مدينة الشاون: عاصمة السينما الخضراء ووجهة للسياحة الثقافية

محمد التفراوتي20 مايو 2025آخر تحديث :
مدينة الشاون: عاصمة السينما الخضراء ووجهة للسياحة الثقافية

السينما أولا: من المحلي إلى الدولي في خدمة البيئة والفن السابع

آفاق بيئية: محمد التفراوتي 

حين يلتقي الأزرق بالأخضر: مدينة تتنفس بيئة وسينما

امتزج اللون الأزرق الذي يكسو أزقة وزوايا مدينة شفشاون، بسحر اللون الأخضر الذي يحمله مهرجان السينما البيئية، فكان الناتج لوحة فنية فريدة تجسد التناغم بين الجمال الطبيعي والوعي البيئي. هذا التمازج البصري والرمزي جعل من المدينة فضاء يعبر عن روح الأرض، وعن الفن كوسيلة لحمايتها والدفاع عنها.

في شفشاون، لم يعد اللون مجرد خلفية عمرانية أو زخرفا سياحيا، بل أصبح حامل لرسالة. فالأزرق ظل يعانق الأخضر دورة بعد أخرى، ليؤسس لثقافة سينمائية بيئية تستوطن الذاكرة وتغذي الانتماء.

منذ انطلاق المهرجان سنة 2009، أضفى على مدينة شفشاون علامة تميز جديدة جعلتها تحجز لنفسها موقعا خاصا على خريطة الثقافة العالمية، باعتبارها عاصمة للسينما الخضراء. هذا التتويج الرمزي لم يكن فقط مرتبطا بالتظاهرة الفنية، بل كرس المدينة كقبلة حقيقية للسياحة الثقافية والبيئية.

انطلقت فكرة تنظيم المهرجان البيئي السينمائي من رؤية تهدف إلى تطبيع الجمهور مع الفن السابع، وتعزيز حضوره في الحياة الثقافية. فكانت السينما هي المدخل الأول، حيث تم عرض أفلام محلية أنتجها شباب المدينة، مع المزج بين الأعمال الفنية العامة وتلك التي تلامس القضايا البيئية.

توسع نطاق المهرجان تدريجيا، فانتقل من طابعه المحلي إلى بعد جهوي، ثم وطني، مع التركيز على أفلام الهواة. وبدافع الطموح والإصرار، تم التوجه نحو البعد الدولي، لكن مع الحفاظ على التخصص في المجال البيئي فقط، ما مكن من استقطاب جمهور واسع ومتنوع.

اعتمد المهرجان هذه المقاربة بهدف توفير فضاء خصب للهواة لممارسة إبداعاتهم، وصقل مواهبهم، وعرض أعمالهم ضمن منافسات المهرجان. واليوم، أصبح لهذا المهرجان البيئي السينمائي رواده، من محترفين وطلبة يتابعون دراساتهم في المجال، ويشاركون بفرح واعتزاز في فعالياته المتنوعة.

ورغم توقف المهرجان لعامين بسبب جائحة كوفيد-19، فقد عاد ليستمر في تألقه، ويصل اليوم إلى دورته الرابعة عشرة، محافظا على صموده وملتزما برسالته الأساسية في الدفاع عن البيئة عبر الفن.

دخل المهرجان مرحلة العالمية سنة 2018، بعد سنوات من الاعتماد على الجهود الذاتية والتطوعية، ما يعكس مسارا مميزا من العمل الميداني الجاد، القائم على الصبر والإيمان العميق بقضية البيئة كقضية حضارية وإنسانية.

هذا المهرجان لا يكرس فقط شفشاون كعاصمة للسينما الخضراء، بل يضعها في قلب دينامية عالمية جديدة تعترف بالثقافة كرافعة للتنمية المستدامة. إنه مشروع جماعي ممتد في الزمن، يربط بين أجيال من المبدعين والفاعلين، ويمنح المدينة إشعاعا ثقافيا يتجاوز الحدود.

واليوم، مع كل دورة جديدة، يواصل المهرجان رسالته النبيلة. تكريس الجمال في خدمة القضايا الكبرى، وإعلاء صوت البيئة عبر عدسة الكاميرا وصدق الإبداع

السينما الخضراء: رافعة للوعي ووسيلة للاعتراف الدولي

على مدى سنوات، ساهمت الأفلام المعروضة ضمن مهرجان شفشاون للسينما البيئية في ترسيخ ذوق سينمائي متميز لدى الجمهور، يجمع بين جمالية الصورة وعمق الرسالة البيئية. لقد تجاوز الأمر مجرد فرجة، ليصبح تراكما ثقافيا يغذي الوعي الجماعي بقضايا البيئة، ويعيد تشكيل علاقة الفرد بمحيطه.

فالسينما الخضراء، بأبعادها التربوية والجمالية والبيئية، أصبحت أداة فعالة في خدمة التنمية المستدامة، وساهمت بشكل ملموس في منح المدينة إشعاعا دوليا. ولم يأت وصف شفشاون بـ”عاصمة السينما الخضراء” من فراغ، بل جاء نتيجة مسار حافل، دفع حتى وسائل الإعلام الدولية إلى ربط اسم المدينة بهذا المهرجان البيئي المتميز.

أتذكر ذات مرة، خلال مشاركتي في مؤتمر دولي حول البيئة ضم نخبة من رواد المجتمع الدولي في هذا المجال، سئلت عن بلدي، فأجبت: “المغرب”. فجاء الرد سريعا: “آه، شفشاون… مهرجان أفلام البيئة!” حينها أدركت بحق مدى أهمية الفن السابع كوسيلة للترويج للقضايا الجوهرية، ومدى ما يمكن للثقافة أن تحققه من حضور وهيبة على الساحة العالمية.

دورة 2025: تنوع وغزارة في الإبداع السينمائي البيئي
شهدت دورة سنة 2025 إقبالا واسعا كالعادة، حيث بلغ عدد المشاركات ما يناهز 150 ترشيحا، توزعت بين أربعة أصناف. الأفلام الطويلة الاحترافية، الأفلام القصيرة الاحترافية، و الأفلام القصيرة للهواة، و الأفلام التربوية والتعليمية.
وقد عكست هذه المشاركة الواسعة اهتمام صناع السينما من مختلف أنحاء العالم بالبيئة كقضية إنسانية كونية. كما أكدت مكانة المهرجان كمحفل دولي جاذب، خصوصا مع إقبال مخرجين كبار معروفين على مستوى السينما البيئية على التباري فيه.
ولتدبير هذا الزخم الفني، يعتمد المهرجان على عملية فرز دقيقة، تخضع فيها الأعمال لمعايير فنية وموضوعاتية محددة، تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات الزمنية المتاحة، ووتنوع المعالجة السينمائية، ومدى التزام الفيلم برسالة المهرجان البيئية والفنية. هذه المنهجية تضمن التوازن بين جودة البرمجة وانسجام الرسالة.

مهرجان يؤسس لوعي بيئي وجمالية سينمائية مستدامة

لقد تحول مهرجان شفشاون للسينما البيئية من مجرد مبادرة محلية إلى تجربة فنية وثقافية متكاملة، تجسد التفاعل الخلاق بين الفن والبيئة. فبفضل رؤيته الثابتة، استطاع أن يسهم في نشر الوعي البيئي بأسلوب إبداعي وجذاب، وأن يجعل من السينما وسيلة تربوية وتحسيسية قوية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!