العلاقة بين المياه والبيانات والسلام

محمد التفراوتي22 مارس 2024آخر تحديث :
 ©FAO/Eduardo Soteras
©FAO/Eduardo Soteras

آفاق بيئية: روما 

ترصد أداة المنظمة لإنتاجية المياه (WaPOR) من خلال الاستشعار عن بُعد أثر النزاعات على الزراعة وتدعم التوزيع العادل للمياه.

المياه هي محور الحياة كلّها، وبالتالي جميع الاقتصادات. ولهذا السبب، ليس من المستغرب أن يكون هناك أيضًا ترابط بين المياه والنزاعات.

ويمكن أن يتأثر الحصول على المياه بالنزاعات ولكنّه قد يتسبّب أيضًا في اندلاعها. ويتفاقم خطر النزاعات مع تزايد ندرة المياه وآثار تغيّر المناخ.

وفي هذا السياق، تشكّل الإدارة الفعّالة والمستدامة للموارد المائية أمرًا بالغ الأهمية من أجل تقليل المنافسة والمساهمة في إرساء السلام المحلي. ويبدأ ذلك برصد الموارد المائية.

ومع وجود أقمار اصطناعية تدور حول الأرض وتجمع يوميًا كميات كبيرة من البيانات، بما في ذلك البيانات المتعلقة بالمياه، يؤدي الاستشعار عن بُعد دورًا محوريًا في سدّ الفجوة في البيانات في المناطق التي يصعُب الوصول إليها.

وأداة بوابة الاستشعار عن بُعد للبيانات المفتوحة عن إنتاجية المياه (WaPOR) هي أداة أنشأتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) تستخدم بيانات الأقمار الاصطناعية المفتوحة بما يمكّن من رصد المناطق الزراعية، بما في ذلك في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو غير الآمنة. ويمكن الوصول إلى هذه البيانات مجانًا وتستخدمها المنظمة والمؤسسات الوطنية من أجل دعم المبادرات التي تهدف إلى تفادي النزاعات بين مختلف مستخدمي المياه وتحديد البنى التحتية المتضرّرة بسبب ذلك.

وترد في ما يلي أربعة أمثلة ساعدت فيها بيانات أداة WaPOR في رصد الموارد المائية للحد من النزاعات واستعادة إمكانية الحصول على هذا المورد الثمين عند انقطاعه بفعل النزاعات.

1) الجمهورية العربية السورية

في عام 2019، ساعدت المنظمة فريقًا وطنيًا من الخبراء من وزارة الموارد المائية والهيئة العامة للاستشعار عن بُعد في الجمهورية العربية السورية على استخدام بيانات أداة WaPOR من أجل تقييم الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية للري في البلاد بسبب النزاع المستمر. وقد نال الدمار أو الأضرار البالغة من السدود ومحطات الضخ ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي وقنوات الري وأنظمة الري الحقلية والبنى التحتية الأخرى.

وباستخدام بيانات أداة WaPOR، قام فنيون من وزارة الموارد المائية بتحليل المناطق التي توجد فيها بنى تحتية قائمة للري من خلال تتبع نمو النباتات ورصد المياه التي تستخدمها النباتات. وبما أن الجمهورية العربية السورية بلد شبه قاحل، تبيّن عند اكتشاف استخدام النباتات للمياه أن الزراعة المرويّة بقيت سليمة.

كما أن القدرة على تقييم مدى تأثر الاستثمارات الوطنية في الزراعة بالنزاع تشكّل خطوة حاسمة في التخطيط لإعادة التأهيل. وقد استخدمت وزارة الموارد المائية هذه التقديرات من أجل توجيه خطط إعادة الإعمار واحتياجات جمع الأموال.

2) السودان

في أبريل/نيسان 2023، اندلع نزاع مسلح في السودان وما زال مستمرًا. وأدّى انتشار انعدام الأمن والظروف غير الآمنة إلى تعطيل الزراعة، بما في ذلك توزيع البذور وإعداد الحقول والزراعة.

وفي هذا السياق، استخدمت المنظمة بيانات أداة WaPOR لمقارنة متوسط موسم النمو لعام 2023 مع متوسط مواسم السنوات الخمس السابقة من أجل تقدير أثر النزاع على الإنتاج الزراعي.

وقال السيد الواثق مختار حميد، المساعد السابق لممثل المنظمة في السودان “إنّ رصد أداء الموسم الزراعي كان مفيدًا في تقييم حالة الأمن الغذائي في البلاد وتحديث أرقام النظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي التي تُستخدم في التخطيط والبرمجة لتدخلات الأمن الغذائي”.

وقد أظهر التقييم انخفاضًا بنسبة 51 في المائة في المساحات المزروعة في بداية الموسم مقارنةً بالسنوات السابقة. ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى الاضطرابات في الأسواق وآليات التمويل التي تسمح للمزارعين بشراء المدخلات الزراعية. ووضعت المنظمة خطة تدخل تهدف إلى توزيع البذور العالية الجودة في أغسطس/آب وأدّت إلى تحسين الأوضاع وسمحت لمزيد من المزارعين بزراعة البذور في الوقت المناسب لموسم الزرع.

وهذا يوضح إمكانية استخدام بيانات الاستشعار عن بُعد من أجل رصد أثر النزاعات على الزراعة، ولكنه يدعم أيضًا الاستجابة الإنسانية ويظهر نتائج التدخلات.

3) مالي

في مالي، تعمل المنظمة مع وزارة التنمية الريفية وبرنامج الأغذية العالمي من أجل تقييم أثر النزاع المستمر على القطاع الزراعي في البلاد. ويستخدم المشروع ما تتيحه أداة WaPOR من بيانات وأدوات من أجل ابتكار طريقة لإجراء عمليات التقييم هذه بشكل منهجي، خاصةً في المناطق غير الآمنة لإجراء متابعة محلية.

وإضافة إلى استمرار مناخ انعدام الأمن، تتسبّب ندرة المياه في تزايد المنافسة بين المستخدمين المحليين. وتجفّ البرك والأنهار والآبار نتيجة الجفاف والتصحر.

وتستخدم شراكة المياه والسلام والأمن بيانات أداة WaPOR كجزء من أداتها العالمية للإنذار المبكر من أجل توليد تنبؤات بالنزاعات بناءً على عوامل مرتبطة بالمياه والزراعة والتوترات الكامنة.

وفي جينيه، مالي، تستخدم شراكة المياه والسلام والأمن هذه البيانات من أجل تنفيذ تدابير لتسوية النزاعات، مثل الحوارات المجتمعية في المناطق التي يوجد فيها تقليديًا تنافس على استخدام موارد المياه.

4) سري لانكا

لقد عمل مشروع “معرفة المياه بشكل أفضل” (Knowat) التابع للمنظمة على توضيح قضايا حيازة المياه في سري لانكا، وهي مصدر محتمل آخر للنزاعات. وساعدت بيانات أداة WaPOR في إجراء المحاسبة المتعلقة بالمياه التي تسمح برسم خرائط الحصول على المياه، واستحقاقها، والعلاقات المتمحورة حول هذا المورد. وهذه هي الخطوة الأولى لفهم طريقة توزيع المياه وتحديد مستخدميها. ويتطلّب ضمان التوزيع العادل لموارد المياه معرفة من يمكنه الحصول على المياه، وكذلك معرفة كمية المياه المتوفرة ومقدار استخدام أصحاب المصلحة المختلفين لها.

وتتأرجح أوضاع حوض نهر مالواثي أويا في سري لانكا بين الفيضانات وندرة المياه، وقد تفاقم هذا التقلّب بسبب تغير المناخ وسوء إدارة المياه إذ يميل المزارعون إلى الإفراط في ري المحاصيل. وساعدت بيانات أداة WaPOR مديري الري في حوض النهر على تقييم الموسم الزراعي والتخطيط للموسم التالي، بالتعاون مع المزارعين المحليين. ومن خلال القدرة على تتبع إنتاجية المياه، يمكن للعاملين في مجال الإرشاد الميداني إسداء المشورة للمزارعين حول خطر الإفراط في الري، بالنسبة إلى موارد الحوض وكذلك إنتاجية المزرعة.

وقد أدّى تحسين ممارسات الريّ والعملية التشاركية إلى توفير المزيد من المياه للجميع وتحسين الإنتاج، وبالتالي تقليل الضغوطات والتنافس على الموارد المائية.

والبيانات هي نقطة البداية للعمل. ومن خلال الاستفادة من أدوات مثل أداة WaPOR، تساعد معرفة حالة الموارد المائية في تخطيط التدخلات واتخاذ القرارات المستنيرة من أجل تقليل فرص نشوب النزاعات وتعزيز إحلال السلام.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!