آفاق بيئية : ناي باي تاو، ميانمار
نحو نُهُجٍ مبتكرة تراعي حساسية النزاعات في رصد الغابات وتحترم حقوق الإنسان
بدعم من فنلندا، إجراء جرد للغابات على المستوى الوطني في ميانمار يشمل المناطق التي تعاني من نزاعات ومشاكل أمنية
أطلقت حكومتا ميانمار وفنلندا اليوم مشروعاً رائداً يهدف إلى رصد الغابات ويراعي في نفس الوقت النزاعات المحلية وحماية حقوق الإنسان.
وستقود منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) المشروع الذي فترته خمس سنوات ويعود الفضل في إطلاقه إلى الهبة المقدمة من حكومة فنلندا، الشريك الثابت في تعزيز الاستدامة البيئية، والبالغة قيمتها 8 ملايين يورو.
ويتميز المشروع المبتكر باتباعه نهجاً لرصد الغابات يراعي حساسية النزاعات ويحترم حقوق الإنسان. ويعتبر هذا مهماً للغاية لأنه سيوفر رؤية حول كيفية تعزيز الغابات المستدامة في البلدان الهشة الأخرى المتأثرة بالنزاعات التي تتفاقم في كثير من الأحيان بسبب الخلافات حول ملكيات الأراضي والحصول على الموارد الطبيعية.
وفي هذا السياق، قالت شياوجي فان، ممثلة الفاو في ميانمار: “إن الإجراءات المتخذة لرصد وقياس غابات ميانمار تحمل إمكانات كبيرة لتحقيق فوائد متعددة الأغراض. وتعاني ميانمار من العديد من النزاعات أو الحكومة المشتركة للأراضي ما يشكل تحديات خاصة في العمل مع السكان من مختلف الأعراق وأصحاب المصلحة وإشراكهم في قياس الغابات. وسينفذ هذا المشروع المهام الفنية لجرد الغابات، كما سيضمن في الوقت ذاته معالجة السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي بشكل واضح وصريح من خلال النُهج المناسبة التي تراعي النزاعات وتقوم على الحقوق”.
وأقيم حفل التوقيع على المشروع افتراضياً اليوم في ناي باي تاو، عاصمة ميانمار، وحضره المدير العام لإدارة الغابات في ميانمار، وسفيرة فنلندا لدى ميانمار، وممثل الفاو في ميانمار.
من جانبه، قال جوليان فوكس، قائد فريق رصد الغابات الوطنية لدى الفاو: “يعد هذا المشروع مبتكراً من حيث تطويره نهجاً لجرد الغابات الوطنية في المناطق التي تعاني من قضايا تتعلق بالأمن والنزاعات، وهو نهج تشتد الحاجة إليه عند تطبيقه في مناطق مختلفة من العالم. ويشمل جرد الغابات الوطنية القياس المادي للأشجار والغابات على الأرض، وهو أمر ضروري للحصول على معلومات دقيقة حول الغابات، ويعد حجر الزاوية في نظم الرصد الوطني للغابات. ويعتبر الرصد الدقيق للغابات عنصراً أساسياً في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، ويسهم كذلك في الجهود العالمية للحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة تغير المناخ”.
وتعتبر نظم الرصد الوطني للغابات ضرورية أيضاً لتقييم والتحقق من الجهود التي تبذلها الدولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، وهي خطوة أساسية نحو تمكين الدولة من الحصول على مدفوعات مستندة إلى النتائج من “المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها”.
بدوره، صرح د.نيي نيي كياو، المدير العام لإدارة الغابات التابعة لوزارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة في ميانمار: “تعرب حكومة دولة ميانمار، ولا سيما إدارة الغابات، عن سعادتها الكبيرة بالدعم الذي تقدمه فنلندا ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لتطوير جرد حقيقي للغابات على المستوى الوطني، وهو أمر نحصل عليه لأول مرة. نحن في حاجة ماسة إلى بيانات محسّنة ومحدّثة عن حالة جميع الغابات في ميانمار. ومن شأن هذه البيانات مساعدتنا على تخطيط وتقييم الاستخدام المستدام للغابات والحفاظ عليها في بلدنا مع جميع أصحاب المصلحة، في القطاعين العام والخاص، وكذلك في مناطق الأراضي التي تعود ملكيتها للشعوب العرقية”.
تعزيز الاستدامة
من المتوقع أن يسهم المشروع القائم على حقوق الإنسان بشكل فعال في التخفيف من حدة النزاعات، وأن يوفر منصة لتحسين سبل المعيشة في البلاد التي يعيش 70 في المائة من سكانها في المناطق الريفية ويعتمدون على ما يقدر بنحو 29 مليون هكتار من الغابات لتوفير الاحتياجات والخدمات الأساسية. كما يركز المشروع بشكل خاص على إشراك أكثر من 100 مجموعة عرقية مختلفة تعيش جميعها في ميانمار، ولكل منها تاريخها وثقافتها ولغتها أو لهجتها الخاصة.
وبما أن بعض مناطق ميانمار تعاني من النزاعات الداخلية، فقد صُمم المشروع بحيث يكون تشاركياً وشاملاً، مع مشاورات واتصالات مكثفة مع أصحاب المصلحة، وإجراءات للتظلم ستشمل مجموعات الأقليات وكذلك المنظمات العالمية والوطنية ذات الخبرة في مجال حقوق الإنسان والنزاعات . وسيساهم ذلك في اتباع نهج “عدم إلحاق الضرر” في مشاريع التنمية المتعلقة بالموارد الطبيعية للبلاد.
وقالت السيدة ريكا لاتو، سفيرة فنلندا لدى ميانمار: “يعد رصد الغابات جزءاً من الدعم الذي تقدمه فنلندا إلى دولة ميانمار للتخفيف من تأثيرات تغيّر المناخ والتكيف معه. ومن المهم أن يحافظ رصد الغابات في صميم أعماله، على مراعاته لحساسية النزاعات وحقوق الإنسان لضمان أن تعم الفائدة على جميع السكان، بما في ذلك الأقليات العرقية”. وأضافت: “إن بناء نهج لرصد الغابات يراعي حساسية النزاعات ويقوم على حقوق الإنسان يعد هدفاً رئيسياً خلال المرحلة الأولى من البرنامج. ويشمل هذا الإجابة على أسئلة بشأن فتح البيانات للجميع، وبناء الثقة بين القرويين وسلطات الغابات حول استخدام البيانات”.
وتتعهد الفاو باستخدام نهج رصد الغابات القائم على حقوق الإنسان الذي تم تطويره في إطار هذا المشروع، لصياغة مبادئ توجيهية عالمية لنهج يستخدم لرصد النظم الإيكولوجية تراعى فيه حساسية النزاعات ويقوم على حقوق الإنسان على نطاق أوسع في جميع أنحاء العالم”.