فيروس كورونا كوفيد -19 والتغير المناخي

محمد التفراوتي27 أبريل 2020آخر تحديث :
فيروس كورونا كوفيد -19 والتغير المناخي

أوجه التشابه وتداعياتهما على أهداف التنمية المستدامة 2015-2030

آفاق بيئية :     ياسين خرشوفة (طالب باحث)    تأطير الاستاذ: عبد العزيز فعراس(استاذ باحث) 

سلك الماستر: تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية/ كلية علوم التربية،جامعة محمد الخامس،الرباط /المغرب

تقديم

خلال بداية العام الجاري2020 توقف العالم للمرة الأولى منذ عقود خلت، فأصبحت البلدان تغلق حدودها في الوقت الذي تشهد الشعوب تطورات جائحة عالمية “كوفيد-19” آخذة في الانتشار والزحف، و بادرت اغلب بلدان العالم جاهدة مجابهة هذه الجائحة من خلال استثمار الملايير من الدولارات لوقف تداعياتها، بل لاحظنا الجهود تتضافر من طرف المجتمع العالمي بأسره لمواجهته.

وإذا كان مستوى التعاون الدولي الحالي بهذا المستوى نادر الحدوث، إذ لم يسبق لنا أن شهدنا مثيله سوى مرتين في العقد الماضي: عندما شرعت دول العالم في مواجهة اسباب و تداعيات التغير المناخي، وعندما وضعت الأمم المتحدة أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر “SDGs”، 

فما هي أوجه التشابه بين فيروس كورونا والتغير المناخي ؟ وما العلاقة التي تربط بينهما ؟ وما مدى تأثيرهما على أهداف التنمية المستدامة ؟

-1- أوجه التشابه بين فيروس كورونا والتغير المناخي

-1-1- فيروس كورونا

تعتبر فيروسات كورونا فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان.  ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس). ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض فيروس كورونا كوفيد-19.

فيروس كورونا المستجد هو فيروس حيواني المصدر ينتقل للإنسان عند المخالطة اللصيقة لحيوانات المزرعة أو الحيوانات البرية المصابة بالفيروس. كما ينتقل عند التعامل مع فضلات هذه الحيوانات. ورغم أن المصدر الحيواني هو المصدر الرئيسي الأكثر ترجيحًا لهذه الجائحة، يجب إجراء المزيد من الاستقصاءات لتحديد المصدر الدقيق للفيروس وطريقة السريان.

وبالتالي فمرض كوفيد-19 هو مرض معد يسببه فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً. ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس وهذا المرض المستجد قبل ظهوره وتفشيه في مدينة يوهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019.

-2-1–  التغير المناخي

 على غرار فيروس كورونا يشكل تغير المناخ الذي يواجه العالم اليوم تحديًا هائلاً، بحيث تعرفه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أنه” يعني تغيراً في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشـري الـذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يُلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ على مدى فترات زمنية متماثلة. كما أن مصطلح تغير المناخ يطلق كذلك على الاختلالات والتغير الملموس وطويل الأثر الذي يطرأ على معدل حالة الطقس لمنطقة ما شاملاً معدلات التساقطات المطرية، ودرجات الحرارة، والرياح، وقد تعود عوامل حدوث هذه الظاهرة إما إلى عمليات ديناميكية للأرض أو قوى خارجية أو بسبب النشاط الإنساني.

يعزى تفسير ظاهرة الاضطراب المناخي لدى عدد من العلماء في ارتفاع حرارة المحيطات والغلاف الجوي على المستوى العالمي وعلى مدى سنوات مديدة. وترجع أغلب الدراسات المنجزة في هذا المقام ظاهرة التغيرات المناخية إلى جملة من العوامل أبرزها النشاط الصناعي وما يخلفه من غازات سامة تتكدس في الغلاف الجوي، مؤثرة بشكل حاد على انتظام حرارة الأرض وتعاقب وتوازن الظواهر البيئية، مما تكون له انعكاسات وخيمة من بينها انتشار الفيروسات.

خطاطة: أسباب التغير المناخي

المصدر: عبد العزيز فعراس(2016)، دليل العيون للتغيرات المناخية، ص31

ولقد تحدثت بعض الأبحاث أن ظهور الفيروسات مرتبط بالتغيرات المناخية، حيث أن هناك مجموعة من الفيروسات لها القدرة على التكيف مع الظروف البيئية، البعض منها يتأقلم مع درجات الحرارة والبعض منها يتأقلم مع البرودة، ونسوق في هذا الصدد مثال عن البعوض والقراد والذباب، ذات طبيعة باردة، مما يجعل حدوث الأمراض المعدية يعتمد بشدة على درجات الحرارة المحيطة التي يمكن أن تسبب تغييرات في مواقع تكاثر ناقلات الأمراض، والتوزيع، ومعدلات العض في دورة حياتها، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر درجة الحرارة على البشر من خلال التغير في طريقة الحركة وزيادة التعرض للعدوى عن طريق التغيير في مناعة الجسم المضيف، “فالأمراض المعدية هي دائما أمراض النظم الإيكولوجية”، كما يقول البروفيسور راولت: “لهذا السبب لا يمكن أن نصاب بنفس الأمراض في القطب الشمالي وفي المناطق المدارية الرطبة، فكلما تغير النظام البيئي أو تدهور، كلما أصبح من الممكن أن تظهر بعض الأمراض و تختفي أخرى”.

ما هي أوجه الشبه بين فيروس كورونا وتغير المناخ؟ هل هناك تأثير متبادل بينهما، أم أنه تأثير من جانب واحد فقط؟ وإن كان الأمر كذلك فأيهما يؤثر في الآخر؟

2- العلاقة بين فيروس كورونا والتغير المناخي

1-2 -دور التغير المناخي في ظهور الفيروسات

أضحى تغير المناخ من أبرز وأخطر الأزمات العالمية على الإطلاق والتي يعاني منها المجتمع الدولي لما لها من تأثيرات جمة على كافة مناحي الحياة بما فيها الصحة وبخاصة على انتشار الأمراض المعدية من خلال التغيير الذي يحدث في العوامل البيئية والبيولوجية مثلما يؤثر على أنماط تساقط الأمطار والفيضانات والجفاف وندرة المياه…إلخ.  والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هناك دراسات أثبتت أن التغيرات المناخية لها دور في نقل وانتشار الأمراض المعدية إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنها من أكثر الأمراض حساسية للمناخ.

 فيُفترض أن مجموعة من الأسباب البيئية تساهم بشكل ملموس في انتقال الأمراض الفيروسية في جميع أنحاء العالم. تشمل هذه الأسباب على مستوى العالم درجة الحرارة والرطوبة وتساقط الأمطار والرياح، وتكون درجة حرارة المناخ أكثر احتمالًا لما لها من تأثير قوي على الإصابة بالأمراض المعدية من خلال إنتاج بيئة تكيفية لبعض الفيروسات الخطيرة. وقد يحفز المناخ الحار ظهور ناقلات فيروسية مختلفة على مستوى العالم مثل البعوض والقراد والذباب الرملي والقوارض. يتم ذلك بشكل أساسي من خلال تغيير دورة حياة المتجهات والطفيليات التي تعمل كحامل للفيروسات، أو تغيير التوزيع الجغرافي لمتجهات الفيروس ونقل العدوى إلى الدول المجاورة. على سبيل المثال، ظهور حمى الضنك وفيروس النيل الغربي وبعض الأمراض الفيروسية المنقولة عن طريق ناقلات الأمراض في جميع أنحاء العالم.

إن غالبية نواقل الفيروسات، مثل البعوض والقراد والذباب، ذات طبيعة باردة، مما يجعل حدوث الأمراض المعدية يعتمد بشدة على درجات الحرارة المحيطة التي يمكن أن تسبب تغييرات في مواقع تكاثر ناقلات الأمراض، والتوزيع، ومعدلات العض في دورة حياتها، على سبيل المثال، تبين أن بعوض الملاريا لا يستطيع البقاء على قيد الحياة عند درجة حرارة قصوى لفترة طويلة من الزمن (أعلى من 40 درجة مئوية) وخاصة في حالة شديدة الرطوبة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر درجة الحرارة على البشر من خلال التغير في طريقة الحركة وزيادة التعرض للعدوى عن طريق التغيير في مناعة الجسم المضيف. لذلك، بشكل عام، تعتمد قدرة ناقل الفيروس على التوزيع والتكاثر بشكل رئيسي على درجة حرارة المناخ.

فبلغة الأرقام فالملاريا تتأثر تأثراً قوياً بتغيّر المناخ فهي تودي سنوياً بحياة 800000 شخص تقريباً، ومعظمهم من الأطفال الأفارقة دون سن الخامسة. وبعوض الزاعجة الذي ينقل حمى الضنك هو الآخر شديد الحساسية للظروف المناخية. وتشير الدراسات إلى أن تغيّر المناخ يمكن أن يعرض ملياري شخص آخر إلى انتقال حمى الضنك بحلول 2080. ومن المرجح كذلك أن تتسبب تغيّرات المناخ في إطالة فصول انتقال الأمراض الهامة المحمولة بالنواقل، وفي تغيير نطاقها الجغرافي.

تؤثر التغيرات الجوية وظاهرة الاحتباس الحراري على خريطة توزيع الأمراض المُعدية في العالم بطرق غير مباشرة أيضا، فالهجرة من مكان لآخر بسبب التغيرات المناخية قد يتسبب في انتشار الأمراض المعدية .

وفي هذا الاتجاه فقد رأى العديد من الباحثين أن فيروس كورونا كغيره من الأمراض المعدية يتأثر بدرجة الحرارة ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف إلى القضاء عليه حيث يعتقد وفقًا لهذا السيناريو أن الفيروس يمكن أن يعيش لمدة 4 أيام فقط على الأسطح وإذا كان في ظروف أكثر دفئًا فلن يبقى لتلك الفترة، ويرى سيناريو آخر أن انتشاره سينخفض في الصيف لكنه سيعود مرة أخرى في الشتاء ويصبح مستوطنًا. ومع ذلك إذا كان انتشار الفيروس سيقل بارتفاع درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي فإن فرص انتشاره ستزيد في النصف الجنوبي لأنه سيكون أكثر برودة. وعلى الجانب الآخر ؛ رأى آخرون أن فيروس (MERS) قد انتشر في المملكة العربية السعودية والإمارات وفي بلدان إفريقية مثل جنوب أفريقيا والكاميرون… في ظل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة بهذه البلدان حيث بلغت  بما ينذر بوجود احتمال بأن يزيد انتشار  الفيروسات –ومن بينها كورونا- خلال مواسم درجات الحرارة المرتفعة، ويفسر مؤيدو هذا الاتجاه تلك النتيجة بأن بعض الفيروسات – مثل الأنفلونزا- تكون أقل انتشارًا في الصيف لأن الناس يقضون وقتًا أقل معًا في الأماكن الضيقة المغلقة، بجانب إغلاق المدارس والجامعات.

2-2  دور الفيروسات في الحد من تغير المناخ

إن أول ملاحظة يمكن استنتاجها مما سبق الاشارة اليه، أن التغير المناخي له دور كبير في انتشار الفيروسات، غير أن دور هذا الأخير في التغير المناخي جاءت عكسية وهو ما سنتطرق إليه في هذه السطور، بحيث أننا نجد في الوقت الذي تكافح فيه العديد من دول العالم فيروس كورونا كمحاولة للحد من انتشاره والقضاء عليه لما له من تداعيات وخيمة وسلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي والسياسي أيضًا، ظهرت مجموعة من التقارير تؤكد بشكل بارز أن انتشار الفيروس له آثارًا إيجابية فيما يرتبط بمشكلة تغير المناخ وذلك من خلال تأثيره القوي على تخفيف ضغط ووثيرة الطلب المتزايد على الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة في الدول الموبوءة(الشكل اسفله)، ومن ناحية أخرى نرى العديد من دول العالم تسعى جاهدة للتوصل لعلاج ضد فيروس كوفيد 19، غير أن ما نستعرضه هنا هو مدى تأثير انتشار هذا الفيروس على تغير المناخ، خاصة مع انخفاض معدلات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

إيف سياما 2015 / صفحة 12

بداية لا بد وأن نذكر أن فيروس كورونا، كان من ضمن حسناته اهتمام العديد من المواطنين بالنظافة الشخصية والتعقيم المستمر،  وهو ما كان له انعكاس إيجابي على البيئة، ونظرا للازدحام الكبير الذي تشهده العديد من المدن على مستوى العالم فقد حذر العديد من العلماء من ظاهرة الاحتباس الحراري ومدى تأثيرها على البيئة  (لاحظ المبيان اسفله)، خاصة وأن تغير المناخ أحد أخطر الأزمات العالمية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، حيث لها تأثير على كافة الجوانب الحياتية، بالإضافة إلى أن هذا التغير يساعد على انتشار الأمراض المعدية. 

ومن هذا المنطلق تجدر بنا الإشارة إلى أن العوامل البيئية تساهم بشكل خطير في انتقال الأمراض الفيروسية متمثلة في درجة الحرارة والرطوبة، حيث أن درجة حرارة المناخ تعطي تأثيراً لعدد من الفيروسات تساعدها على الانتشار من خلال إنتاج بيئة تكيفية لبعض الفيروسات.

وبالنظر لمصدر الانبعاثات في العالم نرى الدول الكبرى والمصنعة أو المدن الصناعية في دول العالم بشكل عام هي المسببة في أزمة المناخ وبالتالي انتشار الفيروسات، ولكن مع الأزمة العالمية بسبب فيروس كورونا وفرض حظر التجوال تم تسجيل انخفاضاً في انبعاثات الكربون، نتج عن إغلاق الدول على نفسها في فترة الحجر الصحي وتوقف المصانع وتراجع استهلاك الطاقة المنتجة في معامل الفحم، وفرض حظر التجوال.

إيف سياما 2015 ، صفحة 19

وتقول كيمبرلي نيكولاس، الباحثة في علوم الاستدامة بجامعة لاند في السويد، إن ثمة عوامل عديدة ساهمت في تخفيض الانبعاثات، على رأسها القيود المفروضة على حركة المواطنين لمنع انتشار الفيروس. إذ تسهم وسائل النقل وحدها بما يصل إلى 23 في المئة من الانبعاثات العالمية للكربون، وتسهم قيادة السيارات بنسبة 72 في المئة والنقل الجوي بنسبة 11 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري من قطاع النقل.

 وبالذهاب لحركة الطيران فقد انخفضت تأثيرها على المناخ بعد فترة توقفها العالمي، والتي تساهم بنسبة 2٪  من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.

ونتيجة هذا التوقف بسبب كوفيد 19، تم تسجيل انخفاض عالمي في الطلب على الكهرباء والإنتاج الصناعي، فقد انخفض استهلاك الفحم في محطات الطاقة، وانخفضت معدلات تشغيل منتجات الصلب الرئيسية، انخفض إنتاج الفحم، كما انخفضت مستويات غاز ثاني أكسيد النيتروجين، علاوة على انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج بدرجة رئيسية عن استخدام السيارات – قد انخفضت مقارنة بالعام الماضي وذلك بسبب انخفاض الطلب على الكهرباء والإنتاج الصناعي إلى أدنى مستوياته، كما انخفضت مستويات غاز ثاني أكسيد النيتروجين. كما أسفرت تدابير احتواء فيروس كورونا عن انخفاض في الإنتاج في القطاعات الصناعية الرئيسية. معظم هذه الأمور أدت إلى القضاء على ربع أو أكثر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم منذ انتشار الفيروس إلى اليوم.

بالإضافة إلى ما سبق نجد أيضا هناك انخفاض في انتشار الجسيمات الدقيقة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجسيمات الدقيقة هي واحدة من أهم ملوثات الهواء فيما يتعلق بالتأثيرات الصحية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لأن هذه الجسيمات سواء كانت صلبة أو غازية أو سائلة في تركيبتها، لديها القدرة على إثارة مشاكل صحية خطيرة عند استنشاقها في الجهاز التنفسي وتسبب أو تزيد من الأمراض المزمنة وغيرها من مشاكل الجهاز التنفسي.

هذا فضلا عن تحسن جودة الهواء بسبب إغلاق العديد من المدن ودول العالم، حيث أدى ذلك إلى إيقاف مجتمع بأكمله. هذا أثر على جودة الهواء، نتيجة للانخفاض الشديد في حرق الوقود الأحفوري.

و اذا كنا قد لاحظنا بأنه لا يوجد اتفاق حول مساهمة تغير المناخ عبر ارتفاع درجات الحرارة في القضاء على فيروس كورونا والحد من انتشاره بشكل نهائي أو بشكل مؤقت خلال فصلي الربيع والصيف ثم يعود في فصل الشتاء، فإننا نسجل حقيقة مفادها، أنه تم التوصل إلى تأثير انتشار الفيروس وتدابير مكافحته إيجابًا في تغير المناخ من خلال مساهمته في تخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون – بسبب تراجع استخدام الوقود الأحفوري – والجسيمات الدقيقة، بجانب مساهمته في تحسين جودة الهواء في الصين عبر تقليل نسبة ثاني أكسيد النيتروجين.

-3- تداعيات فيروس كورونا وتغير المناخ على أهداف التنمية المستدامة

  في تقرير brundtland بروندثلاند سنة 1987، يعرف التنمية المستدامة على أنها أسلوب في التنمية يلبي حاجيات الأجيال في الوقت الحاضر دون المساس بحاجيات أجيال المستقبل. من خلال هذا التقرير يتبين ضرورة التنمية الاقتصادية على المدى الطويل دون تعارضها مع البيئة وما هو اجتماعي. فطرق الإنتاج والاستهلاك لابد أن تحترم البيئة مع تمكين كل سكان الأرض في نفس الوقت من حاجياتهم الأساسية.

ينفرد برنامج التنمية المستدامة بجملة من الأهداف التنموية كغيره من برامج التنمية الأخرى، و لعل ابرز هاته الأهداف تلك التي تم وضعها من طرف الأمم المتحدة والتي حددت في 17 هدف وتتعلق بمستقبل التنمية العالمية، وقد ذكرت هذه الأهداف في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  في شتنبر 2015.

تشتمل أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر على معالجة الأزمة المناخية ومواجهة الأوبئة محدد بالهدف 13، مثل “كوفيد-19”. ومع ذلك، وبينما يكتنف ضباب “كوفيد-19” العالم، يظل السؤال حول ما إذا كانت بقية أهداف التنمية في خطر.

أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر

تضمّن جزء من عملية التخطيط لأهداف التنمية المُستدامة لعام 2030 احتمالية وقوع تغيرات جوهرية للظروف، سواء كانت زيادة بالغة لعدد السكان أو تغير مناخي ضخم، أو أوبئة أو مشاكل إنسانية، فكل هذه الصدمات من طبيعة الحياة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى عدم تحقيق مُستهدفات الصحة في أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية بكل البلدان النامية. فكما هو معلوم، وُضعت الأهداف الإنمائية في عام 2000 بهدف تحقيقها بحلول عام 2015، وهو ما لم يحدث في كثير من البلدان. لذلك تلتها أهداف التنمية المُستدامة السبعة عشر بعام واحد. و لقد شهدنا كذلك في بداية الألفية الثالثة صدمات عالمية، مثل “سارس” وفيروس الأنفلونزا “إتش 1 إن 1″، وفيروس “إيبولا”، وغيرهم… لكن لم يكن العالم يتوقع أن يكون فيروس كورونا بهذه الخطورة والتفشي السريع وخلف ضحايا بالآلاف وما زال يحصد الأرواح.

فالمشاكل الصحية لا يعالجها الهدف الثالث (الصحة والرفاهية) فحسب، بل أيضًا الهدف الثاني المعني بالتغذية، وهذا مثال بين أمثلة أخرى. حيث إن التغير المناخي وفيروس كوفيد 19 يؤثر سلبياً على الصحة لسوء التغذية والإجهاد وسهولة التعرض للمرض وانتقاله مما يهدد الأمن الإنساني من ناحية أخرى، يعد الأمن من الحاجات الأساسية للنفس وبمفهومه العام هو الاطمئنان الذي ينتج عن الثقة وأمن الإنسان من الفقر والحرمان والخوف والعنف، وفى التقرير الذي تم رفعه إلى الأمم المتحدة عام 1994م والذي حدد مرتكزات الأمن الإنساني والذي يعتمد على سبعة محاور أساسية وهى:

الأمن الغذائي: أن يتوفر للإنسان الحد الأدنى من الغذاء والوصول لمصادره.

الأمن الصحي: من خلال الحماية من الأمراض وتوفير الخدمات ونظام الرعاية الصحية.

الأمن الاقتصادي:   يتحقق بتوفير فرص عمل للأفراد ويكون للإنسان حد أدنى من الأجر يكفى لمعيشته.

الأمن البيئي: أن يعيش الفرد في بيئة آمنة ونظيفة وأن يكون محمياً عند حدوث الكوارث أو المخاطر البيئية.

الأمن المجتمعي: التصدي للتهديدات التي تواجه الحياة الاجتماعية مثل المخاطر التى تهدد النسيج الاجتماعي في دولة ما.

الأمن الشخصي أو الفردي: يُعنى توفير الحماية للفرد من العنف والجريمة والخوف، وازدياد الجريمة المنظمة التي ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﻨﻔﺫ في ﺩﻭﻟﺔ ﻤﺎ، ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺃﺸﺨﺎﺹ ﻤﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ، ﻭﺃﺴﻠﺤﺔ ﻤﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻭﺘﻤﻭﻴل ﻤﻥ دولة ﺭﺍﺒﻌﺔ، ﻭﺍﻟﻀﺤﺎﻴﺎ ﻗﺩ ﻴﻜﻭﻨﻭا ﻤﻥ ﺩﻭل ﺃﺨﺭى.

الأمن السياسي: يقصد به التحرر من الخوف وأن تصان الحقوق والحريات الأساسية، وألا توجد ممارسات غير ديمقراطية أو تزايد منسوب التعصب والعنصرية، والقمع والملاحقات وغياب التمثيل الديمقراطي ، وتضييق هامش العمل السياسي.

فكما من شأن تغير المناخ أن يزيد من حدة تقلبات الإنتاج الزراعي على امتداد جميع مناطق العالم من خلال تعرض المناطق الفقيرة إلى أعلى درجات عدم الاستقرار في الإنتاج الغذائي بحيث أن في المتوسط من المقدر أن تواكب أسعار المواد الغذائية الارتفاع المعتدل في درجات الحرارة بزيادات طفيفة إلى عام 2050، فإن بسبب فيروس كوفيد-19 فقد أثرّت القيود المفروضة على حركة الأشخاص وإغلاق المعامل في العالم على التنقّل وبالتالي على توفير المنتجات الغذائية والزراعية، كما عطّلت عدداً من سلاسل القيمة مما قد يحدث أثرًا محتملًا على الأسعار.

وخلافاً لما هو متوقّع، لوحظ حتى الآن أنه على الرغم من حركة الأغذية المحدودة، ما زالت الإمدادات الغذائية وكذلك أسعار الأغذية في بلدان العالم مستقرّة على العموم مع بعض الاستثناءات المحدودة.  – وقد يعزى ذلك ربّما إلى توافر مخزونات كبيرة للأغذية عند بدء تنفيذ التدابير لتقييد الحركة في وقت التفشي.

غير أنه كلّما دامت هذه الحالة واستمرّ تنفيذ التدابير التقييدية، كلّما زاد الضغط على النظام ككل. وإذا ما لم تعد حركة الأشخاص إلى طبيعتها، فمن المحتّم أن تتراجع مخزونات الأغذية وأن ترتفع الأسعار.

ومن البديهي أن الفئات السكانية الأكثر فقراً وضعفاً ستتأثر في المقام الأوّل بحيث أنها تتمتع بقدرات أقلّ لمعالجة الآثار السلبية  المطوّلة للتدابير الوقائية التقييدية (لا سيما على العمل/المداخيل والإنتاج، وعلى دخل الأسرة في نهاية المطاف).

ومن هذا المنطلق يمكن أن يتسبب كورونا في خسائر اقتصادية كبرى نظرًا لأن فترة حضانة المصاب للفيروس أكبر  بكثير بما قد يتسبب في ركود اقتصادي يضغط على تمويل الصحة العامة مما يزيد من إضعاف قدرة العالم على منع أو احتواء تفشي الفيروس بعد ذلك.

أما فيما يتعلق بأنظمة الرعاية الصحية المحلية والعالمية فقد تسبب الفيروس في أضرار جمة، حيث انتهى الأمر  بمقدمي الرعاية في الخطوط الأمامية إلى تحولهم لمرضى أو وفيات. كما أدى إلى تقليص حقوق العديد من موظفي الرعاية الصحية وفرض مطالب مرهقة عليهم مثل حرمانهم من الإجازات وعزلهم مع المرضى لاحتواء الوباء ونقلهم إلى مستشفيات أخرى وفي بعض الأحيان يتم استدعائهم من خارج الدولة.

ومن هنا لا بد لدول عالمنا ومؤسساته الرسمية المعنية، من المبادرة إلى اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة في ظل انتشار وباء كورونا، وفي ضوء الأرقام الخطرة التي تبين حجم غياب الرعاية الصحية في الكثير من بقاع عالمنا، إذ يفتقر نحو 40 % من سكان العالم لأي نوع من التأمين الصحي أو أي سبيل للحصول على الخدمات الصحية الوطنية.

وينفق حوالي 800 مليون شخص 10 % على الأقل من ميزانية أسرهم على الرعاية الصحية كل عام، فيما يقع 100 مليون شخص تحت طائلة الفقر بسبب النفقات الطبية، ما يعني افتقار كثيرين إلى وسائل لالتماس العلاج حينما يمرضون ــ بما في ذلك عند تعرضهم لأمراض شديدة العدوى مثل كوفيد-19. إن 55 % من سكان العالم ــ أي نحو أربعة مليارات شخص ــ لا يستفيدون من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية مطلقاً، في ظل اعتماد بلدان كثيرة على الحلول القائمة على السوق (التي لا يقدر عليها إلا القليل) لسد الفجوات.

كما أنه لاحظنا تأثير الفيروس على المستوى الاجتماعي مما تسبب في عواقب اجتماعية خطيرة، خاصة بالنسبة للأفراد المهمشين في المجتمع. فقرار فرض الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس الذي أقرته الحكومات العالمية قد يزيد من المخاوف القائمة بشأن العرق والطبقة حيث إن الحجر يساء استخدامه باعتباره فاصلًا اجتماعيًا وليس فاصلًا صحيًا في المجتمعات متعددة الثقافات. فعندما انتشر الطاعون في كيب تاون في عام 1901 أدى إلى معسكر للحجر الصحي على أساس عنصري، استخدم في وقت لاحق كمخطط للتمييز العنصري.

ومما يفاقم المشكلة افتقار غالبية ساحقة من العمال إلى الأمن الاقتصادي الذين يمكنهم من الحصول على إجازة مرضية أو التكيف مع شدة مفاجئة. ولو نظرنا للدول التي تطبق نظاماً للتأمين الاجتماعي و/‏‏‏أو للإعانة الاجتماعية يقدم مزايا واستحقاقات للمرضى، لوجدنا أن نسبتها تقل عن الثلثين، ومن ثم يضطر كثير من المرضى للاختيار بين تعريض صحتهم الشخصية والصحة العامة للخطر أو دفع فواتيرهم.

ولا يخفى على أحد أن نظم الحماية من البطالة هي الأخرى قاصرة بصورة حادة، رغم دورها الحيوي في دعم دخول الأسر وتثبيت الطلب الكلي. وبالفعل وجدنا المشروعات التي تعتمد على الموردين في المناطق المتأثرة بتفشي الوباء، أو التي تواجه تناقصاً في الطلب بسبب عزل بعض المناطق وفرض تدابير أخرى لاحتواء المرض، قد تعرضت لضغط هائل.

وباتت مئات الآلاف من الوظائف الآن في مهب الريح، ناهيك عن أن نسبة من يستطيعون الاعتماد على إعانات البطالة لا تتجاوز واحداً من بين كل خمسة عاطلين في العالم.

بعد الكارثة العالمية الأخيرة ــ وأعني بها الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 ــ تبنى المجتمع الدولي بالإجماع توصية منظمة العمل الدولية الخاصة بالحدود الدنيا للحماية الاجتماعية (رقم 202)، متعهداً بوضع مستويات دنيا من الحماية تشكل الأساس لنظم ضمان اجتماعي شاملة.

إن العالم لم يشهد ثراء كالذي يشهده اليوم. وسواء حدث ركود بسبب الوباء أم لم يحدث، نستطيع حشد الموارد اللازمة. ولإدراك تلك الغاية، ينبغي للدول تنفيذ إصلاحات ضرائب الشركات التي تهدف إلى ضمان مساهمة الشركات متعددة الجنسيات بنصيب عادل في الخزانة العامة للدول.

ومن الأمور التي قد تفيد هنا أيضا تطبيق الدخل التصاعدي والضرائب على الثروات، ووضع سياسات للحد من التدفقات المالية غير المشروعة.

لكن هذه الإجراءات قد تستغرق وقتاً حتى تؤتي ثمارها، وفي ظل ما سببه الوباء بالفعل من تعطيل للنشاط الاقتصادي وتقليص هائل في الدخول والطلب، بات عامل السرعة ضرورياً وحيوياً، إذ تحتاج كل من الدول المتقدمة والنامية في القريب العاجل إلى مزيد من المرونة لتمويل العجز والحصول على قروض دولية ميسرة لدعم الاستثمارات في نظم الحماية الاجتماعية.

كما قد يتسبب في تصاعد التوتر في المجتمع بسبب نقص المعلومات الرسمية حول الوضع الوبائي وغياب علاج له، لأن هذا يؤدي إلى انتشار شائعات حوله بما يفاقم انتشار الذعر الاجتماعي. ففي وقت سابق عندما انتشر السارس في الصين ظهرت شائعات أن الخل يمكن أن يمنع الفيروس، كما زادت معدلات شراء الأدوية المضادة للفيروسات، ودفعت حالة الهلع السكان إلى شراء كميات هائلة من الأقنعة التي كانوا يرتدونها في كل مكان – حتى غير المصابة بالفيروس-.

وإذا أردنا ربط ذلك بأهداف التنمية المستدامة نجدها ترمي إلى تحقيق تقدم على مسار واجب الحماية الاجتماعية، على سبيل المثال، يرمي الهدف 3-8 إلى «تحقيق تغطية صحية شاملة، بما في ذلك الحماية من المخاطر المالية، وإتاحة الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة، وحصول الجميع على الأدوية واللقاحات الآمنة والفعالة والميسورة التكلفة».

كذلك يدعو الهدف 4-10 الدول إلى «تبني سياسات، لا سيما السياسات المالية وسياسات الأجور والحماية الاجتماعية، وتحقيق قدر أكبر من المساواة تدريجياً».

لكن التقدم المحرز في هذا الصدد، كما توضح أزمة وباء كوفيد-19، لا يكاد يكفي. وإن كان هناك من جانب إيجابي للوباء، فإنه الأمل في أن يحفز الحكومات لتوسيع مدى إتاحة الخدمات الصحية والإعانات المرضية والحماية من البطالة

إذن أصبحت جائحة Covid-19 أزمة اقتصادية واجتماعية عالمية في وقت قياسي. إنه يظهر بشكل كبير الترابط بين الركائز الثلاث للتنمية المستدامة: البيئة ، والمجتمع والاقتصاد والحاجة إلى تغيير نموذج الإنتاج وأنماط الحياة لدينا. لتحقيق ذلك ، توجد شبكة تحليلية التي أوردناها سابقا: شبكة أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015 ، والتي تثبت أهميتها لفهم الأزمة والعمل من أجل مستقبل أكثر استدامة.

لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد مستدام بدون الحماية الاجتماعية والصحية للناس والبيئة. يجد هذا المبدأ الأساسي للتنمية المستدامة المجسد في أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015 اليوم ترجمته الملموسة والدراماتيكية في أزمة Covid-19، لأن الفيروس الذي نشأ في سوق محلي في الصين، أصاب الآن جميع القارات، مما تسبب في أزمة صحية واقتصادية واجتماعية في وقت قياسي.

إن الصلة بين تطور الفيروسات التاجية وفقدان التنوع البيولوجي قوية، مما يدل على الترابط بين الحماية البيئية والحماية الصحية للسكان حيث كشف انتشاره السريع للغاية حول العالم عن هشاشة أنظمتنا الاقتصادية في مواجهة زيادة غير متوقعة للمرضى داخل الأنظمة الصحية في الأزمات مما أدى إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية والجغرافية والجنسانية وهو المجسد في الهدف الخامس. تقدر الأمم المتحدة التي نشرت العناصر الأولى لتقرير عن العواقب الاقتصادية والاجتماعية لـ Covid-19، أنها ستؤدي إلى فقدان 25 مليون وظيفة مع 860 إلى 3 وظائف فقد 400 مليار دولار من الدخل المرتبط بالعمل، وتتوقع اليونسكو فصل 1.5 مليار طفل عن المدارس وتحذر وكالات التجارة والصحة والغذاء التابعة للأمم المتحدة (منظمة التجارة العالمية، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأغذية والزراعة) من التهديد الذي يتعرض له الأمن الغذائي العالمي .

إذا كانت شبكة التحليل لهذه الأهداف الإنمائية السبعة عشر تسمح لنا بفهم السلسلة السببية لهذه الأزمة مع تداعيات متعددة فإنها تمثل أيضًا علامة فارقة في التنمية لما بعد الأزمة، وخاصة أصحاب الشركات بحيث يجب ألا يغيب عن أذهاننا الانتقال السريع إلى نموذج أكثر استدامة وإنصافًا لتجنب الأوبئة المستقبلية، فماذا يمكن أن تفعل الشركات؟ كثيرًا. الخطوة الأولى هي مواءمة استراتيجياتها مع أهداف التنمية المستدامة.

والبعض يدرس بالفعل ما قد ينجم عن هذا الأمر مثل فانيسا لوجيرا، مؤسسة وكالة الاستشارات والاتصالات المستدامة Parangone “منذ بداية الأزمة يمكننا أن نرى أنه كان له تأثير على أهداف التنمية المستدامة، سواء كان ذلك بشكل سلبي للغاية على الصحة، والعمالة، واتساع التفاوتات، والغذاء ولكن أيضًا بشكل إيجابي على التلوث الهوائي والأنهار وخلق سلاسل التضامن والإنتاج المستدام وما إلى ذلك “.

وتضيف أن “بعض الشركات اتخذت قياس المشكلة من خلال العمل على منفعتها الاجتماعية … والبعض الآخر لم يفعل ذلك. لذلك يبدو من المهم بالنسبة لي أن أتمكن من تحليل هذه التجربة الرهيبة غير المسبوقة من خلال هذه الشبكة وتخيل كيف يمكن إرشادنا إلى المستقبل “.

إن الوضع الذي نعيشه حاليا نتيجة لوباء كورونا له العديد من أوجه الشبه مع التهديد الذي يشكله تغير المناخ كما سبقت الإشارة، حيث تشكل أزمة المناخ خطرًا على حياة الإنسان مما يتطلب منا تقييد حريتنا الفردية من أجل الصالح العام العالمي.

يبين الوضع الحالي أن التغيير السلوكي صعب في ظل هذه الظروف على الرغم من الدعوات المتعددة في أوساط المجتمعات، فإن معظم الناس لم يلتزموا بهذه الدعوات إلا في الأسابيع الأخيرة حيث تم فرض ذلك عن طريق الحجر الصحي وإغلاق المعامل وتوقف الحركة… وخلافا لجميع توصيات الخبراء كانت تغييرات نمط الحياة التي قام بها الأفراد في السنوات الأخيرة لمعالجة تغير المناخ بطيئة من أجل تجنب أزمة المناخ بشكل فعال.

لقد تم تحديد فرق رئيسي بين التهديد الذي يشكله وباء كورونا والتهديد الذي تشكله أزمة المناخ في بعدين: المسافة الشخصية والزمنية بحيث أنه كلما ظهر التهديد بعيدًا قل استعدادنا لاتخاذ إجراء، ووباء كورونا هو في الوقت الحاضر قريب لأذهان الناس وبالتالي فإن المسافة الزمنية قصيرة، ومن جهة أخرى تختلف المسافة الشخصية بحيث يتأثر بعض الأشخاص بشكل مباشر، في حين أن البعض الآخر لم يعرف سوى مدى انتشار الفيروس من خلال وسائل الإعلام وعلى النقيض من ذلك، لا يزال من الصعب رؤية عواقب أزمة المناخ حتى الآن بالنسبة للعديد من الناس. لقد تكشفت على مدى فترة زمنية أطول ولم يكن لها حتى الآن سوى تأثير ضئيل على الحياة اليومية لمعظم سكان العالم. ونتيجة لذلك، لا يزال الكثير من الناس يرون أن التهديد الذي يشكله تغير المناخ يكمن في المستقبل ولديهم استعداد ضئيل لإجراء تغييرات فورية على سلوكهم.

تظهر أحدث الدراسات من الصين وإيطاليا أن التأثير البيئي العالمي السلبي للنشاط البشري قد انخفض بشكل ملحوظ منذ تفشي جائحة كورونا كما تحدثنا آنفا، ربما تمثل حالة الطوارئ الحالية فرصة لإلقاء نظرة أخرى على سلوكنا الفردي من حيث حماية المناخ، على سبيل المثال نتعلم حاليًا الاستفادة بشكل أكبر من التعامل مع انخفاض الحركة – وهي لبنة أساسية أيضًا للاستدامة العالمية وبالمثل يجب على صناع القرار السياسي التأكد من عدم إغفال التخفيف من تغير المناخ هذه الأيام، وإذا كانت أزمة المناخ قد تراجعت حاليًا عما كان سابقا، فإن هذا لا يعني أن الأمر سيظل على ما هو عليه بعد كورونا فقد رأينا أنه بعد تراجع انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، عادت [تلك الانبعاثات] وارتفعت بـ5.1 في المائة في مرحلة الانتعاش ما بعد الأزمة، مما يعني إذا فشلت التدابير السياسية الحالية لمكافحة جائحة كورونا في مراعاة العواقب على المناخ العالمي أيضًا، فسيكون لذلك آثارًا خطيرة على مستقبلنا.

بالنسبة للمجتمع عليه قبول التدابير السياسية لتغيير السلوك الفردي، من المهم من منظور العلوم السلوكية التأكيد على أهمية العمل الفردي للنجاح الجماعي. علاوة على ذلك، يجب أن تكون فعالية السلوك الفردي ملموسة حتى يكون الناس على استعداد لقبول ذلك، بالإضافة إلى ذلك من المهم توضيح الحاجة الملحة لقيود فورية لتحقيق النجاح المستقبلي إذا أراد الناس أن يدركوا ضرورة اتخاذ إجراءات في مرحلة مبكرة.

ونظرًا لأن المسافة الشخصية والزمنية لأزمة المناخ لا تزال تبدو كبيرة جدًا للعديد من الناس، فإن هذه النقاط يصعب نقلها حاليًا للحد من تغير المناخ مقارنة بمكافحة جائحة كورونا. إنه يتطلب نظامًا سياسيًا يرتكز على الديمقراطية والمشورة العلمية ويكون على استعداد لاتخاذ إجراءات آنية لتحديد مسار لمستقبل مستدام، فكلما طال انتظارنا لتكييف سلوكنا، كلما كانت التغيرات أكثر حدة في المستقبل.

خلاصة

تسلط الأزمة الضوء على الحاجة المطلقة للعمل على أحد ركائز أهداف التنمية المستدامة هذه: الشراكة بين جميع الفاعلين الاقتصاديين والجمهور والمواطنين من جميع أنحاء العالم وإذا كان قد تم تأسيس تضامن معين بين الجهات الفاعلة على المستوى المحلي والوطني، فقد أظهر الوباء أيضًا عجزًا صارخًا للتضامن الدولي. وإذا كانت العواقب محسوسة بالفعل في الدول الغربية، فقد يكون هذا مميتًا للدول النامية خاصة في إفريقيا التي توشك أن تعاني من ويلات Covid19.

المراجع : 

 منظمة الصحة العالمية، http://www.emro.who.int/ar/health-topics/corona-virus/questions-and-answers.html

  – اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، https://unfccc.int/sites/default/files/convarabic.pdf

– إيف سياما، التغير المناخي، ترجمة زينب منعم، الطبعة الأولى 2015، الثقافة العلمية للجميع، ص 39.

– إيف سياما، التغير المناخي، 2015، ص 55.

 Didier Raoult- Epidémies : vrais dangers et fausses alertes!De la grippe aviaire au Covid-19, Éditions Michel Lafon, 2020.

– JA Patz, PR Epstein et al., “Global climate change and emerging infectious diseases,” JAMA Network, 17/1/1996, Vol.275, No.3, pp.217-223.

 إيف سياما، التغير المناخي، م.س، ص 53.

 – إيف سياما، م. س ص 55.

Hales S et al. Potential effect of population and climate changes on global distribution of dengue fever: an empirical model. The Lancet, 2002, 360:830–834. file:///C:/Users/y/Downloads/Potential_effect_of_population_and_clima.pdf

 ريم عبد المجيد، كورونا وتغير المناخ .. هل يوجد تأثير متبادل؟ المركز العربي للبحوث والدراسات.

– للمزيد انظر: ريم عبد المجيد، ” عولمة الأمراض المعدية .. كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية،” المركز العربي للبحوث والدراسات، 29/1/2020، متاح على: http://www.acrseg.org/41481.

 – إيف سياما، التغير المناخي، ترجمة زينب منعم، الطبعة الأولى 2015، الثقافة العلمية للجميع، ص 25.

– فيروس كورونا: هل تراجع مستويات التلوث سيدوم بعد انحسار الفيروس؟ https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-52151140

– “TROPOMI observes the impact of the corona virus on air quality in China,” Aeronomie, 24/2/2020, available at: https://www.aeronomie.be/en/news/2020/tropomi-observes-impact-corona-virus-air-quality-china.

– تراجع ثاني أوكسيد الكربون لا يلبي طموحات اتفاق باريس للمناخ، لكن “كأننا عدنا بالزمن إلى الوراء” إندبندنت عربية، https://www.independentarabia.com 

–  محمد بنعبو، كورونا يتحول إلى حليف لجهود الصين من أجل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة ! http://bayanealyaoume.press.ma

 – تقرير brundtland  بروندثلاند سنة 1987، تحت إشراف رئيسة وزراء النرويج غرو هارلم بروندتلاند Gro Harlem Brundtland  (1981، 1986- 89، 1990–96

 – د. مصطفى يوسف كافي، التنمية المستدامة، شركة دار الأكاديميون للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2017، ص 44.

Didier Raoult, Ibid.

– فارس مظلوم مكي وعباس غالي، “العدالة المناخية والعواقب الجيوبوليتكية”، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية، العدد 2، ديسمبر 2014، ص 418.

– تطور مفهوم الأمن الإنساني،  14 يونيو 2019  https://www.politics-dz.com/%

– خولة محي الدين يوسف وأمل يازجي، “الأمن الإنساني وأبعاده في القانون الدولي العام”، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 28، العدد الثاني، 2012، ص 533.

 خديجة عرفة، مفهوم الأمن الإنساني، سلسلة مفاهيم، المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، العدد 13 ، يناير 2006 ، ص 22 .

– بكر عواودة، الأمن الإنساني المفقود  http://www.gal-soc.org/ar/article/40/The-lost-human-securit

 – مديرة إدارة الحماية الاجتماعية في منظمة العمل الدولية.

– Dakin Andone, “China’s unprecedented quarantines could have wider consequences, experts say,” CNN, 27/1/2020, available at: https://edition.cnn.com/2020/01/26/health/quarantine-china-coronavirus/index.html

Ringo Ma, “Spread of SARS and War-Related Rumors through New Media in China, ” Communication Quarterly, Vol.56, No.4, 2008, p.378.

Les Objectifs de développement durable à l’heure du coronavirus https://www.un.org/fr/coronavirus-covid-19-fr/les-objectifs-de-d%C3%A9veloppement-durable-%C3%A0-l%E2%80%99heure-du-coronavirus

 – CORONAVIRUS : LE JOUR D’APRÈS SE FERA AVEC LES OBJECTIFS DE DÉVELOPPEMENT DURABLE (ODD)https://www.novethic.fr/actualite/entreprise-responsable/isr-rse/la-crise-du-coronavirus-cas-d-ecole-et-wake-up-call-des-objectifs-de-developpement-durable-148403.html

 – Behavioural changes in times of crisis, Parallels between the corona pandemic and climate change, by Hanna Fuhrmann and Sascha Kuhn, German Development Institute / Deutsches Institut für Entwicklungspolitik (DIE), The Current Column of 1 April 2020.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!