نقص المضادات الحيوية وتأجيج مقاومة مضادات الميكروبات

محمد التفراوتي30 أكتوبر 2023آخر تحديث :
Jens Büttner/picture alliance via Getty Images)
Jens Büttner/picture alliance via Getty Images)

آفاق بيئية: مانيكا بالاسيجارام

جنيف – أصبح من المسلم به الآن على نطاق واسع أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية يُشكل أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في مقاومة مضادات الميكروبات ــ والتي غالباً ما تُسمى “الجائحة الصامتة”. ومع ذلك، تُعد حقيقة مفادها أن نقص المضادات الحيوية يلعب أيضًا دورًا في تغذية مقاومة مضادات الميكروبات غير شائعة.

ففي أواخر العام الماضي، تَصدر نقص إمدادات أدوية الأموكسيسيلين، المُستخدمة لعلاج “بكتيريا المكورات العقدية الغازية من المجموعة أ” عند الأطفال، عناوين الأخبار في المملكة المتحدة، حيث أدت موجة من العدوى إلى وفاة 19 طفلاً على الأقل. ومع ذلك، بعيدًا عن كونها حالة استثنائية، فإن هذا النقص شائع ومنتشر، حيث يؤثر على البلدان في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن يُسفر عن عواقب وخيمة على صحة الأفراد وانتشار مقاومة مضادات الميكروبات. والسبب في ذلك راجع إلى النقص في المضادات الحيوية الأولية غالباً ما يؤدي إلى الإفراط في استخدام تلك المضادات الحيوية المُخَصصة أو التي يتم الاحتفاظ بها احتياطياً لحالات الطوارئ. وقد لا تكون هذه البدائل أقل فعالية فحسب، بل إن الاعتماد عليها يزيد من خطر ظهور حالات مقاومة للأدوية ويصبح علاج العدوى أكثر صعوبة على المدى الطويل.

إن مقاومة مضادات الميكروبات، والتي تحتل حاليًا المرتبة الثالثة في العالم كأولى المسببات الرئيسية للوفاة، آخذة في الارتفاع. وفي عام 2019، كانت مسؤولة بشكل مباشر عن ما يقدر بنحو 1.27 مليون حالة وفاة – أكثر من معدلات الوفاة الناتجة عن الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والملاريا مُجتمعة – وقد تسببت في 4.95 مليون حالة وفاة أخرى. حتى الآن، ركزت الاستجابة العالمية لهذه الأزمة المتنامية في الأساس على محاولة التغلب على البكتيريا المقاومة للأدوية من خلال تطوير مضادات حيوية جديدة. ولكن في الأمد القريب، هناك مجال واسع للحد من عدد الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات، فضلا عن تأثير مقاومة مضادات الميكروبات على الصحة على نطاق أوسع، من خلال معالجة بعض أسباب النقص وتحسين القدرة على الوصول إلى العلاجات المُناسبة.

كما أن نفس إخفاقات السوق، التي تسببت في اندلاع أزمة مقاومة مضادات الميكروبات العالمية، مسؤولة إلى حد كبير عن نقص المضادات الحيوية. مقارنة بالأدوية الأخرى، غالبًا ما يكون تصنيع المُضادات الحيوية أكثر تعقيدًا وتكلفة، حيث لها متطلبات تنظيمية أكثر صرامة، وتُعد أقل ربحية. ونتيجة لذلك، قامت العديد من شركات الأدوية بخفض أو إيقاف الأبحاث المتعلقة بالمضادات الحيوية وتطويرها بشكل كبير على مدى العقود القليلة الماضية.

ولا يقتصر الأمر على تراجع تطوير المضادات الحيوية الجديدة، بل أصبح إنتاج تلك الموجودة في السوق بالفعل أقل جاذبية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قيود وتقلب سلسلة التوريد. كل ما يتطلبه الأمر لتعطيل سلسلة التوريد العالمية لهذه الأدوية هو إحداث خلل في المعروض من أحد المكونات أو مشكلة تتعلق بمراقبة الجودة، أو قيام أحد الموردين بزيادة الأسعار أو وقف الإنتاج بالكامل.

ومع ذلك، كان الطلب المُتقلب على المضادات الحيوية الناجم عن التفشي المُفاجئ للعدوى البكتيرية وسوء إدارة الإمدادات الوطنية، والذي يُساهم في نفاد المخزون، يُشكل أهمية بالغة. وفي حين أن النقص ليس شائعًا في صناعة الأدوية، إلا أن احتمالات نقص المضادات الحيوية تزيد بنسبة 42٪ مقارنة بالأدوية الأخرى.

وعلى الرغم من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة من شأنها كشف حجم المشكلة، إلا أنه يمكن تجنب قدر كبير من حالة عدم اليقين هذه من خلال توفر معلومات أفضل عن السوق. وعلى الرغم من أن المضادات الحيوية أقل ربحًا مقارنة بالأدوية الأخرى، لا يزال بإمكان شركات الأدوية تحقيق الربح – إذا كانت لديها بيانات دقيقة. وبالتالي، فإن تحسين التوقعات من شأنه أن يقلل من المخاطر التي تُهدد الشركات المُصنعة ويُوفر حافزًا أقوى لزيادة الإنتاج وتوسيع أسواقها.

وهناك أيضاً مجال كبير لتحسين الطريقة التي تتبعها البلدان ــ وخاصة البلدان ذات الدخل المنخفض ــ في شراء وتسجيل وإدارة هذه الأدوية الحيوية. فمن خلال توسيع قدرة السلطات التنظيمية الوطنية، على سبيل المثال، سيكون من الأسهل تتبع وتنسيق الإمدادات وتطوير كمية هائلة من الأدوية لبناء قدر أكبر من المرونة. وكل هذا من شأنه أن يساعد أيضاً في توفير المزيد من اليقين لشركات الأدوية.

تهدف مبادرة “SECURE”، وهي مبادرة تقودها منظمة الصحة العالمية والشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية (والتي أتولى رئاستها التنفيذية)، إلى العمل مع البلدان لتحسين إمكانية الوصول إلى المضادات الحيوية الأساسية. ويتضمن ذلك استكشاف الكيفية التي يمكن للسلطات التنظيمية الوطنية من خلالها أن تعمل كمراكز للمساعدة في مراقبة ومنع ومواجهة هذا النقص. وفي نهاية المطاف، تعتزم مبادرة “SECURE” خلق أسواق أكثر ازدهاراً وتنافسية من خلال تشجيع البلدان على تجميع عمليات الشراء، وضمان توفير إمدادات أكثر موثوقية.

يُمثل نقص المضادات الحيوية مشكلة خطيرة بالنسبة لجميع البلدان، ولكن هناك الكثير مما يمكن ويتعين القيام به لمكافحتها. ونظرا للانتشار المُتسارع لمقاومة مضادات الميكروبات والوقت الطويل الذي يستغرقه تطوير المضادات الحيوية، لا يمكننا الاستمرار في التغاضي عن المشكلة. وعلى نفس القدر من الأهمية، يمكن أن تُساعد الجهود الرامية إلى معالجة الإمدادات النادرة في ضمان وصول الأدوية الجديدة إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها عندما تُصبح متاحة.

*مانيكا بالاسيجارام هي المديرة التنفيذية للشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2023.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!