محمد التفراوتي : وضعت قمة الأرض أوزارها ، وتوقفت نقرات الطبول في كل بقاع المعمور ،إيذانا بحلول موعد قمة اشرأبت لها الأعناق وتعلقت بأستارها آمال ميلاد خطة طريق تنصف المتضررين وتحجم زحف الملوثين .
لكن قمة ريو+20 خيبت الآمال لكونها لم ترنو صوب التحديات التي تواجهها البيئة حاليا.
فقد شهدت المدينة البرازيلية “ريو جانيرو ” قمة تاريخية خلص “كرنفالها ” إلى بيان ختامي من 70 صفحة و283 نقطة يحوي نوايا حسنة و الإعلان عن آلية أهداف للتنمية المستدامة. مؤكدا على المبادئ المدرجة في المؤتمرات السابقة، وملحا على وجوب تسريع تطبيق الالتزامات السابقة.
وتنبأ أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية AFED الاستاذ نجيب صعب بان لا يخرج المؤتمر باي التزامات حقيقية “هل يتحول مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، الذي اصطُلح على تسميته ريو +20، الى كرنفال للبيئة؟ كل المؤشرات تدل على ذلك. فليس من المتوقَّع أن يخرج المؤتمر بأية التزامات حقيقية. وبين الخمسين ألف مشارك، سيحضر قلة من رؤساء الدول، بينما ستمتلئ المقاعد وشواطئ ريو دي جانيرو بسيَّاح المؤتمرات وممتهني البيروقراطية الدولية، ما ينزع عن المناسبة صفة «القمة« “.
معللا بكون العالم شارك “بكثير من الحماسة في «قمة الأرض» في ريو قبل عشرين سنة، التي تمحورت حول البيئة والتنمية، وتمخضت عن برنامج عمل تمت تسميته «أجندة 21»، يتضمن أهدافاً في أربعة مجالات. ففي البعدين الاجتماعي والاقتصادي، دعت الأجندة الى محاربة الفقر وتعديل أنماط الاستهلاك والحد من الانفجار السكاني. وفي مجال البيئة، دعت الى إدارة الموارد من أجل التنمية، الى جانب الحد من التلوث والهدر. كما أعطت دوراً رئيسياً للمجتمع المدني في العمل الانمائي على المستويين الدولي والمحلي. وأخيراً، حددت «أجندة 21» أساليب التنفيذ بدعم البحث العلمي والتدريب ونقل التكنولوجيا وتوفير التمويل. ومن أبرز نتائج المؤتمر إنشاء مرفق البيئة العالمي (GEF) الذي أنيطت به مهمة تمويل المشاريع في الدول النامية. وفي حين حظيت مقررات ريو الأولى بشبه اجماع عالمي، اعتبرتها بعض الأوساط، خاصة بين المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية، مؤامرة من جماعة «البيئيين المتطرفين» هدفها ضرب النمو العالمي”.
وجزم نجيب صعب قبل عقد القمة بان لا ” تبشر «ريو +20» بأن تكون حدثاً مؤثراً مثل قمة الأرض قبل عشرين عاماً. فهذه سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية. وسنة التغييرات السياسية والأزمات المالية في أوروبا. وما زال ماثلاً في الأذهان الاخفاق السياسي في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن عام 2009 الذي تم تتويجه بالاخفاق التام في مؤتمر المناخ الأخير في دوربان عام 2011، بعد فسحة أمل كان قد وفرها مؤتمر المناخ في كانكون عام 2010. كل هذا يظهر حالة من عدم القدرة على اتخاذ القرارات. فبينما هناك اتفاق على تشخيص المرض، تتخوف الدول من وصف العلاجات، لما يترتب عليها من التزامات مالية. في هذه الأجواء، ليس من المتوقع أن يشارك في المؤتمر عدد كبير من رؤساء الدول الفاعلة، ما يفقده صفة «القمة». ويتخوف الكثيرون من أن يتحول مؤتمر ريو الى فرصة سفر ونزهة لبعض الزعماء من دول نامية وموظفين من الدول الغنية وآلاف الحالمين وأصحاب النيات الحسنة من المجتمع المدني. وإلى جانب فشل المفاوضات في التوصل الى قواسم مشتركة كافية لخروج المؤتمر بالتزامات حقيقية، اتسمت التحضيرات لريو بكثير من الاخفاقات. فعلى الرغم من عشرات ملايين الدولارات التي صُرفت على الاعداد، تغيب عن المؤتمر مئات الهيئات الكبرى وبعض أبرز المتحدثين في جلساته، لأن المنظمين تأخروا في مراجعة مستندات التسجيل. وفي النهاية لجأوا الى ملء بعض الفراغات بدعوة هيئات لا صفة لها وأشخاص غير معنيين، كبدلاء عن ضائع. وامتنعت هيئات أخرى عن المشاركة، مثل البرلمان الأوروبي، احتجاجاً على الارتفاع الجنوني في أسعار الفنادق وسوء التنظيم.على نقيض هذا الاسترخاء، حفلت السنوات الأخيرة باثباتات علمية دامغة أن وضع البيئة يتراجع والموارد الطبيعية تستنزف على نحو ينذر بالخطر، وقد لا يبقى وقت للتصحيح. فالنزاعات حول الموارد الطبيعية تتعاظم بسرعة حول العالم، بحيث كان مأمولاً من مؤتمر ريو أن يصغي إلى الانذار ويوفر فرصة للالتزام بتنفيذ برامج القمم السابقة جدياً لوقف التدهور”..
وأوصى المشاركون في المؤتمر ،من خلال البيان، بتشكيل مجموعة عمل من ثلاثين شخصا قبل انعقاد الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل تعمل على تهييئ مقترحاتها في 2013 للتطبيق اعتبارا من 2015.
وأفاد البيان بوجوب تحديد أهداف للتنمية المستدامة محدودة العدد وموجزة وتركز على العمل ويمكن تطبيقها في جميع الدول، لكنها تأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية الخاصة. وذلك وفق نمط أهداف الألفية للتنمية التي ينبغي تحقيقها مع 2015.
ودعا البيان إلى تعزيز الدعم المالي من جميع المصادر ولا سيما للدول النامية، وكذا دمج المساعدة على التنمية والاستثمار الخاص، مع ضرورة نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية وتعزيز قدراتها عبر التدريب والتعاون.ثم استبدال لجنة التنمية المستدامة الفاقدة للفعالية بمنتدى حكومي مشترك رفيع المستوى.
وأشار البيان الختامي أن سياسات الاقتصاد الأخضر تشكل أحد الأدوات المهمة للتوجه إلى التنمية المستدامة، وضرورة أن تلجأ إلى احترام السيادة الوطنية لكل بلد، مع أحقية كل بلد اختيار المقاربة المكناسبة.
وطالب المشاركون بمساهمة سياسات الاقتصاد الأخضر في سد الفروق التكنولوجية بين الدول المتطورة والنامية، من دون أن تكون تلك السياسات وسيلة للتمييز ولا قيدا مخفيا للتجارة الدولية.
وشدد المؤتمرون على تفعيل دور برنامج الأمم المتحدة البيئي “كسلطة عالمية ورائدة في مجال البيئة، تملك موارد مضمونة، وتمثيلا لجميع أعضاء الأمم المتحدة، على عكس ما هو قائم حاليا بالاعتماد على التمويل الطوعي واقتصار العضوية على 58 دولة فقط.
واقترح، ضمن خطط العمل ، قطاعات تستدعي التحرك العاجل لتجاوز النقائص الناتجة عن عدم التطبيق الكافي لقرارات المؤتمرات السابقة. وتستهدف المجالات الـ25 إلغاء الفقر والأمن الغذائي والمياه والطاقة والنقل والصحة والتوظيف والمحيطات والتغير المناخي، والاستهلاك والإنتاج المستدامين.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال كلمته الافتتاحية إن الجهود التي بذلت “لم ترق إلى مستوى التحدي”، وأضاف “الطبيعة لا تنتظر، الطبيعة لا تتفاوض مع البشر”.
وأفاد بان كي مون أن الاعتقاد كان سائدا بأن “الاستهلاك سيقودنا إلى الازدهار، ونقرّ اليوم أننا لن نستطيع فعل ذلك، كما نقرّ بأن النموذج القديم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لم يعد صالحا”.
وطالبت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف القادة المجتمعين إلى التحلي بـ”الحزم والشجاعة”، وأشارت إلى أنه “مع توجه عيون وآذان وأرواح وقلوب العالم إلى هذه المدينة، نعلم تماما أن مستقبل الأجيال القادمة ينتظر قراراتنا”.
وعبرت الطالبة النيوزيلندية بريتاني ترايفولد تسن ذات 17 ربيعا،أمام حشد المؤتمرين عن غضبها بكلمة مؤثرة قائلة “إني غاضبة جدا لحال العالم….آمل أن تقطع هذه القمة تعهدات أكثر طموحا من تلك التي تم التفاوض بشأنها
..إننا الجيل الصاعد نطالب بتحرك ليكون لنا مستقبل. كلنا ثقة بأنكم ستضعون خلال الساعات الـ72 المقبلة مصالحنا فوق كل مصلحة وأن تتخذوا القرارات الصائبة”، وتساءلت “هل أنتم هنا لإنقاذ ماء الوجه أم لإنقاذنا؟”.