آفاق بيئية: محمد التفراوتي
البيولوجيا وأخلاقيات البيئة تطرحان سؤالا جوهريا: كيف نتعامل مع الطبيعة؟ هل نضع البشر في المركز، أم نوسع دائرة القيمة لتشمل كل الكائنات الحية، أم نركز على حماية النظم البيئية ككل؟ أرى شخصيا أن تبني منظور واحد لا يكفي، بل لا بد من الجمع بينها جميعا. علينا ضمان حقوق الإنسان دون إهمال التوازن البيئي، واحترام الحياة بكل أشكالها، مع الاعتراف بأن البشر جزء من منظومة أكبر. التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه الأخلاقيات إلى سياسات عملية توفق بين التنمية والاستدامة، وتحمي كوكبا نتشاركه مع ملايين الأنواع الأخرى.
في هذا السياق، وضمن فعاليات اليوم العلمي الخامس للبيئة (JSE’2025)، الذي انعقد تحت شعار “العلوم والقيم البيئية”، وقد نظمه مختبر الأبحاث في القانون العام والعلوم السياسية إلى جانب فريق البحث في العلوم الإدارية والمالية وتدبير المجالات الترابية المستدامة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – آيت ملول، جامعة ابن زهر، ألقت الأستاذة شافية حجي مداخلة بعنوان “البيولوجيا وأخلاقيات البيئة: الأسس والآفاق بين التمركز حول الإنسان، وحول الحياة، وحول المنظومة البيئية”.
أوضحت الأستاذة أن الأزمات البيئية التي يعرفها العالم اليوم، مثل التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، وتدهور النظم الإيكولوجية، تفرض علينا إعادة النظر في علاقتنا بالطبيعة وبالكائنات الحية. ورغم أهمية البيولوجيا في فهم التفاعلات الحية والأنظمة البيئية، فإنها لا تكفي لوحدها للإجابة عن الأسئلة الأخلاقية العميقة التي تطرحها هذه الأزمات، مما يستدعي تكاملا معرفيا يدمج الفلسفة والثقافة والعلوم الإنسانية.
المقاربات الأخلاقية في العلاقة بين الإنسان والبيئة
استعرضت الأستاذة ثلاث مقاربات أخلاقية تؤطر العلاقة بين الإنسان والبيئة، أولها التمركز حول الإنسان، الذي يمنح القيمة للطبيعة من منظور فائدتها للإنسان، سواء عبر استغلالها أو من منطلق المسؤولية تجاه الأجيال القادمة، غير أنه يبقى محدودا في حماية البيئة لأنه يتجاهل القيمة الذاتية للطبيعة. المقاربة الثانية، التمركز حول الحياة، ترفع من شأن كل الكائنات الحية وتعتبرها غايات في ذاتها، لكنها تطرح إشكالات عملية حين تتعارض مصالح الكائنات المختلفة. أما التمركز حول المنظومة البيئية، فيتجاوز النظرة الفردانية، ويركز على حماية توازنات النظم البيئية باعتبارها شرطا ضروريا لاستمرار الحياة كلها، بما في ذلك حياة الإنسان.
وأكدت الأستاذة شافية حجي أن تجاوز هذه الأزمات يتطلب رؤية شمولية متعددة التخصصات، تجمع بين البيولوجيا والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والقانون. وشددت على ضرورة ترسيخ الوعي البيئي من خلال التربية منذ الصغر، مع استحضار الرصيد الثقافي المحلي، خاصة في السياقات الإفريقية التي تعبر تقليديا عن علاقة متناغمة بين الإنسان والطبيعة. كما دعت إلى التفكير في نموذج تنموي عادل أخلاقيا وبيئيا، يتجاوز المنفعة الاقتصادية الضيقة نحو احترام عميق للطبيعة، مؤكدة أن لا مستقبل للإنسان دون انسجام مع النظم الطبيعية التي تضمن استمرارية الحياة.