الضمانات القانونية للأجراء في نظام صعوبات المقاولة

محمد التفراوتي16 مارس 2013Last Update :
الضمانات القانونية للأجراء في نظام صعوبات المقاولة

 دراسة تحليلية ومقارنة 

آفاق بيئية :ذ- السكتاني عمر*

مـــقـــدمــــة :

تشكل المقاولة أداة للتنمية والإقلاع الإقتصادي، وآلية أساسية للتقدم العـلمي والتكــنولوجي وإنـــماء المجال الإجتماعي ومن هذا المنطلق اتخذت الدولة مجموعة من الإجراءات الرامية إلى ضمان الحفاظ على هذه الوحدة الإقتصادية التي أصبحت تشكل نواة حقيقية للإنتاج والتشغيل والمساهمة في حماية السلم الإجتماعي والإقتصادي، حيث تم إصدار مجــموعة من القـوانـين تضمن تحقـيـق هذه الأهداف، ومن بين هـذه القوانين نظام صعوبات المقاولة الصادر بمقتضى القانون رقم 15.95 الذي حل محل نظام الإفلاس الذي كان يغلب علـــيـه الطابع التصفوي والعقابي دون مراعاة لأية اعتبارات اقتصادية او اجتماعية، فخلافا لنـظـام الإفـلاس الذي كان هـمـه هو تصفية أموال المدين أتى المشرع بمجموعة من التدابير الوقـائية والعلاجيـة التـي تهدف الى تـذليل مختلف الصعوبات التي تعترض المقاولة وبالتالي الــى حمـاية الـنـشاط الإقـتـصـادي وضـمان الإستـقـرار السياسي في آن واحد بعد أن أضحى الإرتـبـاط الـحاصـل بيـنـهـمـا أكـتـر وضـوحـا وأصبحت آثار الصعوبات تتجاوز بكثير إطار الـمـقـاولات الـتـي تـعـرف صـعـوبـات وتـمـتد إلى مجالات اقتصادية واجتماعية أخرى، لأن مـيكـانـيـزمـات الإخـتفـاء أو إنـهيـار الـمقاولة تعطينا فكرة واضحة عن سيرورة الحياة داخل المجتمع، ذلك أن ملاحظة وتتبع انهيار المقاولات كفيلة باستنتاج القواعد التي تنظم وتؤطر ليس فقط المقاولات السليمة والتي مازالت تتابع نشاطها ولكن كذلك كل الفاعلين الإقتصاديين من دولـة ومؤسسـات مالـيـة ومـستـثمريـن وطنيين وأجانب وهذا من خلال الآثار الإجتماعية والعواقب الإقتصادية التي تترتب عنها.

الصورة: عن https://massmediagroup.pro/blog-mmg

فما يلاحظ على نظام صعوبات المقاولة هو محاولة التوفيق بين مجموعة من الـمـصالـح الـجديـرة بالحـمـاية ومـن بـيـن هده المصالح بطبيعة الحال وضعية الأجراء التي عــرفـت مـن حـيث الـمبـدأ تـحــسنـا مـلحوظا في التشريع المغربي، سواء في إطار مدونة الشـغل التي أصـبحت تعطـي للأجراء امتياز الرتبة الأولى خروجا عن الترتيب المقرر في الفصـل 1248 ق.ل.ع، أو فـي إطار نظام صعوبات المقاولة الذي خص العمال بمجموعة مـن الإمتيازات مـن بينها الإعـفاء مـن قـاعدة التصريح بالديون المنصوص عليها في المواد من 686 إلى 690 من مدونة التجارة، وهو ما قد يفيد إمكانية المطالبة بديونهم مباشرة من رئـيس المقـاولة المـدين أو مـن السـنديك إن كـان هو المسير، دون أن يكونوا معنيين بقاعدة وقـف المـتابعات الـفردية استنادا إلى الطابع المعيشي للأجور(1) ، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على وعاء حق الأسبقية المعترف به لدائني المادة 575 م ت.

لذلك، فالإشكالية التي تثار بــهذا الـصدد هي التسـاؤل حـول مدى فعالية الــضمانات القانونية فـي حماية مصالح الاجـراء ، وهو ما سوف نتطرق لدراسته من خلال عرض موقف المشرع الفرنسي (أولا) قبل أن نستعرض موقف المشرع المغربي بخصوص الديون الناتجة عن عقد العمل ومختلف الضمانات المرتبطة به (ثانيـا).

أولا : وضعيــة الأجـــراء فــي التشــريــع الفــرنســـي :

لـقـد أولـى المشـرع الفرنسي اهتـماما خاصا لوضعية الأجير ضمن مؤسسة معالجة صـعوبات الـمقاولة، وذلك لتفعيل حق الشـغل على مستوى الواقع وإيجاد توازن موضوعي بين القانون التجاري والقانون الإجتماعي(2) ، ومن بين هذه الجوانب التي تكفل حماية ديون الأجـراء فـي الـتشـريـع الـفـرنسي، أن هذه الأخـيـرة تحظى بامتياز عام على المنقولات والـعـقارات. ومـن جهــة أخــرى تحــظى بـامتـيـاز خـاص أو بامـتـيـاز الامـتـيـاز والـذي يـضمن لكـل الأجـــراء الحــق في الأداء الفوري لديونهم . فتأسيسا على الطابع المعيشي والاجتماعي للأجــــور فإنها تحظى في التشريع الفرنسي بامتياز عام، يرد على كافة المنقولات والعقـــارات المملوكة للمدين، تطبيقا لمقتضيات الفصل7-143 من قانون الشغل (3) ،غير أن هذا الامتياز الذي تعــرض له المشرع الفرنسي لم يكن يقدم حماية كافية لمصالح الأجراء، لأنه يأتي في المرتـبـة الرابعـــة وذلك بعـد المصـــاريف القضائية، ومصاريف الجــنازة والمرض، ويصبح مسبوقا بامتياز الخزينة والامتيازات الأخرى في حــالة وجودها. ولتجاوز تلك الثغرات التي تحد من حماية ديــون الأجراء تدخل المشرع الفرنسي لإضفــاء حمــاية أكثـر عليها، حيث أصبحت تحظى بامتياز خــاص أو بامـتـيـاز الامتياز والذي يضمـــن للأجراء الحــق في الأداء الفوري لديونهم السابقة، عن حـكـم فـتـح الـمـسطرة ويغطي أداء الأجـور المستحقة عن ستين يوم عمل الأخيرة من الشغل داخل المــقـاولـة، حيث يتـم هـذا الأداء خــــلال عشــرة الأيام الــتـي تلي صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ضـــد الـمـقاولة المشغلة(4)

وتتجلى أهمية هذا الامتياز الخاص في إعطاء الأسـبقـية لديـون الأجراء عن طريق أدائها في أقرب وقت ممكن قبل أي دين آخر في حالة فتح مسطرة التسوية القضائية، كمـا أنـه يـغطي نفس الديون التي يضمنها الامتياز العام، وهو محدد كذلك من حيث الزمان، ويرد على العقار والمنقول على حد سواء وذلك بخلاف ما هو عليه الحال في الامتياز العام الذي لا يرد على العقار إلا استثناء(6) .

وتأسيسا على ذلك يمكن القول أن ديون الأجراء تحظى بحـمـاية خاصة وذلك استناد إلى طابعها المعيشي، حيث لا تخضع لمبدأ الأجال والتخفيضات، كما أنها لا تخضع لقاعدة التصريح بالديـون أو تـحقيـقـها، ولا تـسـري عليها قاعدة وقف المتابعات الفردية(7) حيث يمكنهم المطالبة بالأداء الفوري لديونهم وبالأولوية على باقي الديون الأخرى الممتازة اوالمضمونـة بامتيازات غير الرهـن الحيازي، دون أن يـكونوا معنيين بقاعدة المنع من اداء الديون السابقة وهو مـا قد يؤثر سلبا على وعـاء حــق الأسبقية المعترف به للدائنين الناشئة ديونــهــم بـعـد فتح المسـطرة.

كمـا أن المشرع الـفـرنـسي استثنى بمقتضى المادة 40 من قانون 1985 الديون المضمونة بامتياز قانون الشغل، وجعلها مقدمة على غيرها من الديون، بما في ذلك الديون المـــترتـبـة على المــقـاولـة أثـنـاء فـتـرة الملاحظة وإعداد الحل وكذلك في مرحلة التصفية القضائية(8) حيث تحظى بالأولوية في الأداء على تلك المشار إليها في المادة السابقة. ومعنى ذلك أن دائني المادة 40 يتفوق عليهم الأجراء الذين متعهم المشرع الفرنسي بامتياز ممتاز، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من التشريع الفرنسي لسنة 1985على مايلـي :

” 1- تؤدى الديون الناشئة بصفة قانونية بعد حكم فتح المسطرة في تاريخ استحقاقها عند متابعة النشاط، وفي حالة التفويت الكلي بالأسبقية على كل الديون الأخرى، سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو ضمانات، باستثناء الديون المضمونة بالامتياز المنصوص عليه في الفصول :

L 143-10 و L 143-11 وL 742-6 و L 15-751

من قانون الشغل….

كما تنص الفقرة الثانية من المادة 40 بعد التعديل الذي أدخل عليها بمقتضى القانون 495-94 ل 10 يونيو 1994 على ما يـلـي :

” في حالة التصفية القضائية، تؤدى الديون – أي ديون المادة 40- بالأسبقيـة على كل الديون الأخرى، باستثناء الديون المضمونة بالامتياز المنصوص عليه في الفصول L 10-143 L 571-15 , L 742-6 , L 143 -11,

مـــــــــن قانـــــــــــــــــــــــــــــــــــون الشـــــــــغل، والمصـــاريـــف

القضـــائية والــديون المضـمونة بضـمانات عقـارية خاصة أو مقرونة بحق الحبس أو المضمونة بضمانات تم تأسيسها طبقا للقانون رقم 59/51الصادر بتاريخ 18 يناير 1951 والمتعلق برهن أدوات ومعدات التجهيز “.

فمن خلال دراسة المادة 40 من القانون الفرنسي قبل وبعد تعديل 10 يونيو 1994، نتوصل إلى النتائج التالية :

1- أن الديون الناتجة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية تؤدى بالأسبقية على كافة الديون الأخرى مع استثناء ديون الأجراء المنصوص عليها في الفصول

من قانون الشغل (9)L 143 -10 -751-15 , L 742-6 , L 143 -11,

2- في حالة التصفية القضائية تؤدى أيضا ديون المادة 40 بالأسبقية على باقي الديون الأخرى، لكن الملاحظ أن المشرع الفرنسي أضاف إلى الاستثناء المتعلق بديون الأجراء المشار إليه سابقا استثناء آخر يتعلق بالديون الناتجة عن المصاريف القضائية والديون المضمونة بضمانات عقارية أو بضمانات منقولة مقرونة بحق الحبس والتي تملك هي الأخرى الأفضلية على دائني المادة 40.

وعليه، فإن ديون الأجراء تحظى بالأولوية في الأداء قبل دائني المادة 40. إذ بوأها المشرع الفرنسي الدرجة الأولى ضمن الديون الواجبة الأداء وهو ما يعكس لنا مدى الحـرص الـكبيـــــر الذي يـوليـه الـقـانـون الـفرنـسي لـوضـعية الأجراء في نطاق المساطر الجماعية(10) . ولم يقف المشرع الفرنسي عند حدود الامتياز السالف الذكر، وإنما وضع مجموعة من الضمانات القانونية والمؤسساتية التي تكفل استيفاء الديون المشمولة بذلك الامتياز.ولعل أهم هذه الضمانات يكمن في ضمان أداء جميع المبالغ المستحقة للأجراء يوم افتتاح المسطرة من طرف جمعية تدبير نظام التأمين على ديون الأجراء :

” Association pour la gestion du régime d’assurance de créances des salaires”

ونظرا لأهمية هذا الضمان في الوفاء بديون الأجراء عند عدم تغطية أموال المقاولة لهذه الديون فقد مدده المشرع الفرنسي ليشمل جميع المبالغ المستحقة للأجراء بما في ذلك التعويضات والفوائد المحتملة والديون الناتجة عن توقف عقد الشغل أو إنهائه، وهكذا أصبح للمتصرف القضائي الحق في أن يطالب هذا الجهاز بالمبالغ اللازمة لأداء الـديـون الـخاضعة للامـتـيـاز الممتاز في حالة عدم كفاية أموال المدين الخاضع لمساطر المـعـالجة للـوفـاء بتلك الديون، وهذا يعتبر مكسبا حمائيا بمقتضاه يتم ضمان أداء المبالغ المستحقة يوم افتتاح المسطرة نظرا لطبيعتها الإنسانية والمعيشية.

والخلاصة التي نتوصل إليها هي أن الأجير في التشريع الفرنسي يوجد في وضعية مريحة وأكثر حماية تنافس جميع الدائنين بما في ذلك دائني المادة 40 المشار إليها سابــــقا، وهو ما يــؤثـر بصفة فعلية على مركز الــدائن اللاحق ، وإذا كان هذا الوضع هو الـــوضع في القانون الفرنسي، فما هو الوضع في القانون المغربي ؟ وإلى أي حد يمكن أن يؤثر مركز الأجير على مركز الدائنين ؟

ثانـيـا : وضعيــة الأجـــراء فــي التشــريــع المغـربــي :

لقد أولى المشرع المغربي اهتماما خاصا للأجور بالنظر إلى وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية في حياة الأجير، بوضعه لمجموعة من الضمانات القانونية الرامية إلى حمايته وضمان آدائه لدوره المعيشي(11)، خشية أن تؤدي القواعد العامة في الحجوزات والمقاصة إلـى ضياعـه كـله أو بـعـضه مـمـا يـساهم في زعزعة وضعه الاقتصادي حيث يجعل ديون الأجـراء ديـونـا مـمتـازة يـمـكن المطالبة بها بالأولوية على باقي الدائنين، غير أنه كثيرا ما يخـضع الـمديـن لـمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، ليثار التساؤل حول مدى تأثير هذه المساطر على حقوق الأجراء ؟ وما هي حدود الحماية التي قررها المشرع لحماية ديون الأجراء ؟ وما مدى نجاعة الآليات والقواعد التي اعتمدها المشرع لضمان أداء مستحقات الأجـــــــراء بعــد صدور الحـكـم بـفـتـح مسطرة التسويـة القضائــيـة في مواجهة المدين .

لدراسة مدى نجاعة الامتياز والضمان المخول لفائدة الأجراء سوف نتطرق أولا إلى تحديد طبيعة الديون المشمولة بالامتياز (1) وثانيـا إلى دراسة حدود هذا الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء في مواجهة باقي الدائنين (2). مع التاكيد مند البداية على ان وضعية الاجراء في التشريع المغربي تعتريها مجموعة من النقائص يتجلى دلك من خلال غياب الانـسـجـــام بين نظـام صعوبات المقـاولة ومدونـة الشغـل سواء على مستوى المسطرة او على مستوى الاثار المترتبة عليها .

1- طبيعـة الديـون المشمـولـة بالامتيـاز :

قد يتعرض الأجير لخطر عدم حصوله على أجوره في حالة خضوع المدين لنظام التسوية أو التصفية القضائية، الأمر الذي تكون له انعكاسات سلبية على وضعيه الاقتصادي والاجتماعي، لذلك تدخل المشرع بإقراره لمجموعة من الآليات والضمانات القانونية الرامية إلى حماية الأجر وضمان أدائه لدوره المعيشي عن طريق تمتيعه بالامتياز على باقي الدائنين، ولا يقتصر الأجر في هذا الصدد على” ما يؤديه المشغل نظير قيامه بالعمل المتفق عليه، وإنما يشمل كل ما يدخل الذمة المالية للأجير نظير قيامه بالعمل وبمناسبته سواء أداه المشغل شخصيا أو أداه غيره من المتعاملين مع المحل الذي يشتـغـل فيه، وذلك أيـا كـان نـوعـه، وأيا كانت التسـميـة التي تطلق عليه، وأيا كانت الطريقة التي يتحدد بها، وكيفما كان شكل وطبيعة عقد الشغل”(12) .

وفي هذا الصدد ينص الفصل 1248 ق.ل.ع على ما يلي :

” الديون الممتازة على كل المنقولات هي : ……..

1-……………………

2-……………………

3-……………………

4- الأجور والتعويضات عن العطل المستحقة الأجرة، والتعويضات المستحقة بسبب الاخلال، بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية والتعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد إجارة الخدمات، وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة ….. “

فمن خلال هذا الفصل إذن، كان المشرع المغربي يعتبر الأجر من الديون الممتازة التي لها الأولوية في الاستيفاء على باقي الدائنين وبذلك يكون المشرع قد حد من حـق دائـنـي الـمشـغـل مـن مـزاحـمـة الأجـيـر في حـالة إعـسار الـمشغـل أو دخـولـه فـي مرحلة التصفية القضائية اعتمادا على الامتياز العام المنصوص عليه في الفصل 1248 السابق الذكر.

غير أن هذا الامتياز لم يكن يحقق حماية حقيقية لديون الأجراء في حالة خضــوع المشـغـل لـنظام المساطر الجماعية ، وذلك ” بالنظر لطبيعته، لكونه يرد على المنـقـولات دون الـعـقـارات، ويـشـمـل فـقـط الأجـور وتـعـويـضـات الـفـصـل الفجائي دون بـاقـي الـتعـويضات الاجتـماعية التي لها درجات أخرى، وإلى درجته ثانيا، ونطاقه الزمني ثالـــثــا”(13) ، الــذي يتحدد في الستة أشهر السابقة على وفاة المشغل أو “إفلاسه” أو توزيع أمواله(14) كما أنه يتعطل بحقوق الامتياز الخاص الواردة على المنقول، وكذا حقوق الامتياز السابقة عليه من حيث الرتبة.

ولتجاوز هذا النقص في الحماية، تدخل المشرع بمقتضى المادة 382 من مدونة الـــشغل، بتمتيعه للأجراء بامتياز الرتبة الأولى خلافا لمقتضيات الفصل 1248 ق.ل.ع، وذلك قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته، كما تكون التعويضات القانونية الناتجة عن الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز ولها نفس الرتبة الأولى(15) .

يتضح مما سبق أن وضعية الأجراء عرفت تحسنا ملموسا بعد صدور مدونة الشغل مقارنة مع ما كان عليه الأمر في السابق، سواء على مستوى رتبة الامتياز أو على مستوى نطاقه بحيث أصبح يشمل جميع الأجور والتعويضات التي تكون في ذمة المشغل بدون أي تحديد ومهما كان عدد الشهور المتأخرة في ذمة المشغل، الأمر الذي يفرض التساؤل حول مدى نجاعة هذا الامتياز كوسيلة لحماية ديون الأجراء في مواجهة دائني المادة 575 من مدونة التجارة ؟

2- حــدود الامتيــاز كوسيـلة لحماية ديـون الأجـراء:

رغم الحماية التي يكفلها المشرع المغربي لديون الأجراء، التي أصبحت تتمتع بقاعدة الامتياز بمقتضى المادة 382 م.ش ، فإنها لم ترق إلى المستوى المطلوب مقارنة مع ما هو ساري التطبيق في القانون الفرنسي الذي جعل ديون الأجراء تتمتع بامتياز الامتياز الذي يضمن لهم الحق في الأداء الفوري لديونهم السابقة على حكم فتح المسطرة وبالأولوية حتى على الدائنين اللاحقين حسب ما نصت عليه المادة 40 من القانون الفرنسي.

فالملاحظ أن المشرع المغربي لم ينص على أي استثناء في المادة 575 تصبح بموجبه ديون العمال مـقـدمة عـلـى غـيـرها مـن الـديـون، رغـم طابعها المعيشي، فرغم أن الامتياز المنصوص عليه في المادة 382 من مدونة الشغل يعطي للأجراء الحق في استيفاء ديونهم الناتجة عن عقد العمل بالأولوية على باقي الديون الأخرى في حالة التزاحم(16) ،فإن هذا الامتياز يفقد نجاعته وفعاليته إثر خضوع المشغل / المدين لمسطرة التسوية أو التصفية القضائـية لغياب الآليات والضمانـات القانونية التي تضمن له حماية فعلية في مواجهة دائني المادة 575 م ت، هذه المادة التي تنص على أنه : ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بـعـد صدور حكـم فتح التـسوية بالأسـبـقـيـة عن كل ديون أخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات “. وبذلك يكون المشرع قد تخلف عما هو سائد في القانون المقارن بتخصـيـص ديون العمال بامتياز الدرجة الأولى أو بامتياز الامتياز – حسب تعبير المشرع الفرنسي- في إطار صعـوبات المقـاولة، فرغـم إعـفاء الأجراء من قاعدة التصريح بالديون، فـإن آثـار هـذا الإعـفـاء تبقـى محدودة، بحيث لا يؤدي إلى الإعفاء من التحقيق، حيث يمكن للقـاضـي الـمـنـتـدب إما قبول الدين أو رفضه، كما أن المشـرع المغربي لا يستثني صراحة طائفة الأجراء من مبدأ الآجال والتخفيضات التي قد تلحق بديون الدائنين كما فعل نظيره الفرنسي(15).

وقد كان بالإمكان التخفيف من هذه الآثار والأحكام التي لا تنسجم مع الطابع المعيشي والاجتماعي للأجور ، لو سمح المشرع للأجراء بالحق في ممارسة المتابعات الفردية بخصوص الديون السابقة كما هو الشأن لنظيره الفرنسي الذي سمح للأجراء بإمكانية ممارسة الدعاوي أو مواصلتها للمطالبة بحقوقهم الناتجة عن عقد العمل، كما أنه

لو تم التنصيص على استثناء ديون الأجراء من قاعدة المنع من أداء الديون السابقة كما هو الشأن للقانون الفرنسي لأمكنها التأثير على الضمان العام المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة(16).

والحقيقة أن المشرع المغربي لم تكن له الجرأة ليوضح موقع ديون الأجراء ضمن قاعدتي المنع من أداء الديون السابقة ووقف المتابعات الفردية، وإن كانت طبيعة تلك الديون تستوجب استبعادها ، لأن تطبيق تلك القواعد والأحكام على الأجير قد تكون له آثار وخيمة عـلـى وضعيه الاقتصادي و الاجتماعي، بل أكثر من ذلك كـان علـى المشرع أن ينص على استـثـنـاء ديـون الأجـراء من المادة 575 م ت، فإذا كان مـن المقبول فرض تضحيات على الدائنـيـن السابقين، فإنه ليس من المعقول والعدل فرض نفس التضحيات على ديون الأجراء الناشـئة قـبل فتح المسطرة.

في ذات الإطار نسجل غياب أية هيئة أو جهاز لتأمين الديون الناشئة عن عقد العمل في حالة خضوع المشغل لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية وعدم وجود الأموال اللازمة لتغطية ديون الأجراء.

وتأسيسا على ما سبق، نستطيع القول بأن الامتياز المخول للأجراء في التشريع المغربي ليس وسيلة مثلـى لـحمـاية الديون الـناتـجـة عن عقـد العمل رغـم طبيعتها المعيشية والحيويـة بالنسـبـة للأجير، الأمر الذي يجعل الضمانات الممنوحة للأجـراء بمقتضى مدونة الشغــل تفقـد نجاعـتها وفعاليتها في حالة خضوع المشغل لنظام المساطر الجماعية.

لذلك حبذا لو أخذ المشرع بالضمانات التي سنها المشرع الفرنسي عوض بثرها في غياب حمايةحقيقية للاجراء .

………………………………………….. ……………………………………………………………

(1) المقصود بديون الأجراء في هذا السياق هو الديون السابقة على فتح المسطرة، أما الديون اللاحقة فلا تثير أي إشكال حيث تستفيد من حق

الأسبقية بدون منازع إذا توافرت شروطه.

(2) فتيحة مشماشي، أزمة معالجة صعوبات المقاولة، الاطروحة، ص : 256.

3) ينص الفصل 143-7 من قانون الشغل الفرنسي على مايلي :

« la créance de salaire des salariés et apprentis est privilégiées sue les meubles et immeubles du débiteur dans les conditions prévues aux articles 2101-4 et 2104-2 du code civil »

(4) في هذا السياق ، أنظر ، عبد الكريم عباد، دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة ، الاطروحة، ص : 423 .

(5) ابراهيم البهالي، وضعية الأجراء بين نظام صعوبات المقاولة ومدونة الشغل، دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية

العلوم القانونية… الدارالبيضـاء، ص : 24.

(6) – Corrine saint Houin. Op. . Cit, P : 36

(7) نص المشرع الفرنسي على هذا الامتياز من خلال المادة 143 من مدونة الشغل التي تسمح للأجراء بتقاضي أجورهم المستحقة عن ستين يوم عمل السابقة للحكم بفتح المسطرة، خلال عشرة أيام التي تلي صدور الحكم، وبالأولوية على باقي الديون، وهو ما أكدته المادة 40 من القانون الفرنسي والتي جاء فيها :

« Les Créances nées régulièrement après le jugement d’ouverture sont payées, à leurs échéances lorsque l’activité est poursuivie. En cas de cession totale ou lorsqu’elles ne sont pas payées à l’échéance en cas de continuation, elles sont payées par priorité à toutes les autres créances, assorties ou non de privilège ou sûretés, à l’exception des créances garanties par le privilège établi aux articles. L. 143 – 10, L 143 -11, L 742 -6 et L 751 – 15 du code du Travail.

– (L 94-495 du 10 Juin 1994 art. 29. II) “En cas de liquidation judiciaire, elles sont payées par priorité à toutes les autres créances, à l’exception de celles qui sont garanties par le privilège établi aux articles L. 143 – 10, L 143 -11, L 742 -6 et L 751 – 15 du code du Travail, les frais de justice, de celles qui sont garanties par des sûretés immobilières spéciales assorties d’un droit de rétention ou constituées en application de la loi n° 51-59 du 18 Janvier 1951 relative au nantissement de l’outillage et du matériel d’équipement.°

(8) وتنص هذه الفصول المحال إليها على ما يـلـي : “

Art. 143 – 10 (Code de du Travail Français) « En cas de règlement judiciaire ou de liquidation des biens, les rémunérations de toute nature dues aux salariés et apprentis pour les soixante derniers jours de travail ou d’apprentissage doivent, déduction faite des acomptes déjà perçus, être payés nonobstant l’existence de toutes autres créance privilégié.

Art. 143-11 (Code de du Travail Français)

« En outre en cas de règlement judicaire ou de liquidation des biens, les indemnités de congés payés prévus aux articles 223-11 à L 223-15 et R 223-2 doivent être payées nonobstant toute autres créances privilégiées…

Art. 742 -6 (Code de du Travail Français)

« (L. 742 – 623 du 10 Juillet 1973) les dispositions de l’article 143-10 sont applicables aux marins pour les rémunérations de toute nature dues au titre de quatre vingt-dix derniers jours de travail ou de période de paiement si celle-ci est d’une durée plus longue.

(9) ابراهيم البهالـي وضعية الأجراء … م س، ص : 25.

(10) أنظر أستاذنا عبد اللطيـف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول. ع ش ف . ص : 337 وما بعدها .

(11) عبد الكريم عباد، دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة، م س، ص : 423.

(12) سعد القاسمي، خصوصيات نظام صعوبات المقاولة …، م س، ص : 111.

(13) تنص المادة 382 من مدونة الشغل على ما يلي :

” يستفيد الأجراء خلافا لمقتضيات الفصل 1248 من الظهير الشريف المكون لقانون الالتزامات والعقود من امتياز الرتبة الأولى المقررة في

الفصل المذكور،قصد استيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقولاته. تكون التعويضات القانونية الناتجة عن

الفصل من الشغل مشمولة بنفس الامتياز، ولها نفس الرتبة”.

(14) حيث أصبحت مستحقات الأجراء تستفيد من امتياز الرتبة الأولى طبقا للمادة 382 من مدونة الشغل.

(15) فتيحـة مشماشـي، أزمة معالجة صعوبات المقاولة، م س، ص : 257.

Corrine Saint Houin . Op cit . p : 360 . ( 16)

*السكتاني عمر : باحث في الفقه والقانون

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!