يتكيف بشكل فريد مع الظروف المناخية لكن تدهور موائله يغيّر عادتهه ويُفقد غابات الأرز المغربية توازنها الطبيعي
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
تقتات مجموعة من منشطي حلقات الترفيه في ساحة “جامع الفنا” في مدينة مراكش، كما في كثير من الأسواق والملاهي الشعبية المغربية، من خدمات قرود الأطلس الفريدة التي تؤدي بحركات بهلوانية. يلتف السياح والمواطنون في حلقة دائرية مستمتعين بنباهة القرد “زعطوط” الذي يؤدي أدواراً تلقّاها من مدربه بمهارة وإتقان، مستدراً عطف الجمهور الذي يجود عليهما بدريهمات قليلة.
ينتمي زعطوط الى نوع من القرود التي تعرف محلياً باسم ماكو، وعلمياً باسم Macaca sylvanus أو القرد البربري. وهي الفصيلة الأفريقية الوحيدة من الماكاك، إذ إن جميع الفصائل الأخرى آسيوية، كما أنها القرود الوحيدة الموجودة في شمال الصحراء. وخلافاً لفصائل الماكاك الأخرى فهي من دون ذيل.
يعيش قرد المغرب في جبال الأطلس، كغابات الأرز قرب مدينة آزرو، وجبل تازاكا والسفح الشمالي للأطلس الكبير الأوسط. وتقدر أعداده بأكثر من 15 ألفاً في المغرب ونحو 5000 في الجزائر، إضافة الى مجموعة محدودة في جبل طارق. ومجاله الحالي ما هو إلا بقية مجال شاسع كان يغطي أوروبا وكل الشمال الأفريقي من مصر الى المغرب، لكنه تقلص أصلاً نتيجة الظروف التي سادت خلال الفترات الجليدية وأدت الى اختفائه من الأرض الأوروبية. وقلت أعداده لاحقاً بتدهور موائله.
يقول الباحث الهاشمي مولاي ادريس إن لقرد المغرب قابلية كبيرة على التكيف مع الظروف المناخية. فشعره يتغير خلال فصل الربيع، ويكون في الصيف بنياً أصهب وقصيراً بين سنتيمتر وسنتيمترين، أما في الشتاء فيكون بين الرمادي والبني وطويلاً جداً يبلغ 10 سنتيمترات. كما أن غياب الذيل يقلص مساحة الجسم المعرضة للبرودة. أما ايقاع التوالد فهو فصلي حصراً. وتصل مدة حياته الى نحو 20 سنة. ويتراوح وزن الذكر بين 16 و20 كيلوغراماً والأنثى بين 11 و15 كيلوغراماً. ويكون النضج الجنسي في حدود 4 الى 5 سنوات، ويستغرق الحمل لدى الأنثى 210 أيام، ويزن الوليد نحو 700 غرام ويكون زغبه أسود حتى عمر 6 أو 7 أشهر.وأهم مفترسات قرد المغرب ابن آوى والكلاب المتوحشة والثعالب والجوارح أحياناً.
عام 1975 تم تسجيل القرد البربري ضمن الملحق 2 لمعاهدة حماية الأنواع المهددة بالانقراض (CITES) الذي يتضمن أنواعاً يحدق بها خطر حقيقي لكنها ليست معرضة بعد لخطر الانقراض. ومنذ 1980 أدرج في اللائحة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN).
القرد وشجرة الأرز عنصران أساسيان في منظومة بيئية واحدة ويتعايشان في علاقة وثيقة. ويلعب القرد دوراً أساسياً في الحفاظ على التوازن البيئي، لأنه يتغذى أساساً على مجموعة من الحشرات، وفي غيابه يحتمل فقدان هذا التوازن نظراً الى التكاثر الكبير لليرقات الناخرة لأشجار الأرز.
لكن هذه القرود بدأت منذ عدة سنوات، في الأطلس المتوسط وخصوصاً في عين الكحلة، تتغذى على أشجار الأرز اليافعة والأغصان الجديدة وتتلف لحاء الأشجار، مما أدى الى اضطرابات في التخليف وانخفاض القيمة الاقتصادية والطبيعية للمجموعات الحرجية. وقد أثارت هذه الظاهرة الغريبة جدلاً واسعاً، إذ عزي هذا التغيير في العادات الغذائية للقردة الى تكاثرها بسبب غياب المفترسات الطبيعية. كما رجح عدد من الملاحظين أن هجوم القردة على أشجار الأرز عائد الى التدهور التدريجي لمسكنها الطبيعي حيث أضحت الموارد الغذائية والمائية في ندرة واضحة.
ويشكل البلوط الأخضر حالياً غذاء أساسياً للقرد البربري، الذي يتميز بانتقائه الغذائي وقابليته لتغيير عاداته الغذائية حسب الموارد الموجودة. وقد تعودت هذه القرود على الكسل، ويلاحظ ذلك من خلال بدانتها نتيجة حصولها على مأكولات كالموز والشوكولاتة التي يقدمها السياح وزوار المنطقة.
وتحظى هذه القرود في المغرب بعناية خاصة من المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، التي تعهدت منذ تصديق الاتفاقية الدولية حول التنوع البيولوجي بانشاء شبكة وطنية من المجالات المحمية تمكن من حمايتها والاصلاح البيئي لمواطنها.
أسطورة بريطانية في جبل طارق
تعيش مجموعة صغيرة من نحو 40 قرداً مغربياً على صخرة جبل طارق. وتقول رواية قديمة إن جلاء الانكليز من المستعمرة البريطانية سيكون تالياً لانقراض القردة هناك. لذا، كلما تقلصت أعداد القردة في جبل طارق تهرع السلطات البريطانية لاستيراد قردة جديدة من المغرب. ففي صيف 1942 تراجعت أعدادها بشكل كبير على الصخرة، فما كان من السير ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ورغم انشغاله بالحرب الضروس، إلا أن أخذ الأمر بجدية وأعطى الأوامر المستعجلة الى قيادة الجيش البريطاني في الشمال الأفريقي لاستجلاب أعداد من القردة من المغرب كي لا تسقط جوهرة أخرى من جواهر التاج البريطاني.
ويخصص الجيش البريطاني لقردة الصخرة موازنة سنوية للتكفل بمصاريف تغذيتها، وهي تعيش الآن حياة نصف داجنة. لكنها باتت تحدث إزعاجاً وأضراراً، خصوصاً عند نزولها الى المدينة بحثاً عن الغذاء. فهي لا تكتفي بما يخصصه لها الجيش من طعام، بل تعمد الى السرقة. ويدفعها فضولها الى تفحص كل شيء يثيرها وسرقته. ولما كانت مجموعات القردة تعين أفراداً منها لحراسة العصابة، ونظراً لحدة إبصارها ويقظتها وحذرها، يكون القبض عليها ومعاقبتها شبه مستحيلين.
تحميل المقال في كتاب الطبيعة بصيغة pdf اضغط هنا
***********************************
لقراءة المقال بموقع هسبريس