آفاق بيئية : محمد التفراوتي
يعتبر طائر الحبارى، المسمى باللاتينية كلاميدوتيس اوندولاتا (chlamydotis undulata) من طيور الصحراء العداءة النادرة وغير المهاجرة، التي تطير مسافات قصيرة باحثة عن أماكن نزول الأمطار التي تنبت طعامها. وهو بين قلة من الطيور التي تحب العيش في المناطق الصحراوية ومتأقلمة جداً معها.
وتصنف طيور الحبارى في ثلاثة أنواع فرعية. الأول هو بالاندولاتا ويعيش في شمال أفريقيا من موريتانيا الى مصر. والثاني بالاندولاتا ماكويني ويعيش في صحراء سيناء والمملكة العربية السعودية ومنطقة شمال بحر قزوين وشرق بلوشستان وكازاخستان وقرقيزستان ومنغوليا، وهو يفضل الأراضي المستوية والبيئة شبه الصحراوية.
أما النوع الثالث فيسمى بالاندولاتا فويرتا فينتويريا وبيئته المناطق.
الحبارى طائر أرضي بحجم التدرج. له رأس صغير، ورقبة طويلة مستقيمة تغطيها عند الذكر أثناء التكاثر تشكيلة من اللون الرمادي والأسود والأبيض.
في فترة الخصوبة والتزاوج بين كانون الثاني (يناير) وحزيران (يونيو) يظل ذكر الحبارى في نشوة غامرة بمغازلة أنثاه، التي تتلكأ في خطواتها وتتبختر بنظرات خجولة مبرزة مفاتنها في عفة وجلال. يعرض الذكر رقصته الاحتفالية، نافخاً رقبته وناصباً ريشه الأبيض على قمة رأسه، وفي الخط الأسود الذي يهبط نحو عنقه مبرزاً جمال ريشه المستور، ويؤدي بزهو حركات دائرية وتصفيقات قصيرة بالجناحين.
والحبارى معروف بخجله، وهو لا يتزاوج الا في ظروف حميمية بعيداً عن الأنظار. وبسبب الانحدار الملحوظ لأعداد هذا الطائر الرشيق، قامت مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الدولية لحماية وتنمية البيئة الفطرية بوضع برنامج متكامل للمحافظة على الحبارى في المغرب من الانقراض، كجزء من النشاط العلمي البيئي العربي الذي يهتم به ولي عهد المملكة العربية السعودية.
بوشر في تنفيذ برنامج التفريخ المحبوس في مدينتي أغادير والرشيدية، باستعمال الوسائل العلمية والفنية الحديثة في التلقيح والحضانة الاصطناعيين، والجمع بين معدل الإنتاج العالي والعناية بالفراخ حتى تبلغ سن الطيران والتمكن من العيش في موطنها الطبيعي الصحراوي. وقد حدث أول تفريخ من الطيور الحبيسة عام 1994، حين وضعت إحدى الإناث 11 بيضة في الموسم، علماً أن الرقم القياسي هو 27 بيضة. وخلال السنوات الماضية كان معدل الانتاج يراوح بين 1200 و1500 حبارى في السنة، تؤخذ جميعها الى الرشيدية حيث يتم تأهيلها للعيش في مجالها الصحراوي.
في زيارة ميدانية للمؤسسة، أفادنا العضو المنتدب الدكتور سامي جميل جاد الله أن إكثار طائر الحبارى يتم عن طريق التلقيح الاصطناعي. يؤخذ السائل المنوي من الذكر بطريقة تقنية دقيقة وصحية عندما يحاول تخصيب أنثى وهمية تمت تهيئتها لهذا الغرض، ويحفظ السائل في أنبوب. هكذا يتم جمع الحيوانات المنوية خلال فصل التفريخ من كل إفراز للذكور التي بلغت سنتين من العمر، تمهيداً لعملية التلقيح المهبلي. ويتم تنسيق برنامج التلقيح الاصطناعي بالتعاون والتشاور مع الباحثين في مختبر الجينات، بهدف تحسين الجودة من معرفة الحسب والنسب. فالقرابة العائلية في مثل هذه الحالات قد تنجب جيلاً مشوهاً أو مريضاً. لذلك يتم التلقيح عبر اختيار الأفضل والأبعد من الذكور والإناث.
وأوضح الدكتور جادالله أن تكوين المخزون الأول عام 1993 حصل بناء على رخصة لجمع البيض من الأعشاش الطبيعية، فتم جمع 153 بيضة أعطت 138 فرخاً تم نقلها الى أغادير. وأعطى موسم 1995 أول المؤشرات على نجاح تقنيات الإنتاج والتربية، بوجود 29 أنثى أنتجت 169 بيضة. وفي موسم 1996 تأكد نجاح التقنيات، وتم الاحتفاظ بـ 309 فراخ من هذا الموسم لتكون الجيل الأول من الآباء والأمهات.
وأخبرنا الدكتور رشيد بونوادر، مدير التشغيل في المؤسسة، أن برنامج الوقاية الصحية المتبع يراعي جميع الاحتياطات اللازمة قبل الولوج الى مرحلة الإنتاج. كما يتبع برنامج صـارم للأمــن الحـيوي (bio security) في جميع الأقسام، فضلاً عن وجود فريق بيطري مؤهل لمعاينة طيور الحبارى يومياً واتخاذ الاجراءات الوقائية. وفي المؤسسة غرف للعناية المركزية بالفراخ الجديدة، لتخرج بعد عشرة أيام وتوضع في أقفاص خاصة.
يحقن الحبارى بالتطعيم الجرثومي الفيرومي الفيروسي ضد الأمراض. ويسهر على قسم الإنتاج فريق من التقنيين والبيطريين المحترفين والباحثين المؤهلين في علم الوراثيات والبيولوجيا الجزيئية. وتضم المؤسسة الدولية لحماية وتنمية البيئة مختبراً لعلم الوراثيات يساهم في إدارة قطيع الحبارى المربى في الأسر، وهو مجهز بتقنيات حديثة لاجراء الفحوص الجينية على الحمض النووي. وثمة تجهيزات اخرى للفحوص الميكروبية والكيميائية والمناعية وغيرها.
ومنذ أعوام يتم تدريب الكوادر المغربية للعمل في جميع أقسام المؤسسة، بعدما كان برنامج تفريخ الحبارى حتى فترة قصيرة مقصوراً على الاوروبيين. ونجاح هذا البرنامج يمكن أن يكون نواة لتأسيس أكاديمية علمية تقدم دورات تدريبية من ستة أشهر لتأهيل الكوادر العربية للعمل في المحميات الطبيعية.
للإطلاع على المقال بمجلة البيئية والتنمية اضغط هنا