دور جمعيات حماية المستهلك بين الواقع والمأمول

محمد التفراوتي14 ديسمبر 2016Last Update :
دور جمعيات حماية المستهلك بين الواقع والمأمول

آفاق بيئية : عمر السكتاني

إذا كان المشرع قد منح لجمعيات حماية المستهلك دورا أساسيا تمارسه إلى جانب باقي الهيئات المسؤولة عن حماية المستهلك ومراقبة السوق الاقتصادي ، فإن هذه الصلاحيات لا يمكنها أن تؤتي ثمارها ونتائجها ما لم تفعل على أرض الواقع من خلال ترجمة النصوص إلى مبادرات ملموسة من أجل التحسيس والإعلام وتمثيل المستهلك والدفاع عن حقوقه الاقتصادية وتأمين سلامته الصحية والمادية من كل الأفعال المخلة بقواعد السوق والتنافس الشريف .

لذلك سوف نتطرق أولا إلى تشخيص مدى مساهمة جمعيات حماية المستهلك في القيام بالدور المنوط بها على مستوى الواقع ( المحور الأول ) قبل أن نتطرق إلى إبراز مختلف الصعوبات والإكراهات التي توجهها والحلول الممكنة لمواجهتها ( المحور الثاني ) .

المحور الأول : تشخيص واقع جمعيات حماية المستهلك :

لقد تبين لنا من خلال تحليل الإطار القانوني لحماية المستهلك أن المنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك جاءت بمجموعة التدابير التي ترمي إلى تعزيز حقوقه الأساسية ولاسيما : الحق في الإعلام، الحق في حماية حقوقه الاقتصادية ، الحق في التمثيلية ، الحق في التراجع ، الحق في الاختيار، الحق في الإصغاء إليه ، كما تم إعطاء أهمية كبيرة للمستهلك باعتباره فاعلا أساسيا في الدورة الاقتصادية .

وبناء على ذلك فإن قانون حماية المستهلك يرمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والتي تتجلى فيما يلي :

– إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها؛

– ضمان حماية المستهلك فيما يتعلق بالشروط الواردة في عقود الاستهلاك ولاسيما الشروط التعسفية والشروط المتعلقة بالخدمات المالية والقروض الاستهلاكية والقروض العقارية وكذا الشروط المتعلقة بالإشهار و البيع عن بعد و البيع خارج المحلات التجارية؛

– تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع والخدمة بعد البيع وتحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض عن الضرر أو الأذى الذي قد يلحق بالمستهلك؛

– تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها وحماية أمن وسلامة المستهلك من كل الأضرار المادية والمعنوية.

ومن هنا يكون التساؤل مشروعا حول مدى مساهمة جمعيات المستهلك في تحقيق مقاصد التشريع المشار إليها أعلاه والإنجازات التي حققتها في مجال الدفاع عن مصالح المستهلك ؟

يجب الإشارة بداية أن المغرب عرف نشأة العديد من الجمعيات التي تهتم بحماية وتوجيه المستهلك، وأن هذه الجمعيات تقوم بدور هام في التوعية والتحسيس والدفاع عن مصالح المستهلك وفضح جميع أشكال التحايل والتظليل والشروط التعسفية التي تؤدي إلى اختلال التوازن بين المورد أو المنتج والمستهلك، وأن ممارسة هذا الدور يتم من خلال مجموعة من الأشكال التي تختلف بحسب الزمان والمكان ونوعية المواضيع ، حيث كثيرا ما تبادر هذه الجمعيات عمليا إلى تنظيم مسابقات لتكريم بعض المهنيين ومنحهم جوائز تحفيزية مما يؤدي إلى خلق نوع من التنافس في تقديم أحسن المنتجات والخدمات لفائدة المستهلك وتوفير خدمات مرضية تتلاءم وحاجياته اليومية ، كما تقوم بعض جمعيات حماية المستهلك بالتنسيق مع كل الجهات المعنية بحماية المستهلك والتنسيق مع باقي الجمعيات من أجل التواصل مع طرفي عملية الاستهلاك أي المنتج أو المهني والمستهلكين ، كما قامت العديد من جمعيات حماية المستهلك بتنظيم أيام إعلامية وتحسيسية وذلك من أجل خلق مستهلك واع ومسؤول وفاعل ، كما تقوم أغلب جمعيات حماية المستهلك كل سنة بإحياء وتخليد اليوم العالمي للمستهلك بتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي وغرف التجارة والصناعة والخدمات وبعض الجامعات والهيئات ذات الاهتمام المشترك ، وتنظيم معارض خاصة تعكس واقع المستهلك ومعاناته اليومية من بعض السلوكات والتصرفات المنافية لقواعد التنافس ومواصفات الجودة ، بالإضافة إلى حرص عدد من الجمعيات بكيفية دورية على تنظيم قافلة للتواصل والتحسيس ببعض الظواهر السلبية التي قد تظهر في بعض المناسبات كظاهرة التسمم الغذائي وارتفاع الأسعار الذي قد يصاحب بعض الشهور كشهر رمضان ومناسبات الأعياد والدخول المدرسي ، وتعمل بعض الجمعيات أيضا على إصدار مجلات ونشرات تعنى بشؤون المستهلك ، وتوزيع مطويات ودلائل حول ضوابط الاستهلاك الواعي والمسؤول ، ويبقى الإشارة إلى دور أساسي تقوم به بعض الجمعيات الفاعلة والمسؤولة في مجال الاستهلاك ويتجلى في قيامها بإجراء دراسات خاصة بمجال من مجالات الاستهلاك قصد تقصي واقع هذا المجال وعلاقته بالمستهلك ، كما تقوم هذه الجمعيات بالاشتغال على شكل فرق تتكلف بمهمة رصد أراء المواطنين وانشغالاتهم اليومية فيما يتعلق بالمجال المعني وبناء على النتائج المحصل عليها تقوم الجمعيات بإعداد تقارير يتم إرسالها إلى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة ، ويعتبر هذا الدور أساسيا في تحسين المناخ القانوني للاستهلاك وخلق بيئة استهلاكية آمنة ، وفي إطار تواصلها مع المستهلك تتلقى جمعيات حماية المستهلك مختلف الشكاوى التي يتقدم بها المستهلكين حيث تتولى حل وتسوية النزاع وديا أو مراسلة المهني من أجل تدارك موضوع الشكوى وإلا يتم إحالتها على الجهات المعنية لممارسة رقابتها على المهنيين المخالفين لضوابط السوق والمنافسة الشريفة ، وبالتالي فإن أغلب جمعيات حماية المستهلك تشتغل بتفان دائم ومستمر وتسعى إلى محاولة إيجاد حلول لمشاكله واستخدام كل الوسائل المتاحة في هذا الإطار حيث تلعب دورها كمركز لاستقبال شكاوى المستهلك في مختلف المجالات وهو ما لمسناه مؤخرا بشكل واضح من خلال ما تم التنديد به من مخالفات لاسيما في بعض القطاعات الحيوية كقطاع توزيع الماء والكهرباء وخدمات الانترنيت والتواصل الاجتماعي وقطاعات البيئة والمسؤولية الطبية والنقل وارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية والحيوية وغيرها من المجالات ذات الصلة بالمستهلك ، كما تشارك العديد من الجمعيات في البرامج الإعلامية وتقديم وجهات نظرها ومقترحاتها في السياسات العمومية ومشاريع القوانين المراد تنزيلها ، لذلك فلا يمكن بأي وجه من الأوجه تجاهل وإنكار ما حققته جمعيات حماية المستهلك من إنجازات ومساهمات والتي لقيت صدى وتجاوبا من قبل المستهلك وساهمت في تطوير وعيه الاستهلاكي وما يؤكد ذلك هو ارتفاع عدد الشكاوى التي تتوصل بها هذه الجمعيات من قبل المستهلكين المتضررين والتقارير المنجزة بشأنها . وبناء على ذلك يجب الإشارة بأن جمعيات المستهلك تقوم عمليا في الوضعية الراهنة بدور أساسي في الرقابة والتتبع ورصد الاختلالات الممارسة في الواقع وكذا مراقبة مدى احترام المقتضيات القانونية والتي تلزم كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال ، وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته ، بحيث يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال ومدة الضمان وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة ، وعند الاقتضاء ، القيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية والتحذير من الشروط التعسفية التي يتم تضمينها في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك والتي قد يترتب عليها اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك ، وهنا يجب الإشارة أن الواقع الحالي شهد تدخل إيجابي من طرف جمعيات المستهلك من أجل وضع حد لكل الاختلالات بين طرفي العلاقة الاستهلاكية وساهمت بشكل فعال في صيانة وإنصاف العديد من المستهلكين ، غير أنه ومهما كانت الإنجازات والمساهمات التي حققتها جمعيات المستهلك في الواقع العملي ، فإنها لازالت تعاني من مجموعة من العوائق والإكراهات وتعترضها العديد من الصعوبات الذاتية والموضوعية والتي تحتاج إلى حلول ناجعة وشاملة وهو ما سنتطرق له في المحور الموالي .

المحور الثاني : حدود وإكراهات جمعيات حماية المستهلك :

مهما كانت أهمية المساهمات والأدوار التي تقوم بها جمعيات حماية المستهلك فإنها تعترضها بعض الصعوبات التي تحد من فعاليتها ، لذلك سوف نتطرق أولا إلى تحديد مختلف الصعوبات والإكراهات التي تعاني منها جمعيات حماية المستهلك قبل أن نتطرق ثانيا إلى إبراز الحلول الممكنة لمواجهتها .

أولا : الصعوبات التي تعاني منها جمعيات حماية المستهلك :

نميز في هذا الإطار بين الصعوبات الذاتية والصعوبات الموضوعية وهو ما سنتعرض إليه تباعا كما يلي :

1 – الصعوبات الذاتية :

رغم الأدوار والصلاحيات المعترف بها لجمعيات حماية المستهلك ، فإنها في الواقع تعترضها مجموعة من الإكراهات والصعوبات الذاتية ، ومن أهم هذه الصعوبات يمكن الإشارة إلى ضعف الموارد المالية لهذه الجمعيات التي تمكنها من القيام والمساهمة المستمرة في مواكبة احتياجات المستهلك وتوعيته والدفاع عن مصالحه ، فمن خلال مختلف الدراسات المنجزة في هذا الإطار يمكن القول بأن أغلب الجمعيات لا تتوفر على موارد مالية باستثناء انخراطات الأعضاء وهي لا تغطي في الغالب احتياجات الجمعية في تحقيق الأهداف التي تروم إلى تحقيقها ، لذلك فإن أغلب الجمعيات ناذرا ما تستمر في مهمتها ، فإذا كان العمل الميداني يشكل الدور الأساسي لجمعيات حماية المستهلك من خلال قيامها بأدوارها التحسيسية والإعلامية ، إجراء الدراسات وإعداد المجلات والنشرات وغيرها ، فكل هذه المهام تحتاج إلى موارد مادية لذلك فإن غياب النشاط الميداني لجمعيات المستهلك غالبا ما يرتبط بعجزها عن تمويل مشاريعها وبرامجها المسطرة من طرفها ، كما يوجد مشكل ازدواجية التعاطي الرسمي مع العمل الجمعوي بحيث يتم إغراق بعض الجمعيات بالإعانات المالية وحجبها عن جمعيات أخرى ، بل ويتم التضييق على نشاط جمعيات ذات أهداف جادة في مقابل دعم نشاط جمعيات ذات أهداف آنية ، أما عن تمويل الجمعيات عن طريق الهبات والتبرعات فهي منعدمة في مجملها ، وذلك يعود إلى ضعف الوعي العام بخطورة ما يعانيه المستهلك من جهة ، وانعدام التواصل والنظرة الدونية التي تميزت بها جمعيات حماية المستهلك بسبب بعض العناصر التي لا يوجد مبرر لوجودها غير استغلال الصفة من أجل مصالحها الشخصية من جهة أخرى .

كما أن من بين الصعوبات التي تعترض جمعيات حماية المستهلك يمكن الإشارة إلى غياب التنسيق والتعاون فيما بينها ، مما يؤثر كثيرا على نتائج المبادرات المتخذة من قبلها ، كما أن هذه العزلة التي تطبع اشتغال جمعيات حماية المستهلك تجعلها دائما في موقع ضعف وتظل عاجزة عن التموقع في الساحة الاقتصادية والسياسية ، صحيح أنه قد نجد عددا من هذه الجمعيات يشتغل في إطار تكتلات وفيدراليات لتحقيق الأهداف والأنشطة التي ترمي إليها غير أنها ورغم مرور سنوات لم تحقق الأهداف المنشودة لها ، بحيث ظلت كل جمعية تشتغل على حدة دون تنسيق فعلي مع باقي الجمعيات .

وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن أغلبية جمعيات حماية المستهلك لا تملك نشرات أو مجلات خاصة ببيئة الاستهلاك وتوجيه وتحسيس المستهلك ، وحتى الجمعيات التي تتوفر عليها فسرعان ما تتوقف عن إصدارها نظرا لقلة الموارد المالية والبشرية اللازمة لإصدارها واستمرارها ، كما أن أغلب الجمعيات لا تتوفر على مقرات لمباشرة مهامها وأعمالها ومناقشة برامجها واتخاذ قراراتها ، ذلك أن مقر الجمعية يعد الحد الأدنى من وسائل عملها ، ويسهل على كافة المعنيين إمكانية الاتصال بها وطرح الاستفسارات والشكايات الخاصة بهم ، وهذا الأمر دفع بالكثير من الجمعيات إما إلى الإيجار وهذا الأمر بطبيعته ليس بالسهل ، وإما إلى التوقف عن نشاطها وانتظار المناسبات حيث يتم دعوتها للقيام ببعض الحملات التحسيسية أو الملتقيات أو الأيام الدراسية ، وينضاف إلى مشكل المقر ضعف التكوين لدى أعضاء الجمعيات ، حيث يبقى من أهم العوائق التي تواجه جمعيات حماية المستهلك نقص الاحترافية وعدم تخصص أعضائها ، كما أن أغلب هذه الجمعيات تفتقر إلى مشاركة المجتمع العلمي أو الكفاءات العلمية والنخب المتخصصة في مختلف مجالات الاستهلاك ، بل وأكثر من ذلك نجد أن أغلب مسيري جمعيات المستهلك لا يتوفرون على معرفة ودراية كافية بالنصوص القانونية سواء تعلق الأمر بالقانون الخاص بحماية المستهلك أو غيره من القوانين التي تهدف إلى حماية المستهلك وتحسين إطاره المعيشي ، وما تتضمنه هذه الأخيرة من آليات للتدخل والحماية ومن الأحكام التي تمنحها حق تمثيل المستهلك والدفاع عن حقوقه أمام مختلف الجهات المعنية ، فجمعيات حماية المستهلك إذن هي مطالبة بتنمية معارفها وخبراتها بالشكل الذي يؤدي إلى تحسين أدائها وقدراتها على تحقيق أهدافها .

2 – الصعوبات الموضوعية :
إلى جانب الصعوبات الذاتية التي تعاني منها جمعيات حماية المستهلك ، هناك أيضا مجموعة من الصعوبات الموضوعية ، ونذكر منها صعوبة الوصول إلى وسائل الإعلام لنشر الثقافة والوعي الاستهلاكي ، حيث إن اعتماد جمعيات حماية المستهلك على وسائل الإعلام لتوصيل رسالتها التحسيسية والإعلامية يبقى أمرا ناذرا ويتسم بالمناسباتية ، ويرجع ذلك إلى العراقيل التي تضعها الجهات المسؤولة عن مؤسسات الإعلام في مواجهة الجمعيات ، فهذه المؤسسات غالبا ما تفضل الجمعيات التي تكتفي بالمدح وتلبية المطالب الموجهة من طرفها ، في حين تعمل على إغلاق أبوابها في وجه الجمعيات التي تسعى إلى التعبير وكشف الحقائق وواقع السوق والمعاناة الحقيقية للمستهلك ، ومن الصعوبات التي تعاني منها جمعيات المستهلك أيضا المخاطر التي تتعرض لها في علاقاتها مع الفاعلين الاقتصاديين بحيث هناك مجموعة من المتاعب والإكراهات التي تواجهها أثناء قيامها بحملاتها التحسيسية ومراقبة السوق من حيث نوعية المنتجات وطريقة عرضها وأسعارها ، وإذا كانت جمعيات حماية المستهلك تتلقى شكاوى من طرف المستهلكين ، فإن هذه الجمعيات عادة ما تقوم ببعث هذه الشكايات والمراسلات إلى الجهات العمومية المعنية قصد إخطارها بالممارسات غير المشروعة الصادرة عن بعض المهنيين ، لكي تقوم بدراستها واتخاذ التدابير والقرارات المناسبة بشأنها ، غير أن التجربة كشفت عن تعاطي سلبي من طرف هذه الجهات التي لا تعمل على أخذ هذه المراسلات بعين الاعتبار مما يجعل عمل الجمعيات بدون فائدة، وفضلا عن ذلك فإن هناك مجموعة من العوائق التي تتصل بضعف التشريع حيث نجد مثلا أن جمعيات حماية المستهلك تعترضها مجموعة من القيود في حالة رغبتها في التقاضي وتمثيل المستهلك أمام القضاء ، حيث يشترط قانون تدابير حماية المستهلك أن تكون هذه الجمعيات معترف لها بصفة المنفعة العامة ، في حين أن الحصول على هذه الصفة يتوقف على توفر مجموعة من الشروط منها أن يكون غرضها هو الدفاع عن مصالح المستهلكين حصريا وأن تكون خاضعة لأنظمة أساسية مطابقة لنظام أساسي نموذجي يحدد بنص تنظيمي ويتضمن مجموعة من الضوابط التي يجب على الجمعيات احترامها والتقيد بها سواء فيما يتعلق بتسمية الجمعية والهدف المتمثل في حماية مصالح المستهلك وأن تتوفر على الإمكانيات والقدرات المالية التي تمكنها على وجه الخصوص من إنجاز المهام المحددة في نظامها الأساسي والتي تكتسي طابع المصلحة العامة وأن تمسك محاسبة تسمح بإعداد قوائم تركيبية تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية ونتائجها وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل ، واحترام الالتزام بتقديم المعلومات المطلوبة والخضوع للمراقبة الإدارية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ، وغيرها من الشروط والقيود المنصوص عليها والتي تعيق عمل هذه الجمعيات ومساهمتها في أداء الأدوار والمهام المنوطة بها ، وإضافة إلى ذلك يبقى من أهم الصعوبات التي تعاني منها جمعيات حماية المستهلك ضعف الوعي الاستهلاكي والثقافة الاستهلاكية لدى الكثير من المستهلكين مما يساهم في الحد من فعالية الجهود والمبادرات المبذولة من قبل هذه الجمعيات ، حيث إن الكثير من المستهلكين لا يطالبون بحقوقهم ويتجاهلون ما يتعرضون له من تجاوزات وخروقات ولا يلجؤون لجمعيات حماية المستهلك بالرغم من علمهم بوجودها ، وهذا الأمر قد يعود لسببين وهما : تخوف المستهلكين من عدم إنصافهم وعدم ثقتهم في هذه الجمعيات ، ثم ضعف وتدني القدرة الشرائية للمستهلك حيث إن المستهلك ذو الدخل المحدود غالبا ما ينصرف عن المطالبة بالجودة لصالح السعر ، بحيث يفضل شراء منتجات ذات أسعار منخفضة بغض النظر عن جودتها ونوعيتها وكيفية صنعها وتكوينها .
ثانيا : الحلول والسبل الممكنة لتفعيل دور جمعيات المستهلك :
تبين لنا من خلال ما سبق أن جمعيات حماية المستهلك تقوم بمجموعة من المهام والأدوار الأساسية والتي تتجلى بوضوح من خلال مساهماتها في توفير حماية لحقوق المستهلك ونشر الوعي الاستهلاكي والحد من كل المخاطر التي قد تعرض المستهلك لبعض الأضرار المادية والمعنوية، غير أنها ومهما كانت هذه المهام والأدوار فإنها لازالت تعترضها مجموعة من الإكراهات التي تحد من فاعليتها، لذلك فإننا نعتقد بأنه يجب الاهتمام أولا بالعنصر البشري القادر على تسييرها وتحديد أنشطتها وبرامجها مع التركيز على أن يكون هذا الأخير من ذوي الاختصاص في مجالات الاستهلاك على اختلافها وأن تتحمل هذه الجمعيات مسؤولياتها كاملة لأن عمل جمعيات المستهلك ليس رفاهية أو عملا تكميليا بل يجب على الجميع أن يعي بأن تأسيس جمعية لحماية المستهلك هو مسؤولية يترتب عليها واجبات يجب الاضطلاع بها بما يحفظ المصلحة الاستهلاكية العامة مما يقتضي حرص السلطات على تفعيل دورها الرقابي خلال مرحلة منح التراخيص بتأسيس هذه الجمعيات سواء من حيث الشكل أو الموضوع ، كما يجب إعادة النظر في شروط تمثيل المستهلكين من طرف هذه الجمعيات أمام القضاء وإعادة النظر أيضا في مفهوم المنفعة العامة كقيد على إمكانية لجوء الجمعية للدفاع عن مصالح المستهلك أمام القضاء ، كما يجب تفعيل دور الجمعيات في التواصل مع المستهلك بكيفية دائمة ومستمرة مع توسيع نطاق اشتغالها بأن لا يبقى مقتصرا على مجال معين بل يجب أن تنفتح على مختلف مجالات الاستهلاك، بالإضافة إلى وجوب احتفاظها باستقلاليتها تجاه السلطات العمومية حتى تكسب ثقة عامة المستهلكين لاسيما وأن من أهم واجبات جمعيات حماية المستهلك أن تعمل على ممارسة ضغوطات على السلطات العمومية وحملها على ضرورة اليقظة والمراقبة الدائمة وفي نفس الوقت يجب على السلطات العمومية أن تقدم لها الدعم المادي لممارسة أنشطتها وتزويدها بمقرات مناسبة لطبيعة عملها ومهامها وتسهيل اعتمادها على وسائل الإعلام بمختلف أصنافها قصد إيصال رسالتها إلى أكبر نسبة من المستهلكين وبالتالي الحد من مخاطر الاستهلاك وخلق مستهلك واع ومسؤول، كما يجب توسيع حق الجمعيات في تمثيل المستهلك أمام القضاء والتقليص من القيود الواردة في هذا الإطار خاصة في ظل هذا الانفتاح الاقتصادي الذي أصبح المستهلك خلاله في أمس الحاجة لهذا التمثيل نظرا للفوضى التي أصبح يعرفها السوق الاقتصادي والمخاطر الناجمة عنها، وأن يتم إشراكها بكيفية فعالة وناجعة في كل البرامج والمقاربات ذات الصلة بالاستهلاك حتى لا تبقى مجرد صورة بدون صوت يتم تسويقها بكيفية مناسباتية لتحقيق بعض المكتسبات على حساب مصالح المستهلك ، وحتى تؤدي جمعيات حماية المستهلك وظيفتها على أكمل وجه يجب عليها التنسيق فيما بينها وخلق اتحادات وفدراليات وجامعات تتكتل تحتها مجموعة من الجمعيات حسب التخصص ومجال الاهتمام قصد تمكينها من ممارسة مهامها والضغط على الفاعلين الاقتصاديين ومختلف الهيئات ذات الصلة والأخذ بالمقترحات والتقارير التي تقوم بإنجازها حتى تكون هذه الجمعيات وسيلة للرصد والإنذار واليقضة خاصة في ظل تزايد المخاطر التي تهدد أمن وسلامة المستهلكين حيث إن الكثير من المنتجين لا يهمهم سوى تصريف منتجاتهم وخدماتهم ، مما دفع البعض منهم إلى البحث عن ابتكار طرق غير مشروعة لتحقيق الأرباح من خلال تقديم منتجات ضارة دون المبالاة بنتائجها وحتى مراعاة القواعد القانونية والأخلاقية وهذا يقتضي تقوية دور جمعيات المستهلك وتمكينها من التدخل سواء بكيفية سابقة قصد وقاية المستهلك من كل مساس أو بكيفية لاحقة ويكون هدفها القمع وإيقاف المهني من الاستمرار في تجاوزاته وأفعاله المنافية لقواعد المنافسة والأمن الاستهلاكي ، وإضافة إلى ذلك يجب على الدولة أن تهتم بعنصر التكوين لفائدة الجمعيات ، وذلك بتنظيم دورات تكوينية مستمرة يستفيد منه أكبر عدد ممكن من أعضاء هذه الجمعيات وأن تتناول هذه الدورات التكوينية أكثر المواضيع أهمية وحساسية وفي مختلف المجالات ذات الصلة بعمل جمعيات حماية المستهلك .
وانطلاقا من ذلك ومهما كانت أهمية الإطار القانوني لحماية المستهلك ، فإن دور جمعيات حماية المستهلك يبقى أساسيا بالنظر لقربها من المستهلك ومعايشتها لمعاناته اليومية لاسيما في ظل هذا الانفتاح الاقتصادي ، وتبقى هي القادرة على تنزيل آليات الحماية من القانون إلى الواقع ، والتدخل في كل وقت أو حين لتوجيه المستهلك إلى السلوك الاستهلاكي السليم والمسؤول ، وبالتالي حرصها على حماية حقوقه الاقتصادية والتمثيلية والإنصات إليه ، والدفاع عن مصالحه بكيفية شمولية سواء تعلقت بالسلع أو بالخدمات ، حيث أصبح من الضروري ضبط العلاقة بين المستهلك ومقدم الخدمة أو المنتج ، ففي إطار علاقة غير متوازنة والتي غالبا ما تميل لصالح مقدم الخدمة وللرساميل المتحكمة في الدورة الإنتاجية ، أصبح الانتباه إلى المستهلك الذي يعد الحلقة الأضعف في هذه الدورة مطلبا أساسيا وحاجة ملحة .
وتحقيقا لذلك يجب توفير الدعم المادي والتقني لجمعيات حماية المستهلك في مجال الخبرة والتكوين بتنسيق مع الأجهزة الحكومية الساهرة على تطبيق قوانين حماية المستهلك مع مراعاة المناخ السوسيو اقتصادي للمعاملات التجارية بإيجاد الحلول الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للاقتصاد غير المهيكل لتحسين المناخ العام للتنافسية مع ضرورة تفعيل المقاربة التشاركية بإشراك جمعيات في مرحلة مناقشة القوانين ذات الصلة بالبيئة الاستهلاكية ومنحها فرصة إبداء رأيها واقتراحاتها بشأنها ، وإضافة إلى ذلك فإن تفعيل الضمانات المنصوص عليها قانونا وتقويتها يبقى فرض عين على جميع الجهات المسؤولة عن توفير الأمن الاستهلاكي ، لأن القانون مهما كان إيجابيا فإن فعاليته تتوقف على الممارسة وتنزيل النصوص وفق مقاصدها خدمة للعدالة التي نسعى إليها جميعا .دون انكار حق الجميع،سياسبين ونقابيين ومواطنين عاديين، في التعبير عن آرئهم نقدا واحتجاجا ورفضا وتحريضا على المقاومة، ارتايت ان اقارب مسالة تمويل التعليم من زاوية اخرى اظن انها اكثر موضوعية. تقوم وجهة نظري على جملة من المعطيات من اهمها:
– ان نظامنا التعليمي التربوي والتكوين يشكو من اختلالات عميقة عصية على الاصلاح والترميم واننا في الواقع بحاجة الى التفكير في التاسبس لنظام تربوي تكويني جديد.
– ان ازمة التعليم كانت لها تداعيات سلبية على المجتمع برمته، على النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والحياة السياسبة ومنظومة القيم بحيث يمكن الجزم ان فشل المدرسة في تاهيل العنصر البشري كان وسيظل منبع كل اسباب التخلف وتجلياته؛ وبالتالي فان تجاوز اشكاليتي التنمية والديمقراطية مرهون بتنمبة التعليم وتطويره.
– من الاسباب الرئيسية لازمة التعليم ببلادنا هناك من وجهة نظري ثلاثة اسباب: غياب رؤية استراتيجية تربط بين التخطيط التربوي والمخططات التنموية،ضعف الحكامة التربوية في كل ابعادها التكوينية والادارية،عدم كفاية الموارد المالية.
– في غياب الامكانات المالية الضرورية لا يمكن تجويد التعليم والارتقاء بالتكوين من خلال تاهيل مؤسسات التعليم والتكوين وتطوير ادائها العلمي والبيداغوجي فضلا عن تحفيز الاطر الادارية والتربوية وتمكينها من تكوين مستمر يطور كفاءتها. بدون تمويل مناسب يستحيل ترجمة الرؤية الاستراتيجية ويتعذر اي اصلاح. ومن المؤكد ان الفشل في تنزيل كل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعود في جانب مهم منه الى ضعف الموارد المالية. وتوضح المقارنة بين ميزانيات التربية والتعليم في البلدان التي تتصدر انظمتها التربوبة الترتيب العالمي والمبزانية المخصصة لوزارة التربية الوطنية ببلادنا، اهمية الاعتمادات المالية في تجويد الانجاز التعليمي. ففي فلندا مثلا يكلف التلميذ الواحد ما يناهز خمسين الف درهم مغربي سنويا، بينما يكلف التلميذ المغربي في الابتدائي، نظريا، حوالي 6000 درهم.
– يقتضي النهوض بالمدرسة العمومية المغربية ومواجهة عوائق الهدر الكمي والنوعي، المتمثلة في الاكتضاض، وبؤس الفضاءات، وضعف بنيات البحث العلمي والتجهيز الرياضي، وتواضع المستوى المعرفي والبيداغوجي لافواج من المدرسين الذين الحقوا دون تكوين مهني، يقتضي ذلك مضاعفة الميزانية . ويحتاج هذا الاجراء الى قرار سياسي شجاع يستند الى فلسفة تنموية جديدة مرتكزها تنمية العنصر البشري.
– يبدو ان امكانات الدولة المالية غير كافية لضمان تمويل كاف لتعليم جيد لكل المتمدرسين. فالخصاص فضيع والفوارق بين الوسط القروي والوسط الحضري من جهة، وبين الفئات والطبقات الاجتماعية شاسعة.
استنادا لما سبق اعتقد ان هناك ثلاث اختيارات:
-تعمبم التعليم وفق مقاربة كمية تتيح لكل اطفال المغرب ولوج المدرسة ثم مغادرتها مبكرا دون الحد الادنى من المكتسبات التي تخول الفرد الاندماج الفعلي في الحياة المهنية والاجتماعية،فتكون المدرسة منتجا للفشل وخيبة الامل والبطالة والانحراف، وهذا ما هو حاصل حتى الآن. في ذات الوقت تصير الجامعة، وهي اليوم كذلك، ملاذا لكل حاصل على الباكلوريا لم يتمكن من ولوج المدارس والمعاهد العليا في انتظار المجهول. ان نسبة النجاح بالجامعة والمستوى المعرفي لجل خريجي الجامعة المغربية خير دليل على الهدر الذي يصيب الراسمال البشري. وهذا اختيار مكلف وسيؤدي حتما الى تفاقم ازمة النظام التعليمي وانهيار المدرسة العمومية.
– اتباع نهج انتقائي نخبوي يسعى الى تكوين صفوة ضيقة من الاطر بحسب حاجات سوق الشغل، وهذا نهج اقصائي،لا ديمقراطي، يناقض الدستور وثقافة حقوق الانسان. ولذلك من المستحيل ان تغامر الدولة بالتبني الصريح لمثل هذا الاختيار، مع العلم ان هناك على مستوى الممارسة ما ينم عن هذا التوجه. ان تشجيع التعليم العالي الخصوصي واقرار رسوم الدراسات العليا بالنسبة للطلبة الموظفين واعادة النظر في مبدا المجانية مؤشرات فعلية على ذلك. ومما لا شك فيه ان مثل هذا الاختيار سيواجه مقاومة شرسة من قبل القوى الديمقراطية واليسارية ومن عموم المواطنين،وسيكون مكلفا سياسيا.
– الاختيار الثالث الذي نتبناه ونراه ناجعا وكفيلا بتقوية الموارد المالية الضرورية للنهوض الفعلي والشامل بالنظام التعليمي المغربي وتحقيق الجودة المنشودة، يقوم على تنويع التمويل من خلال ثلاث اجراءات متكاملة: الرفع من ميزانية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حدود 25%، خصم 3% من الضريبة المفروضة على الشركات وتحويلها لدعم المدرسة العمومية، التشجيع على ابرام شراكات بين الجامعة والمعاهد العليا وقطاع المقاولة والاعمال على اساس تعاقدي، وشراكات بنفس الشروط بين مؤسسات التعليم الخاص ومؤسسات التعليم العمومي الابتدائي داخل النيابة الواحدة واسهام الجماعات المحلية الاقليمية والجهوية ومجالس المدن الكبرى في دعم التعليم الاولي والاساسي. ومن المفروض ان يقترن المجهود المالي المطلوب بتطوير الحكامة التربوية ومراجعة الهندسة البيداغوجية لتتلاءم ومقتضيات الجودة.
ان التشبث بالمجانية من باب الدفاع المبدئي عن الحق في التعليم دون التفكير في تجويد العرض التربوي سيكون تكريسا للوضع الماساوي للمدرسة المغربية. ولذلك بقدر ما يجب الدفاع عن حق ابناء المغاربة في ولوج المدرسة،يجب العمل على حسن تعليمهم وتكوينهم في افق اندماجهم المهني والاجتماعي.

الاتحاد الاشتراكي يوم 14 – 12 – 2016

 *عمر السكتاني : أستاذ باحث في قانون الأعمال والمقاولات

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!