حملة “أختنق” مرافعة حضارية أمام تفاقم درجة تلوث الهواء بمدينة القنيطرة

محمد التفراوتي15 يونيو 2020آخر تحديث :
حملة “أختنق” مرافعة حضارية أمام تفاقم درجة تلوث الهواء بمدينة القنيطرة

آفاق بيئية : بنيخلف

تلوث الهواء  بمدينة القنيطرة بالمغرب 

أكثر من ثمان سنوات من المرافعة 2011-2020

أضحت ساكنة مدينة القنيطرة على علم بما آل إليه التلوث الجوي من استفحال منذ مدة ليست بالهينة (سنة 2011 على الخصوص) والمتمثلة في الغبار الأسود الذي أصبح يعم كل أطراف المدينة وخصوصاً منها تلك المتاخمة لمجرى نهر سبو؛ بحيث يمكن ملاحظته بالعين المجردة على جنبات النوافذ وعلى الغسيل المنشور على أسطح  وشرفات البنايات.

وفي هذا الإطار، ومنذ ملاحظتها هذا التلوث لأول مرة وبعد تسجيلها للتذمر الكبير للمواطنين القنيطريين، بادرت جمعية الغرب للمحافظة على البيئة، وبتنسيق تام مع فيدرالية الجمعيات بالقنيطرة، بالاتصال بالسيد رئيس المجلس البلدي للمدينة- باعتباره المسؤول المنتخب عن تدبير الشأن المحلي- قصد معرفة مصدر التلوث وإيجاد حل له. وبعد مجموعة من الاتصالات والتنسيق المستمرين مع السيد الرئيس، أبلغنا في حينه أن المصدر المحتمل كان ورشاً بنواحي القنيطرة يقوم بإحراق العجلات المطاطية وأن السلطات المحلية ستقوم بالإجراءات الضرورية لوضع حد لهذه الظاهرة المزعجة.

وقد كنا منذ ذلك الحين، نسجل بين الفينة والأخرى رجوع التلوث وإن بحدة أقل، لكن ما لاحظناه وما زلنا نلاحظه أن الظاهرة قد استفحلت وازدادت سوءاً وتحتاج إلى حل عاجل.

وقد لاحظت جمعيتنا أن هناك احتمال كبير أن يكون الغبار الأسود ذا مصدر كاربوني وأن عملية طرحه بالهواء تتم أساساً بالليل مما يضفي على العملية طابع إخفاء ضرر متعمد على الساكنة ويبرهن على سوء النية لدى الملوث. علماً أن الأوقات الممطرة وقوة الرياح هي التي تفسر عدم ملاحظة التلوث خلال بعض الفترات، لكن مع غياب الرياح والأمطار واستقرار الجو من حين لآخر لم يعد هناك مفراً لإخفاء فعل المسؤول عن هذا التلوث. 

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن دراسة علمية حول درجة تلوث الهواء بالقنيطرة أنجزت سنة 2009 أثبتت أن بعض مؤشرات التلوث الهوائي ومنها التلوث بالمعادن الثقيلة مرتفعة جداً مقارنة مع المعايير الأوربية والمعايير الموصى بها من طرف المنظمة العالمية للصحة (Revue Pollution Atmosphérique n° 203- Juillet-Aout 2009). فالوضع إذاً ازداد سوءاَ على سوء.

هذا ناهيك عن الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف والتي أصبحت ظاهرة دائمة ملازمة لمدينتنا تشكل خطرا إضافياً على صحة الساكنة وخصوصا منهم الأطفال والأشخاص المصابين بأمراض الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي، والتي تبصم صورة سلبية ومشينة وغير مشرفة على مدينتنا.    

لكل هذا وذاك سجلت جمعية الغرب للمحافظة على البيئة في يناي 2012، أسفها الشديد على عدم قدرة السلطات المعنية، من تحديد مصدرالتلوث الحقيقي وبالتالي اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية صحة المواطنين القنيطريين بمن فيهم المسؤولون عن تدبير الشأن المحلي والجهوي من سلطات ومنتخبين القاطنين بالمدينة والذين يلحقهم ويلحق ذويهم نفس الضرر. 

ونظراً لما يمثله استمرار تواجد هذا التلوث الجوي الخطير –علاوة على إلحاقه الضرر بالصحة- من استفزاز لمشاعر المواطنين بالمدينة، التمست جمعية الغرب للمحافظة على البيئة التدخل الشخصي المستعجل للسيد والي جهة الغرب الشراردة بني حسن وعامل إقليم القنيطرة (يناير 2012) لإيجاد حل جدري لهذه المعضلة وذلك من خلال تشكيل لجنة مؤهلة علمياً قادرة على تشخيص الوضع وتحديد المصدر واقتراح الحلول إذا اقتضى الحال ذلك.

بعد نفاذ صبر جمعية الغرب للمحافظة على البيئة وأمام تفاقم درجة تلوث الهواء بالمدينة والذي استمر لمدة تزيد عن ثلاث سنوات (يناير 2011 الى يناير 2014)، ومع تكرار ظاهرة التلوث اعتمدت  الجمعية  مقاربة ترافعية عن طريق الإخبار والاحتجاج و الإعلام لوضع حد للظاهرة ودعت ساكنة مدينة القنيطرة للاحتجاج ضد الغبار الأسود بارتداء قناع يغطي الأنف والفم عند ذهابنا الى العمل و/أو خلال تجولنا في الشارع العام و/أو عند الذهاب لقضاء بعض الأغراض… وذلك يوم الأربعاء 12 فبراير 2014 حيث كان الهدف الأساسي من هذا الاحتجاج هو مشاركة المواطنات والمواطنين مباشرة في التظاهرة للتعبير عن رفضهم المطلق لوضعية شادة مرفوضة من طرف الجميع وممارسة الحق في التعبير بطريقة حضارية وأسلوب متميز وخلاق.

على مستوى الاعلام، تواصلت الجمعية وعلى نطاق واسع مع مختلف وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كما عمل شباب الجمعية على انتاج كبسولة اعلامية لهذا الحدث تم نشرها على نطاق واسع. 

أما على مستوى كسب دعم الساكنة فقد تم اعتماد عريضة للتوقيع، تدين ما يتعرض له الهواء الذي ننشقه خصوصا بما بدأ يعرف بالغبار الأسود ومطالبة المسؤولين وعلى رأسهم السلطة المحلية للحد من هذه الظاهرة وعدم تكرارها في المستقبل. 

حققت حملة «Tekhna9t»، والتي تعني “لا أستطيع التنفس أو الاختناق”، نجاحًا غير مسبوق حيث تم تداولها بشكل جيد للغاية من خلال وسائل الإعلام الكلاسيكية ووسائل الإعلام الإلكترونية، فتقريبا جميع الصحف الوطنية، بما في ذلك الصحف الأكثر مبيعا، تعاملت مرارا وتكرارا مع مشكلة تلوث الهواء في القنيطرة ، في كثير من الأحيان في اشارة الى حملة “Tekhna9t”.

كانت هذه الحملة مقدمة لسلسلة من القرارات التي اتخذتها والي الجهة الجديدة من جهة والوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، والذي كان رد فعل إيجابي للغاية على حركة AGPE ، وفي هذا الصدد اتخذت عدة اجراءات للحد من تلوث الهواء نذكر منها:

  • إعادة تشغيل محطة مراقبة جودة الهواء التابعة لمديرية الأرصاد الجوية الوطنية، والتي تم إغلاقها منذ سنة 2009؛
  • تنفيذ المادة 12 من المرسوم رقم 2-09-286 بشأن تحديد معايير جودة الهواء وطرائق المراقبة الجوية التي تنص على إنشاء تحت رئاسة السيدة الوالي للجنة المراقبة الدائمة ومراقبة جودة الهواء مع التركيز على تمثيل المجتمع المدني؛
  • زيادة تعزيز التعاون في مجال حماية البيئة على المستوى الإقليمي؛
  • إطلاق حملة لتقييم جودة الهواء يقوم بها المختبر الوطني للبيئة.

امتدت فترة تقييم جودة الهواء من طرف المختبر المتنقل من 13 مارس الى 31 مارس 2014 حيث همت أربعة مواقع وزيارة عدة وحدات صناعية بالمنطقة الصناعية بئر الرامي والمنطقة الصناعية الساكنية، وقد خلصت التحاليل المنجزة الى ما يلي:

  • متوسط نسبة SO2 و O3 و CO المقاسة في المواقع المحددة، أقل من القيم الموصى بها من قبل المعايير الوطنية؛
  • متوسط القيم المقاسة لـ MPS في الموقعين 2 و 3 أعلى بقليل من القيمة المحددة وطنيا، لكن القيم المسجلة على مستوى الموقع 1 تتجاوزها بكثير؛
  • لم نتوصل بنتائج التحاليل التي خضعت لها عينة من الغبار الأسود موضوع حملة ” Tekhne9t”.

تم التعامل مع هذه النتائج بكل موضوعية اذ بعد تفسيرها خلص أعضاء جمعية الغرب الى الخطورة التي تشكلها الجسيمات العالقة ، أو المواد الجسيمية (PM) ، وهي كل الجزيئات الصلبة الدقيقة التي يحملها الماء أو الصلب و / أو السائل الذي يحمله الهواء حيث تعد زيادة مستويات الجزيئات الدقيقة في الهواء أحد عوامل المخاطر الصحية (أمراض القلب والأوعية الدموية ، ضعف وظائف الرئة ، سرطان الرئة وانخفاض متوسط العمر المتوقع)، كما تم تصنيف جميع “الجسيمات” الآن على أنها مسرطنة للبشر (المجموعة 1) من قبل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC).

أدى اصرار جمعية الغرب للمحافظة على البيئة بمعية النسيج الجمعوي بمدينة القنيطرة الى اجراء حملة ثانية لتحليل جودة الهواء والتي امتدت من 21 أكتوبر 2014 الى 15 يناير 2015 وذلك بناءً على طلب ولاية جهة الغرب الشراردة بني احسن وقد تم تنسيق اختيار مواقع القياس (وعددها ستة) مع جميع المتدخلين الممثلين على مستوى اللجنة الدائمة لرصد ومراقبة جودة الهواء بعد عقدها لعدة اجتماعات سابقة في مقر عمالة القنيطرة وفي غياب ممثلين عن المجتمع المدني.

خلصت نتائج التحاليل الى ما يلي:

المادة الملوثة نتائج التحاليل المسبب المحتمل الاجراءات المتخذة من طرف السلطات المختصة
PM10 μg/m3 قيمة PM10 المسجلة في الموقع رقم 5 (مقر المديرية الجهوية للصحة) مرتفعة للغاية ، فهي تتجاوز بكثير *عتبة الاخبار المنصوص عليها في المرسوم رقم 2-09-286 بشأن تحديد معايير جودة الهواء وطرائق المراقبة الجوية  (150 ميكروغرام / م3 / اليوم). المسبب هو الانسان (بالفعل المباشر أو عن طريق الحرق) بدون
NO2 μg/ m3 قيمة NO2 و NO مرتفعة نسبياً في الموقع رقم  4 بالقرب من الدائرة الأولى. حركة السير الطرقية التي تعرفها هذه المنطقة بدون
NO

μg/ m3

SO2 μg/ m3 تتوافق المستويات المسجلة للملوثات (SO2 و O3 و CO ) في جميع المواقع مع عتبات المعايير المحددة في المرسوم رقم 2-09-286.
O3

μg/ m3

CO

mg/ m3

*   عتبة الاخبار: مستوى تركيز الملوثات في الهواء والذي يشكل تجاوزه خطرا على صحة الإنسان ، ولا سيما الفئة الحساسة من السكان ، والتي تتطلب بالضرورة اخبار العموم.

على اثر اعلان نتائج الحملة الثانية لتحاليل جودة الهواء بمدينة القنيطرة أصدرت المديرية الوطنية للأرصاد الجوية مجموعة من التوصيات نلخصها فيما يلي:

  • تحديد وتشخيص مصادر التلوث المحتملة أو المثبتة: 

للاستفادة بشكل أكبر من بيانات الحملة ، من المهم الإشارة إلى الحاجة إلى معلومات دقيقة ومفصلة حول مصادر الانبعاثات على مستوى المدينة. في الواقع ، من الضروري إجراء جرد متعمق للانبعاثات لتوضيح قياسات تلوث الهواء على مستوى منطقة معينة.

  • حركة المرور: 

من ناحية أخرى ، هناك ذروة التلوث لثاني أكسيد الكبريت (NO2) حوالي الساعة التاسعة مساء لجميع المواقع ، مما يدل على تراكم يمكن أن يعزى إلى حركة المرور على الطرق التي يبدو أنها تعرف ذروتها في هذا الوقت، ولهذا نوصي في هذا المستوى بمراجعة خطة حركة المرور في المدينة من أجل تجنب هذا الازدحام المزمن وبالموازات مع ذلك يجب خلق المساحات الخضراء وزراعة المزيد من الأشجار على طول الطرق الرئيسية.

  • موقع بعيد يتطلب المزيد من التدقيق: 

بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أن نتائج الموقع 6 تشير إلى تلوث ملحوظ كالمواقع الأخرى على الرغم من بعده، لذلك من الضروري حصر مصادر التلوث التي يمكن أن توجد هناك.

  • الجزيئات العالقة: 

فيما يتعلق بالجسيمات العالقة، فإن حدتها الكبيرة للعتبات التي حددتها المعايير الوطنية تستدعي المزيد من التحقيق في قضيتها فمن شأن تحليل الانبعاثات الناتجة عن بعض المصادر المحتملة (بترتيب تنازلي للأهمية) في المنطقة المجاورة (خاصة منتجات الاحتراق) أن يؤكد سبب ارتفاع نسبة هذا العامل ومن تم فرض خطة عمل لمعالجته. أو في حالة الإحالة ، يجب القيام بتوجيه البحث إلى مساهم نسبي آخر أكثر نفوذاً.

  • أهمية المحطات الثابتة لتقييم جودة الهواء: 

التأكيد على الميزة الكبيرة التي قد تنتج عن خلق المحطات الثابتة لإجراء قياسات وتقييمات لجودة الهواء على أساس منتظم من أجل مراقبة تطور معايير التلوث ومقارنة تحسينها (أو تدهورها) في علاقة بالمشاريع الممنوحة من قبل الولاية والسلطات المحلية كما تم التأكيد على أهمية موقع هذه المحطات الذي يستوجب دراسة وفقًا لمستوى التلوث (بالقرب من المناطق الحساسة).

بناء على كل المعطيات السابقة أصدرت جمعية الغرب للمحافظة على البيئة عدة توصيات والتي جاءت كالتالي:

  • إذا تم تجاوز عتبات الاخبار والتنبيه بالنسبة للملوثات التالية: جزيئات أصغر من 10 ميكرومتر (PM10) ، ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) ، ثاني أكسيد الكبريت (SO2) ، الأوزون (O3) ، نطالب السلطات المختصة اخبار:
  • الفئات الهشة:

النساء الحوامل والرضع والأطفال الصغار ، الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا ، والأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية ، أو قصور القلب أو الجهاز التنفسي ، والأشخاص الذين يعانون من الربو؛

  • السكان ذووا الحساسية المفرطة:

الأشخاص الذين لهم حساسية مفرطة ارتفعت نسبة التلوث و / أو الذين تظهر أعراضهم أو تزيد حدتها أثناء الذروة (على سبيل المثال: مرضى السكري ، أو الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة ، أو الأشخاص الذين يعانون من حالات عصبية أو عرضة لأمراض القلب أو الجهاز التنفسي أو المعدية).

  • في حالة حدوث حالات تلوث ، نطلب من السلطات المختصة الحد من الأنشطة التي قد يكون لها تأثير سلبي مباشر أو غير مباشر على جودة الهواء من أجل تقليل انبعاثات الملوثات في الجو؛
  • يمكن اتباع توصيات مختلفة حسب قطاع النشاط. ولكن ، في حالة وجود حالة تأهب ، يجب اتخاذ تدابير الطوارئ ذات طبيعة إلزامية تسود على هذه التوصيات والتي تتطلب تطبيق القوانين المعمول بها. 

في الأخير، نشجع السلطات المختصة في مدينة القنيطرة ، على أن تبقى في الاستماع للمنظمات غير الحكومية التي تمثل المجتمع المدني والتي كانت من وراء انجاز حملتين خاصتين بتحليل جودة الهواء سمحا للمدينة بأن تكون لها قاعدة بيانات عن عوامل التلوث القادرة على توجيه الجهد والاستثمارات اللازمة لتخفيفه بشكل فعال من أجل مصلحة وأمن سكان المدينة والجهة برمتها.

سوف تستمر معركة جمعية الغرب للمحافظة على البيئة ضد تلوث الهواء إلى أن تظهر الحقيقة المزعجة وتجد المادة 27 من الدستور المغربي مكانها في أرض الواقع وفي عقول صناع القرار، وتصبح المعلومة ملكا للجميع، لأن جميعا المجتمع مدني والسياسي – يمكننا بناء مغرب الغد والمساهمة في تحسين المناخ الوطني والعالمي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!