مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب تتوج بجائزة الحسن الثاني للبيئة

محمد التفراوتيمنذ 44 دقيقةآخر تحديث :
مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب تتوج بجائزة الحسن الثاني للبيئة

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في تتويج مستحق لسنوات من العمل الميداني والعلمي، حازت مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM/BirdLife Maroc) على جائزة الحسن الثاني للبيئة في صنف العمل الجمعوي، اعترافا بجهودها الريادية في حماية طائر أبو منجل الأصلع، أحد أندر الطيور في العالم وآخر مستعمراته البرية توجد حصريا بالمغرب. ويأتي هذا التتويج ليكرس مسارا طويلا من الالتزام، جمعت فيه الجمعية بين البحث العلمي، الحماية الميدانية، إشراك الساكنة المحلية، والتوعية البيئية، ما جعل تجربتها نموذجا وطنيا رائدا في صون التنوع البيولوجي، ورافعة حقيقية للحفاظ على إرث طبيعي عالمي فريد.

في جنوب المغرب، وتحديدا بين منتزه سوس ماسة ومنطقة تامري شمال أكادير، تخوض مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM/BirdLife Maroc)، واحدة من أكثر معارك الحفاظ على الحياة البرية تعقيدا، دفاعا عن آخر ما تبقى من الطائر الأسطوري أبو منجل الأصلع (Geronticus eremita)، أحد أندر الطيور على وجه الأرض، والمصنف عالميا “مهدد بالانقراض”.
هذا الطائر الذي كان يوما يجوب ضفاف المتوسط والشرق الأوسط، لم يعد يعيش في البرية سوى هنا، في المغرب. ومع هذا الواقع غير المسبوق، وجدت الجمعية نفسها أمام مسؤولية عالمية، فصاغت نموذجا متكاملا يجمع بين حماية الطبيعة، انخراط المجتمعات المحلية، البحث العلمي، والتوعية، نموذج استحق أن يرشح لجائزة حسن الثاني للبيئة.

حراسة يومية… خط الدفاع الأول عن الطائر

منذ سنوات، تنتشر فرق ميدانية من سبعة حراس، أربعة في المنتزه الوطني سوس ماسة وثلاثة في تامري، لمراقبة مواقع التعشيش على مدار ستة أشهر هي فترة التكاثر الحرجة.
حراس ينتمون للساكنة المحلية، يراقبون أعشاشا على حواف منحدرات ساحلية وعرة، يحذرون من أي اقتراب غير مشروع، يردون المفترسات الطبيعية، ويسجلون كل حركة.
ومع الزمن، أصبح عملهم جزء من منظومة رسمية بعد أن تولت الوكالة الوطنية للمياه والغابات أداء أجورهم، في نموذج ناجح لدمج المجتمع المحلي في جهود حماية الطبيعة.
كما وفرت الجمعية لهؤلاء الحراس معدات بصرية، دراجات نارية، تجهيزات ميدانية، إضافة إلى دورات تكوينية في مراقبة الطيور، التوجيه البيئي، وحتى مبادئ السياحة البيئية.

صيانة أعشاش وتوسيع منصات التبييض

في نهاية عام 2023، قادت الجمعية عملية دقيقة على منحدرات تامري، شارك فيها فريق من متطوعي تسلق الجبال البريطانيين، لإعادة تأهيل منصات التعشيش. و
تنظيف 18 عشا من المواد المتراكمة.

توسيع منصتين صخريتين لاستقبال ما يصل إلى 10 أزواج جديدة.

سجلت مراقبة يومية لاحقة عودة 14 زوجا إلى الأعشاش التي جرى تنظيفها. ورغم أن الأزواج لم تحتل بعد المنصات الجديدة، إلا أن البيانات تؤكد أهميتها المستقبلية، خاصة وأن الصغار والطيور اليافعة بدأت باستخدامها للراحة والتنقل.

تكنولوجيا لتتبع الطائر…نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يكتب قصة العودة

ضمن نهج علمي دقيق، عملت الجمعية على تركيب أجهزة تتبع (GPS) لـ 12 فردا من الطائر، ما منح الباحثين لأول مرة رؤية واضحة لمساراته اليومية ومناطق تغذيته وانتقالاته بين تامري والمنتزه.

وأكدت النتائج حركة دائمة بين تامري وسوس ماسة أن
البالغون أوفياء لموائلهم الأصلية. أما الصغار يميلون للاستكشاف حتى مناطق بعيدة مثل “تافدنة” والصويرة. و تحديد ممرات إيكولوجية جديدة ومواقع واعدة للتعشيش مستقبلا.
كما نفذت الجمعية حملات استكشافية في مواقع تاريخية للنوع، خاصة في الصحراء الأطلسية، بحثا عن مستعمرات محتملة.

و أسهمت الجمعية في تحويل طائر أبو منجل الأصلع إلى رسالة وطنية عابرة للأجيال، عبر برنامج واسع للتوعية البيئية امتد من الجامعات إلى المدارس وعلى المستوى الوطني. ففي الفضاء الجامعي، نظمت معارض علمية وورش وعروض بصرية عن الطائر، إلى جانب محاضرات وملتقيات علمية بجامعتي ابن زهر وأيت ملول لتعميق المعرفة حوله. و أطلقت الجمعية مع التلاميذ خرجات ميدانية نحو مواقع الطائر. وأعدت قصة مصورة بثلاث لغات، بهدف ترسيخ قيم المحافظة على التنوع البيولوجي لدى الناشئة. وعلى الصعيد الوطني، نظمت يوما إعلاميا بالمعهد العلمي في الرباط، وأنتجت مواد تعريفية متنوعة من فيديوهات و”مطويات توعوية” وملصقات، بل وأقامت مجسما للطائر بجامعة ابن زهر، تعزيزا لحضوره الرمزي.

وموازاة مع جهود التوعية، عملت الجمعية على دعم التنمية المحلية باعتبارها رافعة أساسية لحماية الطائر، عبر مساندة تعاونيات نسائية وحرفية مثل تعاونية “أملو بتيمزليت” وتعاونية “سيدي وساي”، إضافة إلى دعم تعاونية “رزق” للصيادين بسيدي رباط، مما ساهم في تحسين ظروف الإنتاج والعمل وتوفير بدائل اقتصادية للسكان، وجعل المجتمع المحلي أكثر ارتباطا بمصير هذا الكائن النادر. كما انخرطت الجمعية بشراكة مع منتزه سوس ماسة في تطوير منتج سياحي بيئي قائم على مشاهدة الطيور، يتضمن مسارات مؤطرة وفضاءات استقبال ومركز تفسير بيئي بتامري، إلى جانب زيارات ميدانية عند غروب الشمس وتطوير تطبيق رقمي للتعريف بالثروة الطبيعية. ويمثل هذا التوجه خطوة لدمج المحافظة في دورة اقتصادية مستدامة تدر دخلا وتحفز السكان على حماية تراثهم الطبيعي.
وأثمرت هذه الجهود الميدانية والتوعوية والتنموية مجتمعة نتائج لافتة، حيث بلغ عدد الأزواج 147 زوجا و708 أفراد سنة 2023، وهو أعلى رقم منذ عقود، كما ساهمت في انتقال الطائر عام 2018 من فئة “مهدد بالانقراض الحرج” إلى “مهدد بالانقراض”، إلى جانب ترسيخ حضور المغرب كفاعل وطني ودولي في حماية هذا الطائر الفريد من نوعه.

باتت قصة مجموعة مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM/BirdLife Maroc)، مع طائر أبو منجل الأصلع نموذجا ناجحا يجمع العلم، الحماية، التنمية، والتربية البيئية في منظومة واحدة.
نموذج جعل المغرب اليوم حارسا عالميا لآخر ما تبقى من هذا الطائر النادر…وربما آخر أمل له للنجاة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!