تدابيرملائمة لتلبية احتياجات الجياع في العالم النامي

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
تدابيرملائمة لتلبية احتياجات الجياع في العالم النامي

hunger

 

تقرير الجوع الجديد: نحو 870 مليوناً يعانون نقصاً مزمناً في الغذاء

لكن ثمة علامات تحدو إلى الأمل لإمكان تحقيق هدف الألفية بمزيد من الجهد


روما : تضمن تقرير الأمم المتحدة الجديد حول الجوع الصادر اليوم أن نحو 870 مليون شخص، أو واحد في ثمانية، هم ضحايا لنقص الغذاء المزمن في الفترة 2010 – 2012. 

ويتناول تقرير”حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم 2012″  الذي أصدر شراكة بين منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO”، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية “IFAD”، وبرنامج الأغذية العالمي “WFP” تقديرات أفضل مما كان متوقعاً عن حالة نقص الغذاء المزمن، بفضل المنهجيات والبيانات المحسّنة لقياس الأوضاع طيلة العقدين الماضيين.

وتعيش الغالبية العظمى (852 مليون نسمة) من الجياع في البلدان النامية أي نحو 15 بالمائة من مجموع سكانها، بينما يقيم 16 مليون شخص ممن يعانون نقص الغذاء لدى بلدان الاقتصادات الصناعية.

وسجل العدد الكلي للجياع هبوطاً بحدود 132 مليون شخص خلال الفترتين 1990 – 1992 و2010 – 2012، أي بنسبة انخفاض من 18.6 بالمائة إلى 12.5 بالمائة من مجموع سكان العالم، ومن 23.2 بالمائة إلى 14.9 بالمائة لدى البلدان النامية – مما يشير إلى أن خفض عدد الجياع إلى النصف بحلول عام 2015  يظل في المتناول اليد في حالة اتخاذ إجراءات وتدابير ملائمة وكافية.

والمقدّر الآن أن عدد الجياع تراجع خلال الفترة 1990 و2007 بمعدل أكبر بكثير مما كان معتقد سابقاً. غير أن التقدّم المحرز على الصعيد العالمي لخفض الجوع منذ 2007- 2008 تباطأ ولم يعاود الارتفاع.

وفي تقديمهم للتقرير الدولي الجديد قال كل من جوزيه غرازيانو دا سيلفا، وكانايو نوانزي، والسيدة إرثرين كازين، وهم على التوالي رؤساء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، “إننا نجد من غير المقبول البتة في عالم اليوم بما يملكه من فرص تقنية واقتصادية لم يسبق لها مثيل، أن أكثر من 100 مليون طفل دون سنّ الخامسة يعانون نقص الوزن، ويعجزون عن تحقيق مكانتهم الإنسانية والإفادة من طاقتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ لا سيما وأن سوء تغذية الطفولة تودي بحياة ما يتجاوز 2.5 مليون طفل سنوياً“.

وأكدوا قائلين، “نلاحظ بعين القلق أن خروج الاقتصاد العالمي من قبضة الأزمة المالية العالمية الأخيرة ما زال ضعيفاً. لكننا نناشد المجتمع الدولي مع ذلك بذل جهود إضافيّة لمساعدة أفقر الفقراء في نيل حقّهم الإنساني الأساسي بالحصول على غذاء كاف. إن العالم يملك من المعرفة والوسائل ما يمكنه من القضاء على جميع أشكال انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية”. وأضافوا أن ثمة ضرورة إلى تطبيق “نهج المسارين”، استناداً إلى دعم النمو الاقتصادي العريض من جانب (بما في ذلك قطاع الزراعة) وتهيئة شبكات الضمان الاجتماعي لأشد الضعفاء من جانب ثان.

تأثير الأزمة الاقتصادية

تشير التقديرات إلى أن زيادات الجوع خلال الفترة 2007 – 2010 جاءت أقل خطورة مما ساد الظن سابقاً. ولم تتمخض الأزمة الاقتصادية خلال 2008 – 2009 عن تباطؤ اقتصادي حادّ على الفور لدى العديد من البلدان النامية كما سادت المخاوف آنفاً. وجاء انتقال تأثير أسعار المواد الغذائية المرتفعة من المستوي الدولي إلى الأسواق المحلية أقل قوة من المفترض في ذاك الوقت، بينما نجح العديد من الحكومات في امتصاص الصدمات وتوفير الحماية لأشد الفئات السكانية ضعفاً إزاء تأثيرات الاندفاعات المفاجئة في الأسعار.

وتأتي أعداد الجياع التي أزيح الستار عنها اليوم جزءاً في سلسلة منقّحة تعود بدايتها إلى عام 1990. وتورد المنهجيات المحسنة بيانات محدثة عن السكان، والإمدادات الغذائية، وخسائر الغذاء، واحتياجات الطاقة الغذائية وعوامل أخرى. كما تتضمّن تقديرات محسّنة لتوزيع الغذاء داخل البلدان (وفق تقديرات إمداد الطاقة الغذائية وتوزيعها).

غير أن ما يلاحظه تقرير “حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم 2012” هو أن تلك المنهجية على كل تفوّقها فلم تعكس التأثيرات القصيرة الأمد لاندفاعات الأسعار الغذائية وغيرها من الصدمات الاقتصادية. وتسعى المنظمة “فاو” أيضاً إلى تطوير مجموعة أوسع من المؤشرات بحيث تعكس بوضوح نوعية الحمية وغير ذلك من الأبعاد غير الجليّة في متطلبات الأمن الغذائي.

هدف الألفيّة في المتناول

ويتطرق التقرير إلى أن اتخاذ إجراءات وتدابيرملائمة لعكس حالة التباطؤ التي بدأت في عام 2007 – 2008، بهدف تلبية احتياجات الجياع، إنما يجعل تحقيق هدف الألفيّة لتنصيف أعداد الجياع في العالم النامي بحدود 2015 في متناول اليد.

ويقول التقرير “إذا تواصل المعدل السنوي المتوسّط لخفض الجوع على مدى السنوات العشرين الماضية إلى عام 2015، فستصل نسبة من يعانون نقص التغذية بالبلدان النامية إلى 12.5 بالمائة – وحتى إن فاق ذلك هدف الألفيّة الإنمائية البالغ 11.6 بالمائة فهو أقرب كثيراً إليه ممّا قدِّر سابقاً“.

آسيا تتصدر عدد الجياع وإفريقيا تشهد ارتفاعاً

من بين جميع الأقاليم سجل نقص التغذية خلال العقدين الماضيين انخفاضاً مقداره30  بالمائة تقريباً في إقليم آسيا والمحيط الهادي، من 739 مليون شخص إلى 563 مليوناً، على الأكثر بفضل التقدم الاقتصادي والاجتماعي بالعديد من بلدان المنطقة. وبالرغم من النمو السكاني تراجع انتشار نقص التغذية في المنطقة من 23.7  بالمائة إلى 13.9 بالمائة، وأحرز إقليم أمريكا اللاتينية والكاريبي تقدماً أيضاً، بتراجع أعداد من يعانون نقص الغذاء من 65 مليون جائع في 1990 – 1992   إلى 49 مليوناً في 2010 – 2012، ومع هبوط استشراء نقص التغذية من 14.6 بالمائة إلى 8.3 بالمائة. لكن نسبة التقدّم تباطأت مؤخراً.

وتعدّ إفريقيا المنطقة الوحيدة حيث نمت أعداد الجياع خلال تلك الفترة، من 175 مليوناً إلى 239 مليوناً، وتزايد العدد الكلي بما يصل إلى 20 مليون إضافيّة في السنوات الأربع الماضية. وحتى إن انخفض انتشار الجوع على طول تلك الفترة، إلا أنه ارتفع بعض الشيء على مدى السنوات الثلاث الماضية، من 22.6 بالمائة إلى 22.9 بالمائة – إلى معدل جوع يفوق شخص واحد جائع إلى كل أربعة أشخاص. وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إنقلب التقدّم المتواضع المحرز في السنوات الأخيرة بدءاً من عام 2007، وتحرّك الجوع إلى الارتفاع بنسبة 2 بالمائة سنوياً منذ ذلك الحين.

كذلك شهدت البلدان المتقدمة اقتصادياً عودة عدد الجياع إلى الارتفاع، من 13 مليوناً في 2004 – 2006 إلى 16 مليوناً في 2010 – 2012، فيما يقلب اتجاه التناقص المتواصل للجياع في غضون السنوات السابقة من 20 مليون منذ عام 1990- 1992 .

نمو زراعي لاحتواء الجوع وسوء التغذية

ويُبرز التقرير أن النمو العامّ ضروري لكنه ليس كافياً لخفض الجوع على نحو متواصل. ويعدّ النمو الزراعي بالغ الفعالية في احتواء الجوع وسوء التغذية لدى البلدان الفقيرة لأن أغلب الفقراء يعتمدون على الزراعة والأنشطة ذات العلاقة كجزء من موارد معيشتهم. ويضمن النمو الزراعي متى شمل صغار المزارعين، وخصوصاً النساء، أعلى درجات الفعالية في خفض الفقر المدقع والجوع حين يولّد عمالة للفقراء.

ولكي يفيد الفقراء يتعين أن يصبح النمو “حسّاساً لاعتبارات التغذية” كيما يتغلب على شتى أشكال سوء التغذية. ولا يتعلق خفض الجوع فحسب بزيادة إمدادات الغذاء المتاحة بل أيضاً تحسين نوعية الغذاء من حيث التنوع والمحتوى والسلامة.

وحتى إذ يوجد اليوم 870 مليون شخص من الجياع، يواجه العالم على نحو متزايد عبئاً مضاعفاً من سوء التغذية، مع نقص التغذية المزمن وقصور المغذيات الدقيقة مقرونة بظواهر السمنة، وما ينجم عن ذلك من أمراض خفيّة ذات أسباب ناجمة عن ذلك باتت تؤثر اليوم على أكثر من 1.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم.

فإلى هذا اليوم يكشف التقرير المشترك بين منظمات الأمم المتحدة الثلاث عن أن حلقة الوصل بين النمو الاقتصادي والتغذية ظلّت ضعيفة، ولذا فالمتعين طرح نهج إطار أفضل للتكامل بين الجوانب الزراعية والتغذوية والصحية.

نظم للحماية الاجتماعية

مع الإقرار بأهمية النمو فأحياناً لا يكون كافياً في ذاته أو سريعاً بما فيه الكفاية. لذا لا بد أن تضمن نظم الحماية الاجتماعية عدم إهمال أشد الضعفاء وتمكينهم من الاشتراك في سياق النمو بالمشاركة فيه والاستفادة منه.

والمطلوب الآن هو تطبيق إجراءات وتدابير من قبيل تسهيل التحويلات النقدية وإتاحة القسائم النقدية للغذاء والتأمين الصحي بالنظر إلى أن أشد الفقراء يعجزون في معظم الأحيان عن نيل فوائد النتائج الفورية لفرص النمو المتاحة. ومن شأن الحماية الاجتماعية أن تحقق الكثير لتحسين التغذية في حالة الأطفال الصغار، نظراً إلى أن هذا الاستثمار سيكون مجزياً في المستقبل بفضل توليد قوى عاملة من المواطنين البالغين أوفر صحّة وأفضل تعليماً. فليس سوى الحماية الاجتماعية الفعّالة والمكمّلة للنمو الاقتصادي الشامل ضماناً لدحر الجوع وسوء التغذية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليق واحد
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!