يشمل فهم الفروق بين التمويل الإيجابي للطبيعة وبين إدماج الطبيعة في السياسات العامة. وبين المتحدثون أن البنوك تعمل على توجيه التمويل لدعم أهداف التنمية المستدامة، مع الالتزام باتفاق باريس، حيث تم تخصيص نسب كبيرة من التمويل للتكيف مع المناخ مقارنة بخفض الانبعاثات، بما يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم الطبيعة. وقدمت أمثلة عملية تشمل نشر أنظمة الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الحيوي، ومشاريع لرصد خصوبة التربة لتحديد الأراضي الملائمة للزراعة أو إعادة التشجير.

وأشار المشاركون إلى حجم التمويل الدولي الكبير المخصص لقضايا المناخ والبيئة، حيث بلغ 137 مليار دولار في أحدث التقارير، مع تخصيص جزء لدعم أهداف مكافحة التصحر والجفاف، كما تم استعراض مبادرات تمويل مبتكرة مثل الصكوك الخضراء والصكوك المستدامة الإسلامية، إلى جانب برامج مقترحة بالتعاون مع الصندوق الأخضر للمناخ لتعزيز مقاومة الجفاف.

ولفتت الجلسة الانتباه إلى الدور الريادي الذي تقوم به بعض دول المنطقة، مثل مصر والإمارات والسعودية، في استضافة مؤتمرات المناخ والمبادرات البيئية الكبرى، بما فيها مبادرة الري للمناظر الطبيعية ومشروع شراكة الجفاف العالمي، الذي يهدف لدعم أكثر من 75 دولة معرضة للجفاف. كما شدد المشاركون على ضرورة تعزيز التكامل بين الاتفاقيات الثلاث لريو، أي التنوع البيولوجي، المناخ والتصحر، لتحقيق نتائج مستدامة.

و قدمت سيدة من الصندوق العالمي للبيئة GEF، فيما يخص الحلول الحضرية، أمثلة على مشاريع مستدامة في المدن، شملت مراكش التي استفادت من برنامج مشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لبناء القدرة على الصمود وتنويع مصادر العيش بعد الزلزال الذي تعرضت له المدينة عام 2023، باستخدام أدوات رقمية لرصد وتوسيع المساحات الخضراء وضمان مشاركة المجتمع المحلي. كما تم استعراض تجارب عالمية أخرى، منها إنشاء ممرات خضراء في مدينة آسرة في أوروبا لربط المحميات الطبيعية بالمساحات الحضرية، ومشروع في “تشيناي” بالهند لاستعادة مناطق هامة للطيور المهاجرة وتحويلها إلى مساحات ترفيهية للمجتمعات المحلية، مما عزز التوعية والإعلام المحلي.

المجتمعات في قلب الحلول: إشراك المحليين من أجل بيئة مستدامة

و تدارس المشاركون كذلك أهمية إشراك الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في مبادرات التمويل المشترك للحلول المبنية على الطبيعة، مستشهدين بصندوق كولومبيا كأداة تمويلية كبيرة يمكن أن تدعم مشاريع متعددة الأطراف في المنطقة، مع التأكيد على شمولية السياسات والمشاريع لتشمل جميع الفئات المجتمعية والمعرفة الرقمية الناتجة عن الأنظمة البيئية العربية. وقد أجاب المتحدثون على استفسارات من ممثلين عن سوريا وتونس حول أولوية البرامج الوطنية ومعايير التنفيذ، مؤكدين أن المعايير والمؤشرات العلمية موجودة منذ سنوات، وأن التحدي الآن يكمن في تطبيق هذه المعايير على أرض الواقع لضمان التحول الفعلي واستدامة النتائج.

و أكدت الجلسات على أهمية الاستفادة من المبادرات الإقليمية الكبرى، مثل مبادرة الشرق الأوسط الخضيراء، لتوفير تمويل داعم لمشاريع الاستعادة، مع التشجيع على تواصل الدول غير المشاركة للحصول على الدعم والفرص المتاحة، مؤكدة أن التعاون متعدد الأطراف والتمويل المبتكر هو مفتاح نجاح الاستراتيجيات البيئية في المنطقة.

دعوات لتوحيد تقارير المناخ والتنوع والتصحر ضمن إطار قانوني ومؤسساتي منسق

و شهدت جلسات اخرى نقاشا معمقا حول سبل تفعيل الآليات القانونية والمؤسساتية لتعزيز التنسيق بين الاتفاقيات الثلاثة المعنية بالمناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر. وأكد المتدخلون أن الإطار القانوني للتعاون موجود بالفعل داخل نصوص الاتفاقيات والبرتوكولات المرتبطة بها، غير أن التحدي الأساسي يكمن في تفعيل هذا الإطار عبر ترتيبات مؤسساتية واضحة.
وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى المجموعة المشتركة للتنسيق التي أنشئت سنة 2001 بين الاتفاقيات الثلاث، لكنها ما تزال تعاني من الطابع غير الرسمي وضعف الموارد، مما حد من قدرتها على دفع أجندة “التآزر” إلى الأمام. وقد أبرزت المداخلات أن العديد من المواد القانونية في اتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية مكافحة التصحر، واتفاقية باريس للمناخ، تنص صراحة على ضرورة التنسيق والتعاون، بل وتلزم الأطراف بإيجاد صيغ عمل مشتركة.
واقترح الباحثون إنشاء برنامج عمل مشترك بين مؤتمرات الأطراف للاتفاقيات الثلاث، على غرار ما تم اعتماده سابقاً في اتفاقيات بازل وروتردام وستوكهولم. ويتوقع أن يسهم مثل هذا البرنامج في توحيد الجهود، من خلال قرارات متوازية تتخذ في كل مؤتمر، بما يحافظ على سيادة الأطراف ويؤسس لتكامل قانوني ومؤسساتي.

كما طرحت فكرة لجنة توجيهية مشتركة تضم ممثلين عن الأمانات والهيئات العلمية للاتفاقيات الثلاث، إلى جانب إمكانية إنشاء وحدة تنسيق بمقر الأمم المتحدة في نيروبي، وذلك لتفادي خلق هياكل جديدة مثقلة بالتمويل، والاستفادة بدل ذلك من البنى القائمة. ومن بين المقترحات أيضا اعتماد أطر موحدة للتقارير، بحيث تتمكن الدول من تقديم تقرير واحد يغطي التزاماتها المتعلقة بتغير المناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، مما يقلص الأعباء الإدارية ويزيد الفعالية.
وفي جانب التمويل، أكد أن مثل هذا البرنامج المشترك يمكن أن يوفر توجيهات مالية منسقة إلى مرفق البيئة العالمي وصناديق المناخ والتمويل البيئي الناشئة، بما يضمن تجنب الازدواجية وتعظيم الأثر. وقد جرى التأكيد على أن هذا المسار يتطلب مراحل تدريجية للتنفيذ، لكن نتائجه ستكون حاسمة خاصة في المناطق الهشة مثل العالم العربي، حيث تتقاطع تحديات ندرة المياه والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي.
وفي مداخلة أخرى، أوضح ممثل مرفق البيئة العالمي (GEF) أن آلية التمويل هذه صارت جزءا من استراتيجية الصندوق، حيث يتيح للدول النامية الاستفادة من موارد موجهة لبرامج متكاملة تعالج في آن واحد التزامات الاتفاقيات الثلاث. وبين أن المرفق، الذي يضم 186 دولة و18 وكالة منفذة، يعتمد على دور نقاط الاتصال الوطنية في تحديد المشاريع المؤهلة، مع توفير حوافز إضافية للدول التي تختار المشاركة في برامج متكاملة تستهدف النظم البيئية والزراعية والحضرية.
وضرب المسؤول مثلا ببرنامج إعادة تدوير البلاستيك الذي تشارك فيه الأردن ضمن إطار “الحلول الدائرية للتلوث البلاستيكي”، مؤكدا أن مثل هذه المبادرات تعكس جدوى التمويل المندمج القادر على خلق تأثير بيئي واسع ومضاعفة الفوائد على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وبهذا، أكد النقاش إلى أن اللحظة مواتية لتفعيل مسار التآزر بين الاتفاقيات الدولية الثلاث، عبر استثمار الآليات القانونية القائمة، وتطوير ترتيبات مؤسساتية عملية، وضمان حشد التمويل المتكامل، بما يعزز حماية المناخ والتنوع البيولوجي والأراضي في آن واحد.

البنك الدولي و”إيفاد” يعرضان تجارب في التمويل الأخضر وتعزيز فرص العمل المستدام.

شهدت إحدى جلسات المنتدى مناقشات معمقة حول أهمية الاستثمار في الطبيعة واعتماد مقاربات شمولية في إدارة الموارد، حيث سلط ممثلو مؤسسات مالية وتنموية دولية الضوء على تجاربهم في دعم النظم البيئية ومواجهة التحديات المناخية.

أكدت ممثلة البنك الدولي أن الاستثمار في الطبيعة ليس ترفا بيئيا بل ضرورة تنموية تخلق فرص عمل، وتعزز الأمن الغذائي، وتقلل من التلوث، وتزيد من قدرة المجتمعات على الصمود أمام تغير المناخ. وأوضحت أن البنك يدير محفظة متنوعة من المشاريع في مجالات الغابات، النظم البيئية البحرية، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، إلى جانب برامج لإعادة التشجير ومكافحة الحرائق. وأضافت أن البنك أطلق دراسات خاصة بالمنطقة العربية لتعزيز فرص خلق وظائف خضراء وتحفيز الاستثمار في مشاريع تعزز التنوع البيولوجي.

من جانبه شدد أحد الخبراء الأكاديميين على أهمية المنهجية النظامية (Systemic Approach) في إدارة قضايا الأراضي والتنوع البيولوجي والمياه والطاقة والصناعة، مبرزا أن الاقتصار على استراتيجيات قطاعية منفصلة لا يحقق الفعالية المطلوبة. وأشار إلى أن تطبيق مقاربة شمولية متكاملة في الحوكمة يمكن أن يسهم في تفادي الأزمات، مستشهدا بحالة إحدى الأراضي الرطبة في لبنان التي تعرضت للجفاف والاستنزاف بسبب غياب إدارة مندمجة تجمع بين الأبعاد الزراعية والبيئية والاجتماعية.
كما استعرض متدخل آخر تجربة ناجحة في المغرب، حيث تمت زراعة 10 آلاف هكتار من شجر أركان بأصناف جديدة مقاومة للجفاف، بدعم من البحث العلمي وبالتعاون مع التعاونيات المحلية. وأكد أن هذه المبادرات ساهمت في التخفيف من الضغط على الغابات والأوساط الطبيعية، داعيا إلى تعميم مثل هذه النماذج المبنية على مشاركة المجتمعات المحلية.
واستعرض مشروع “استعادة أركان بالطاقة الشمسية” كمبادرة مغربية رائدة تهدف إلى تمكين النساء في إقليم الصويرة من مواجهة آثار التغير المناخي. وقد تم تأسيس تعاونية نسائية تعمل على إنتاج زيت أركان ومشتقاته، إلى جانب زراعة النباتات العطرية والطبية. وضمن المشروع، تم تجهيز التعاونية بخزان أرضي لتجميع مياه الأمطار، وحفر بئر مجهز بمضخة تشتغل بالطاقة الشمسية، مما مكن سكان القرية من الحصول على الكهرباء. كما استفادت مدرسة القرية من ألواح شمسية لتوفير الطاقة النظيفة. ويساهم المشروع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال خلق فرص عمل، تقوية قدرات النساء، والحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، خاصة في المناطق القروية التي تعاني من الجفاف والرعي الجائر.

وفي السياق ذاته، قدم ممثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) رؤية شاملة لدعم صغار المزارعين في المنطقة العربية، مشيرا إلى أن نسبتهم تصل إلى 90 في المائة في بلدان مثل مصر واليمن، و70 في المائة في المغرب وتونس. وأوضح أن الصندوق يعمل على دمج قضايا التكيف مع المناخ، وحماية التنوع البيولوجي، في السياسات الوطنية وخطط الاستثمار الزراعي، مع تعزيز دور البلديات والجماعات المحلية. كما أشار إلى أن منظمة “إيفاد” يوفر حزمة من الأدوات المالية تشمل المنح والقروض الميسرة، إلى جانب آليات مبتكرة مثل التجارة الكربونية ومنصات المنتجات الخضراء، مؤكدا أن الهدف هو توجيه 45 في المائة من تمويلات الصندوق نحو العمل المناخي والتنوع البيولوجي خلال السنوات المقبلة.
واختتمت الجلسة بتأكيد المتدخلين على أن تعزيز النهج التكاملي بين السياسات البيئية والزراعية والاقتصادية، وتوسيع نطاق التمويلات الخضراء، يمثلان شرطا أساسيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة، وتقليص الفجوة بين الخطط النظرية والتطبيق على أرض الواقع.

ونظمت ورشات موضوعاتية تم خلالها مناقشة المشاريع المزمع تقديمها للمنظمات الدولية وفق المعايير المطلوبة للحصول على التمويل. كما تبادل المشاركون من مختلف الدول تجاربهم ومشاريعهم بهدف صقلها وتجهيزها بأفضل الصيغ لتكون أكثر فعالية وجودة في التنفيذ.

من بيروت إلى COP 30: العرب يبلورون رؤية بيئية موحدة

بختام أعمال هذا المنتدى العربي الهام، اتضح أن اللقاء نجح في تجسيد رؤية عربية متكاملة لمواجهة التحديات البيئية المشتركة، فقد مثلت المنصة إطارا فاعلا للتواصل بين الخبراء وصناع القرار وممثلي المجتمع المدني، حيث تم طرح رؤى عملية حول تعزيز التمويل المستدام للتنوع البيولوجي وربطه بجهود الصمود المناخي، وخرج المشاركون بتوصيات تؤكد على ضرورة تعزيز التكامل بين الاتفاقيات البيئية الدولية وتبني آليات تمويل مبتكرة وإشراك المجتمعات المحلية في صياغة الحلول، كما تم إبراز الحاجة إلى تطوير استراتيجيات عربية موحدة تعزز التعاون الإقليمي وتستثمر الخبرات المحلية في مجالات استعادة النظم الإيكولوجية وحماية التنوع البيولوجي، وقدمت هذه النتائج إعلانا عربيا جماعيا بأن الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي يمثل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة والأمن المستقبلي للمنطقة، بما يجعل المنتدى مناسبة للنقاش وكذا منصة لتشكيل أولويات عمل واضحة قادرة على توجيه السياسات والاستثمارات البيئية على الصعيدين الوطني والإقليمي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!