عالم يتشكل من جديد..أين دور العرب؟

محمد التفراوتي20 مارس 2010آخر تحديث :
عالم يتشكل من جديد..أين دور العرب؟

آفاق بيئية : الاسكندرية / محمد التفراوتي 

دور العرب في تشكل العالم من جديد

أضحى مفهوم الإصلاح العربي مدخلا واعدا لصناعة المستقبل العربي وقناة أساس لفض الاحتباس الحضاري المتجمد، وإعادة تجديد دمائه نحو عالم متغير متجدد ومتوهج بشبابه ووثاب بمفكريه وأطره.

التغير المناخي، الثروة الرقمية، الواقع العربي والعلاقات العربية: مداخل يستوجب سبر أغوارها تمحيصا وجسا ثم رؤية لتحديد موقف عربي موحد لولوج آفاق المستقبل المتحول والانخراط الحضاري الشامل مع صيرورة التطور المضطرد للبشرية في مختلف مناحيها وأبعادها الإنسانية. وفق تقبل التعددية والانفتاح وكذا إدماج البعد العلمي والعقلاني والمنهج العلمي في التفكير العربي.

وفي نفس السياق، حذا الاجتماع السنوي السابع لمنتدى الإصلاح العربي المنظم من قبل مكتبة الإسكندرية إلى مقاربة دور العرب في تشكل العالم من جديد وموقع العرب نحو مستقبل أفضل من اجل صياغة سيناريوهات الغد العربي.

وأفاد الدكتور إسماعيل سراج الدين، خلال كلمته الافتتاحية، أن العرب قادرون على طرح رؤى مستقبلية تساير ما يعتري العالم من تغيرات سريعة متسائلا عن مدى إمكانية العرب لصياغة العالم الجديد. و منتقدا غياب فعالية الدور العربي في ظل الظروف التاريخية المتغيرة. واستعرض الدكتور اسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعالم وتموقع للعالم العربي في ظل التغيرات المختلفة في النظام السياسي والتحولات الدولية المتسارعة بدء بالحرب الباردة والهيمنة الأمريكية على العالم ودخولها في حروب مستمرة في أفغانستان والعراق، وعدم استفادتها من حكمة نابليون بونابرت كأشهر من خاض الحروب في العالم، والمتمثلة في«القوة لا تحقق شيء.. في النهاية دائماً العقل يهزم السيف»

وأشار لدكتور سراج الدين إلى مبادرة الرئيس أوباما المتمثلة في ضخ 800 بليون دولار لحل الأزمة المالية للشركات الأمريكية وتحرير الاقتصاد الأمريكي.مستنتجا مدى الترابط بين الاقتصاد العالمي ككل.وساق بالشرح والتحليل الخريطة السياسية والاقتصادية العربية والدولية.و أوضح دور أمريكا المتقاعس تجاه الدول الفقيرة و إنفاق العالم ما يقارب 16ضعفاً على التسليح العسكري في مقابل التنمية، في حين هناك دول فقيرة في حالة خصاص وهشاشة اقتصادية جد حرجة. موضحا فشل نبوءة فوكوياما حول نهاية التاريخ، ونظرية صامويل هننجتون حول صراع الحضارات، ليدرج عملية تحالف الحضارات من قبل محمد خاتمي ضد أفكار هنتجتون، والتي تروم نحو التعاون بين الدول في مجالات التعليم والإعلام والشباب والهجرة.

و أوضح مدير مكتبة الإسكندرية تغير العالم بفعل التواصل الالكتروني وعصر الفضائيات مما استحال أحادية الفكر لكون تغير العالم يستوجب اختلاف التفكير. مستعرضا خريطة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية خلال 60 سنة.ملفتا إلى تجارب الدول الآسيوية والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية وما حققته من انجازات ومعجزات في فترة زمنية وجيزة فاقت التوقعات.

العناصر الحاسمة في تشكيل العالم اليوم

أفاد الدكتور أسامة الغزالي حرب، عن حزب الجبهة الديمقراطية، أن إشكالية الوطن العربي تنبع من إشكالية التعليم وتناولت الدكتورة آمال فرامي تمركز العرب على الذات وعدم مسايرة التحولات الكبرى على المستوى المعرفي وتكنولوجيا مقارنة مع قضية الهوية الدينية أو التاريخية أو الثقافية المعتبرة ضمن كأولويات.

واعتبرت أن الديمقراطية مرتبطة و التنشئة الاجتماعية و تجارب قطاع التعليم الغير الناجحة والمتناقضة في لآن واحد.منوهة بالديمقراطية الإلكترونية وذلك لكونها من إرهاصات الديمقراطية في العالم العربي وكمتنفس للشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و المدونات….

وتناول الدكتور أسامة الغزالي حرب عن حزب الجبهة الديمقراطية، إشكالية الديمقراطية كأحد العوامل المؤثرة في تشكيل المجتمعات المتقدمة؛ حيث إن هناك تلازما قويا بين الإنجازات العلمية والاقتصادية والثقافية، وبين الديمقراطية، مضيفا أن ما يميز الولايات المتحدة الأمريكية عن أوروبا هو أنها دولة نشأت على فكرة وقيمة الحرية.

وأكد أن هناك تغيير قد حدث تجاه تزايد التوجه نحو الديمقراطية وجعلها قضية تهم الرأي العام ويصر عليها منظمات المجتمع المدني، عقب إصدار وثيقة الإسكندرية للإصلاح العربي مند ست سنوات

والدكتور عدنان عمران؛ أمين عام البرلمان العربي، والدكتورة آمال فرامي؛ مهتمة بقضية النوع، والدكتور حسام بدراوي؛ رائد العمل العام ومؤسس حركة أمل للشفافية، والدكتورة موزة المالكي؛ متخصصة في علم النفس.

في حين سلط الدكتور حسام بدراوي الضوء على نتائج الأنظمة التعليمية بالمجتمعات العربية وانعدام روح المبادرة والإبداع، مع ضمور التسامح وقبول الآخر وذلك بفعل المناهج التي رسمناها لأنفسنا، إذ أن التعليم والعلوم والتكنولوجيا يعد المدخل الرئيسي لوثيقة الإسكندرية للإصلاح العربي والتي صدرت عن المؤتمر الأول للإصلاح العربي عام 2004، وشارك في صياغتها أكثر من 100 عالم ومفكر من 18 دولة عربية.

وأبرز فكرة تداول السلطة والمساءلة كأداة لتغيير المجتمعات العربية ويوجهها للديمقراطية؛ لكون استدامة السلطة دون مساءلة ينتج عنها فضاءات الفساد المختلفة مستشهدا بقصيدة نزار قباني مند سبعينات القرن الماضي حول الحال العربي، توازي في مضمونها المشهد الأمة العربية. وطالب الدكتور حسام بدراوي الدولة بالمحافظة على الهوية واللغة والتاريخ والمواد التربوية الهوية.

ووصف الدكتور عدنان عمران الولايات المتحدة ب «جزارة للديمقراطيات حول العالم»، إلا أن الدكتور الغزالي حرب علل موقفه إلى أنه يتحدث عنها ليس بوصفها دولة استعمارية وليس من منظور سياستها الخارجية، وإنما بكونها تلبي حاجات شعبها وتحترم حقوقهم.

من هنا، أشار الدكتور إسماعيل سراج الدين إلى كون الديمقراطية ضرورية من أجل التنمية هي مقولة خاطئة علميا؛ مستشهدا بتقدم الصين وغيرها من الدول في ظل الديكتاتورية، وعليه فاستمرارية التقدم مرهونة بالديمقراطية؛ إذ أنها ليست سوى هدف في حد ذاته لأن هدفها الوحيد هو حماية حقوق الإنسان وكرامته.

و شددت الدكتورة موزة المالكي على كون الديمقراطية تبدأ من المنزل، معتبرة المجتمع العربي مقهور. كما أشارت إلى أن الشخصية العربية تعاني من خلل يرتبط بالخوف من التغيير، و أن كل ما يأتينا من الخارج نخاف منه ونفسره بنظرية المؤامرة، رغم أن الغرب استفاد من الحضارة الإسلامية.

وساق الدكتور سراج الدين، في نفس المنوال، النموذج التركي والإيراني وتقدمهما في ظل حكومتين ذوا توجه إسلامي. في حين أشار الدكتور عدنان عمران إلى أنه يجب النظر إلى العوامل التي كانت سائدة في تركيا قبل تولي حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي الحكم، بعدما كان الفساد كان منتشرا، في ظل ضعف الاقتصاد ويأس الشعب، ليأتي نموذج العدالة والتنمية معتدلا ومقبولا.

و أكدت الدكتورة آمال فرامي إلى عدم إمكانية وضع وصفة تسقط على كافة المجتمعات، ذلك أن المجتمع العربي يوجد به نماذج مختلفة عن الأخرى. ودعا الدكتور أسامة الغزالي حرب،في نفس السياق، إلى تأمل ودراسة النموذج التركي والإندونيسي مقارنة مع العالم العربي و الصراع العربي الإسرائيلي و الثروة النفطية.

العالم يتغير: كيف نصنع مستقبلنا

وشهد اليوم الثاني من الاجتماع السنوي السابع لمنتدى الإصلاح العربي جلسة عامة لمناقشة كيفية صنع المستقبل العربي في ظل عالم متغير،فضلا عن عقد عدد من الجلسات المتوازية قاربت “نظرة على الوضع الإقليمي العربي”، و«الثورة الرقمية»، و«التغيرات المناخية».

ونشط الجلسة العامة الدكتور إسماعيل سراج الدين رفقة الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، والكاتبة رغدة ضرغام، والسيد أيمن الصياد رئيس تحرير مجلة وجهات نظر، وجينيفر كوريرو منسقة منظمة (تاكينج آي تي جلوبل) TakingITGlobal، ورهف حرفوش من سوريا.

وذكر الدكتور سراج الدين أن العالم في تغير مستمر مما يستوجب مراجعة السياسات العربية وتنسيق المواقف بين الدول العربية تجاه تلك التغيرات. إذ أن صنع القرار العربي لا يتم بالسرعة الكافية بما يتناسب مع التطورات التي تحدث في العالم كله، مؤكداً أن الأمر أدى إلى ضعف التأثير العربي الجماعي نتيجة تصرف كل دولة وفقاً لرؤيتها الخاصة.

و تحدثت الكاتبة راغدة درغام من زاوية سياسية عن دور العالم العربي في ظل التغيرات السياسية التي تحدث في العالم الآن خاصة بعد انتخاب باراك أوباما ليكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية واتخاذ الدول مواقف تتراوح بين التلهف وخيبة الأمل تجاه حكم أوباما.

وأشارت إلى عدم وجود عالم عربي موحد في هذا الخصوص، فمعظم الدول تتقبل الواقع الجديد والسياسيات الحالية من أجل حماية نفسها. وأكدت على أهمية أن يكون للدول العربية دور أساسي في إعادة تشكيل العالم الجديد، وذلك من خلال تبني إستراتيجية أساسية وهي التحدث بلغة المصالح مع الدول المحايدة.

وأفادت درغام أن بعض الدول العربية في حالة إنكار تام عند النظر إلى قدرتها على المساهمة في تشكيل العالم الجديد دون النظر إلى الوضع العربي الداخلي أولاً. وأكدت أن التحدي الأكبر الذي يواجه تلك الدول الآن هو قدرتها على إعطاء المرأة حقوقها، فلا يوجد دولة مؤهلة أن تكون فاعلة وهي تبعد المرأة عن مناصبها وحقوقها.

وعن قدرة العالم العربي على التفاعل مع العالم الخارجي، قال الدكتور ماجد عثمان إن العرب يتمتعون بالصدارة بين الدول الغربية فقط في معدلات الزيادة السكانية. وأكد أن كل المؤشرات توضح أن الزيادة السكانية في الدول العربية يتزايد بشكل كبير وقد تصل في المستقبل إلى 600 مليون نسمة عام 2050، بحيث يتساوى عدد سكان العالم العربي مع عدد سكان دول أوروبا.

وأضاف أن الهرم السكاني في أوروبا يتجه نحو الشيخوخة، في حين أن الهرم السكاني للعالم العربي المتوقع عام 2050 هو هرم شاب مما يعتبر فرصة ذهبية لدفع الشعوب العربية نحو استغلال الطاقات الشبابية وزيادة الإنتاج.

وأوضح أن هذه أن هذه الشريحة الشبابية قد تمثل عبء ثقيل في المستقبل إذا لم يتم استغلالها بطريقة سليمة من خلال تطوير التعليم لتنمية القدرات والمهارات.

وأكدت رهف حرفوش من خلال تجربتها في المشاركة في الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي اعتمدت من خلالها على الإنترنت والمواقع الاجتماعية مثل الفيس بوك، وتويتر من أجل الترويج لبرنامج أوباما الانتخابي والتواصل مع الناخبين، أن الاعتماد على التكنولوجيا تمكن الشباب من تجنيد أفراد عاديين من الناخبين للترويج للحملة بجهودهم الذاتية، كما تمكنت الحملة من جمع تبرعات بقيمة 400 مليون دولار من المبالغ الصغيرة المقدمة لدعم الحملة من خلال الإنترنت. مشددة على كون الانترنت يتيح الآن مجال واسع للتواصل والترويج للأفكار وإقامة المشروعات دون الاستعانة بوسائل الإعلام التقليدية، مؤكدة أن العالم العربي يمكنه الاستفادة من تلك التجربة للقيام بدور أكثر فاعلية في العالم الجديد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وتناولت جينيفر كوريرو، تجربتها في إنشاء منظمة «تاكينج آي تي جلوبل»TakingITGlobal، وبرنامج «شباب من أجل التغيير» الذي تقيمه المؤسسة بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية.

وقالت إن” المنظمة تعمل مع شباب من أكثر من 15 دولة عربية وهي ملتزمة بإيجاد مساحات يعبر فيها الشباب عن رأيه ويجد فرص للتعليم والإبداع وإيجاد فرص عمل”.

وأكدت على ضرورة أن تتفاعل الحكومات العربية مع الشباب وأن توفر لهم الفرص لاستغلال طاقاتهم وإبداعاتهم بشكل إيجابي، وذلك من خلال تفعيل الشراكة بين الشباب العربي وإنشاء برامج متطورة لتعليم وتدريب الشباب وتطوير برامج لتقديم منح صغيرة للشباب المبدع للاعتراف بأهمية المشاركات الايجابية للشباب العربي في تطوير المجتمع.

وفي هذا الإطار، قال أيمن الصياد إنه لا يظن أن العالم العربي يتبع منهجاً اقصائياً للشباب، مشيراً إلى أن معظم المؤسسات الثقافية والمجتمعات العربية تعترف بأن الشباب هو الذي يتبوأ دوراً فاعلاً في هذه المجتمعات.

وأشار أن التجارب الناجحة في المؤسسات الثقافية العربية مثل مكتبة الإسكندرية ومؤسسة قطر هي التي توفر أكبر عدد من البرامج التي تحتوي طاقات الشباب.

نظرة على الوضع الإقليمي العربي

وتناقش المشاركون حول محور «نظرة على الوضع الإقليمي العربي» عبر ثلاثة جلسات عالجت قضايا هامة من قبيل موضوع «حالة العلاقات العربية» وموضوع: تأثير العلاقات الإقليمية على حالة الحوار الداخلي، في حين ناقشت الجلسة الثالثة موضوع: دور الإعلام العربي في الخلافات العربية -العربية.

وقالت أم العز الفارسي، في الجلسة الأولى التي أدارها قدري حفني، أنه بعد ما يزيد عن 20 عاماً لا يزال الوطن العربي يعيش حالة من التجزئة، إلى أن بدأت بعض الدول فعلاً في الانقسام. وأكدت على أهمية التكتل الاقتصادي العربي لمواجهة التكتلات العالمية، ووضع أسس للدخول في النظام العالمي الجديد لتتشكل قوة متكاملة في الأنشطة الإنسانية العالمية. وشددت على أهمية التعاون العربي المستقبلي والاهتمام برأس المال البشري باعتباره رأس مال الأمة. ونادت أم العز بضرورة ابتعاد الدول عن رسم الطريق في كافة الدول العربية لكي تتمكن الأمة العربية من الاتجاه للعروبة.

وتناول سعيد عبد الله حارب، العلاقات العربية العربية، مؤكداً أنها تحتاج إلى مراجعة خاصة مع تبدل العديد من المفاهيم والأوضاع في المنطقة، وبالأخص بعد انتهاء الحرب الباردة وحالياً بعد الحروب التي تهدد المنطقة. وانتقد حارب عدم وجود موقف عربي موحد وتأثير العلاقات الخارجية على علاقات الدول العربية، وعدم وجود الاستقلال السياسي.

وأشار إلى خطورة التدخل الإيراني في غياب تأثير الدول العربية في القضايا الخطيرة، وانتقد عدم وجود تصور عربي حول العلاقات مع إيران. وألمح إلى تزايد الدور التركي ووجوده بقوة، لافتاً إلى أهمية تبدل النظرة لها. كما تطرق حارب إلى الحرب الأخيرة مع الحوثيين وانسحاب الدول العربية من حل الخلافات والمشاكل العربية مما يعطي فرص قوية للتدخلات الغربية. ونادى بأهمية الدور المصري والسعودي في الوطن العربي باعتبار كلا من الدولتين يمثل أهمية وقيمة في المنطقة.

ورأى أن القضية الفلسطينية أصبحت تفرق العرب ولم تعد تجمعهم كما كانت دائماً، وقال حالياً أصبحنا في موقف ضعف ونطالب فقط بالسلام ولم يعد السلام في مقابل الأرض، وعلينا أن نبحث عن الحلول البديلة.

فيما أكد علي الدين هلال، على حالة التردي التي يعاني منها الوطن العربي لافتً إلى أن الثقافة هي الحلقة التي تجمعنا وهي التي نعول عليها في أوقات التراجع. وأكد أن الصراعات الداخلية والحروب الأهلية هي أخطر ما يهدد الوطن العربي، ولفت إلى الاختراق الأمريكي للوطن وبالأخص بعد مناداتها بفكرة حماية الحدود لمراقبة الحدود براً وبحراً وجواً.

وعاب هلال على بعض الدول احتفاءها بوجود القواعد العسكرية على أراضيها، واعتبر ذلك نوع من الاحتلال العسكري غير المباشر. وانتقد غياب الرؤية الشاملة العربية وانحدار ردود الأفعال وهوانها. وأكد على أنه لا يوجد مستقبل لدولة عربية منعزل عن مستقبل دول الجوار لذا يجب أن يتم التحرك بشكل جماعي وفي إطار رؤية شاملة. وأجمع المشاركون في هذه الجلسة على أن ما يجمع بين العرب أكثر مما يفرقهم، وأهم ما يجمعهم التاريخ المشترك والثقافة والحضارة العربية.

وناقشت الجلسة الثانية في محور الوضع الإقليمي العربي تأثير العلاقات الإقليمية على مستوى الحوار الداخلي، وأدارها يحيى الجمل وتحدث فيها باسم الجنابي من العراق، مشيراً فيها إلى خطورة الطائفية التي تنهش في جسد الوطن العربي، وانتقد الصراعات التي تنشب ما بين الدول العربية وبعضها والانقسام الحاد داخل النظم العربية ما سيدفعها للانهيار. وتطرق للمشهد اللبناني والفلسطيني والسوداني والصومالي مشيراً إلى انتهاء الدور الإقليمي الغير عربي على حساب الروابط العربية. وحول المشهد العراقي أكد أن ذلك التدخل يثر القلق والمخاوف ويطرح تساؤلاً حول من سيحكم العراق؟. وأوصى بأهمية البحث عن آلية لوقف التدخلات الإيرانية في شئون الدول العربية ومحاولة وقف المشروع الصهيوني في المنطقة.

وتحدث حيدر إبراهيم عن تأثير العلاقات الإقليمية على حالة النزاعات الداخلية في السودان، وأعلن أن الدول العربية بدأت تستفيق في حين أن السودان سينقسم فعلياً في يناير المقبل وسيصبح الجنوب مستقلاً. ورفض تعليق كل اللوم على المؤامرات الخارجية مؤكداً أن العامل الذاتي له دور كبير. وأشار إلى أن التدخلات نتيجة للتفكك الداخلي ولام على الجامعة العربية ضعف دورها.

وأكد أن مصر كانت تملك كل الأوراق لحل المشكلة السودانية، لكنها توقفت عن الدور، كما أكد أن السودان عجز عن استغلال موقعة الاستراتيجي في أفريقيا. وألمح إلى أن الدور السوداني في أفريقيا أصبح مهمشاً بعد أن كانت الثقافة السودانية لها دور كبير في أفريقيا.

و قارب عبد الوهاب بدرخان، مستوى غياب الإرادة الوطنية في لبنان والسودان وفلسطين والعراق، لافتاً إلى أنها حالات تستحق الدراسة. وأكد على خطورة وجود انقسامات حول مواجهة إسرائيل والفرقة التي تحوم حول العرب. وأشار إلى خطورة عدم استقرار الأوضاع في الدول العربية في ظل غياب الكيان العربي. و المح إلى وجود حملات غربية لوقف الوضع العربي على ما هو عليه وأكد أن هذه القوى الخفية تحاول دعم استمرار غياب الديمقراطية وهو الوضع الذي يجعل إسرائيل في وضع جيد.

أما موضوع «دور الإعلام العربي في الخلافات العربية –العربية» والذي أداره كرم جبر، وأثار فيها جلال نصار مشكلة غياب الوسائل الإعلامية التي تمثل الأمة العربية ونبه إلى عدم اهتمام الفضائيات بما يحدث داخل البلاد التي تنتمي إليها وألمح إلى أنها تتحرك وفقاً لأنظمة التي تحدد الاتجاهات الخاصة بها. وتطرق إلى دور وسائل الإعلام الحديثة في كشف خداع بعض الفضائيات في ظل عدم استقلالها.

وانتقد زهير قصيباتي تبادل الشتائم باسم السجال في الصحافة والفضائيات حيث أن العالم العربي الآن يعيش حقبة الانهيارات التي يحاول بعض الحكام حجبها تحت ستار المصالحات، مسلطا الضوء على غياب المهنية في وسائل الإعلام وغياب معايير الموضوعية واستغلال منصة الإعلام الحديث عبر الانترنت لتشويه الوحدة العربية وما بقي منها.

وانتقد قصيباتي كذلك هيمنة اللغة الطائفية والشوفينية على كثير من وسائل الإعلام. وأكد أن هناك وسائل إعلامية تتعمد تغييب الحقائق والوقائع وإشعال الحروب الأيديولوجية مشيراً إلى أن الغالب هو استخدام التكهنات والإشاعات. وطالب بضرورة وجود ميثاق شرف إعلامي يتحكم في لغة الشتات ويحتكم للغة العقل وميزان الثبات والمصداقية.

وانتقد المشاركون في الجلسة سلبية الدور الإعلامي والحملات الوهمية التي يقودها البعض للتفرقة، وطالبوا الإعلاميين الأكفاء بالوقوف في وجه الإعلام المحرض. وعبر الجلسات الثلاثة تمت بلورة عدد من السمات الأساسية المميزة للدول العربية في الفترة الراهنة من أبرزها: عدم وجود موقف عربي موحد، معاناة الدول العربية من التفتيت الداخلي، حالة التبعية التي تعيشها معظم الدول العربية، الإساءة للآخر. كما أجمع المشاركون على وجود أولوية الاعتبارات القطرية على الصالح العربي العام. كما انتقد المشاركون الخلل الجسيم في العمل العربي المشترك.

وعاب المشاركون على قادة الوطن العربي التهاون في مسألة الاختراق الخارجي للشئون الداخلية. واتهموا الدول العربية بالفشل في إدارة الأزمات. وأكد البعض على أن الإعلام العربي يعكس صوت الحكومات أو الجهات الممولة له. وألمحوا إلى أن الإعلام يعمل على تأجيج الخلافات العربية- العربية. وأشارت أصابع الاتهام إلى الإعلام العربي باعتباره يسهم في تضليل الرأي العام العربي.

وطالب المشاركون بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودعم التعليم والبحث العلمي، ودعم التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وأوصوا بأهمية تعريف المصلحة القطرية في إطار رؤية عربية اشمل، وطالبوا باستعادة دور جامعة الدول العربية.وأكدوا على ضرورة وضع ميثاق شرف إعلامي يحتكم إلى العقل العربي، وبلورة بيئة تشريعية جديدة للعالم العربي. ووضع قواعد عامة مهنية تحكم الإعلام العربي.

الثورة الرقمية

وبخصوص المحور الثاني للمؤتمر حول “الثورة الرقمية”؛ فقد ناقش على مدار جلساته عدة موضوعات قاربت مجال الرقمنة والعالم العربي، ومستقبل اللغة العربية في ظل الرقمنة، وحقوق الملكية الفكرية في ظل الرقمنة.

الرقمنة والعالم العربي، جلسة موازية أدارها ؛ رئيس تحرير مجلة وجهات نظر أيمن الصياد، واستعرض خلالها الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية،المشروعات الرقمية التي تقوم بها مكتبة الإسكندرية لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت بسواعد شباب مصري عربي عمره بين 22 و 29 عاما، تحت قيادة خبراء في مكتبة الإسكندرية؛ ومنها مشروع إعادة نشر كتب التراث والمخطوطات التراثية، ومشروع الأرشيف الرقمي لذاكرة مصر المعاصرة، والأرشيفات الرقمية لجمال عبد الناصر والسادات وبطرس بطرس غالي وغيرهم، ومشروع موسوعة الحياة العربية، والمكتبة الرقمية العالمية، والمكتبة الرقمية العربية، ولغة التواصل الرقمية العالمية.

وتركز مكتبة الإسكندرية منذ إعادة إحيائها، يضيف الدكتور سراج الدين، على أن تكون رائدة في العصر الرقمي؛ خاصة في جانب اللغة العربية. وقد تأكد ذلك من خلال العديد من المشروعات الرائدة دوليا، والتي جعلت العالم يثق في مكتبة الإسكندرية؛ وهو ما تمثل في انضمامها للاتحاد الدولي للمكتبات الرقمية عام 2005، أي بعد ثلاث سنوات من افتتاحها.

وأشار إلى قيام مكتبة الإسكندرية بلعب دور محوري في تأسيس أكبر مكتبة رقمية عالمية (World Digital Library – WDL)

والتي أطلقتها مكتبة الكونجرس من مقر منظمة اليونسكو في باريس في إبريل 2009 بالتعاون مع عدد من الجهات العالمية. وتتيح المكتبة لمستخدميها من القراء والدارسين والمهتمين الاطلاع على كنوز العالم المعرفية والثقافية عبر هذا الأرشيف الإلكتروني الذي يتضمن مقتنيات أكثر من 30 مؤسسة عالمية.

و استعانت مكتبة الكونجرس في هذا المشروع الضخم؛ الذي رعته منظمة اليونسكو، بالمساعدات التقنية من فريق عمل متخصص من مكتبة الإسكندرية، والذي كان له اليد في وضع أساسات هذه المكتبة الرقمية الهائلة. كما أسهمت المكتبة بإضافة كتاب وصف مصر للمكتبة الرقمية العالمية والذي يرجع تاريخه إلى حملة نابوليون بونابارت على مصر عام 1798 والذي تم تحويله إلى صورة رقمية بمعرفة مكتبة الإسكندرية عام 2007. كما انها أطلقت فضلا عن ذلك أكبر مكتبة رقمية باللغة العربية في العالم أجمع؛ حيث احتفلت أوائل العام الماضي 2009 بوضع أكثر من مائة ألف كتاب عربي على شبكة الإنترنت، امتثالا لرسالة مكتبة الإسكندرية التي تسعى لإتاحة المعرفة للجميع.

ووصل عدد الكتب العربية المرقمنة إلى 150 ألف كتاب، يؤكد الدكتور سراج الدين، في كافة مجالات المعرفة، والعدد في تزايد مستمر. ويمكن لأي شخص تصفح هذه المجموعة الضخمة من الكتب من خلال الرابط الإلكتروني:http://dar.bibalex.org، وهو الأرشيف الرقمي الذي قام بإنشائه المعهد الدولي للدراسات المعلوماتية بمكتبة الإسكندرية ليضم مجموعات الكتب المختلفة والصور والخرائط. ويذلل هذا الإنجاز صعوبة الحصول على الكتب التي نفدت طباعتها أو التي قد تكون من التخصص بما يصعب على ناشر الاستثمار فيها لقلة قرائها أو تكون كتبًا قديمة لا تخضع لحقوق الملكية الفكرية و لكنها تحتاج لنشر جديد بأعداد صغيرة.

ويعد تكوين المكتبة الرقمية العربية وإتاحتها للجميع على شبكة الإنترنت إسهامًا كبيرًا من مكتبة الإسكندرية لدعم الثقافة العربية في هذا العصر الرقمي الجديد، كما تكمن أهمية هذا المشروع في حفظ الكتب والمراجع التي تقتنيها مكتبة الإسكندرية من التلف أو الضياع، وهو يأتي أيضًا ردًا للتحدي الثقافي العالمي في ظل فقر المحتوى العربي على شبكة الإنترنت وضآلته مقارنة باللغات الأخرى، إضافة إلى ما يقدمه المشروع من خدمة فائقة لطلاب العلم والباحثين والأكاديميين و للجمهور عامة.

وأشار الدكتور إسماعيل سراج الدين إلى المكتبة الرقمية لـ “ذاكرة مصر المعاصرة” التي دشنتها مكتبة الإسكندرية أواخر عام 2008 (modernegypt.bibalex.org). و”ذاكرة مصر المعاصرة” هي مشروع بحثي علمي يهدف إلى رقمنة كل المواد التي ترتبط بتاريخ مصر المعاصر؛ من صور، ووثائق، وأفلام، ونقود، وطوابع، وصحف، وغيرها، في الفترة من عام 1805 إلى عام 1981؛ بحيث تصبح المرجعية الرئيسية لتاريخ مصر.حيث أن الموقع الإلكتروني لذاكرة مصر المعاصرة يتميز بسهولة التصفح والبحث داخله وتنوع المداخل؛ حيث يستطيع الزائر الإبحار في تاريخ مصر عن طريق أكثر من مدخل رئيسي منها: حكام مصر، وموضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية وعلمية، وأحداث هامة مرت بها مصر خلال قرنين من الزمان في كافة المجالات، وأخيرا مدخل الشخصيات العامة وهو يضم مجموعة من أبرز الشخصيات التي أثرت تاريخ مصر السياسي والثقافي والاجتماعي.

واستكمالاً لنجاحات مكتبة الإسكندرية على الصعيد الرقمي، وقّعت المكتبة ومؤسسة السميثونيان الأمريكية نهاية عام 2009، اتفاقية تعاون يتم بموجبها إنشاء “موسوعة حياة” (Encyclopedia of Life “EOL”) إقليمية في المنطقة العربية. يشير الدكتور سراج الدين.إذ أن “موسوعة الحياة” مشروعًا دوليًّا قائم بالأساس على الجهود التطوعية بدأ بتمويل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 بهدف جمع وتوثيق معلومات عن كافة أنواع الكائنات الحية على الأرض؛ من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، والذين يقدر عددهم بحوالي مليون و 900 ألف نوع، خلال عشر سنوات، وإتاحتها مجانًا على الإنترنت للعلماء والباحثين والطلبة والمعلمين والجمهور العام.

وذكر الدكتور سراج الدين،في نفس سياق، أن الإنترنت أتاح مجالاً واسعًا للتواصل بين الشعوب والحضارات، إضافة إلى توفير المعلومات والمعرفة على نطاق واسع للجميع دون قيود،

إلا أنه في هذا العالم الزاخر بالانفتاح على المعلومات الثرية المتوافرة على الإنترنت، لازال حاجز اللغة يمثل عائقًا كبيرًا أمام عدد ضخم من مستخدمي الشبكة المعلوماتية، نظرًا للمحتوى المتنوع الموجود عليها والذي يعد غير متساوٍ من حيث اللغات مع غلبة واضحة للغة الانجليزية، خصوصًا في المجالات العلمية مما يجعل الحصول على المعلومات غير عادل بين الشعوب المختلفة. لذا، بادرت الأمم المتحدة بإيجاد طريقة أكثر فاعلية لكسر الحاجز اللغوي بين الشعوب تختلف عن برامج الترجمة الآلية التقليدية، فأسفرت تلك الطريقة عن إنشاء لغة صناعية للحاسب الآلي يمكن من خلالها التمثيل المعرفي للمعلومات المكتوبة بلغة الإنسان بشكل يمكن للحاسب الآلي فهمه وتداوله عبر شبكة الإنترنت، فكانت تلك اللغة هي “لغة التواصل العالمية ” (Universal Networking Language “UNL”).

وبذلك تعمل لغة التواصل العالمية على نقل المحتوى المعرفي المكتوب بلغة طبيعية ما إلى “تمثيل وسيط” في شكل شبكات دلالية بواسطة برنامج للترميز الآلي (UNL Encoder) ثم بعد ذلك يمكن توليد نص مكتوب بأي لغة طبيعية أخرى من تلك التمثيل الوسيط بواسطة برنامج للتوليد الآلي (UNL Decoder). وهكذا يمكن للغة التواصل العالمية أن تعمل كوسيط بين جميع اللغات الطبيعية لتقدم المعلومات المطلوبة للشخص الذي يبحث عنها بلغته الأم، مما سيكون البنية التحتية للغات المختلفة ليتم استخدامها في توزيع، واستقبال، وفهم المعلومات متعددة اللغات.

لتحقيق ذلك، تم إنشاء شبكة عالمية من فرق بحث وتطوير، يعمل بها متخصصون في علم الكمبيوتر لتطوير البرامج الخاصة بالنظام، ولغويون لتكوين المصادر اللغوية ودمجها مع نظام لغة التواصل العالمية. تعمل أيضًا مجموعات مختلفة من إدارات الجامعات والمراكز البحثية حول العالم تحت مظلة مؤسسة لغة التواصل العالمية الرقمية لتطوير نظام لغة التواصل العالمية تبعًا للغتهم الأم.

وفي هذا الإطار، أشار الدكتور إسماعيل سراج الدين إلى أن مكتبة الإسكندرية تستضيف مركز لغة التواصل العالمية الخاص باللغة العربية، مضيفا أنه رغم أن هذا المركز يعمل فيه فريق عمل صغير العدد من المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات ومن اللغويين الحاسوبيين، إلا أن ما أنجزوه خلال الثلاث سنوات الماضية يعد إنجازًا كبيرًا نفخر به جميعا. وقال إن مكتبة الإسكندرية تفوقت في كم الإنجازات وجودتها على الأطراف الدولية المشاركة في مشروع UNL باعترافهم جميعًا؛ حيث إن ما حققته يعد سبقا هائلاً في المعالجة الآلية للغات الطبيعية مع الأخذ في الاعتبار القدرة التصريفية والاشتقاقية العالية للغة العربية.

وترأست الدكتورة آمنة نصير، عقب ذلك، جلسة على هامش محور الثورة الرقمية حول “مستقبل اللغة العربية في ظل الرقمنة”، ونشطها كل من الدكتور أيمن الصياد؛ رئيس تحرير مجلة وجهات نظر، والدكتور عبد الرحمن بودلال؛ أستاذ علوم اللغة العربية بالمغرب.

وقال الصياد إن واقع اللغة العربية في عالمنا العربي سيء للغاية؛ فقليل من الناس يجيدونها، كما أنه هناك اتجاه لدى العرب بالافتخار بالتحدث باللغات الأجنبية وإهمال لغتهم الأصلية رغم أن اللغة إحدى عناصر القوة لأي مجتمع. وألمح إلى أن المتخصصين في علوم اللغة العربية تقع عليهم جانب كبير من مسئولية ضعف العربية لدى الأجيال الحالية؛ مطالبا بتبسيط طريقة تعليم اللغة العربية كما يتم في اللغات الأخرى، وليس تبسيط اللغة ذاتها.

وأضاف أن الاعتقاد السائد بأن الإنترنت يعمل على تدمير اللغة العربية اعتقاد خاطئ، مشيرا إلى أنه أتاح المعرفة على نطاق لا حدود له، وبالتالي أصبح البحث عن المادة، سواء كتب أو دراسات أو غيرهما، سهل وبسيط، بعكس ما كان يتم في الماضي.

و أكد بودلال أنه يتعين زيادة العمل على المعالجة الآلية للغة العربية، مؤكدا إلى أن خدمة اللغة العربية لابد أن تقوم عليها الدولة وتدعمها ماديا ومعنويا، وأن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات والمتخصصين القائمين على اللغة العربية. وأشار إلى أن مادة الدراسات اللغوية أصبحت تدرس إلى جانب مواد العلوم الدقيقة في معظم إن لم يكن كافة الجامعات الأمريكية، مشددا على أن العربية لديها من القدرات العقلية ما يمكنها من ولوج العالم التقني الجديد.

و تناولت الجلسة الثالثة والأخيرة في محور الثورة الرقمية موضوع “حقوق الملكية الفكرية في ظل الرقمنة” والتي ترأسها هشام جعفر،

وأفادت سوسن بابكر أن هناك طريقتان لحماية حقوق الملكية الفكرية في ظل الرقمنة؛ وهما: الحماية القانونية، والحماية التقنية.

أما الأولى فتعتمد على التحذير قبل إعادة استخدام المواد والمعاقبة على إساءة الاستخدام، إلا أن القوانين العربية ليس بمقدورها توفير الحماية الكافية للمصنفات التي تنشر في البيئة الرقمية، إضافة إلى تعقيد التشريعات نفسها.

وبخصوص الحماية التقنية، نوّهت إلى أن هذا النوع من الحماية هو المنتشر في الدول الأوروبية وتعتمد على وضع عقبات تقنية تمنع إساءة الاستخدام مثل الحماية من خلال استخدام كلمات السر. وبذلك فإن العالم العربي يواجه ضعف التشريعات في قوانين الملكية الفكرية في مجال النشر الإلكتروني وانعدامها في دول أخرى، لذا فإنه لابد من مراجعة تلك التشريعات والقوانين على أن تشتمل على تفاصيل أكثر دقة تواكب الثورة الرقمية في العالم وتضع في حسبانها التطور التقني مما يضمن حقوق المؤلف ويحدد قواعد النشر الرقمي. وأضافت أن الإعلام يقع على عاتقه مهمة نشر الوعي بين الجمهور في هذا الإطار، إضافة إلى ضرورة إيجاد آليات عربية لوضع تدابير تقنية تمنع التعدي على حقوق الملكية في ظل الرقمنة.

و قال الدكتور سمير بودينار. إن إشكالية حقوق الملكية الفكرية في ظل الرقمنة مطروحة باستمرار منذ ظهور المصطلح، ولم يزدها العصر الرقمي إلا بروزا وحدّة، مضيفا أن البعض رفض تلك الحقوق -ماعدا جزئية نسبة الأعمال لأصحابها- بل وذهب البعض مثل الباحث الهولندي جوست سميرز إلى اعتبارها سرقة مطالبا بإلغاء حق الملكية الفكرية.

وأورد بودينار ما استناد عدد متزايد من علماء الاقتصاد إلى الدراسات للتأكيد أن انتشار حقوق المؤلفين يعود بالفائدة على المستثمرين أكثر من الفنانين أو الممثلين أو المؤلفين، مضيفا أن الاقتصادي البريطاني مارتن كرتشمرز خلص إلى أن طرفا ثالثا هو الذي يدافع بشكل واسع عن حقوق المؤلفين؛ وهو المستثمرون وشركات الإنتاج.

التغيرات المناخية: حسم غائب وموقف عربي غائم.

ماذا بعد قمة كوبنهاجن؟ الموقف العربي بين السياسة والإعلام وموقف المنظمات غير الحكومية والإعلام ، مواضيع همت نقاشات المحور الثالث للاجتماع السنوي السابع للمنتدى للإصلاح العربي تحت عنوان: “التغيرات المناخية: حسم غائب وموقف عربي غائم”. وذلك في سياق الاجتماع السنوي السابع للإصلاح العربي، تحث شعار “عالم يتشكل من جديد…أين دور العرب ؟ ” المنظم من قبل مكتبة الاسكندرية بمصر.

ماذا بعد كوبنهاجن

أفادت السيدة فاطمة الملاح؛ مدير برنامج شئون البيئة بجامعة الدول العربية في الجلسة الأولى تحت عنوان “ماذا بعد كوبنهاجن”، أن هناك مساعي وتنسيق عربي عربي ايجابي في مجال الحفاظ على البيئة حيث يشارك العرب حالياً في التوصل إلى اتفاقية تغير المناخ والذي يتم تنسيقها من خلال مجلس الوزراء العرب. وأوضحت أن المجتمع العربي يسعي إلى تكوين موقف عربي موحد تجاه قضية تغير المناخ سواء من خلال وزراء البيئة العرب أو المنظمات المدنية العربية أو جمعيات القطاع الخاص.

وأبرزت مواقف وأنشطة وزراء البيئة العرب من اجل تفعيل قضايا تغير المناخ بالدول العربية وعبر مبادرات التواجد العربي من خلال دور الجامعة العربية في التنسيق والتحضير للمفاوضات ومشاركتها بفعالية ضمن الفضاء العربي الإقليمي .

وعرض السفير معتز أحمدين تجربته في مؤتمر كوبنهاجن للمناخ الذي عقد في ديسمبر 2009، مؤكدا أن وثيقة المؤتمر قد خرجت بمجموعة من النتائج من قبيل العمل على عدم تجاوز ارتفاع دراجات الحرارة أكثر من درجتين مئويتين، وأن تقوم الدول المتقدمة بالإعلان عن نسب انبعاثاتها من الغازات الدفيئة في ملحق للوثيقة في 2010. مشددا على كون تلك النتائج لم تكن مرضية لعدد كبير من الدول بعكس ما يعتقد الكثيرون، وكانت كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا من أبرز الدول التي اعترضت على الوثيقة، مشيراً إلى ضرورة أن تتحد الدول العربية لاتخاذ موقف في مجال البيئة وتوقيع اتفاقية مشتركة وإصدار وثيقة متفق عليها لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحماية من آثار تغير المناخ.

وأضاف الدكتور غسان شاهين، رئيس جمعية حماية البيئة السورية، أن تغير المناخ أصبح الشغل الشاغل ومحور اهتمام العالم حيث تشير جميع المؤشرات أن كوكب الأرض يمكن أن يصل إلى مرحلة حرجة جداً نتيجة الاحتباس الحراري. وأوضح أن الدول العربية تعد من أكثر الدول المعرضة لخطر التغير المناخي؛ حيث أثبتت دراسة علمية أن تسع دول عربية منها مصر والبحرين والسودان مهددة بارتفاع منسوب مياه البحر بشكل خطير.

وأشار إلى أن العالم العربي يمكن أن يتأثر بشكل كبير من آثار تغير المناخ السلبية حيث أن بعض التقارير تتوقع أن يقل محصول الحبوب بنسبة 30%، وتقل نسبة المياه في نهر النيل بنسبة 75% مع أواخر القرن الحالي. وأكد أن تغير المناخ أيضاً يساهم في إحداث تغيرات خطيرة في حياة البشر نتيجة الفيضانات والجفاف والأعاصير وانتشار الأمراض.

ودعا شاهين الدول العربية إلى توحيد الجهود من أجل محاربة تغير المناخ الذي يمكن أن يؤثر عليها بشكل أساسي وذلك من خلال الحد من انبعاثات الغازات الدفينة بنسبة 60-80%، واستغلال الصحراء العربية في إنتاج الطاقة الكهربائية من تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وتطوير آليات للتنمية النظيفة واستراتيجيات الاستخدام الآمن بيئياً.

الموقف العربي بين السياسة والإعلام

وقاربت الجلسة الثانية محور “الموقف العربي بين السياسة والإعلام”، تحدث فيها كل من الدكتور السيد صبري؛ مشرف وحدة التغيرات المناخية بوزارة البيئة، والدكتور أحمد الكوفجي؛ أستاذ علم العقاقير والنباتات الطبية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وترأسها الدكتور صلاح الجوهري.

ليبرز الدكتور السيد صبري السياسات والمبادرات العربية الإيجابية التي تم اتخاذها في مجال التغير المناخي ومنها الإعلان الوزاري العربي حول التغير المناخي الذي تم إعلانه عام 2007 للتكيف مع تدابير التصدي لتغير المناخ، خصوصا اجتماع الخبراء العرب قبل مؤتمر كوبنهاجن في 2009 من أجل تحديد الموقف العربي والالتزامات ووضع الخطط والآليات للحد من الآثار المناخية السلبية.

وأكد أن عدد كبير من اللجان الفرعية في المنظمات والجمعيات العربية تساهم في وضع توصيات إيجابية في مجال التغير المناخي بالإضافة إلى الاجتماعات الدورية لجامعة الدول العربية وتنظيم الدول العربية المصدرة للبترول لاجتماعات للعمل على الحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة.

ومن جهته تناول الدكتور أحمد الكوفجي نماذج بعض الدول العربية التي تتبنى سياسات صديقة للبيئة مثل استخدام طاقة الرياح في مصر، والطاقة الشمسية في فلسطين ومصر وتونس والجزائر، وافتتاح أول مجالس عربية للأبنية الصديقة للبيئة في مصر والإمارات العربية المتحدة، وإطلاق مشروع لاحتجاز الكربون في الجزائر، وإعفاء الرسوم على المدخلات صديقة البيئة في الأردن.مشيرا إلى كون تلك الجهود هي جهود جزئية ولا تندرج تحت السياسات العامة للدول،

واستعرض الكوفجي أحد أبرز التقارير الدولية المتسمة بدقة من زاوية عربية التي أصدرها المنتدى العربي للبيئة والتنمية متناولا محاوره بتفصيل ووقف على محاوره المختلفة المدعمة ببيانات وإحصائيات مذهلة تستدعي التدخل العاجل لإيقاف النزيف.

وفي نفس السياق دعا الدول العربية إلى إنشاء سياسات عربية محددة للتعامل مع هذا المشهد البيئي الخطير، وإنشاء مجلس أعلى لإقرار السياسات والخطط والبرامج المناخية، وإنشاء محطات مراقبة لرصد آثار التغير المناخي، وإعداد الكوادر الفنية لرصد تلك التغيرات، وإنشاء حملات توعية وبرامج أبحاث ونظم إنذار مبكر للآثار الناجمة عن تغير المناخ.

موقف المنظمات غير الحكومية والإعلام

وجاءت الجلسة الثالثة في محور التغيرات المناخية بعنوان “موقف المنظمات غير الحكومية والإعلام”، تحدث فيها كل من الأستاذ وجدي رياض؛ رئيس قسم البيئة بصحيفة الأهرام المصرية، والأستاذ زياد المغربي؛ المنسق الإعلامي لجمعية العربية لحماية الطبيعة في الأردن، وترأسها الأستاذ إلياس الحلبي من لبنان.

وقال رياض إن قضية البيئة لا تحظى بالاهتمام الكافي من الإعلام خاصة في الإذاعة والتلفزيون، حيث يعتبرها القائمون على القنوات الإذاعية والتلفزيونية مادة غبر جذابة جماهيرياً، رغم أهمية التلفزيون كأداة ترويجية نظراً لمساحة المشاهدة التي يحققها. ومن خلال العمل بصفحة البيئة في الأهرام، أكد رياض أن الصحفيين يعزفون عن العمل بهذا المجال، كما أن المؤسسات الإعلامية لا تعطي التغطية البيئية الدعم المادي الكافي.

وأوضح أن نشاط العالم العربي في البيئة محدود جداً ويكاد يكون منعدم، فلم يصدر تقرير بيئي واحد حول التغير المناخي في الوطن العربي من العالم العربي، رغم كثرة التقارير الأجنبية، مشيراً إلى أن معظم الدول العربية لديها العلماء والبنية الأساسية والموارد الطبيعية الكافية، فكل ما نحتاجه هو فكر عربي يقود البيئة إلى بر الأمان.

وأفصح الأستاذ زياد المغربي عن مستوى الإعلام البيئي في الأردن المتسم بالضعف لعدم التزام الحكومة أو المنظمات غير الحكومية أو الصحافة بواجباتها في نشر برامج التوعية البيئية ونشر أخبار البيئة. وأكد المغربي أن المؤسسات الإعلامية تفتقر إلى وجود استراتيجيات بيئية على المدى البعيد، كما أن هناك صعوبة في إيجاد إعلاميين متخصصين في مجال البيئة، ولا توجد قناعة ذاتية بأهمية الإعلام البيئي لدى المؤسسات الإعلامية. وأكد المغربي على ضرورة التنسيق بين القطاعات والمؤسسات العامة والمراكز الأهلية والبحثية لنشر الجهود المبذولة في مجال البيئة، وتوعية أصحاب القرار بالمؤسسات بأهمية الإعلام البيئي، والإعداد العلمي والتقني للإعلاميين في مجال البيئة والتركيز على قصص النجاح والتجارب الايجابية في مجال البيئة في العالم العربي.

مناقشات حول المستقبل العربي

وهمت الجلسة الاختتامية محور حول ” مناقشات حول المستقبل العربي”،. أدارها الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية ليؤكد أن الهدف الرئيسي من المؤتمر استكشاف كيف يفكر العرب إزاء مستقبلهم وأعلن عن تأسيس مكتبة الإسكندرية لوحدة الدراسات المستقبلية في الوطن العربي، والتي ستضم مجموعة من الباحثين الشباب في كل المجالات للتفكير في رسم سيناريوهات للمستقبل. ولفت إلى أن إسرائيل لديها 4 سيناريوهات وتصورات مرسومة وواضحة للقدس والمنطقة المحيطة بها.

وأبرز أهمية تحديد هذه السيناريوهات وبحث علاقات مصر مع دول الشام في ظل وجود إسرائيل، ووضع سيناريوهات حول مدى إمكانية إقامة منطقة جوية واحدة، وحول حركة النقل الملاحي وحركة التبادل التجاري. وطالب عزب بضرورة تغيير ميثاق جامعة الدول العربية وإعادة النظر في برامجها ومصيرها مشدداً على ضرورة تفعيل دورها في الفترة القادمة، ونادى برفع علم جامعة الدول مع كافة أعلام دول الوطن العربي، مشيراً إلى أن عدم رفعه يدل بقوة على عدم اعتراف الدول العربية بها وبدورها.

وانتقد خالد عزب غياب معايير الدول الرشيدة في العالم العربي وغياب الرؤية الواضحة إزاء العلاقات العربية – العربية، وعدم الحديث عن الإصلاح من منظور داخلي عربي. وتطرق إلى مسألة الكثافة السكانية في الخليج العربي، وأكد أنه يجب وضع خطة لتحديد إمكانيات وموارد الدول وتناسبها مع تلك الزيادة. كما لفت إلى أهمية توطيد العلاقات التجارية العربية وبالأخص العلاقات بين دول الخليج العربي والمغرب العربي.

واستعرض الدكتور. أحمد جويلي، أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، كرونولوجيا إحداث السوق العربية المشتركة مشيراً إلى أن الانتهاء من مراحلها سيكون خلال 5 سنوات من الآن، مؤكداً أن السوق العربية المشتركة ليست شعارا، بل ضرورة حتمية للأمن القومي العربي، مطالبا بأهمية دعم التجارة البينية العربية.

وشدد على أهمية وجود سياسة مالية واحدة وضرورة تأسيس بنك عربي مركزي وعملة عربية موحدة قبل 2020. ودعا الدكتور جويلي الدول العربية إلى العمل على إنجاح مشروع الاتحاد الاقتصادي العربي، مشيراً إلى أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة التي أقرتها القمة الاقتصادية العربية بالكويت في يناير 2009 تعتبر الخطوة الأولى من الاتحاد الاقتصادي العربي.

وعارض الدكتور جويلي مسألة المقارنة بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية مشيراً إلى أنه لا وجه للمقارنة بين الجانبين، حيث إن الدول العربية حصلت على استقلالها في وقت متأخر وهي دول نامية، وفى المقابل برر أن الدول الأوروبية وجدت سهولة في إقامة الاتحاد الأوروبي لوجود قاعدة اقتصادية لديها كما طالب، في سياق.

الأمن الغذائي والأمن المائي العربي، بضرورة توفير الغذاء لكل مواطن عربي لأن العالم العربي يستورد كل أنواع الغذاء من الخارج، مؤكداً على أن هناك فجوة كبيرة بين الاحتياجات والإنتاج، حيث يتم استيراد نحو 72 مليون طن من الغذاء سنويا.

واعتبر الدكتور جويلي مشكلة البطالة في العالم العربي تحديا كبيرا أمام صانع القرار العربي في ضوء أن 20 في المائة من القوى العاملة البالغة 130 مليون شخص يعانون من البطالة، مشددا على أهمية تنوع الصادرات العربية إلى العالم الخارجي، مشيرا إلى أن البترول يمثل 75 في المائة من الصادرات العربية.

ذلك أن مساهمة الدول العربية لا تشكل سوى نسبة 5 في المائة من الاقتصاد العالمي، وأشار لمجهودات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية من أجل تفعيل التعاون العربي. وأكد على أهمية تفعيل الاتفاقيات العربية التي تغطي مجالات عدة في التعاون بين الدول العربية والاتفاقيات بين الدول العربية والدول الأجنبية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتحدثت الدكتورة ابتسام الكتبي من الإمارات، مشيرة إلى أن العالم العربي في حاجة للتنمية وتعزيز قيم المواطنة. وأشارت إلى أن الحاجة الآن ماسة لحلم وطني عربي، ودعت المثقفين والساسة العرب للكف عن الخطابة وأداء رسالتهم. وطالبت المثقفين العرب بالنزول إلى الميدان والمشاركة في النهضة العربية وفتح منافذ للشباب ليتمكنوا من العطاء في مختلف المجالات.

وتطرقت لميس ناصر من الأردن، لأمرين هما التعليم وتمكين المرأة باعتبارهما يشكلان تحديات حقيقية في طريق التنمية. وأوضحت أن هناك 70 مليون عربي يعانون من الأمية وثلثهم من النساء. وأكدت أن التعليم حق أصيل من حقوق الإنسان وحثت العرب على أهمية إزالة الفجوة التعليمية بين الجنسين، مشيرة إلى أن الفجوة النوعية الأعمق هي موضوع التعليم المهني، وسيادة المفاهيم النمطية التي تحكم التعليم. وطالبت بإتاحة الفرص المتساوية والقضاء على المفاهيم النمطية حول دور الرجل والمرأة.

وحول قضية تمكين المرأة، ذهبت إلى أن معدل المشاركة الاقتصادية للإناث في الأردن بلغت نسبتها 14.2 فيما بلغت نسبة مشاركات الذكور 64%، ووصل معدل البطالة عند الإناث إلى 24.2%، بينما بلغت نسبة الذكور 1%، بالإضافة للنسب المنخفضة للمشاركة السياسية في الدول العربية.

وانتقدت لميس ناصر تنازل الكثير من النساء عن حقوقهم الشرعية والدستورية، وتناولت مشكلة التنازل عن الميراث والذي تقوم به المرأة سواء الريفية أو المتحضرة، مطالبة بزيادة توعية المرأة بحقوقها في الانتخاب والترشح والعمل مؤكدة على خطورة دور المرأة في شتى ميادين الحياة.

كما تحدث الدكتور زكي الميلاد من السعودية عن عدم وضوح اتجاهات العرب ورؤيتهم المستقبلية، مؤكداً على خطورة غياب المنهج العلمي في تحليل مستقبليات العالم العربي، الذي يستند على التحليل من خلال البيانات والأرقام والمؤشرات والاستقراءات.

وأشار إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود خبراء متخصصين في حقل الدراسات المستقبلية في العالم العربي واعتبرها هي قضية مستقبل العالم العربي.

وانتقد عدم وجود مراكز دراسات متخصصة في حقل الدراسات المستقبلية في العالم العربي، لكي تسهم في تطوير العالم العربي وعدم وجود مطبوعات تتعمق في الدراسات المستقبلية.وأشار إلى أن حركات الإصلاح في القرنين 18 و 19، قدمت أفضل خطاب فكري أنجز حتى اليوم.

وحول المستقبل العربي من منظور المغرب، تحدث د. عبد الحق عزوزي، متسائلاً عن النظام العربي الذي يمكن التعويل عليه في المستقبل. لافتاً إلى أن الطامة الكبرى هي مرض النظام العربي، وتطرق إلى أهمية الديمقراطية في تكوين كتلة تاريخية لافتاً بذلك إلى غياب الكتلة العربية مما يؤثر على الوحدة العربية والتنمية المستدامة في العالم العربي.

وقال أن هناك خسائر مالية تقدر بحوالي 19 مليار دولار لكل من دولتي المغرب والجزائر،مرجعها غلق الحدود ما بين الدولتين الشقيقتين، وهو الأمر الذي جعل كل منهما يبحث عن أسواق أخرى أوروبية للتبادل التجاري.

الدكتور إسماعيل سراج الدين: العلم اليوم هو القطب الذي يوجه حركة المعرفة ومسيرة الحضارة

وألقى الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، كلمة في الجلسة الختامية للمؤتمر السابع للإصلاح العربي، مشيراً إلى ان هذا المؤتمر يمثل منعطفا هاما، واعتبره نقله من التقوقع في نقد الأوضاع الحالية والمطالبة بتغييرها إلى تشكيل صورة المستقبل الذي نريده لأنفسنا ولأمتنا ورسم المسار الذي يجب أن نتبعه لصناعة هذا المستقبل، وقال:نعم صناعة المستقبل بأيدينا، فالتجربة العالمية تشهد أن العالم تقدم بأحلام الشباب وإرادتهم.وأكد على أهمية تجديد الخطاب الثقافي العربي، فلا تغيير دون مجابهه هذا التحدي، وضرورة الاتجاه للتعددية والانفتاح وإلى تبني الثقافة العلمية والعقلانية والمنهج العلمي في التفكير.

وأوصى بضرورة إحداث هذا التغيير الجذري في الخطاب الثقافي العربي بكل ما يتضمن من تغيير في الخطاب الإعلامي وفي الخطاب الرسمي وفي الخطاب الديني، وكل ما يشمل من تبديل في رؤى بالية لوضع المرأة ومكانة الشباب. قائلاً “من المؤسف أن نجد أن تيارات معادية لهذا التجديد تتبنى أفكارا نعتبرها تعكس هذه الرؤى البالية ونراها ردة إلى الوراء، قد وجدت طريقها إلى عدد ليس بقليل من علية القوم وصناع القرار وأصحاب الرأي، حتى في أروقة القضاء المصري الرصين”.

وأضاف “فقد وجدنا بعضهم يشكك في حقوق المرأة ومساواتها بالرجل -رغم نص الدستور -وهو أمر لا يستوي مع توقعاتنا من السلطة القضائية ذات الأصول المتجذرة في تاريخ الحرية، والتي هي ملاذ المواطن في كل شيء، والتي صانت الحرية وحقوق المواطنين في مصر عبر ستين عاما، والتي نعتبرها حاميا للقيم الدستورية من المساواة أمام القانون للرجال والنساء، ونعتبرها ضامنا لنزاهة التصرفات العامة، والتي نسعى دائما لحماية استقلالها كعمود من أعمدة الدولة الديمقراطية الحديثة”.

وحول رؤيته للثقافة العربية في مواجهة ثقافة العصر، بكل آماله وتحدياته، بإنجازاته وإخفاقاته، تصدى سراج الدين لموضوعات ثلاثة، كان أولها: التأكيد على حرية التعبير، باعتبارها أساس كل تغيير، وثانيا: مجابهة القيم البالية، مع التأكيد على أن التغيير لا يعني التخلي عن القيم الإنسانية السامية في تراثنا.وثالثا: تخطي التفرقة والشرذمة التي يبثها البعض في مجتمعاتنا، حتى باتت قضية الوحدة الوطنية في خطر حقيقي.

وعن التأكيد على حرية التعبير،قال:أصبحت اليوم كلمة الديمقراطية شعارا يرفع في كل مكان، ولكنه وقت لا تزال فيه حرية التعبير تحتاج لحماية كل من يؤمن بأنه لا معنى للحريات الأخرى بدونها. فبدون حرية التعبير؛ لا معنى للبحث عن الحقيقة، ولا جدوى من التوصل إلى هذه الحقيقة. وأيضاً لا توجد الشفافية، ولا تتم المساءلة. وبدونها لا يسمع الصوت المغاير، ولا يأتي الجديد. ولا بحث علمي يفيد، ولا اكتشافات، ولا تبنى المعرفة ولا تتقدم المجتمعات.

وذهب إلى أن مجتمعاتنا العربية، مرت بفترة من الركود، أسهمت في إرث ثقافي مريض يقدس الماضي ويرفض الجديد؛ بينما الثقافات الحية تتفاعل مع الجديد من كل مكان، وتمارس التجديد مع التأصيل؛ فتتجدد وتزداد حيوية وتسهم في صناعة مستقبل مجتمعاتها؛ فليس كل دخيل بخبيث، وليس كل قديم بفان.

وأشار إلى أن المجتمع العربي يشهد في الآونة الأخيرة تغيرات ثقافية مقلقة، قائلاً: فبينما نجد الأنظمة الحاكمة التي كانت في الماضي تصادر حق المفكرين والمبدعين، وتفرض رقابة شرسة على ما ينتجون، وتضرب حصارا على ما يمكن للشعوب أن تسمعه أو تراه أو تقرأه – نجدها الآن وقد أفسحت المجال كثيرا عما قبل، وأتاحت هامشا من الحرية مارسه أجدادنا؛ ولكن آباءنا لم يكونوا ليحلموا به، فإذا بالمجتمع نفسه تضرب فيه تيارات رافضة للجديد، تضيق دائرة المقبول، تحارب كل دخيل، بل وترفض كل ما يخالف نظرتها الخاصة للمجتمع والتاريخ.

وأضاف: أن هذه المجموعات تفرض حصارا جديدا على المبدعين والمفكرين والباحثين والمجتهدين، وأصبح السياق العام لمجتمعاتنا أكثر تشددا أمام حرية الإبداع وحركة الفن والأدب عن يد الدولة ومقص الرقيب، فأصبحنا في أمس الحاجة لمجابهة هذه التيارات، وللوقوف بوضوح إلى جانب حرية التعبير بصوره المختلفة.

ولفت إلى أنه في بداية عصر النهضة العربية منذ قرن تقريبا، كانت كلمة الحرية ذات إشعاع وضياء، تنصرف للوهلة الأولى إلى التحرر من بقايا الخلافة العثمانية، ومن الاستعمار الأوروبي الذي اقتسم تركة الرجل المريض، ومن التخلف الحضاري الجاثم على صدر الأمة العربية يعوق حركتها نحو المستقبل. لذلك لم يكن هناك ما يدعو للتحفظ عليها من أهل الفكر أو السياسة أو قادة الرأي العام. وأشار إلى أن العودة لمنهل الثقة في الذات ومنبع الاعتزاز بالمقومات الأصيلة كانت في التراث العربي الإسلامي منطقية لتأصيل مفهوم الحرية، وكشف انسجامها مع معطيات الثقافة القومية، واتساقها مع روح النهضة الشاملة لمختلف جوانب الحياة العامة والخاصة.

وقال”لكن لم يكد ينتصف القرن العشرون، وتظفر معظم الدول العربية ببشائر استقلالها تدريجيا بعد نضال مضن، وفي ظل أوضاع عالمية متغيرة استبدلت فيها أشكال الاستعمار القبيح بمناطق نفوذ وتحالفات جديدة، حتى أخذنا نواجه قضايا الحرية بمنظور مغاير، تلعب فيه الصراعات الأيديولوجية من يسارية ويمينية، من نظم ثورية وأخرى تقليدية دورا كبيرا، وتفاقمت خطورة تيارات الإسلام السياسي المعارضة، وأصبح مفهوم الحرية – وفي جذره الأساسي حرية التعبير – مثار إشكالات والتباسات عديدة، من أخطرها توهم أنه مفهوم غربي دخيل على ثقافتنا وهجين في حياتنا وخطر على أصالتنا الذاتية”.

وأوضح أنه لكي يتم تغريب هذا المفهوم والتشكيك في مشروعيته أخذت التيارات الأيديولوجية تضع أمامه الحواجز والتحفظات، ومن أهمها تعارض الحرية مع ثوابت الدين والتقاليد المستقرة، أو مع طموحات اليسار وأحلام العدالة الاجتماعية المحبطة. وعزز أصحاب المصلحة في تكريس الاستبداد السياسي للنظم الشمولية هذا التيار، فتحالف التخلف المجتمعي مع التفسير المغلوط للدين في رفع راية العقيدة والأخلاق، لمناهضة التحرر وضرب حركات التنوير واستعداء المجتمع على منظومة الحرية والتقدم.

ونصح بأنه يتعين علينا في سبيل رسم هذا الإطار الفكري المنشود التأكيد بقوة على مركزية قضية الحرية وضماناتها في كل ما نبغيه إلى تأصيل قيمة المساواة بين البشر والعمل على تحقيق أعلى مستوى من العدالة الاقتصادية والمجتمعية وتحرير الإنسان من الأوهام العنصرية وتأهيل المجتمع لتقبل فكرة حرية العقائد وتأكيدها في الممارسات الفعلية في كل أماكن عالمنا العربي الفسيح.

وفي سياق حديثه عن مجابهة القيم البالية، قال: “إنني واحد من أبناء هذه الأمة العربية، يعتز بماضيه، لكنه لا يقدسه، بل يحاول أن يكون وفيا له، بتجاوزه والتفوق عليه، ولا يرى أية موانع هيكلية تحول بيننا وبين التقدم السريع في طريق البناء الحضاري الخلاق.

والفرق بين الثقافات المختلفة واضح لكل من يبصر الواقع، فهناك ثقافات متجمدة، متكلسة؛ أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، وهناك ثقافات وثابة، شابة، متوالدة، خلاقة، مهما كان عمرها. فما هي دلائل هذه الحيوية، وما حظنا منها في ثقافتنا العربية؟”.

وأضاف” ورثنا من فترات الركود الحضاري أحادية النظرة في رؤية القضايا الخلافية، فتعصب كل منا لرأيه، ومصلحته، واتهم غيره بالخطأ واشتط في ذلك حتى رماه بالخيانة أحيانا وبالكفر أحيانا أخرى، دون إدراك حقيقي لضرورة التحليل التفصيلي والاعتراف بتعدد الأبعاد في كل المشاكل، والتسليم بتفاوت القدرات لدى الشخصيات العامة، وانتزاع أجمل وأقوى ما في كل منها. نميل إلى اختزال هذا الثراء في تعدد المنظورات إلى ثنائيات ضدية، ونقيم بينها تعارضا مفتعلا، مثل: الأصالة والمعاصرة، والمصلحة الخاصة والعامة، وطموح الفرد ونهضة الأمة؛ ليس هناك تناقض على الإطلاق بين هذه الأطراف، بل إن جدليتها هي التي تصنع حركة الإنسان والمجتمعات”.

واستكمل مدير مكتبة الإسكندرية حديثه مشيراً إلى نتائج هذا التشبث المتعصب الذي يؤدي بأحادية النظرة إلى الضحالة والسطحية، وافتقاد العمق في التحليل، والعجز عن تنمية الوعي بمعرفة دوافع الآخرين وبراهينهم، قائلاً: إنه يشف عن فقر الفكر بمقدار ما يقود إلى تحوله إلى سلوك عدواني غريزي، من هنا يفقد قدرته على الحوار، ويفتقد إلى روح التسامح ويضيع مفهوم حق الاختلاف، بل وإمكانية الخطأ الذي يصون إمكاناته.

وأكد أن العرب والمسلمين هم الذين رفعوا راية العلم والمعرفة، منذ أكثر من ألف عام، حين تمردوا على النص الأرسطي الموروث وأرسوا قواعد المنهج العلمي الحديث، المبني على التجريب والقياس، وذلك قبل ستة قرون من ظهور جاليليو، الذي أجبرته محاكم التفتيش في أوروبا على التراجع، بينما كان العلم بأيدي عمالقة مثل ابن الهيثم يتقدم في العالم العربي الإسلامي.

وذكر أن مجتمع العلم والمعرفة الذي أقاموه طوال فترات القرون الوسطى كان مجتمع التسامح والانفتاح، لافتاً إلى أن هذا المجتمع المنفتح المتسامح، لا يفسح المجال للإبداع الأدبي والفني فحسب، بل يتسع صدره للتعبير عن الشك والإيمان لهؤلاء الذين – مثل أبي العلاء المعري – يفصحون عما في قلوبهم في رحلتهم من التساؤل إلى اليقين، ومن الشك إلى الإيمان…وقال:«إن هذا المجتمع لا يخشى الغزو الثقافي ولا يخاف ترك الموروث والمتعارف ولا يهاب احتضان الجديد الغريب»

وقال «إنني أعترف أن كثرة تغنينا بميراثنا الحضاري القديم، دون إدراك حقيقي لمقوماته أدى إلى أننا نتصور في كثير من الأحيان أن الماضي والحفاظ عليه وتقديسه هو النموذج الذي ينبغي احتذاؤه في صناعة المستقبل، وهذا أكثر الأوهام فتكا وأشدها ضلالا». وأضاف: صحيح أنه كان من الضروري لنا – لكي نمتلك الثقة في شخصيتنا القومية ولا ننسحق أمام الآخر، خاصة في الفترات الاستعمارية – أن نستنجد بهذا الماضي، ونستمد منه قوة المقاومة، والثقة في الذات، لكننا بعد أن تخطينا هذه المرحلة، نضر بأنفسنا أفدح الضرر عندما نتحول إلى عبادة الأسلاف بدلا من احترامهم.

وطالب سراج الدين العرب بألا يديروا ظهورهم لحركة التاريخ، أو أن يتصوروا أنهم في عوالم مغلقة على ذاتها، تعيش وحدها على هذا الكوكب، حتى لا يصابوا الرضوخ للصبغة المحلية والإقليمية، وناشدهم بالكف عن النظر حولهم ليعرفوا كيف واجه غيرهم ذلك لنتعلم ونبني على أسسه.

وربط سراج الدين ذلك بداء آخر، وهو البعد عن الثقافة العلمية المعاصرة التي أصبحت المقياس الحقيقي لحيوية الثقافات، منوهاً أن الفلسفة في العصور القديمة كانت أم المعارف وذروة هرمها، وأنها هي التي تمثل أسس الأفكار وتوجه حركة الشعوب مدنية أو عسكرية، وقال”لقد أضحى العلم اليوم هو القطب الذي يوجه حركة المعرفة ومسيرة الحضارة، ومن ثم أصبحت سيادة التفكير العلمي والثقافة العلمية هي ضمان المعرفة والتقدم، ولا سبيل لنا للإسهام في تشكيل الحضارة المعاصرة من الدخول في هذا السباق العلمي، بكل طاقاتنا المادية والبشرية، على جميع المستويات الفردية والجماعية”.

وأكد سراج الدين أيضاً على تعليم الفتاة وتمكين المرأة خاصة وأنها تلعب دورها كاملا في شتى مجالات الحياة، فلا يوجد تقدم حقيقي يحرز في المجتمعات التي لا تنصف المرأة ولا تعترف بدورها المحوري الخلاق.

ودعا سراج الدين إلى ضرورة مواجهة مشكلة إقحام الدين فيما لا علاقة له به، وتحكيم رجال الدين في مختلف شئون الحياة، وانفجار عصر الفتاوى العشوائية، وسيادة الدعاة المحترفين والمتطوعين، مشيراً إلى أنها مشكلة حساسة، آن لنا أن نواجهها بشكل حاسم ونهائي. قائلاً “إن الميزة الكبرى للإسلام هي الاهتمام القاطع بشئون الدنيا والاحتكام للخبرة الإنسانية في إدارتها، منذ حادثة تأبير النخل الشهيرة في التراث الإسلامي وكلمة الرسول (ص) الجامعة: “أنتم أعلم بشئون دنياكم”؛ فلدينا الحرية في إدارة مجتمعاتنا اعتمادا على مصلحة الناس وحكم العقل وخبرة التاريخ ونمو المعرفة العلمية، بما في ذلك صياغة القوانين التي تخدم النفع العام مستأنسة بفهمنا للثوابت في تراثنا، منفتحة على التطورات الجديدة واحتياجاتها. وإنني أرى أنه من الضروري ألا نقحم الدين في أمور؛ الرأي فيها ليس لعلماء الدين ولكن لأهل التخصص، لأنها أمور لا تتعلق بالحل والحرمة، بل بالصواب والخطأ قياسا على المصلحة العامة القابلة للتغير حسب الزمان والمكان والظروف..

واستطرد قائلاً”إننا نتعجب لهذه الظاهرة التي تتجه بكل كبيرة وصغيرة إلى علماء الدين للحصول على فتوى، حتى إذا كان الموضوع ليس موضوعا دينيا، وفي هذه الظاهرة تعطيل للعقل، فهي تبتغي تحميل مسئولية القرار – أيا كان هذا القرار – على صاحب الفتوى، بينما عرفنا من كبار مفكرينا – مثل عباس محمود العقاد – أن “التفكير فريضة إسلامية”، وأن استعمال العقل واجب على المسلمين”.

وأشار إلى أن الوجه الآخر لهذه الظاهرة المقلقة، هو إقحام الدين في تقييم العمل الفني، بما في ذلك من فرض رقابة اجتماعية شرسة من فئة منغلقة متعصبة على ما يجوز للمجتمع أن يقرأه أو يسمعه أو يراه، وذلك لأنها لا ترى رأيا غير رأيها، ولا تريد التعددية وثراءها الثقافي في المجتمع، ونحن لسنا من أنصار مصادرة الأفكار؛ ليس فقط لأن ذلك ضد الحرية، وإنما لأنه يحقق شهرة وانتشارا لأعمال لا تستحق ذلك.

وفي معرض حديثه عن تنظيم المجتمعات العربية، قال” لابد في مجتمعاتنا العصرية، المتعددة المكونات، أن نؤكد على مفهوم المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون، رجالا ونساء، مسلمين وغير مسلمين.فلا شأن للدين بأمور العلم؛ بعد أن تطورت المعارف بسياج أخلاقي يحميها، وإن كانت التطبيقات التكنولوجية للمبادئ العلمية في كل المجتمعات تحتاج إلى القيم الأخلاقية – الدينية والفلسفية – لتوجيهها”. وأضاف ” لقد آن لنا أن نحافظ على ديننا بالتمسك بروحه، والتحلي بخلقه، والتحرر من حرفية بعض فقهائه في إدارة شئوننا الجماعية؛ لنكون أقوى وأكثر تقدما”.

وحول التفرقة والشرذمة، ذهب سراج الدين إلى أن تصاعد الطائفية الدينية والمذهبية والعرقية يعد إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه سلامة الجسد والفكر العربي. لافتاً إلى أن هناك مجتمعات عربية تفتت بالفعل، وأخرى تواجه خطر التفتيت، وثالثة تحاك حولها مشروعات التقسيم. متسائلاً: ماذا جرى في العالم العربي، من حديث متوتر، وشحن طائفي، وعنف متصاعد، وخطابات التفرقة التي تتحدث عن مسلم ومسيحي، شيعي وسني، بربري وكردي؟. وقال” يخطئ من يظن أن “فيروس” التفتيت الذي يغزو الكيان العربي مجرد تعبير عن مشروعات سياسية فقط وإنما هناك خطابات ثقافية تروج له، وتزين دخوله إلى العقلية العربية، وإذا لم نتصد لهذه الخطابات فإن “الطائفية” بمشتملاتها الثقافية والسياسية هي مآل هذه المنطقة، بدلا مما نسعى له من قيام الدولة الوطنية القوية المستنيرة، والمتسامحة، التي تقوم على المواطنة المتساوية لكل أبنائها، وحرية التعبير لمبدعيها، والديمقراطية لشعبها.

واقترح سراج الدين عددا من النقاط، كان أهمها: تعزيز المواطنة الكاملة لكل المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، واستصدار القوانين والتشريعات التي تضمن المساواة بين المواطنين في كافة مناحي الحياة، وتعميق روح التسامح في المجتمع، وحث الإعلام على القيام بدوره في هذا المجال، بما يتضمن نشر ثقافة التضامن، وقبول الآخر في المجتمع، والامتناع عن النشر صراحة أو ضمنا مما يحض على الكراهية أو التمييز.

فضلاً عن إبراز أهمية المشاركة في تعميق المواطنة، بما يتضمن فتح المجال أمام المواطنين للمشاركة في منظمات المجتمع المدني، وكذلك وضع الإطار التشريعي، وتطوير الممارسة العملية التي تساعد على انخراط كافة المواطنين في جهود المشاركة والتنمية.كما أضاف للمقترحات، التأكيد على أهمية حكم القانون، بما يعزز المساواة بين المواطنين كافة فضلا عن تطوير مؤسسات العدالة وتيسير الوصول إليها، وتطبيق أحكام المحاكم بشفافية ومسئولية دون تأخير أو إبطاء.

وقال: أن شجون الثقافة العربية تبعث الكثيرين على اليأس، لكننا عندما نتتبع مسارات الثقافات الموازية في القارات القديمة والجديدة؛ في الشرق والغرب، ندرك أننا لسنا وحدنا من يواجه هذه الإشكاليات، وأن غيرنا قد سبقنا في الانتصار على صعوبات التنمية العلمية والمعرفية، وأن الأمم العريقة التي استطاعت تطويع تراثها وتدريب ثقافتها على الانفتاح والتعددية، وأن تستوعب مقتضيات ثقافة المعرفة من نهم التجديد، والالتزام بالتطورات المنهجية للعلوم الطبيعية والإنسانية دون تفرقة، ومساءلة الموروث الثقافي ونقده بل ونقضه أحيانا؛ اعتمادا على الحجة والبرهان وتغليبا للصالح العام، والتقيد بمنظومة القيم الأخلاقية لعصر العلم، مع الحفاظ على المرتكزات الروحية لثقافتنا القويمة، كل ذلك في تقديري يضمن لنا تأسيس مجتمعات المعرفة وتأصيلها في وعينا الجماعي وإرادتنا الكلية”.

وأكد سراج الدين أنه ينبغي على المثقف أن يأخذ موقفا ناقدا تجاه مجتمعه، فليس دوره التأكيد على الأيديولوجيات السائدة، بل مساءلتها؛ فهو عنصر التجديد الفكري في المجتمع. ولكنه في الوقت نفسه، حافظ هوية هذا المجتمع. ومن ثم عليه التجديد مع التأصيل، فيضمن العودة إلى الجذور من جهة والانفتاح على الجديد من جهة أخرى، قائلاً «فكل ثقافة حية متغيرة متجددة، يجب عليها التواصل مع ماضيها والانفتاح على غيرها. فيصبح التجديد مع التأصيل دور المثقف في كل مجتمع، فإن الجري وراء الجديد دون تأصيل، سيؤدي إلى التخبط في الضياع، كما أن الانغلاق في الماضي ورفض الجديد الوافد، هو استسلام لانتحار بطيء». مضيفاً «لابد لواقعنا الثقافي العام من توطين الثقافة العلمية والنزوع المعرفي الأصيل الذي يتوافق مع الدعوة الحضارية التي رأيناها في نصوص العلماء العرب، ويتوافق في الوقت ذاته مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه».

وأوصى سراج الدين المشاركون في المؤتمر من النخبة العربية بفتح المجال للشباب من أجل القيام بدورهم في قيادة حركة المجتمعات العربية، وفتح الأبواب للتعددية والتواصل مع التيارات العالمية، والدخول في عصر الثورة العالمية المعرفية، مؤكداُ أن ثقافتنا العربية متجددة بلا ريب، وثابة بعقول أبنائها، متخلصة من قيود بالية، يريد البعض فرضها عليها. وطالب بتفعيل الإمكانيات الهائلة المتوفرة في أجيال الشباب، بأقصى طاقاتها لضمان الدخول بالمجتمع العربي وبثقافته العامة، إلى أبواب المستقبل بعيدا عن الآفات.

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يفوز بجائزة المرحوم الدكتور عادل أبو زهرة

وأعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حصل على جائزة المرحوم الدكتور عادل أبو زهرة، في دورتها السادسة هذا العام، والتي تمنحها المكتبة سنوياً على هامش مؤتمر الإصلاح العربي، لإحدى الجمعيات الأهلية التي قامت بمشروعات متميزة في إحدى أربع مجالات، هي: الحفاظ على البيئة، تمكين المرأة والدفاع عن حقوقها، حرية التعبير والحوار، وأخيرا الإبداع الفني.

وتسلم الأستاذ سامي سعد؛ منسق برامج مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الجائزة والتي تقدر قيمتها بـ 50 ألف جنيه، إلى جانب درع المرحوم الدكتور عادل أبو زهرة. ويساهم الدكتور هشام الشريف، رئيس مجلس إدارة المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج، بنصف قيمة الجائزة.

وصرح سراج الدين أنه قد تقرر حجب الجائزة هذا العام في المجال الذي طرحت فيه وهو حرية التعبير والحوار، بسبب قلة المشاركات والتي بلغت أربع مشاركات فقط، ولم تر لجنة التحكيم الأسباب الكافية لمنح الجائزة لأي منها. وأشار إلى أنه قرر بصفته رئيس اللجنة أن يقدم هذه الجائزة خارج نطاق مجالات المسابقة لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذي كان أحد مؤسسيه الراحل الدكتور محمد السيد سعيد والذي كان له دور مماثل لدور المرحوم عادل أبو زهرة في دعم الثقافة وحرية الرأي.

ولفت مدير مكتبة الاسكندرية إلى أن الجائزة تأتي انطلاقا من إيمان مكتبة الإسكندرية بالمساهمات العديدة والقيمة التي شارك فيها الراحل الدكتور عادل أبو زهرة في دفع العمل الأهلي والتطوعي في مصر والوطن العربي، خاصة في مجالات حرية الرأي وحقوق الإنسان التي اهتم بها طوال حياته، ونذر لها كل وقته وجهده، إلى أن وافته المنية في أكتوبر من عام 2003.

يشار الى أن مكتبة الإسكندرية أصدرت هذا العام كتاب بعنوان: “دراسات ومقالات عن تمكين المرأة” كان المفكر الراحل قد كتبها، اعترافا من المكتبة بفضله وجهوده في تأسيس منتدى الحوار بالمكتبة، وغيرها من الإسهامات الخلاقة، فضلاً عن جهوده في مجال العمل المدني ودعواته المستمرة إلى ضرورة تمكين المرأة وإعطائها حقها المسلوب.

لتحميل المقال بجريدة بيان اليوم اضغط هنا 

لتحميل المقال بجريدة العرب الدولية اضغط هنا 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!