مجموعة السبع(G7) في عامها الخمسين ، رئاسة كندا بين رهانات القيادة وتحديات المناخ

محمد التفراوتي19 يونيو 2025آخر تحديث :
مجموعة السبع(G7) في عامها الخمسين ، رئاسة كندا بين رهانات القيادة وتحديات المناخ

آفاق بيئية – محمد التفراوتي

في الذكرى الخمسين لتأسيسها، تعود مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) إلى واجهة الاهتمام العالمي، بينما تستضيفها كندا هذا العام وسط تحولات سياسية واقتصادية متسارعة، واستقطاب جيوسياسي غير مسبوق. وتمثل قمة كاناناسكيس 2025 اختبارا حاسما لمكانة المجموعة كمنصة قيادية قادرة على تنسيق الاستجابات الدولية لمجموعة من التحديات العالمية، أبرزها تغير المناخ، فقدان التنوع البيولوجي، وأمن الطاقة.

مجموعة السبع: لماذا ما زالت مهمة؟

رغم التراجع النسبي في حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى نحو 30 في المائة، تظل مجموعة السبع كتلة مؤثرة تمارس نفوذا كبيرا على النظام المالي العالمي، وتوجه السياسات البيئية والاقتصادية. ومنذ إنشائها في السبعينيات كآلية لمواجهة صدمات الأسواق، تطورت إلى منتدى يعالج قضايا الأمن، والاستدامة، والمساواة، والطاقة، والمناخ.

في عالم يتجه نحو التحول متعدد الأقطاب، تشكل مجموعة السبع واحدة من آخر منصات التنسيق الفعالة بين الاقتصادات المتقدمة. لكن تماسكها أصبح مهددا بفعل الحمائية، والضغوط الداخلية، وتباين الأولويات السياسية بين أعضائها.

رئاسة كندا: فرصة متوترة وسط الأزمات

تتولى كندا رئاسة المجموعة في لحظة سياسية دقيقة، شهدت استقالة رئيس الوزراء جاستن ترودو، وصعود خلفه مارك كارني، المعروف بخلفيته البيئية والمالية. لكنها أيضا لحظة مواجهة، مع ضغوط تجارية أمريكية، ورسوم جمركية، وتصريحات تمس السيادة الكندية، ما يعكس تصاعد التوترات حتى بين الحلفاء التقليديين.

في السياق ذاته، تتزايد أزمات المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وانعدام الأمن الغذائي في الدول الأعضاء، وهو ما يستدعي قيادة حازمة وتوافقات طموحة. إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى فتور في الأداء المناخي، حيث لم يتضمن البيان المالي الصادر عن قمة وزراء المالية في “بانف” أي إشارة واضحة لالتزامات مناخية، للمرة الأولى منذ عام 2019.

اختبار للمصداقية المناخية

رغم التراكم التاريخي لجهود مجموعة السبع في البيئة، من إعلان طوكيو عام 1979، مرورا بخطة “جلين إيغلز” 2005، إلى ميثاق الطبيعة 2030 ونادي المناخ 2022، فإن المخاوف تتزايد من نكوص المجموعة عن التزاماتها السابقة. ويزداد هذا القلق مع استمرار بعض الدول الأعضاء في دعم مشاريع الغاز الطبيعي، رغم تعارضها مع أهداف التحول إلى الطاقة النظيفة.

ويشير محللون إلى أن أمن الطاقة يجب ألا يستغل ذريعة للاستمرار في التوسع في الوقود الأحفوري، بل يجب أن يكون حافزا لتسريع التحول إلى مصادر طاقة متجددة ومستقرة الأسعار وصديقة للمناخ.

استراتيجيات بديلة لتجاوز الانقسامات

في ظل صعوبة التوصل إلى إجماع شامل بشأن القضايا البيئية، تقترح تحليلات المعهد الدولي للتنمية المستدامة أن تركز الرئاسة الكندية على إطلاق مبادرات متعددة الأطراف عبر مجموعات صغيرة داخل G7، وإصدار بيانات اختيارية داعمة لقضايا المناخ، والتنوع البيولوجي، والطاقة النظيفة، وكذلك إعادة توجيه التمويل العام بعيدا عن دعم الوقود الأحفوري، وتوجيهه نحو التحول النظيف، مع التمسك بتوصيات مجموعات العمل، ومنها المجلس الاستشاري للمساواة بين الجنسين.

جدول زمني لجهود مجموعة السبع في البيئة

منذ السبعينيات، ومرورا بمحطات رئيسية مثل التزام “إيسي شيما” 2016 بإنهاء دعم الوقود الأحفوري بحلول 2025، وإطلاق مبادرات نوعية مثل “تحالف المياه” و”أنظمة الغذاء المستدامة” في 2024، يتضح أن للمجموعة تاريخا في رسم مسارات السياسات البيئية الدولية. لكن السؤال الآن: هل ستواصل هذا الدور الريادي، أم تتراجع إلى منتدى شكلي؟

في نهاية المطاف، ترتبط مصداقية مجموعة السبع على الساحة الدولية بقدرتها على اتخاذ إجراءات ملموسة، خاصة في ملف المناخ والطاقة والتنمية المستدامة. وفي عامها الخمسين، تعد رئاسة كندا لحظة فاصلة: فإما أن تكون منصة لإعادة بعث الطموح البيئي والاقتصادي، أو مجرد حلقة أخرى من بيانات بلا التزامات.

فالمعادلة الحاسمة واضحة. الاستقرار السياسي، القوة الاقتصادية، والعمل البيئي والمناخي الجريء، ثلاث ركائز مترابطة. إما أن تنهض بالمجموعة معا، أو تفقدها دورها القيادي العالمي.

توصيات: خارطة طريق لمصداقية مناخية وتنموية لمجموعة السبع

في عالم يتسارع فيه الخطر المناخي وتتزايد فيه التهديدات البيئية، تبرز مجموعة السبع أمام اختبار حاسم لمصداقيتها كفاعل دولي قادر على توجيه دفة التحول العالمي نحو الاستدامة، والعدالة المناخية…
من بين التوصيات ذات الأولوية، تبرز أزمة حرائق الغابات، التي تتقاطع فيها الأبعاد البيئية والاقتصادية والإنسانية. ومع تزايد التغيرات المناخية، توصى المجموعة بتحسين تخطيط استخدام الأراضي، وسن قوانين بناء مرنة، ورفع الوعي العام، إدراكا بأن الاستجابة تبدأ من معالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ.

كما يعد الحفاظ على التنوع البيولوجي عنصرا محوريا، عبر التزام الدول الأعضاء بوضع وتنفيذ خطط عمل طموحة لحماية الموائل واستعادة الأنواع، مع إعطاء الأولوية للحفظ بقيادة السكان الأصليين.
وتدعو التوصيات إلى تعزيز الحلول المستندة إلى الطبيعة، وإعادة تأهيل الأراضي الرطبة والغابات والنظم الساحلية، وتحديث خطط التكيف المناخي مع تأمين التمويل الكافي، خاصة للدول النامية.
كذلك، ينبغي دمج الأمن المائي في السياسات المناخية، من خلال الاستثمار في البنية التحتية المستدامة، وتوسيع تحالف المياه، وضمان التكامل بين الماء والغذاء والتكيف المناخي.
وتقترح خارطة الطريق التخلص التدريجي من الملوثات الناشئة، وعلى رأسها المواد الكيميائية الدائمة (PFAS)، وتوحيد معايير مراقبة جودة المياه لحماية الصحة العامة والبيئة.
كما تؤكد التوصيات على ربط التكيف المناخي ببناء السلام، من خلال تمويل المجتمعات الهشة، وملائمة خطط التكيف مع أجندات الاستقرار.

لا تقتصر هذه التوصيات على كونها استجابة لتحديات آنية، بل تمثل فرصة استراتيجية لمجموعة السبع لتقديم نموذج قيادي يجمع بين الطموح والواقعية. وبذلك، ترسخ المجموعة أسس ثقة عالمية جديدة، وتؤكد أن القيادة المناخية لا تتطلب إجماعا شاملا، بل إرادة سياسية وتنسيقا فعالا. فكما أن التحديات كونية، فإن الحلول لا بد أن تكون تعاونية، واقعية، وقابلة للتحقق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!