آفاق بيئية : الوكالات
قام فريق بحثي من وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” لأول مرة باستخدام تكنولوجيا متطورة للموجات الرادارية والتي استخدمت لاستكشاف المياه تحت سطح كوكب المريخ، وذلك لرصد عمق المياه الجوفية في صحاري كوكب الأرض.
وتعد تلك التجربة الأولى التي تستخدم فيها تقنية الرادار المحمول جواً لرسم خرائط المياه الجوفية. ومن المتوقع أن يُسهم هذا البحث العلمي في رسم خرائط دقيقة للمياه الجوفية في أعماق الصحراء بصورة أفضل، إلى جانب فهم تطور الموارد المائية في تلك المنطقة، وتقييم تأثير التغيرات المناخية عليها.
ومن المعروف أن الصحاري تغطي ما يقرب من 20 بالمائة من مساحة اليابسة على سطح كوكب الأرض ويشمل ذلك الأماكن المأهولة بالسكان في شبه الجزيرة العربية وشمال افريقيا وغرب ووسط آسيا وجنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية.
وقاد الفريق البحثي لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، عالم الفضاء الدكتور عصام حجي، من معمل محركات الدفع الصاروخي بالوكالة، حيث سافر مؤخراً إلى شمال الكويت لتحديد أماكن تواجد وعمق المياه الجوفية في صحراء الكويت، باستخدام نموذج مصغر لقمر صناعي يستخدم الموجات الرادارية، منخفضة التردد (40 ميجا هيرتز).
كما انضم للفريق العلمي باحثون من معهد الكويت للأبحاث بقيادة الدكتور عمرو فضل المولى، وعلى مدار أسبوعين، استخدم الفريق البحثي طائرة هليكوبتر لحمل جهاز التصوير بالرادار في طلعات منخفضة (300 متر)، وذلك فوق منطقتين للمياه الجوفية المعروفة في الكويت، حيث تم تصوير المياه بعمق يتراوح بين 20 متراً إلى 65 متراً، ونجح الباحثون في إظهار أن الرادار يمكنه تحديد مواقع المياه الجوفية وتحديد عمقها والأماكن التي تتدفق منها المياه.
وصرح محمد الراشد، مدير قسم مصادر المياه بمعهد الكويت للأبحاث، أن هذا البحث يعد خطوة أولى نأمل أن تقودنا إلى رسم خرائط المياه الجوفية على مجال واسع ليس فقط لتحسين قدرتنا على تحديد كمية المياه الجوفية بل والمساعدة على الحفر بدقة أكبر. ويتميز الرادار المستخدم في البحث بحساسية للتغيير في الخواص الكهربائية للصخور القريبة من السطح والرسوبية والتربة المشبعة بالمياه، حيث تتميز المناطق المشبعة للمياه بأنها تعكس إشارات الرادار المنخفضة التردد، كما
كشفت موجات الرادار المنعكسة عن سمك الطبقات الترسبية المكونة من خليط من الحصى والرمال والطمي والتي تغطي معظم صحراء شمال الكويت وتقع فوق تكوينات المياه الجوفية.
وقام الفريق البحثي بعمل مقاطع شديدة الوضوح للسطح تبين التغييرات في عمق المياه الجوفية العذبة في المنطقتين الخاضعتين للدراسة، وعُززت نتائج البحث الراداري بقياسات أرضية قام بها معهد الكويت للأبحاث.
وأشار العالم الدكتور عصام حجي، إلى أن هذا الجهد سيساعد على فهم تطور المياه الجوفية في باطن الأرض وتوزيعات كمياتها بدقة وهي أمور مازالت غير واضحة حتى الأن بالقدر الكافي، وأضاف قائلاً: العديد من الشواهد على التغير المناخي في المناطق الصحراوية تكمن تحت السطح وينعكس في مياهها الجوفية، وإذا استطعنا رسم خريطة لتلك المياه باستخدام تلك التكنولوجيا، نستطيع أن نحدد الظروف المناخية والتي كانت سائدة منذ آلاف السنوات عندما كانت معظم الأراضي الصحراوية مشبعة بالماء.
وأكد حجي: أن معظم الملاحظات والشواهد والاهتمامات العلمية وتحليل البيانات الناجمة عن التأثير الحراري تركز على مناطق الغابات والقطب المتجمد . لأنها تعطي دلائل مباشرة يمكن القياس عليها التغييرات البيئية التي تحدث على نطاق واسع.. وفي المقابل فإن المناطق الصحراوية والتي تشكل قسماً لا بأس به من سطح الأرض، مازالت لم تحظى بدراسة كافية، ومع ذلك فإن ندرة المياه وملوحتها والتغييرات في سقوط الأمطار، الفيضانات، والاستغلال الواسع للمياه الجوفية والتصحر، كلها علامات تدل على أن التغير المناخي والأنشطة البشرية تؤثر في تلك المناطق القاحلة بشكلاَ متسارعاً.
ويحمل نظام المسح الراداري المستخدم سمات مشابهة لجهازين حملتهما مركبتين الفضاء التي اتجهت لكوكب المريخ، الرادار الأول حملته مركبت الفضاء الأوروبية مارس اكسبريسMARS Express . أما الثاني فحملته مركبت ”استكشاف المريخ الفضائية” MRO والتي أرسلتها وكالة ناسا.
وبالنسبة للجهاز الأول فقد تم تطويره بمشاركة من معمل الدفع الصاروخي “JPL” ووكالة الفضاء الإيطالية وهو يفحص الطبقات الرسوبية تحت سطح الكوكب والطبقات الجليدية عند القطب وذلك بعمق يصل إلى ثلاثة كيلومترات.
وتم أيضاً بناء الرادار الثاني “SHARAD” وهو يبحث عن مياه سائلة أو متجمدة في عمق يصل لمئات الأقدام الأولى من قشرة المريخ، كما يفحص الطبقات المتجمدة عند القطب في ذلك الكوكب.
واستطاع كلاً من الجهازين العثور على شواهد لوجود ثلج تحت سطح المريخ ولكننا لم نتوصل بعد لوجود مياه سائلة، وربما تقودنا نتائج البحث في الكويت لمراجعة تفسيراتنا للمعلومات المستخلصة بواسطة هذين الجهازين ويسير البحث الأخير على نفس خطى العمل الذي قام به سابقاً علماء معمل الدفع الصاروخي “JPL”، لفحص التربة تحت سطح الصحراء الكبرى باستخدام أجهزة رادار ذات ترددات أعلى وتم استخدامها على متن ثلاثة رحلات مكوكية فضائية في اعوام 1981، 1984 و1994.
وذهب “حجي” إلى أن هذا البحث استطاع تحديد مواقع مياه جوفية في أحواض كبيرة جافة الأمر الذي يشير إلى أن الصحراء كانت تتمتع بنشاط مائي سطحي في الماضي الجيولوجي القريب، كما ساهم الرصد الدقيق للمياه الجوفية بالكويت في تحديد المكان المثالي للاختبار عند فريق البحث، فالجفاف المفرط الموجود بالكويت أمر ضروري للسماح للموجات الرادارية باختراق السطح إلى العمق لتنعكس عند وصولها إلى الطبقات المشبعة بالماء أسفلها.
وقال كريج دوبسون، مدير مشروعات التجارب الجوية بـ”ناسا” أن نتائج هذه الدراسة تمهد الطريق نحو رسم خارطة للمياه الجوفية عن طريق الجو وذلك في المناطق شديدة التصحر مثل صحراء شبه الجزيرة العربية.. كما أنه يمكن في المستقبل تطبيقها لتصميم أجهزة الرحلات للأقمار الصناعية لرسم خارطة المياه الجوفية بكل االمناطق الصحراوية في العالم.
وتعد هذه التجربة رائدة وبمثابة تمهيد لمشروع لناسا الخاص بإطلاق المركبة الفضائية (OASIS)، والمصممة لرصد مستودعات المياه الجوفية قليلة العمق في أشد المناطق الصحراوية بالأرض، وقياس حجم طبقة الجليد وسمكها وقياس معدلات ذوبانها.
والدراسة تم تمويلها مناصفة بين معهد كالتك (Caltech)) بكاليفورنيا ومعهد الكويت للأبحاث، كما قدمت قوات الشرطة الجوية الكويتية المساعدات الفنية اللازمة لاختبارات الطيران.