رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة

محمد التفراوتي28 يونيو 2025آخر تحديث :
رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة

المنتزه ليس المشكلة… بل منطق التراجع: رسالة حول التنمية المؤجلة في مجال أركان

السيد رئيس الحكومة المحترم،
تحية تقدير واحترام،

نخاطبكم اليوم من عمق الأطلس الصغير، ليس فقط بسبب الجدل الذي أثاره مشروع “المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي”، بل لأن ما حدث مؤخرا يؤكد أن هذا المشروع تحول إلى نموذج دال على معضلة أوسع: التخلي التلقائي عن أي مبادرة تنموية تواجه احتجاجا، بدل تحويل لحظة الرفض إلى فرصة للحوار والتوافق.

ففي العدد الأخير من الجريدة الرسمية، تم الإعلان عن ثمانية مراسيم وقعها بالعطف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري، تقضي بإحداث 6 منتزهات طبيعية ومحميتين طبيعيتين في عدد من أقاليم المملكة.

لكن اللافت هو غياب أي إشارة إلى المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير باشتوكة وتزنيت، الذي سبق أن خضع لإجراء البحث العلني منذ نهاية دجنبر 2023.
ويبدو أن هذا الغياب يعني تراجعا فعليا عن المشروع، تبعا للاعتراضات المحلية، سواء من بعض السكان أو المنتخبين.

1. المنتزه نموذج لا أزمة معزولة

هذا المشروع لم يكن ليشكل أزمة، لو تم التعامل معه كفرصة لبناء الثقة، وتصحيح الإشكال العقاري التاريخي و المزمن ، وتحقيق تنمية بيئية عادلة في قلب مجال أركان.

لكن بدلا من ذلك، يلاحظ تكرار سيناريو التراجع أمام الاعتراض، دون بدل اي مجهود لفتح حوار مؤسساتي و الغوص لفهم اصل الاشكال، أو السعي لتعديل المشروع وفق مقاربة “رابح/رابح”.

2. الأرض أصل المشكل… لا المشروع

المشكل ليس في طبيعة المنتزه، بل في سياق عقاري هش ومعقد، حيث تعيش الساكنة على أراض غير محفظة منذ عقود، وتستغلها عرفيا وتاريخيا وفق نظام فريد.

ولذلك فإن حق الساكنة لا يجب أن يقاس فقط بالوثائق، بل بالاستمرارية التاريخية والاستغلال الفعلي، كما نصت حتى بعض الظهائر الاستعمارية (1925) التي ميزت مجال أركان عن باقي الغابات.

3. المطلوب: شجاعة المواجهة لا راحة التراجع

سيدي الرئيس،
المسؤولية لا تقاس فقط بعدد المشاريع التي أعلن عنها، بل بعدد الأزمات التي تمت مواجهتها، وعدد الجسور التي بنيت مع الساكنة لتبديد الشكوك.

نحن اليوم أمام مفترق طرق:
إما أن نستمر في سياسة التراجع أمام كل رفض، لم نتمعن في أسبابه العميقة، أو أن نبني سياسة تنموية جديدة قوامها الحوار، وتسوية الملفات العقارية، والاعتراف بالتاريخ والاستغلال المحلي كأصول للعدالة البيئية. وأنتم سيدي الرئيس ابن المجال واع بهده المعضلة.

ما يحتاجه مجال أركان هو:

تمليك الأرض لاصحابها ، وفق العرف والتاريخ.

فتح ورش تحفيظ مجاني لكل الدواوير.

إقرار قانون خاص بمناطق أركان يميزها عن باقي الغابات.

حوار شفاف مع الساكنة والمجتمع المدني والمنتخبين.

إعادة إطلاق المشاريع وفق تعاقدات عادلة، لا قرارات فوقية.

4. التنمية ليست ممكنة بدون الثقة

لا يمكن أن نبني الثقة إذا كان كل مشروع طموح قابلا للإلغاء أمام أول موجة رفض.

ولا يمكن أن نعتبر الصمت انتصارا سياسيا.
بل إن إدارة الاختلاف والحوار مع السكان هو أساس أي سياسة بيئية ناجحة.

لقد أثبتت ساكنة الأطلس الصغير، رغم التهميش، وعيا بيئيا واستعدادا للمساهمة، شرط أن تعامل كشريك واصحاب حق لا كعنصر مهدد.

المنتزه لم يكن تهديدا… بل فرصة، لو تم التعامل معه بعين الحوار لا بعين التوجس.

وعليه، فإن عدم إدراج المنتزه في المراسيم الأخيرة ليس مجرد إجراء تقني، بل رسالة مقلقة تعزز مناخ فقدان الثقة، وتحتقر قدرة الابتكار لدى ساكنة ، وتعمق الهشاشة في مناطق تحتاج للتنمية والكرامة.

فلنؤسس، سيدي الرئيس، لنموذج جديد في التعامل مع مجالات الهامش مهما كلف من مجهود و وقت ، قوامه الاعتراف والحوار والعدالة، قبل أن نخسر جميعا البيئة، والفرص، والأمل.

وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.

إمضاء: محمد التفراوتي
ناشط بيئي
أكادير، 28 يونيو 2025

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!