مشروع “TRANSFORMED”: نحو نظم زراعية-حرجية مستدامة وصامدة في حوض المتوسط
آفاق بيئية – محمد التفراوتي
نظمت، في إطار تنفيذ مشروع “TransforMed”، تحويل المجال المتوسطي عبر الزراعة الغابوية، الممول من طرف برنامج “PRIMA” والمنسق وطنيا من قبل جمعية AGENDA، وبشراكة مع الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA)، ورشة عمل مؤسساتية يوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 بمدينة الابتكار، أكادير.
استهدفت الورشة تعزيز التبادل مع الفاعلين الترابيين المنخرطين في ديناميات الزراعة الغابوية، وتقديم المقاربات المعتمدة في المشروع، إلى جانب عرض مكونات وأنشطة مشروع “TransforMed”، الذي يسعى إلى إرساء نماذج إنتاجية زراعية مستدامة ومندمجة في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
استهل الباحث عبد الرحمان آيت الحاج الملتقى أشغال الورشة بتسليط الضوء على السياق العام، مشيرا إلى الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها النظم الإيكولوجية وأنظمة الإنتاج الزراعي بفعل التغيرات العالمية المتسارعة. وأكد أن المشروع يهدف إلى دعم تنمية الزراعة الغابوية (Agroforestry) من خلال توثيق تجارب “المنارات” الناجحة، وتبادل الإنجازات، وتطوير الأدلة العلمية والأدوات الإرشادية التي من شأنها تعزيز اتخاذ قرارات بيئية واجتماعية مستنيرة.
وينفذ المشروع في المغرب إلى جانب مبادرات قائمة في الزراعة الغابوية، خصوصا تلك التي تعتمد على أشجار أركان والخروب وأنواع محلية أخرى. كما شكلت الورشة فرصة لإطلاق عملية جمع البيانات الأساسية التي ستدعم مستقبلا جهود تعزيز هذا النمط الزراعي المستدام.
و قدم الباحث أسامة الغراس، عضو برنامج AGENDA، عرضًا علميًا مفصلًا حول المشروع، مؤكدًا أن TransforMed يندرج ضمن رؤية متكاملة تهدف إلى تعزيز الزراعة الحرجية كنموذج إنتاجي مرن وقادر على الاستجابة للتحديات المناخية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية في منطقة المتوسط. وركّز العرض على المقاربة المندمجة التي يعتمدها المشروع، والتي تقوم على إدماج الأشجار في الأنظمة الزراعية التقليدية لتحسين الإنتاجية وتعزيز التنوع البيولوجي وزيادة صمود الأنشطة الفلاحية.
كما أوضح أن المشروع يشمل مراحل ميدانية تبدأ بتشخيص النظم الزراعية القائمة وتحديد التجارب الناجحة كنماذج مرجعية، ثم إعداد خطط لاستعادة المناطق المتدهورة، ومتابعة أثر التدخلات على التربة والتنوع البيولوجي. كما يتم تحديد المناطق والفلاحين الأنسب لتجريب الحلول المقترحة، وضمان جودة النباتات المزروعة ونجاح عمليات الغرس، مع إيلاء أهمية خاصة للجوانب الاجتماعية والثقافية المرتبطة بتبني هذه النظم، من خلال تحليل دوافع الفاعلين المحليين ورصد التفاعلات بين المعارف التقليدية والعلمية، بتعاون مع جامعة “كاسل” الألمانية.
وفي محور مواز، يتم تقييم الأثر الاقتصادي والبيئي للنظم الزراعية الغابوية بشراكة مع جامعة ليون الإسبانية، عبر تحليل العلاقة بين الماء والطاقة والغذاء وانبعاثات الكربون، وبناء سيناريوهات محلية قابلة للتطبيق. كما يشمل المشروع تحليل السياسات العمومية واقتراح آليات تحفيزية ملائمة لتيسير تبني الزراعة الغابوية، وهي المهمة التي تشرف عليها جامعة إيفورا البرتغالية، إلى جانب أنشطة تكوينية وتأطيرية للفلاحين والفاعلين المحليين، من تنسيق “FIBL France”، عبر إنتاج أدوات بيداغوجية وتنظيم لقاءات تشاركية.
وشهد اللقاء مداخلة الباحث عدنان بنيعيش، الذي عرض بدوره مقاربات منهجية مكملة تتعلق بالزراعة الإيكولوجية والحوكمة المجالية، مؤكدا أهمية اعتماد النماذج المبنية على النتائج (Result-Based Models) كأداة لتتبع وتقييم الأثر التنموي للمشاريع الفلاحية البيئية.
وفي السياق ذاته، قدمت تجربة أوروبية رائدة من البرتغال، حيث استعرضت الباحثة “كاتارينا إيسيدور” من جامعة “إيفورا” البرتغالية مقاربة عملية لاعتماد نموذج مبني على النتائج في الزراعة الغابوية، وذلك ضمن أشغال وحدة “WP5” من المشروع، والمخصصة للسياسات وآليات التحفيز. وجاء هذا العرض خلال زيارة علمية إلى مزرعة “كامبوس دا ميترا” التجريبية جنوب البرتغال، والتي تمثل نموذجا لنظام “المونتادو”، وهو نظام زراعي-غابوي متوسطي يدمج بين تربية المواشي وزراعة الأشجار، ويعد حساسا للتغيرات المناخية والإدارية.
ويعتمد النموذج المعروض على تحديد الأهداف البيئية واختيار مؤشرات أداء دقيقة وقابلة للقياس، ترتبط بها تحفيزات مالية مرنة، تمنح بناء على النتائج الفعلية المحققة على مستوى الحقول. كما يشمل النموذج إشراكا واسعا للفاعلين من إدارات عمومية، منظمات مهنية، فلاحين، وخبراء، في مسار التصميم والتطبيق. واعتمدت التجربة على مؤشرات ميدانية ترتبط بدرجة تغطية التربة بالنباتات الرعوية الطبيعية مثل “Rumex وmargaça”، باعتبارها دلائل حيوية على جودة التربة وفعاليتها البيولوجية، وتستخدم هذه البيانات لتقييم أهلية الحقول للاستفادة من الدعم أو التدخل الفني.
وتمثل هذه المقاربة تحولا في منطق التدبير الزراعي، حيث لم تعد الغاية فقط دعم الأنشطة الفلاحية في حد ذاتها، بل تشجيعها بناء على ما تحققه من أثر بيئي واجتماعي ملموس، بما يتماشى مع أهداف الاستدامة والتكيف مع تغير المناخ.
وينفذ مشروع “TransforMed” بشراكة مع عدة مؤسسات علمية وتنموية وطنية ودولية، من ضمنها الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA)، جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P)، شركة الغرب المغربي (SOM)، دار الخروب (Dar Al Caroube)، بالإضافة إلى جامعات “كاسل” الألمانية، ليون الإسبانية، “إيفورا” البرتغالية، ومؤسسة “FIBL France”، في إطار رؤية شمولية تربط البحث العلمي بالمجال والسياسات العمومية.
وتعد جمعية AGENDA إطارا مدنيا يعنى بالنهوض بالزراعة البيئية والتنمية المستدامة من أجل المستقبل. ويمثل اسمها اختصارا لأربعة مكونات مترابطة: الزراعة (AGRICULTURE)، البيئة (ENVIRONNEMENT)، التنمية (DÉVELOPPEMENT)، والمستقبل (AVENIR). وتسعى الجمعية إلى تعبئة الفاعلين المحليين، والباحثين، والمؤسسات من أجل صياغة حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة التحديات البيئية والمجتمعية الراهنة.