الأمم المتحدة تؤسس لجنة علمية سياسية عالمية لمعالجة التلوث والنفايات
آفاق بيئية – محمد التفراوتي
في ظل تحديات بيئية وجيوسياسية معقدة، توصلت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى توافق رسمي بشأن إنشاء لجنة علمية-سياسية عالمية جديدة تعنى بالإدارة السليمة للمواد الكيميائية والنفايات ومنع التلوث، وذلك خلال الاجتماع الحكومي الدولي المنعقد في بونتا دل إستي، أوروغواي.
وأعلنت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، قائلة “اليوم صنعنا التاريخ. في خطوة رئيسية لحماية الناس والكوكب، اجتمعت البلدان للاتفاق على لجنة عالمية جديدة للعلوم والسياسات لدعم الإدارة السليمة للمواد الكيميائية والنفايات ومنع التلوث”.
وأضافت أن “هذه هي اللحظة المناسبة لاتخاذ إجراءات هادفة لمعالجة أزمة التلوث والنفايات وتأمين مستقبل أكثر صحة وأمانا للجميع”.
وختمت أندرسن كلمتها بنداء واضح “لقد حان الوقت. هذه لحظة رائعة للكثيرين الذين عملوا بجد منذ 2022. الآن تبدأ مرحلة جديدة من العمل الجماعي الطموح. لأجل الناس، لأجل الكوكب”.
استجابة علمية لأزمة كوكبية صامتة
تشكل هذه اللجنة استجابة طال انتظارها لأزمة بيئية “صامتة” تتفاقم يوما بعد يوم، وتتعلق بتلوث الهواء والماء والتربة بالمواد الكيميائية السامة والنفايات غير الآمنة.
وينتظر من اللجنة أن تسد فجوة طويلة الأمد في المشهد العلمي والسياسي العالمي، من خلال تقديم معلومات محايدة، ومراجعة علميا، تدعم صانعي القرار في التصدي للمخاطر المتزايدة.
و يشكل تأسيس هذه اللجنة تحولا نوعيا في الحوكمة البيئية العالمية، حيث تتيح للبلدان، وخاصة النامية منها، الوصول إلى المعرفة العلمية الدقيقة حول القضايا الكيميائية والملوثات العابرة للحدود.
وجود لجنة علمية، سياسية مستقلة وغير ملزمة من شأنه أن يعزز الشفافية ويوسع دائرة المشاركة بين الحكومات والمجتمع العلمي، ويدعم اتخاذ القرار المستند إلى الأدلة في ملفات تهدد سلامة الإنسان والنظم الإيكولوجية.
من القرار إلى التنفيذ
تأتي هذه الخطوة استنادا إلى القرار 5/8 الصادر عن جمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA-5.2) في عام 2022، الذي دعا إلى إنشاء لجنة علمية، سياسية مستقلة. وقد عهد القرار إلى فريق عمل مفتوح العضوية (OEWG) إعداد الإطار المؤسسي الكامل للجنة، بما يشمل نطاقها، ووظائفها، ومبادئها التشغيلية.
وانعقد الفريق العامل المفتوح العضوية عبر سلسلة من الجلسات التفاوضية التي عكست روح التعاون الدولي والانخراط الواسع لأصحاب المصلحة من مختلف دول ومناطق العالم. تنقلت هذه الاجتماعات بين عدة عواصم، حيث كانت البداية في نيروبي، كينيا (أكتوبر 2022)، ثم بانكوك، تايلاند (فبراير 2023)، وتلتها جلسة حاسمة في نيروبي مجددا (ديسمبر 2023)، وصولا إلى جنيف، سويسرا (يونيو 2024)، قبل أن تتوج المشاورات بجلسة ختامية في “بونتا دل إستي”، أوروغواي (يونيو 2025).
وخلال هذه الجولات، شارك ممثلون عن الحكومات، والباحثون، والمجتمع المدني، وممثلون عن الشعوب الأصلية، في صياغة مسودة متكاملة لإنشاء اللجنة، مما منح المشروع بعدا عالميا ومجتمعيا في جوهره ومقاصده.
تكامل ثلاثي لمواجهة الأزمات البيئية
ومن المتوقع أن تتعاون اللجنة الجديدة استراتيجيا مع الإطار العالمي للمواد الكيميائية ومع الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف، كما ستكمل عمل الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) و المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES)، لتشكيل ثلاثية معرفية تغطي جميع أبعاد الأزمة الكوكبية الثلاثية: تغير المناخ، فقدان الطبيعة، والتلوث.
وتفتح اللجنة الأفق، في سياق هذا التكامل، لحلول قائمة على العلم في قضايا لا تقل خطورة عن المناخ والتنوع البيولوجي، وتمكن المجتمعات الهشة من الدفاع عن حقها في بيئة سليمة مبنية على معرفة دقيقة لا على مصالح آنية أو تجارية.
الخطوة التالية: التفعيل السريع
وتحول تركيز الاجتماع بعد الاتفاق على الوثائق التأسيسية نحو ضرورة تفعيل اللجنة الجديدة بسرعة وفعالية، بما يمكنها من دعم الدول، خاصة الأقل نموا، وتعزيز سبل الوقاية البيئية.