آفاق بيئية : محمد التفراوتي
يجب ان نزيد من شحنة اقلامنا بقيم أساسية مفعمة باستدامة التنمية والتحرك نحو التحول البيئي العادل
يعد الإعلام البيئي أفضل وسيلة لنشر الوعي حول تغير المناخ. والمجتمع الواعي هو أفضل سلاح ضد تغير المناخ، وهذا هو المكان الذي يلعب فيه الإعلاميون البيئيون دورا حاسما. يقومون بالإبلاغ ورفع الوعي بين الناس.
في الديمقراطيات الحديثة تحتاج السلطة العامة إلى إجماع الرأي العام لإصدار سياساتها. والسياسات المتعلقة بالاستدامة ليست استثناء. كمجتمع لا يمكن للسياسات البيئية أن تتقدم إلا إذا كان الناس على دراية بصحة الكوكب الذي نعيش فيه، والتنمية باستدامة، ومكافحة تغير المناخ.
إن الإعلام البيئي يشمل إثارة النقاش حول القضايا المتعلقة بالمناخ والترويج بين الرأي العام. وتشجيع الموافقة على السياسات العامة البيئية وتطويرها، فضلا عن التوعية والتحسيس وإيقاظ الهمم في المجتمع.
هناك إشكالية التعامل مع تغيير المناخ، إذ لا يزال لا يتم تعامل معه بشكل عام على أنه قضية منهجية، من قبل وسائل الإعلام. على عكس الإقتصاد الذي يمتد عبر العديد من الإيقاعات الإخبارية، حيث يتم التعامل مع تغير المناخ كموضوع منفصل بدلا من موضوع يشمل ويتقاطع مع جميع الموضوعات .
الكل يعلم أنه مع تغير المناخ يميل الناس إلى أخذ أخبارهم من وسائل إعلام، من حيث مقدار التناول ومحتوى وتيرة تلك التغطية. ومع ذلك فإن التغطية الإعلامية بشأن تغير المناخ وخصائصه وعواقبه يعد عنصرا أساسيا للمجتمع لاتخاذ قرارات مدروسة ومسؤولة في مواجهة إشكالية المناخ.
إننا أمام ظاهرة معقدة. يتطلب فهمها امتلاك أفضل المعرفة العلمية، وفي الوقت نفسه القدرة على نقلها إلى المجتمع ككل بطريقة مفهومة. وعليه فإن دور وسائل الإعلام يأخذ أهمية كبيرة ليس فقط من منظور كمي كمقدار ما يتم الإبلاغ عنه، ولكن أيضا، وقبل كل شيء، بمنظو نوعي، أي كيف يتم الإبلاغ عنه؟.
يجب التواصل مع العلماء وتقريبهم من الإعلام وإخراج الباحث من محرابه العلمي. وتبسيط المعلومة العلمية التي تعكسها البحوث والتقارير المتراكمة حيث تبقى حبيسة النخبة. كما يجب إدماج الإعلامي في مختلف المراحل من المفاوضات وإرهاصات القمم والمؤتمرات ليطلع بعمق على الإشكالية والتفاصيل الدقيقة، ليتسنى له الإبلاغ بإبداع وانطلاقا من فهم دقيق بدل الاقتصار على التغطية الوصفية أو المملاة من خلال البلاغات المتوصل بها، وفق رؤى معينة ودون استقلالية في التحليل..
ووفق تصورات النخبة المتفاوضة حول إشكالية المناخ من الجانبين يبدو الإعلامي ناقل خبر، ك”ساعي البريد” وليس كشريك يؤخذ بعين الاعتبار تحليلاته وتوصياته التي تشكلت لديه من تجربة خاصة ومهارات مكتسبة عبر مباشرته للملفات المناخية من زوايا مختلفة ورؤى مستقلة. لا تتأثر بالمحيط و اللوبيات والضغوط، بل تنطلق من كيان له رهاناته وخصوصياته، و كفاعل مثل باقي الفاعلين غايته حفظ البيئة العامة والاستدامة وإنقاذ الكوكب الذي نتقاسم موارده جميعا .
يجب ان لا يحجب عن الاعلام البيئي خبايا وكواليس المفاوضات وتلقي المعلومة ومخرجات مختلف القمم والمؤتمرات المراد إشاعتها وتعتيم الاخرى، أو التكتم عن التجاذبات، إلا ما يتسرب، لخلفيات سياسية واقتصادية مدمرة بدعوى عدم التهويل وإثارة الرعب لدى الراي العام.
إن كميات ونوعية المقالات المتعلقة بتغير المناخ في وسائل الاعلام بالمناطق الحضرية تتزايد لكن لا توجد في المجتمعات المحلية والقرى الفقيرة، اذا يجب ان يكون للإعلام فهم اساسي للنقاش الدائر حول تغير المناخ والا سيكون من المخاطرة الابلاغ عن معلومات غير الدقيقة للجمهور او خاطئة.
وأسوق هنا مثال من حيث مدلول اختيار المصطلحات مثل مصطلح “تغير المناخ” الذي يستخدم لسنوات عديدة ثم يظهر ايضا “كارثة المناخ” ، ويوصف كذلك بالاحتباس الحراري في بعض المنشورات. ويبقى مصطلح “تغير مناخ” يبقى مفهوما مكتسبا.
وأفتح القوس هنا حول مصطلحي “كارثة المناخ” بدل “تغير المناخ”، مشيرا أنه منذ عدة سنوات ذهبت الحكومات ووسائل الاعلام إلى إرجاع جميع الظواهر الجوية المتطرفة والضارة الى ما يسمى “تغير المناخ” سواء كان ذلك سقوط الامطار او الثلوج او ارتفاع درجة الحرارة. فان كل الظواهر الجوية البسيطة والمعروفة والمتوقعة تنسبها الحكومات الرسمية وإعلامها الى التغير المناخي. لذا فان موجة الحر الحالية ليس استثناء بل على العكس من ذلك فهو يساهم في إعادة تسمية “تغير المناخ” من قبل وسائل الاعلام ب”الكارثة المناخية” . وأغلق القوس لأضيف أنه سيكون من الجيد توسيع نطاق المفردات المناخية لكي تكون هناك أسباب للاحتفاظ بالمصطلحات المألوفة. قد ندعو الى التوقف عن استخدام مصطلح “تغير المناخ” لأنه تافه، لكن قد تكون وجهة نظر عملية اذا أردنا الوصول الى جمهور كبير لكونه متداول ومعتاد عليه.
هل تغير المناخ هو المصطلح الصحيح عندما نتحدث في وسائل الاعلام عن ارتفاع متوسط درجه الحرارة على الارض باستمرار؟ إنه غالبا ما يستخدم مصطلح “تغير المناخ” وهذا ليس خطا ولكنه يقلل من أهمية الامر أيضا. إذا يمكن استبداله ب “أزمة المناخ” كي ننصف فقدان الموارد الطبيعية والعواقب المناخية.
أول عائق اذا يواجه الاعلامي اشكالية دلالة المصطلحات مثل تغير، أزمة، أو كارثة المناخ؟ أي كلمات نختار لتناول الاشكالية ؟ هل كل منبر أو مقاولة إعلامية ستخصص معجمها الخاص؟ هل أزمة او تغير؟ هل طقس أو مناخ؟ هل نواجه أزمة او تغيير في المجتمع؟. ثم هل نميز بين معنى تكيف وتأقلم؟
الاعلاميون في الواجهة فهم مدعوون لتغطية القضية المهمة من خلال انشاء رابط حيوي بين العلم والمواطنين خصوصا وأن تغير المناخ هو قضية اليوم وسيظل في مقدمة اهتمامات الإعلاميين.
لقد اتفق العلماء بأغلبيتهم الساحقة منذ البداية أن “تغير المناخ” هو من أصل بشري وله آثار مستقبلية خطيرة، ولكن بعض الصحفيين قدموا وجهات نظر متضاربة، إما انهم أرادوا ان يكونوا منصفين او لانهم تعرضوا لضغوط سياسية، او بسبب طبيعة النظام الاعلامي التعددي.
يبقى الإعلامي بين المطرقة والسندان. منها ما هو ذاتي، يتجلى في كون الإعلامي بحاجة إلى التعرف على عوامل تكوين مناخ الكوكب، وعن نظرية التنظيم الحيوي للبيئة، وعن الحدود البيئية التي يجب الالتزام بها باسم الحفاظ على الحياة !
باختصار، يواجه الصحفيون الذين يريدون تكريس أنفسهم للصحافة البيئية مهمة شاقة تتمثل في التعليم الذاتي.
يجب على الصحفيين البيئيين تعليم المواطنين الاهتمام بالتهديد الذي يهدد الحياة. ويجب أن يسمعوا! ولهذا السبب، فإنهم يواجهون مهمة لا تقل أهمية ، ليس فقط إنشاء محتوى بيئي ومناخي، ولكن أيضا الترويج له على منصات الوسائط والمعلومات المختلفة…
تتضمن خصوصية الصحافة البيئية، بالإضافة إلى توفير المعرفة والمهارات اللازمة للتحرير ، الرغبة المستمرة في تطوير القدرات على رؤية شاملة وفردية لواقع الحياة والقدرة على تحويل المعلومات البيئية إلى منتج إبداعي.
يجب أن يكون لدى الصحفي البيئي قاموس للمصطلحات البيئية الخاصة، وفهم جوهر المشكلة، وتبسيط وتصور المعلومات التقنية، والرجوع إلى مصادر المعلومات وتقديم الحلول الممكنة للمشكلة، ليس من نفسه، ولكن من خلال الخبراء، وتقديم عدة وجهات نظر على هذه المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار قرائه، كي لا يضيع صوت المواطنين رغم أنه محفوظ على شبكات التواصل الاجتماعي.
من المهم اليوم تطوير التعاون بين الزملاء في الإعلام، مما سيسمح بالتفاعل مع القنوات / المواقع الجديدة ومع المدونين البيئيين. ومن المهم أيضا تطوير الاتصالات مع مجتمع الخبراء، مما سيسمح للصحفي البيئي بمواكبة التطورات والتركيز بشكل صحيح على اختيار المحتوى والأساليب وأشكال تقديم المعلومات البيئية.
يشير الخبراء إلى زيادة مذهلة في الاهتمام بما يسمى “الموضوعات الخضراء”. يتم إنشاء المحتوى الإعلامي اليوم بالإضافة إلى وسائل الإعلام من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية، ومجتمع الخبراء، والمنظمات الاجتماعية والسياسية، وما إلى ذلك. وعلى هذه الخلفية، هناك الكثير من الأخبار الكاذبة. ولذلك، فإن غرض الصحفي البيئي هو تعليم المستهلك تدفق المعلومات هذا “لفصل اللب عن القشر”. وهذا يفرض المزيد من المتطلبات على الصحافة البيئية، التي تؤدي وظائف إعلامية وتعليمية وتنظيمية ورقابية. وعليه يجب ان نزيد من شحنة أقلامنا بقيم أساسية مفعمة باستدامة التنمية والتحرك نحو التحول البيئي العادل.