تبريرات نفوق أسماك بحيرة سيدي بوغابة تغفل وقائع أساسية

محمد التفراوتي26 يوليو 2020آخر تحديث :
تبريرات نفوق أسماك بحيرة سيدي بوغابة تغفل وقائع أساسية

آفاق بيئية : الدكتور محمد بنيخلف

محمية سيدي بوغابة محمية تقع على مقربة من مدينة القنيطرة المغرب، تبلغ مساحة المحمية الإجمالية 650 هكتارا مكسوة بالغابة، و110 هكتارات تغطيها بحيرة ذات ماء عذب ويقطنها أكثر من 205 أنواع من الطيور، منها 137 نوعا بصفة مستمرة و37 نوعا قاريا يقضي بها فترة معينة من السنة فقط.

تتواجد فيها أنواع من الشجر والحيوانات التي عاشت منذ مليوني سنة حية موجودة بالمكان وتعتبر بحيرتها آخر بحيرة للمياه العذبة الجوفية بالشاطئ الغربي للمغرب وتستمد مياهها من المصادر الجوفية.

أعلنت منطقة سيدي بوغابة محمية عام 1975، وصنفت عام 1980 ضمن قائمة «رامسار» للمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية.

عرفت هذه البحيرة نفوق أعداد كبيرة من الأسماك الصغيرة لأسباب مجهولة، مما أثار انتباه مجموعة من جمعيات المجتمع المدني الغيورة على المؤهلات الطبيعية لإقليم القنيطرة، لتتبع ومواكبة مجريات هذه الظاهرة المقلقة ابتداء من يوم الأحد 21 يونيو 2020،عندما لاحظ أحد العمال بالمحمية أعداد كبيرة من الأسماك الصغيرة تطفو على الماء، الشيء الذي استنفر المصالح المعنية والتي بادرت الى تكليف لجنة إقليمية مكونة من مصالح المياه والغابات ومن السلطات المحلية والدرك الملكي البيئي ومصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية للوقوف بعين المكان على تفاصيل وحيثيات هذه الظاهرة بتاريخ 22 يونيو 2020، وقد بادرت هذه الأخيرة بأخذ عينات من هذه الأسماك ومن مياه البحيرة لإجراء التحاليل اللازمة بالمختبرات المختصة لمصالح الدرك الملكي البيئي.

وبعد مرور زهاء شهر عن أخذ العينات ورغم القلق الذي أبان عنه النشطاء البيئيين في الجهة تجاه هذا الصمت الرهيب الذي يتنافى مع روح الدستور المغربي في حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومة ، تم الاعلان يوم 22 يوليوز 2020 عن نتائج التحاليل وأسباب هذه الظاهرة بعدما تمت تعبئة المركز الوطني للأحياء المائية وتربية الأسماك بأزرو، التابع لقطاع المياه والغابات، من أجل التفسير العلمي لها.

 وقد جاءت نتائج التحليلات المخبرية الرسمية على النحو التالي:

  • نفوق عدد من أسماك الأترينا «Athérine» وهو نوع من الأسماك الصغيرة والتي تعيش بالبحيرات الأطلسية الشمالية للمملكة ومن ضمنها بحيرة محمية سيدي بوغابة (إقليم القنيطرة) يرجع، بشكل رئيسي، إلى نقص الأوكسجين بمياه البحيرة مما سبب اختناق أسماك الأترينا، وإلى ارتفاع درجة حرارة المياه وملوحتها من جهة، وانخفاض منسوب المياه خلال هذه الفترة الصيفية من جهة أخرى؛
  • استبعاد أي احتمال لتلوث كيميائي أو عضوي وأن الأسماك خالية من أي مرض وليس لها أي طابع وبائي ولا تشكل خطرا على الحياة البرية والطيور المحلية؛

لكن للأسف لم يتطرق بلاغ اللجنة الرسمية الى ظاهرتين تمت ملاحظاتهما سابقا خلال تشخيص وضع بحيرة سيدي بوغابة وهما:

  • ظاهرة التخثث (Eutrophisation) هو عملية طبيعية وبطيئة للغاية حيث تتلقى المسطحات المائية كمية كبيرة من العناصر الغذائية (خاصة الفوسفور والنيتروجين) ، والتي تحفز نمو الطحالب والنباتات المائية. عادةً ما تتم هذه العملية على مدى فترة تتراوح بين عدة آلاف وعشرات الآلاف من السنين، لكن الأنشطة البشرية تسرعها بشكل كبير في العديد من البحيرات من خلال زيادة كمية المغذيات التي تصل إليها، مما يتسبب في تغيرات في توازن هذه النظم البيئية المائية، كاستنفاذ أو نقص الأكسجين المذاب بالمياه؛
  • وجود نفايات صلبة مختلفة على جنبات البحيرة، تشكل مصدر غذاء الكائنات الحية المجهرية وخاصة البكتريا الموجودة في الأسفل وبالتالي الزيادة في تكاثرها واستهلاكها للأكسجين المذاب في المياه؛

لفهم ما يحدث ببحيرة سيدي بوغابة من خلال التشخيص الميداني ونتائج التحليلات المخبرية الرسمية، يجب تحديد مجموعة من المفاهيم والأفاهيم والظواهر الطبيعية وغير الطبيعية الناتجة عن تدخل الانسان.

  • تعريف البحيرة:

وهي عبارة عن مجموعة من المياه المفتوحة تتدفق ببطء شديد، وتوجد في منخفض في القشرة الأرضية، وقد تشمل البرك والخزانات.

 خصائص البحيرة:

 البحيرة بيئة معقدة ومتغيرة باستمرار، تتكون من مجموعة واسعة من العناصر الوثيقة الصلة. عندما ترى الأسماك والطحالب والنباتات في البحيرة ، فأنت في الواقع تنظر إلى العناصر البيولوجية ؛ عندما تحدد مساحة وعمق ودرجة حرارة البحيرة ، تلاحظ خصائصها الفيزيائية، والعديد من العناصر غير المرئية، مثل الأكسجين الذائب والمغذيات والمعادن، هي جزء من التركيب الكيميائي لمياه البحيرة. تعتبر البحيرة أيضًا جزءًا من نظام بيئي أكبر يمتد إلى الأرض المحيطة التي تصب فيها ويمكن أن يكون للفعل البسيط لتعديل أحد مكونات نظام البحيرة عواقب وخيمة على المكونات الأخرى للمسطح المائي.

 ما هي الرغوة البيضاء التي قد نجدها فوق المسطحات المائية؟

 إن المواد العضوية مثل النباتات المائية والأوراق الميتة والطحالب المتحللة هي المسؤولة. في الواقع ، عندما تحلل البكتيريا هذه المواد ، ترتفع الدهون إلى السطح بسبب كثافتها الأقل من الماء وتتشكل الرغوة البيضاء السميكة. لكن المادة العضوية الزائدة في الماء هي التي تشكل التلوث وتؤدي الى وجود الرغوة متكررًا وأكبر بكثير من المعتاد في البحيرة في ظروف مماثلة (الطقس ، التدفق ، إلخ).

ماذا عن واقع بحيرة سيدي بوغابة؟

  • من خلال الزيارات الميدانية المتكررة لهذا الموقع تم تسجيل الملاحظات التالية:
  • استفحال ظاهرة التخثث؛
  • ظهور الرغوة فوق المسطحات المائية بشكل ملفت للنظر وذلك على طول جنبات البحيرة،
  • وجود كمية كبيرة من النفايات الصلبة المختلفة؛
  • اجتثاث جنبات البحيرة؛
  • اضرام النار للطهي من طرف المتنزهين وبشكل يشكل خطيرا على المحمية برمتها؛
  • ركن السيارات في أماكن مختلفة رغم وجود مكان مخصص لذلك؛
  • وجود كل أنواع الضجيج الممكنة، سيما خلال الرحلات الترفيهية التي تقوم بها بعض المؤسسات التعليمية لتلامذتها؛
  • الازعاج المباشر للطيور؛
  • غياب مرافق صحية (موجودة وغير مشغلة)؛
  • غياب نظام الرقابة وتطبيق القوانين البيئية بحزم لوقف التعديات البيئية والممارسات الخاطئة التي تحدث باستمرار.

 من خلال التدبير:

أشار بلاغ وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات حول موضوع نفوق الأسماك ببحيرة سيدي بوغابة أنها تتوفر على مخطط التهيئة والتدبير، مبني على دراسات علمية محكمة تأخذ بعين الاعتبار جميع المكونات والإكراهات للموقع بهدف صيانة التنوع الإحيائي والتتبع الدائم لتطورات هذا النظام البيئي، وذلك عبر مجموعة من العمليات ترتكز على معايير تقنية وبرامج يتم تفعيلها عبر سلم الأسبقيات.

لكن للأسف وفي غياب أي آلية للتواصل بين الجهات المسؤولة والمجتمع المدني تبقى هذه المخططات والتدابير والعمليات مجرد أقوال، اذ لا نلمسها في أرض الواقع.

في الأخير يجب التذكير بالقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الصادر بتاريخ 22 فبراير 2018 والذي يعتمد مبدأ النشر الاستباقي من خلال نشر الحد الأقصى من المعلومات، بشكل استباقي وتلقائي، حتى في حال عدم وجود أي طلب، وذلك عن طريق وسائل النشر المتاحة لدى المؤسسات أو الهيئات المعنية.

دعوة جميع المسؤولين الإداريين والترابيين بالجهة إلى إعمال المقتضيات القانونية من أجل حماية البيئة والحفاظ على مكونات التنوع البيئي الضامن للتوازن البيئي بالجهة، وجعل المجتمع المدني شريك يمكن الاعتماد عليه في جميع الحالات سيما تلك المرتبطة بالتحسيس وتأطير المواطنات والمواطنين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!