ندوة دولية بالمهرجان الدولي لأفلام البيئة بشفشاون حول “البيئة بعيون نسائية”
آفاق بيئية: كوثر وزكان
عندما نسترجع ذكريات الطفولة، نكتشف أن المرأة المغربية كانت حارسة للبيئة بالفطرة، حتى دون أن تدرك أنها تمارس سلوكيات “بيئية”.
في البيوت المغربية، سواء في المدن أو القرى، ربت الأمهات والجدات أجيالا على قيم الاستدامة: لم يكن الإسراف في استعمال الماء أو ترك الأضواء مشتعلة أمرا مقبولا، ولم يكن الخبز يقدم إلا بعد إنهاء القطعة الأولى احتراما للنعمة.
الملابس القديمة كانت تتحول إلى قطع تنظيف، والعلب تستعمل لتخزين المؤن، والأكياس البلاستيكية يعاد استخدامها مرارا.
وفي القرى، كانت النساء شريكات في العناية بالحقول وزراعة الخضر والأعشاب الطبية، مما عمق العلاقة بين الأسرة والطبيعة.
هذه السلوكيات اليومية العفوية شكلت أساس ثقافة بيئية أصيلة تناقلتها الأجيال.
السينما كجسر لدمج النساء في القضايا البيئية
اليوم، وفي ظل التغير المناخي والتحديات البيئية الكبرى، أصبح من الضروري أن تتحول هذه الممارسات التقليدية إلى وعي جماعي مدعوم بالمعرفة الحديثة. هنا يبرز دور السينما، وهو ما جسده المهرجان الدولي لأفلام البيئة بشفشاون، الذي قدم ندوة بعنوان “البيئة بعيون نسائية” لتسليط الضوء على دور المرأة في حماية البيئة وصناعة الوعي البيئي.
نشط الندوة نساء رائدات في مجال السينما والإخراج. تناولت المخرجة زينب الشفشاوني الموساوي تجربتها في الإخراج السينمائي، مؤكدة أهمية الصورة في توثيق قصص النساء ودورهن في القضايا البيئية. و وتحدثت الكاتبة ومديرة مكتب مؤسسة هاينريش بول بالمغرب، Anja Hoffmann، عن أهمية التمويل وكيف يساهم في إنتاج أفلام وثائقية قادرة على إحداث تأثير حقيقي. و أبرزت الأستاذة الباحثة بجامعة ابن طفيل، ليلى الرحموني، دور الفيلم الوثائقي في نشر الوعي البيئي، وتحويل القضايا البيئية إلى مادة ثقافية وفنية.
الفيلم الوثائقي… لغة تتجاوز الحدود
الفيلم الوثائقي يمتلك قدرة فريدة على تجاوز الأرقام والتقارير العلمية، فهو يترجم القضايا البيئية إلى قصص إنسانية تلامس العاطفة وتحفز الفعل. الصورة الصادقة قادرة على إيصال معاناة المجتمعات المتأثرة بالتغير المناخي، وكشف أثره على تفاصيل الحياة اليومية، لتصبح الرسالة البيئية أكثر قربا من الجمهور.
هل هناك فرق بين رؤية المرأة والرجل في الإخراج البيئي؟
النقاش حول الفروق بين رؤية المرأة والرجل في الإخراج لا يقوم على التفوق بقدر ما يكشف عن تنوع زاوية النظر. غالبا ما تظهر المرأة في أعمالها الوثائقية حساسية خاصة للعلاقات الإنسانية ولتأثير البيئة على الأسرة والمجتمع، بينما قد يميل الرجل إلى تقديم الصورة من منظور تقني أو سياسي. هذا التكامل يجعل الفيلم البيئي أكثر ثراء، إذ يتيح الجمع بين الحس المرهف والتحليل العقلاني في آن واحد.
بهذه المقاربة، تؤكد الندوة أن البيئة ليست مجرد موضوع للنقاش الأكاديمي أو الفني، بل قضية معاشة تترجمها المرأة منذ عقود عبر ممارسات يومية، واليوم تترجمها السينما بلغة عالمية قادرة على إحداث التغيير.