آفاق بيئية : محمد التفراوتي
الاستخدام الأمثل لمصادر المياه والأراضي والنباتات المحلية في المناطق الجافة كان موضوع مؤتمر دولي في مدينة أغادير المغربية امتد على مدى أسبوع. وقد نظمه معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة وجامعة ديربي البريطانية.
في الجلسة الافتتاحية، تناول مدير المعهد ابراهيم الحافضي الوضع الهش للموارد الطبيعية، خصوصاً المياه الجوفية في منطقة سوس ماسة درعة الزراعية، فضلاً عن التدهور الذي يطال غابة أركان وتلوث الشواطئ. ومن جهته، نوه السفير البريطاني بالنتائج المحققة من التعاون والشراكة بين المعهد وجامعة ديربي، خصوصاً في مجالات البحث العلمي واستخدام التكنولوجيا المتطورة في معالجة الأماكن المتدهورة، كالمقالع، وتلوث التربة والمياه وتدهور الغطاء النباتي في الأطلس الصغير وجبال الريف.
ولفت الدكتور محمد حسن العطار، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية ومقره دبي، الى أن شمال افريقيا وجنوب آسيا من المناطق الأكثر جفافاً في العالم، مما يستوجب تخفيف الضغط على المياه العذبة في الزراعة، بالبحث عن مصادر بديلة مثل المياه المعالجة والمياه المالحة. وتحدث عن تجارب المركز في استعمال المياه المالحة وتطويره تقنيات حديثة في هذا المجال. ودعا الى اصدار اعلان اتحادي يوجه الى أصحاب القرار لايجاد مصادر بديلة غير المياه العذبة التي يجب توفرها فقط للاستخدامات البشرية وخاصة الشرب، والتقليل من الاعتماد عليها في الزراعة التي تستهلك 80 الى 90 في المئة من الكمية المتاحة.
كبح التصحر
افتتحت الجلسة الأولى بعرض أكاديمي للخبير المغربي في علوم الزراعة الدكتور موح رجدالي، الذي أشار الى أن ثلث سكان العالم محرومون من خدمات الماء الصالح للشرب، ونصف سكان الدول السائرة في طريق النمو يعانون من الأمراض الناتجة عن استعمال المياه الملوثة. وقد تدهور نحو 70 في المئة من الأراضي الجافة (2,5 مليار هكتار) المهددة في الوقت نفسه بزحف الرمال، مما يجعل مليارين من السكان يواجهون صعوبات في كسب غذائهم، بينهم نحو 100 مليون يمكن تصنيفهم في الأمد القريب ضمن فئة “اللاجئين لأسباب بيئية”. وذكر بأن الكرة الأرضية تفقد حالياً 10 الى 15 مليون هكتار من المساحات الغابوية سنوياً.
مداخلة الباحثة زهري صباح، عن فريق يضم الدكتور الحروني الشريف والدكتور الفاطمي امبارك، تمحورت حول شجرة الأركان المهددة بالانقراض وسبل حمايتها، عبر الحفاظ على الأشجار الموجودة حالياً في الغابات مع غرس أشجار أخرى لتعويض ما اختفى. وقد أجرى الفريق تجارب في المشتل لمعرفة كيف ستتأقلم هذه الشجيرات مع قلة الماء والظروف الصعبة التي ستواجهها في المكان الذي ستقيم فيه نهائياً. هذه التجارب خلصت الى أن البذرة يجب نقعها في الماء 48 ساعة قبل زرعها، وتوفير رطوبة لا تقل عن 70 في المئة وحرارة بين 25 و27 درجة، مع السقي المعقلن. وتبين أن وضع بكتيريا PGPR يحسن معدل النجاح بشكل ملحوظ. ولكي تستطيع شجرة أركان تحمل قلة الماء يجب تدريبها على ذلك في المشتل. وتزرع الشجيرات في التربة بعد بقائها 15 شهراً في المشتل، كي يكون لديها مخزون من الكربوهيدرات يعينها على تحمل نقص الماء لمدة معينة. كما يجب وضع مهاد (mulch) لكبح التبخر ومساعدة الشجيرة على تخزين الماء وعدم نمو الأعشاب الضارة التي تنافسها على الماء والضوء.
استغلال الحَلْفاء في الشمال الشرقي للمغرب كان محور مداخلة الدكتور مكريم عبدالعزيز. أما الدكتور كرواني فشمل عرضه الجَمَل كأحد الموارد الطبيعية لسكان المناطق الجافة. وتناول الدكتور ايت احساين التعرية المائية في منطقة تارودانت، خاصة الضفة اليمنى لواد الواعر، حيث أدت الى ظهور أخاديد خطيرة تتطور تحت الظروف المناخية الحالية وتكتسح مساحة 9000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة.
وتناولت الباحثة خديجة السامي، من مفتشية إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، الاطار القانوني والتقييم البيئي في جهة سوس ماسة درعة، وتنامي المناطق الصناعية، وضعف جانب التطهير ومعالجة المياه العادمة.
تنمية الساحل والاستخدام الأمثل للمياه
في الجلسة الثانية، أبرز الدكتور لعوينة الرهانات الكبرى للتنمية المستدامة في الساحل المغربي. وقارب الدكتور بن عتو المجالات الهامشية في الساحل الصحراوي ومنظومة الفاعلين المحليين، مشيراً الى ضرورة تنمية الموارد البشرية لتنمية الموارد الطبيعية. ومن أجل تدبير تام للساحل الأطلسي، أوضحت مداخلة الدكتور الادريسي من المعهد الوطني للصيد البحري بعض الاشكالات المرتبطة بالقطاع وبعض الحلول، ومنها تطوير الصيد التقليدي وتشجيع الاستثمار. وعرض الدكتور بادير مشروعه حول تهيئة مخزون الأخطبوط في مياه المغرب على المحيط الاطلسي، محذراً من خطورة استعمال الوعاء البلاستيكي للتناسل والتبييض، ليطرح البديل في وعاء طيني مهيأ بعناية لهذا الغرض.
وتناول الدكتور بناوي علي استعمال التقنيات البيولوجية والكيميائية كمؤشرات لتقييم الحالة الصحية للشواطئ المغربية، باستخدام محار البحر كمؤشر بيولوجي. وقد أثبتت دراسته نجاعة هذه التقنيات وأظهرت بؤر التلوث على الشواطئ المغربية وتشتيت المواد الملوثة على مسافات بعيدة من البؤر.
وشملت الدورة الثالثة مداخلة للسيد الفسكاوي من وكالة الحوض المائي، الذي دق ناقوس الخطر بخصوص تقلص الموارد المائية في جهة سوس ماسة درعة التي تخضع لمناخ جاف وشبه جاف مع تساقطات غير منتظمة وخلال بضعة أيام من السنة، فضلاً عن تتابع سنوات الجفاف وانخفاض مستمر للطبقة المائية نتيجة الاستغلال المفرط. وبهدف ترشيد استعمال الماء في واحات النخيل في تافيلالت، اقترح الباحث الفضل عبداللطيف تجهيز ضيعات نموذجية بوسائل السقي بالتنقيط مع تدريب الفلاحين على الاستعمال والصيانة. وقد تم تكوين خلية لدراسة دعم الدولة في هذا المجال.
وتناول الباحث ب. رونيو التقنيات الجديدة لترشيد استعمال الماء عبر التنقيط، في حين تناول الباحث ر. ويلبي وقع التغيرات المناخية على الموارد المائية في المناطق الجافة. وعرض الدكتور شكرالله أهمية إعادة استعمال مياه الصرف المعالجة في الري، في حين استعرض الباحث ج. شيفر أنواع محطات معالجة مياه الصرف ومردوديتها.
نباتات تقاوم الملوحة
تداول المشاركون في الدورة الرابعة تجارب عالمية حول ملوحة الأراضي. فالملوحة، تقول الباحثة سلمى داوود، تخلّ بنمو النباتات وبالانتاجيات الزراعية، ثم ان وفرة المياه المالحة وخصوصاً مياه البحر تتيح إمكانات هائلة لتطوير أنواع من النباتات مستعملة للملوحة أو مقاومة لها، وهذا يساهم في إنتاج الكتلة الحيوية. ويمكن استغلال هذه النباتات الواعدة لانعاش الجهات الساحلية والمناطق المتضررة من الملوحة.
الباحث عزوز بوكروط أكد في هذا السياق أن المنطقة الشرقية عانت خلال السنوات الأخيرة ندرة في الماء مما رفع ملوحة التربة. وهذا جعل كلية العلوم في وجدة تجري أبحاثاً على أصناف الأشجار المستعملة في المجال الحضري والتي يمكنها أن تتحمل قلة الماء وكثرة الملوحة. وقد درست أربعة أصناف في البداية. الدلب والصفصاف لم يستطيعا تحمل قلة الماء وكثرة الملوحة، ففقدت الأشجار أوراقها بعد أربعة أسابيع من بداية التجربة وهلكت نهائياً بعد ستة أسابيع. وتبين أن شجر البراشيشتون هو الصنف الأكثر تحملاً بينها لقلة الماء وكثرة الملوحة، متبوعاً بالخروب.
وتناولت الدكتورة حنان بنعطا دراسة حول محاربة التصحر في المناطق الجافة وشبه الجافة التي تزداد فيها مشكلة الملوحة، تضمنت مقارنة تأثير الملوحة على إنبات ونمو ثلاثة أنواع من فصيلة القطانيات بأصول مختلفة، لتحديد النوع الأكثر تحملاً.
الزراعة البيولوجية وسلبيات الأسمدة والمبيدات
تناول الدكتور قني لحسن تقييم بعض الموارد الطبيعية من أجل المحافظة على البيئة ومحاربة الفقر. وعرض أهمية الزراعة البيولوجية في التنمية المستدامة عبر تجارب ميدانية على أشجار الكبّار والنخيل والأركان، التي يجمعها قاسم مشترك هو خطر الزوال، رغم أنها تساهم في محاربة الفقر.
وتقدمت الدكتورة زكية بوزوبع من المركز الجهوي للبحث الزراعي في أغادير بعرض حول تحسين إنتاج الزراعة البيولوجية من خلال برنامج على المدى المتوسط. وقد عمل الباحث عبدالعزيز ميموني، من المركز ذاته، على قياس مدى تأثير التكثيف الزراعي على خصوبة التربة وتلوث المياه بالنيترات في حوض سوس ماسة.
وقد وضع المركز استراتيجية منذ العام 1994 لدراسة مدى تأثير هذه العوامل على اندثار وضياع الموارد. فتبين أن المساحات المخصصة للزراعات المكثفة في ازدياد مطرد، حيث لم تتجاوز 1500 هكتار في بداية السبعينات فباتت حالياً أكثر من 45 ألف هكتار. وقد أدخلت عدة تقنيات حديثة كالبيوت المغطاة والاستعمال المكثف للأسمدة والمبيدات. كما أظهرت الدراسة أن خصوبة التربة تأثرت كثيراً، اذ انخفضت المادة العضوية وخاصة في الأراضي التي كانت تحتوي على شجر الاركان، الذي أزيل لتحل مكانه الزراعات المكثفة كالبندورة (الطماطم) والموز والحوامض والخضر. ومكنت الدراسة من جمع معطيات حول استعمال الأسمدة، فتبين أن الفلاحين يستعملون كميات عالية من النيترات، وفي كل المناطق التي تشهد زراعات مكثفة يضيع كل سنة نحو 1000 كيلوغرام من النيترات في الهكتار. وبينت التجارب مثلاً أن استعمال أكثر من 600 كيلوغرام من الأسمدة في هكتار البندورة يتسبب في تسريب نحو 140 كيلوغراماً من النيترات الى عمق 90 سنتيمتراً ولا يضيف أي شيء الى المنتوج.
وقام المشاركون في المؤتمر بزيارات ميدانية الى مطمر النفايات ومنتزه سوس ماسة ومدينة تفراوت. كما جالوا في معمل الاسمنت الذي عقد شراكة بيئية مع معهد الحسن الثاني في أغادير لزراعة 3000 شجرة أركان وأصناف أخرى، ضمن مشروع لزرع 11 ألف شجرة. وأوصى المؤتمر بتوجيه الخريجين الشباب وتحفيزهم للانخراط في مشاريع تعزز التنمية المستدامة في المناطق الجافة، لافتاً الى أهمية تجميع المعارف والمهارات التقنية المحلية وتشجيعها وتوظيفها. ودعا الى تكوين “خلايا تفكير” تضم مجموعة من الفاعلين الأساسيين في مجال التنمية المحلية، مثل ممثلي الجماعات المنتخبة والمنظمات التنموية ومراكز البحث والتدريب، بهدف بلورة مشاريع تنموية محلية من قبيل السياحة البيئية والصناعة التقليدية.