آفاق بيئية: محمد التفراوتي
أسدل الستار أن أشغال الملتقى الدولي “المبادرة التي يقودها المغرب دعما لأعمال منتدى الأمم المتحدة بشأن الغابات” فعالياته في مدينة أكادير خلال الفترة من 16 إلى 18 يونيو 2025. جمع هذا الحدث الدولي خبراء ومختصين من مختلف دول العالم لمناقشة الإدارة المستدامة للغابات، مع التركيز على تبادل الخبرات وأفضل الممارسات التي تسهم في الحفاظ على الموارد الغابية، وتعزيز دور المجتمعات المحلية في إدارتها. كما تم التطرق إلى قضايا الحوكمة الشاملة، مع إيلاء اهتمام خاص للجندر والمشاركة المجتمعية، في إطار تحقيق تنمية بيئية واجتماعية واقتصادية متوازنة.
وشكل الملتقى خطوة هامة في دعم الجهود الدولية لتعزيز حماية الغابات والاستفادة المستدامة منها، مؤكدا التزام المملكة المغربية بقيادة المبادرات العالمية الهادفة إلى تحقيق التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتوازنة.
وأكد السيد الوالي، خلال كلمته الافتتاحية بالمناسبة، على دور المجال الغابوي بجهة سوس ماسة وأهمية محمية المحيط الحيوي لأركان كرافعة للتنمية المستدامة، فضلا عن المهارات المتجذرة المرتبطة بها والتي تشكل موردا مهما لعدة جماعات ترابية بالجهة، ثم التوفيق بين حماية الغابة والسماح للساكنة المحلية من الاستفادة من مزاياها وفوائدها العدة، دون استنزاف الموارد.
وأكد السيد عبد الرحيم هومي التزام المملكة المغربية العميق تجاه قضايا الاستدامة البيئية، مع تركيز خاص على الإدارة السليمة للغابات. وبين أن المغرب يتمتع بدينامية متصاعدة في الدبلوماسية البيئية، مما يعزز مكانته إقليميا ودوليا كفاعل رئيسي في الدفاع عن القضايا الغابوية ضمن الأجندات الدولية. وأشار إلى أن الغابات تشكل أولوية وطنية استراتيجية لدى المغرب منذ سنوات، نظرا لدورها الحيوي في الحفاظ على التوازنات البيئية وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة. وأبرز أهمية التعاون الدولي على مستويات جنوب-جنوب وشمال-جنوب كآلية رئيسية لتعزيز التكامل، وتبادل الخبرات، ومواجهة التحديات البيئية العالمية، بالإضافة إلى دعم التنمية الشاملة والمرنة. كما سلط الضوء على الاستراتيجية الوطنية “غابات المغرب 2020–2030”.
الإدارة الجماعية للغابات: إطار شامل ومتكامل
شكل محور التدبير الجماعي للغابات أحد أهم محاور الملتقى، حيث دار النقاش حول الأطر المفاهيمية والسياسات الداعمة التي تشكل الركيزة الأساسية لنجاح الإدارة المجتمعية. وتناول المشاركون الشروط القانونية والمؤسسية التي توفر بيئة صلبة تدعم هذا النوع من التدبير، مع استعراض نماذج حوكمة لامركزية وتشاركية أثبتت فاعليتها في تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة الموارد الغابية.
في الجلسة الأولى، تم التركيز على مفهوم الإدارة المجتمعية من الناحية القانونية والسياسية، حيث ناقش الخبراء أهمية وضع أطر قانونية واضحة تضمن الحقوق والواجبات، مع بناء مؤسسات محلية قادرة على تفعيل هذه الأطر، مما يسهم في تحقيق استدامة الموارد الغابية.
أما الجلستان الثانية والثالثة، فركزتا على تبادل الخبرات الميدانية من عدة دول، إذ استعرض المشاركون تجارب متنوعة واجهت تحديات متعددة مثل تغير المناخ، وطرق التكيف معها في سياق الحوكمة المحلية للغابات. وتمت مناقشة دور الجندر بشكل موسع، مع بحث آليات ضمان مشاركة فعالة للنساء والشباب والشعوب الأصلية في اتخاذ القرارات، إلى جانب آليات التمويل وبناء القدرات التي تسهم في إزالة العقبات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين. كما تم التأكيد على ضرورة قياس التقدم في هذا المجال باستخدام مؤشرات موضوعية وشفافة.
وقد تم خلال هذه الجلسات تناول قضايا أساسية تهم الشروط القانونية والمؤسسية اللازمة. واستعراض نماذج الحوكمة اللامركزية الأكثر نجاحا. وسبل دمج التكيف مع تغير المناخ ضمن استراتيجيات الحوكمة المحلية، وكذا تعزيز مشاركة الفئات المجتمعية المختلفة.
الابتكار التكنولوجي: ركيزة لتطوير إدارة الغابات
تضمن الملتقى محورا مخصصا للابتكار التكنولوجي كعامل رئيسي لتحقيق إدارة غابية مستدامة وفعالة. ناقش المشاركون في الجلسة الرابعة أهمية دمج التكنولوجيا الحديثة مثل الاستشعار عن بعد، والذكاء الاصطناعي، والنمذجة المكانية، ونظم المتابعة الحية، باعتبارها أدوات تفتح آفاقا جديدة لفهم الغابات بشكل دقيق، وتمكين اتخاذ قرارات مبنية على بيانات موثوقة. ومع ذلك، تم الإشارة إلى وجود فجوة بين توفر هذه التقنيات ودمجها الفعلي في أنظمة الحوكمة، بسبب التفتت المؤسسي، وقصور التمويل، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية. لذا دار النقاش حول كيفية بناء أنظمة حوكمة مرنة قادرة على تبني الابتكار، وتسهيل التعلم بين الأقران، وتوسيع الشراكات الإقليمية لتعزيز القدرات الوطنية.
وفي الجلسة الخامسة، التي حملت عنوان “تطوير الابتكار: الأدوات الرقمية والشراكات الإقليمية لمتابعة الغابات الذكية”، استعرض المشاركون كيفية تحويل التجارب الرقمية المحلية إلى أنظمة متكاملة تستخدم يوميا في مراقبة وإدارة الغابات. وتم التأكيد على أهمية الدعم السياسي المستدام، والتمويل الكافي، والتنسيق المؤسسي الفعال، وبناء الشراكات المتينة لضمان استمرارية ونجاح هذه الابتكارات على المدى الطويل. كما ناقشوا دور الدول في التحول من مجرد مستخدمين إلى مشاركين في تصميم وبناء هذه النظم، فضلا عن أهمية الشراكات الإقليمية التي تتجاوز تبادل الأدوات لتشمل التمويل المشترك وتعزيز القدرات والحوكمة.
التمويل المستدام: ضرورة لتأمين مستقبل الغابات
ركز المحور الثالث على التمويل المستدام للغابات، إذ ناقش المشاركون دور الحكومات في تهيئة بيئة ملائمة لتعبئة الموارد المالية من خلال إزالة العقبات النظامية، وخفض مخاطر الاستثمار، وتقديم حوافز مالية متنوعة تشمل الإعفاءات الضريبية وبرامج التمويل الأصغر. وتم تسليط الضوء على أهمية زيادة التمويل الخاص عبر آليات مبتكرة مثل المدفوعات مقابل الخدمات البيئية، والسندات الخضراء، وأسواق الكربون، وائتمانات التنوع البيولوجي. كما نوقشت الحاجة الملحة لتحسين البيانات والمعلومات لدعم البلدان والأطراف المعنية في الوصول الفعّال إلى التمويل المتعدد المصادر.
في الجلسة السابعة، استعرض المشاركون تجارب وطنية في تطوير سياسات تمويلية مبتكرة، مع التركيز على أهمية أدوات التخطيط الاستراتيجي ومنصات تبادل المعلومات. كما ناقشوا أبرز التحديات التي تواجه الدول في تعبئة الموارد المالية المتنوعة، وطرحوا حلولا عملية لتجاوزها، مؤكدين ضرورة سد الفجوات المعرفية لدعم جهود تعبئة التمويل للغابات. وتشير التقديرات الدولية، خاصة من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، إلى أن تحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي يتطلب زيادة كبيرة في تمويل الغابات ليصل إلى أكثر من 200 مليار دولار سنويا في افق سنة 2050. ولن يتسنى ذلك إلا من خلال تعبئة موارد مالية متزايدة من مصادر عامة ودولية وخاصة، إلى جانب تبني أدوات مالية مبتكرة ومتنوعة ومتناسقة مع السياقات المحلية.
الغابات والتحديات العالمية: أدوار متعددة ومسؤوليات مشتركة
تؤدي الغابات دورا حيويا في مواجهة الأزمات العالمية الثلاث. تغير المناخ، فقدان التنوع البيولوجي، والتلوث. ومع ذلك، لا تزال عمليات إزالة الغابات وتدهورها مستمرة جزئيا بسبب نقص التمويل اللازم للإدارة المستدامة والحفاظ على الغابات واستعادتها. و يأتي التمويل الموجه للغابات بشكل رئيسي من المصادر العامة الوطنية والدولية، إضافة إلى التمويل الخاص. وتشكل المخصصات الحكومية والضرائب الغابية والتمويلات الرسمية الإنمائية مصادر مهمة، بينما يمتلك القطاع الخاص نسبة كبيرة من الغابات العالمية، ويشمل شركات، ومزارعين صغار، ومجتمعات محلية وشعوب أصلية. ومن المهم دعم هؤلاء الفاعلين وتسهيل وصولهم إلى التمويل، إلى جانب تعزيز مؤسسات محلية شاملة تدعم الإدارة المستدامة.
وشدد المشاركون على ضرورة توظيف مجموعة واسعة من آليات التمويل بشكل متكامل ومتناسق، مع إشراك جميع الأطراف المعنية: الحكومات، السلطات المحلية، المجتمعات، القطاع الخاص، النساء، الشباب، الشعوب الأصلية، ومنظمات المجتمع المدني، لضمان فعالية الحلول والاستدامة. وتلعب الحكومات دورا محوريا في معالجة العقبات النظامية، وتقليل مخاطر الاستثمار، وتقديم الحوافز، إلى جانب تصميم سياسات تمويلية متكاملة تضمن توافق التمويلات مع الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة.
أدوات التخطيط والمعرفة: دعم مستمر لتحقيق الأهداف
تم تطوير عدد من الأدوات والمنصات على المستوى الدولي لدعم الحكومات في تعبئة وتنسيق الموارد لصالح الغابات، من بينها الاستراتيجيات الوطنية لتمويل الغابات (NFFS)، والخطط الوطنية لتمويل التنوع البيولوجي (BIOFIN)، والأطر المتكاملة للتمويل الوطني (INFFs). وتوفر منصات مثل بوابة معلومات تمويل الغابات التابعة لمنتدى الأمم المتحدة للغابات بيانات ومعلومات مهمة تساعد الدول على تحديد فرص التمويل وأفضل الممارسات. كما يدير المنتدى شبكة عالمية لتسهيل تمويل الغابات توفر موارد تعليمية وتجارب ناجحة، إلا أن الحاجة لا تزال قائمة لمضاعفة الجهود لسد الفجوة الكبيرة في التمويل العالمي للغابات.
يشار أن الملتقى شهد توقيع المندوبية السامية للمياه والغابات بالمملكة المغربية والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر بالمملكة العربية السعودية على اتفاقية شراكة تعمل على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الحفاظ والتدبير المستدام للغطاء الغابوي. وعرف الملتقى مشاركة ما يناهز 60 مشاركا يمثلون 39 بلدا وهيئات ومنظمات دولية ومختلف رؤساء المصالح الجهوية وممثلي القطاعات الوزارية المعنية فضلا عن المؤسسات الشريكة.