الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك عالمي عاجل لمواجهة تحديات العواصف الرملية والترابية: إشكالية معقدة تتطلب تعاونا إقليميا ودوليا

محمد التفراوتيمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك عالمي عاجل لمواجهة تحديات العواصف الرملية والترابية: إشكالية معقدة تتطلب تعاونا إقليميا ودوليا

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في ظل تصاعد وتيرة العواصف الرملية والترابية وتزايد أضرارها على المستويات الصحية والبيئية والاقتصادية، يجتمع اليوم في مقر الأمم المتحدة ببيروت مجموعة من واضعي السياسات، العلماء، والخبراء من مختلف القطاعات الحكومية والإقليمية والدولية، في منتدى تعزيز التعاون الإقليمي لمكافحة العواصف الرملية والترابية. وينظم المنتدى بشكل مشترك كل من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، بدعم من حكومة السويد، في محاولة لبناء إطار تعاوني شامل لمواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة.

إشكالية العواصف الرملية والترابية: أزمة متجاوزة للحدود وتحديات متشابكة

تعتبر العواصف الرملية والترابية واحدة من التحديات البيئية المعقدة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية، وتفرض نفسها كظاهرة عالمية متصاعدة بفعل التغير المناخي، الجفاف، وتدهور الأراضي. ما كان ينظر إليه في الماضي كظاهرة موسمية محلية أصبح اليوم أزمة عالمية تؤثر على الصحة العامة، الزراعة، البنية التحتية، وحتى على مناخ الأرض بشكل غير مباشر من خلال تسريع ذوبان الجليد.

منطقة غربي آسيا، على وجه الخصوص، تعد من بين المناطق الأكثر تأثرا بهذه العواصف، إلى جانب مناطق واسعة في وسط وجنوب آسيا، الشرق الأقصى، ومنطقة الساحل الأفريقي. تأثيرات هذه العواصف تمتد لتشمل نقل الجسيمات الدقيقة التي تهيج الجهاز التنفسي، وتزيد من معدلات الأمراض التنفسية المزمنة، وتؤثر سلبا على جودة الهواء وحياة ملايين الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، تعطل هذه العواصف شبكات النقل، وتلحق أضرارا جسيمة بالزراعة والأمن الغذائي، مما يفاقم من هشاشة المجتمعات ويعرقل جهود التنمية المستدامة.

الحاجة إلى استراتيجية متكاملة: من العلوم إلى السياسة والتمويل

في كلماتها الافتتاحية، أكدت الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، أن “العواصف الرملية والترابية تمثل تهديدا عابرا للحدود، ولا يمكن لأي دولة بمفردها مواجهتها.” هذا الطرح يعكس واقع الإشكالية التي تتطلب حلولا وتعاونا متعدد الأطراف يتجاوز التقسيمات السياسية والإقليمية. فالظاهرة تنسجم مع تعقيدات التغير المناخي، وتفرض الحاجة إلى استجابات متكاملة تشمل تطوير أنظمة الإنذار المبكر، تعبئة الموارد المالية والتقنية، ودمج مخاطر هذه العواصف ضمن استراتيجيات الصحة والمناخ الوطنية والإقليمية.

المنتدى الذي يمتد على مدار يومين يناقش سبل تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة، بما في ذلك الحكومات، المجتمع المدني، والقطاع الخاص، من أجل بلورة استراتيجيات فعالة للتكيف والتخفيف. كما يركز على أهمية بناء القدرات التقنية والعلمية لتعزيز رصد الظاهرة والتنبؤ بها، مما يسهم في تقليل الأضرار المحتملة على المجتمعات.

بناء شراكات فعالة وتحالفات دولية مستدامة

تأتي هذه المبادرة في سياق إطلاق عقد الأمم المتحدة لمكافحة العواصف الرملية والترابية (2025-2034)، والذي يمثل إطارا زمنيا مهما لتوحيد الجهود الدولية والإقليمية. ويهدف هذا العقد إلى تعزيز التعاون بين 20 وكالة أممية ودولية تعمل في مجالات متنوعة مثل البيئة، الصحة، التنمية، والحوكمة، بهدف خلق استجابات متكاملة ومستدامة.

ويبرز المنتدى أهمية الشراكات متعددة الأطراف التي تجمع بين الدول المتضررة والدول المانحة، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، لتعزيز التمويل المبتكر والتكنولوجيا الحديثة التي تساهم في الحد من تأثير هذه العواصف، وتحسين جودة الحياة في المناطق المتأثرة.

أبعاد إشكالية وتحديات مستقبلية

يبقى التحدي الأكبر في كيفية تحقيق توازن بين احتياجات التنمية الاقتصادية المتزايدة والحفاظ على البيئة ومكافحة ظواهر مثل العواصف الرملية والترابية التي تؤثر بشكل مباشر على استدامة المجتمعات. فالفقر وتدهور الأراضي يؤديان إلى تفاقم المشكلة، بينما الحلول التقنية والسياسية تحتاج إلى دعم مستدام وإرادة سياسية قوية. من هنا، يتضح أن الظاهرة ليست مجرد مشكلة بيئية، بل هي إشكالية تنموية وصحية واجتماعية متشابكة، تتطلب تغييرا جذريا في سياسات الإدارة البيئية وتعاونا إقليميا ودوليا متسقا ومستمرا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!