من المختبر إلى الجدارية: رحلة التلاميذ في عالم البيئة والعلوم
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
في جو تربوي وبيئي مفعم بالحيوية، احتضنت الثانوية التأهيلية عبد الله الشفشاوني بجماعة تمسية يوم الخميس 15 ماي 2025 يوما بيئيا متميزا، نظمه ماستر الكيمياء التطبيقية – تخصص البيئة والتغيرات المناخية بكلية العلوم التطبيقية ابن زهر بأيت ملول، بشراكة مع خلية النادي البيئي بالمؤسسة، وبدعم من جمعية الآباء والأمهات والأولياء.
التلاميذ في قلب الحماس والإبداع البيئي
شهدت الثانوية أجواء حماسية واستثنائية بمناسبة تنظيم يوم بيئي متميز، جسد فيه التلاميذ والتلميذات انخراطهم الواعي والمسؤول في القضايا البيئية الراهنة. المناسبة لم تكن مجرد نشاط تربوي عابر، بل لحظة وعي جماعي أبدع فيها المتعلمون، وأكدوا أن المدرسة فضاء للمعرفة والإبداع والتعبئة من أجل مستقبل أكثر خضرة واستدامة.
تحت شعار “من أجل بيئة نظيفة وكوكب سليم”، تنوعت الأنشطة ما بين معارض توعوية، وورشات تدوير النفايات، وتجارب علمية مبسطة، وصولا إلى عروض مسرحية وأعمال فنية كلها تنطق بحب الطبيعة والدعوة إلى حمايتها. تلاميذ المؤسسة أثبتوا أن الوعي البيئي لا يقاس بالعمر، بل بالالتزام والرغبة في التغيير.
اليوم البيئي بثانوية عبد الله الشفشاوني لم يكن فقط مناسبة للاحتفال، بل كان تمرينا عمليا في التربية البيئية، ومختبرا مصغرا لتأهيل أجيال المستقبل من أجل حماية كوكبهم. فحين يبدع التلميذ في إنتاج محتوى بيئي، ويشارك في نقاش علمي حول الطاقات، ويحول النفايات إلى منتوجات فنية، فإنه بذلك يمارس مواطنته البيئية بأسمى صورها.
لقد نجح هذا اليوم في تجسيد التلاقح بين المدرسة والمجتمع، بين المعرفة والالتزام، بين التلميذ والبيئة. وهو ما يمنح الأمل في جيل قادر على مواصلة المسار نحو مغرب مستدام، بيئيا ومجتمعيا.
التربية البيئية في صلب المشروع التربوي للمؤسسة
افتتحت فعاليات اليوم بكلمات ترحيبية أكدت على أهمية الوعي البيئي والمواطنة الإيكولوجية.
قالت الدكتورة فاطمة الباز، منسقة ماستر الكيمياء التطبيقية، هندسة البيئة والتغير المناخي بكلية العلوم التطبيقية-آيت ملول التابعة لجامعة ابن زهر، إن هذا اليوم البيئي يمثل فرصة لتعزيز الوعي البيئي بين الأجيال. وأكدت أن هذا الحدث هو ثمرة تعاون مثمر بين الجامعة، الثانوية، وجمعية أولياء الأمور، مشيرة إلى أهمية العمل الجماعي في تعزيز قيم المواطنة البيئية.
وأوضحت الباز أن هذا اللقاء يجمع بين العلم والعمل الميداني، حيث يلتقي الطلبة مع التلاميذ في فضاء حواري تفاعلي، يتناول ثلاثة محاور رئيسية هي التغير المناخي، الطاقات المتجددة، والموارد المائية. وأضافت أن هذه المواضيع سيتم تناولها من خلال عروض علمية، أعمال فنية كالمسرح والرسم، بالإضافة إلى مبادرة عملية تتمثل في غرس الأشجار.
وأكدت الباز أن الطلبة المشاركين أظهروا التزاما كبيرا، ونجحوا في تحويل معارفهم الأكاديمية إلى مشاريع ملموسة، معبرة عن فخرها بهم وبالأساتذة والإداريين الذين ساندوا هذا المشروع.
وفي سياق متصل، أوضحت الباز أن فكرة هذا الحدث انطلقت خلال لقاء جمعها بزميلين قديمين من الجامعة، السيدين أبو القاسم علي وأحمد المباركي، وهما اليوم مسؤولان إداريان في الثانوية. ومن خلال تواصل مع أحد طلبة الماستر، لحسين أمزي، الذي يشتغل كأستاذ في الثانوية، ولدت هذه الشراكة التي نعيشها اليوم.
واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن هذه المبادرة ليست سوى بداية لسلسلة من الأنشطة المشتركة، داعية إلى مواصلة التعاون لتعزيز الوعي البيئي لدى الشباب، مشيدة بالحضور والمشاركين ومتمنية لهم يوما مثمرا.
عروض علمية بلسان الطلبة
وقد قدم فريق من طلبة ماستر الكيمياء التطبيقية – تخصص البيئة والتغيرات المناخية بكلية العلوم التطبيقية ابن زهر بأيت ملول، وهم الباحثون إسماعيل آيت برايم، محمد المودن، ليلى فرياتي، وإيمان إد-بنطاويل، وكذا أمشلوخ حنان ودكايكي حسناء والبوراحي سلوى و عمار أمال، عروضا علمية قيمة ومبسطة لفائدة تلاميذ الثانوية، تهدف إلى تمرير المعطيات العلمية والبيئية في سياق ثقافة بالنظير، حيث نقل الطلبة الجامعيون خبراتهم ومعارفهم العلمية إلى تلاميذ المرحلة الثانوية بأسلوب تفاعلي وحواري، مما عزز الفهم والتفاعل مع المواضيع البيئية المطروحة.
وتناولت العروض المقدمة التحديات البيئية التي تواجه منطقة سوس ماسة، وعلى رأسها أزمة المياه غير المسبوقة التي تعيشها الجهة. وقد تم التأكيد على أن الموارد المائية المتاحة لم تعد كافية لتلبية حاجيات السكان والقطاع الزراعي، في ظل توالي سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة. كما أبرزت العروض تنوع الموارد المائية بالمنطقة، سواء السطحية كأودية سوس وماسة، أو الجوفية التي تشكل ركيزة أساسية خلال فترات الشح المائي، لكنها اليوم تواجه ضغطًا متزايدا نتيجة الطلب المرتفع.
وأشارت العروض إلى تعدد أسباب الأزمة، بين عوامل طبيعية مثل الجفاف والتغير المناخي، وأخرى بشرية كتلوث الأنهار، الاستغلال المفرط للمياه، وقطع الأشجار، ما ساهم في انخفاض ملحوظ لمستويات المياه. وقد تناولت العروض تداعيات هذه الأزمة على مستويات متعددة من قبيل تدهور الأراضي الزراعية، تراجع التنوع البيولوجي، نقص مياه الشرب، الهجرة نحو المدن، وتأثر الاقتصاد المحلي، خاصة القطاع الفلاحي والصناعات المرتبطة بالماء.
وأكدت العروض على أهمية تبني حلول مبتكرة للتعامل مع الوضع، منها استخدام تقنيات الري بالتنقيط، وإعادة استعمال المياه المعالجة، إلى جانب التحسيس المجتمعي بأهمية ترشيد الاستهلاك. كما دعت إلى تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين، من سلطات محلية، مجتمع مدني، وساكنة، لاعتماد سياسات مائية مستدامة تضمن الأمن المائي للمنطقة.
وفي نفس السياق، تناول عرض علمي قدمه طلبة الماستر بإشراف الدكتورة فاطمة الباز موضوع الطاقات المتجددة في المغرب، مسلطا الضوء على مكانة المملكة كفاعل إقليمي في مجال الانتقال الطاقي. وقد استعرض الطلبة، مختلف أنواع الطاقات المتجددة المعتمدة في المغرب، ودورها في تحقيق التنمية المستدامة والحد من التبعية الطاقية.
وأشار العرض إلى أن المغرب اعتمد رؤية استراتيجية واضحة، ترتكز على مشاريع كبرى مثل مركب نور ورزازات للطاقة الشمسية، ومشروع ترفايا للطاقة الريحية، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية، وكلها تسهم في تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الأمن الطاقي.
وأكد الباحثون الطلبة في ختام عرضهم أن المغرب رسخ مكانته كدولة رائدة في مجال الطاقات النظيفة، بفضل استثماراته المتواصلة، وتشجيعه للبحث العلمي، وتعاونه الدولي في نقل التكنولوجيا، مما يعزز موقعه كمركز إقليمي للطاقة المستدامة، ويمكنه من مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية برؤية شاملة وطموحة.
المسرح البيئي أداة توعية فعالة
واشتمل الملتقى ضمن فقراته المختلفة عرض ثنائي مميز من تقديم التلميذتين حسناء أشهبون ومريم أبو الطيب، بتأطير الأستاذ الحسين أمزي، حول “الغازات الدفيئة والتغيرات المناخية”. وبذلك توج هذا البرنامج الفني-العلمي بعرض مسرحي قوي بعنوان “الدقائق الأخيرة”، من تأليف وإخراج الطالبة ليلى كرام، وتشخيص كل من: هبة مشو، حنان أبرنين، حبيبة بن عامر، إسماعيل، وإسطان، وبتأطير من الأستاذ ياسين التمراوي.
المسرحية كانت صرخة فنية بيئية مؤثرة، جسدت من خلالها المجموعة حجم التهديد الذي يشكله الاحتباس الحراري، وعبرت عن رسالة الشباب تجاه مستقبل الأرض. نال العرض إعجاب الحضور وتصفيقاتهم، وبرز من خلاله وعي التلاميذ بدور الفن كأداة للتغيير.
ورشات تطبيقية وتجارب علمية
و تخلل الملتقى تقديم مداخلات تفاعلية عبر ورشات تلامسية مصغرة، جمعت بين الشرح العلمي والتجريب، مما أتاح للتلاميذ فرصا لفهم الظواهر المناخية بشكل مبسط وممتع. ثم عرض بعض المفاهيم الكيميائية وتفاعلات تصفية المياه بالمعالجة الجيوكيميائية أو التصفية الطبيعية، وهي عملية تعتمد على التفاعلات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية بين الماء والتربة لتقليل الملوثات. و فوائد هذه الطريقة، الصديقة للبيئة ومنخفضة الكلفة. و فعالة في إزالة الملوثات المعدنية والعضوية. وتساهم في إعادة تغذية المياه الجوفية بمياه أنقى.
عقب ذلك، قام الحاضرون بجولة ميدانية لاكتشاف المشاريع البيئية داخل المؤسسة، بإشراف من جمعية الآباء، إلى جانب ورشات علمية لتصفية المياه قدمها طلبة الماستر، وأخرى لغرس الشجيرات والشتائل وفرتها الضيعة البيداغوجية لمؤسسة الجنوب.
جدارية بيئية رمز التعاون البيئي
وتم تنفيذ نشاط فني مميز تمثل في رسم جدارية على شكل شجرة، حيث شارك جميع الحضور بشكل جماعي. تم صباغة أكف المشاركين بألوان زاهية، ثم وضعت الأيادي الملونة على أغصان الشجرة، مما أضفى روح التعاون والمشاركة وجسد التزام الجميع بحماية البيئة والحفاظ على الطبيعة. كانت هذه الجدارية تعبيرا رمزيا عن الوحدة والعمل الجماعي من أجل بيئة أفضل.
الدليل البيئي للمدارس العربية: أداة تعليمية لتعزيز الوعي البيئي
وتم في الختام تسليم “الدليل البيئي للمدارس العربية” إلى السيد محمد بلا، مدير المؤسسة، من طرف الناشط والاعلامي البيئي محمد التفراوتي. الذي عرف بالدليل الذي تم إنجازه من قبل المنتدى العربي للبيئة والتنمية ببيروت لفائدة النوادي البيئية بالوطن العربي.
و يعد “الدليل البيئي للمدارس العربية” مرجعا تربويا عمليا هدفه نشر ثقافة الاستدامة والوعي البيئي بين الطلاب في المؤسسات التعليمية العربية. يحتوي الدليل على شرح مبسط للمفاهيم البيئية الأساسية مثل حماية الموارد الطبيعية، التغير المناخي، ترشيد استهلاك المياه والطاقة، وإدارة النفايات. ويتضمن أنشطة تفاعلية وأدوات تطبيقية تساعد المدارس على تنفيذ مشاريع بيئية، مثل حملات التشجير والتنظيف، إضافة إلى أوراق عمل تشجع على تبني ممارسات صديقة للبيئة. يعزز الدليل دور المدارس كمراكز للتوعية والتربية البيئية، مما يساهم في بناء جيل مسؤول بيئيا ومستعد لمواجهة تحديات المستقبل
يذكر أن هذا اليوم البيئي يعد نموذجا رائعا للتربية على القيم البيئية داخل المؤسسات التعليمية، ويؤكد على أهمية تكامل الجهود بين التلاميذ، الأطر التربوية، الشركاء الأكاديميين، والمجتمع المدني من أجل نشر ثقافة الاستدامة. يشار أن الملتقى شهد حضور شخصيات وفعاليات بارزة ساهمت في إنجاح الملتقى.