الربط بين الأبحاث والسياسات المائية

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
الربط بين الأبحاث والسياسات المائية

التقرير السنوى للمنتدى العربى للبيئة والتنمية “أفد” حول وضع المياه فى العالم العربى

 

7R2P11

المنطقة العربية ينبغي أن تشرع استراتيجياً في بناء جيل جديد من الباحثين في الشؤون المائية.

آفاق بيئية :محمد التفراوتي

أضحى البحث العلمي القلب النابض لتنفيذ السياسات التنموية ومعالجة الاستدامة البيئية ، وأداة مهمة لعقلنة القرار السياسي في مناحيه العديدة . ويبدو إدارة قطاع المياه في المنطقة العربية مجالا يستوجب دمج  العلم بالسياسة وفق ثلاث  مسالك تهم بالأساس “تشجيع التقصّي المفتوح والنقاش، وبتمكين الناس بالمعرفة لكي يسائلوا الحكومات، وبتوسيع نطاق خيارات السياسات والحلول المتوفرة لعملية السياسات.”

وفي نفس السياق  أنجز الخبير المغربي في مجال إدارة الطلب على المياه والأمن الغذائي الدكتور حمو العمراني رفقة الخبير السوداني الدكتور عابدين محمد علي صالح دراسة مستفيضة لفائدة المنتدى العربي للبيئة والتنمية ضمن تقريره السنوي حول وضع المياه بالوطن العربي والذي شارك في تحريره أكثر من 50 خبير  وعالم من تخصصات مختلفة . 

وابرز الدكتور العمراني أن أبحاث العلمية برهنت أنّ جهداً قليلاً بذل لربط العلم بالسياسة في المنطقة العربية، وبصورة خاصة في قطاع المياه. وبإمكان الرابط بين العلم والسياسة أن يساهم بشكل ملحوظ في تحسين إدارة شؤون المياه كعملية صنع قرار ومشاركة في السلطة، وفي إدارة المياه كنتيجة لتلك العملية .

وعن أسباب وجود منظمات الأبحاث يضيف تقرير” أفد ”  أن ذلك راجع إلى “توليد معرفة جديدة يمكن أن تستعملها المجتمعات لمواجهة التحديات الإنمائية الاجتماعية الاقتصادية. ويمكن اعتبار المنطقة العربية حافلة بمهارات تقنية فردية ممتازة في قطاع المياه. لكنّ الفجوة الحالية تعني أكثر عملية مأسسة العلم والابتكار”.

وأشار تقرير “أفد ” إلى أن المنطقة العربية تنقصها كمية كبيرة من الباحثين من الطراز العالمي، الضروريين لبناء منظمات بحثية في مجال المياه.مما يجعل التأثير على صناعة السياسات ضعيف,

ويقول الدكتور العمراني أن النية من وراء ذلك تتمثّل في إلقاء الضوء على كيفية قيام البحث والسياسات في المنطقة العربية بتبادل التوجيه والتغذية من أجل العمل في “سلسلة” بدلاً من العمل “بالتوازي”.

ويقر تقرير “أفد ” أن البحث في شؤون المياه والابتكار العلمي في المنطقة يشكل جزءاً من نظام بحثي عاجز مقارنة مع مناطق وبلدان أخرى من العالم، باستثناء جنوب أفريقيا إذ تعتبَر المنطقة العربية في أدنى السلّم في العالم في مجال العلم والتكنولوجيا، وفق تقرير معهد الإحصاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة .

وتعمل منظمات العلوم والأبحاث المائية ، في معظم البلدان العربية، كهيئات معاونة لمنظمات الأبحاث الزراعية، وكليات الهندسة المدنية، وهيئات الأبحاث الخاصة بالبنى التحتية، يؤكد تقرير” أفد ” ونادراً ما تعمل ككيانات قائمة بحدّ ذاتها. والمهمة الأساسية لكثير منها هي التعليم العالي مع برنامج أبحاث يترَك لرغبة هيئة المعلّمين ومصالحها الخاصة. كما أنّ الأولوية المتدنية التي تمنَح لمنظمات البحث في شؤون المياه لا توازي الدور الحيوي الذي تؤديه المياه في تأمين المعيشة، والصحة العامة، والتنمية.

ويؤكد محررا البحث أن المنطقة العربية ينبغي أن تشرع استراتيجياً في بناء جيل جديد من الباحثين في الشؤون المائية وذلك لكون  حاجة ملحّة إلى باحثين لشؤون المياه “يكونون مدرّبين جيّدًا مثل المهندسين والعلماء مع سجلاّت مثبتة للأداء، لكنّهم يتمتّعون أيضاً بفهم جيّد جدّاً لبيئة السياسات. وبإمكان الجامعات وكليات الهندسة في المنطقة أن تعتمد برامج بشهادتين تدمج بين دراسات الدكتوراه في اختصاص هندسي وبرنامج دراسة جامعي في السياسة العامة. إضافة إلى ذلك، يحتاج مدراء الأبحاث إلى الاستفادة بشكل كافٍ من نموذج الأعمال المعروف بـ”مجمّعات وحاضنات العلوم” التي نشأت في بلدان مثل مصر والأردن والمغرب وتونس”.

وساهمت منظمات دولية في جعل إدارة الطلب على المياه عنصراً أساسياً من الإصلاحات المائية وقد ساهمت الأبحاث المنجزة في الموضوع  إلى نتائج يمكن استعمالها للتأثير على صنع السياسات بدعم من المنظمات المانحة.

ويشير التقرير إلى أن المعرفة العلمية وحدها غير كافية لتمكين حصول تنمية مستدامة وذلك لأن كيفية تفاعل المعرفة والسياسات ترسم تطور السياسات لإدارة مستدامة للموارد المائية. أي أن التفاعل ما بين السياق الاجتماعي والاقتصادي، والمؤسسات، والمصالح، والأفراد، يؤدّي أيضاً دوراً في تعزيز التنمية المستدامة أو تقييدها.

واستشهد الدكتور حمو العمراني  بالخلاصات الأولية  لدراسات الاقتصاد السياسي التي أجراها مشروع “وادي مينا WaDImena”  في بعض البلدان العربية من ضمنها  المغرب ليؤكد على أن تنفيذ تغيير في السياسات يهدّد الممارسات المتجذّرة بشكل عميق والمصالح المترسخة في السياقات الهرمية، يستلزم فهماً جيّداً لعلاقات السلطة التي تساندها. كما تعتمد نتائج السياسات المائية المستدامة في المنطقة العربية على عمليات ومؤسسات تعطي الأطراف المعنية كافة الحق في الاعتراض وتسمح لها بأداء دور في صياغة السياسات، ويستلزم ذلك حواراً سياسياً ما بين جميع أصحاب العلاقة.

ذلك أن  تدهور موارد المياه الجوفية في حوضي صنعاء وتعز في اليمن كما هضبة سايس وسوس ماسة درعة في المغرب، كلّها تشير إلى غياب وقع ملائم التوقيت للعلم على السياسة، وتظهر أنّ كلفة هذه التأخيرات قد تكون غير قابلة للمقاومة أو التعويض.

وأورد تقرير “أفد ” أراء علماء المياه، حيث يرى بعضهم أن مهامهم محدودة بتوليد الأدلة العلمية، تاركاً مهمّة صنع الرابط بين المعرفة والسياسة إلى محترفين آخرين وعليه فالإشكال يتجاوز توليد معرفة عالية الجودة لتصل إلى تطوير القدرة على استخدام المعرفة بطريقة مناسبة من حيث التوقيت من جانب مجموعات وضع السياسات.

وخلصت الدراسة إلى أن الأبحاث في شؤون المياه في العالم العربي ليست عنصراً نظامياً من دورة السياسة المائية. فالمنطقة العربية تواجه تحدّياً مزدوجاً بالنسبة إلى ربط علم المياه بالسياسة العامة. كما أن  تفاعل المعرفة والسياسة ضمن هيكلية مؤسسية يوفر إطاراً جيّداً لإطلاق سياسات مائية وتطويرها.

وتضيف الدراسة أن المنظمات البحثية في البلدان العربية تواجه عرقلة بسبب غياب سياسات وطنية للعلوم والتكنولوجيا وانعدام التنسيق. فبرامج الأبحاث تعكس أحياناً مستلزمات منظمات التمويل الدولية بدلاً من أن تشكّل صدى لحاجات المجتمع المحلي والأهداف الوطنية؛ ثم  أن منظمات البحث في الشؤون المائية في الدول العربية تنقصها الموارد البشرية والمالية ولا تتمتّع بالقدرة على تقديم مستقبل مهنيّ داعم وواعد للباحثين الشبّان. كما أنّ الباحثين لديهم تواصل محدود بالجماعات البحثية الدولية.

توصيات الدراسة

ينبغي على البلدان العربية أن تعطي أولوية لتطوير قدرة على توليد أبحاث مائية ذات مصداقية وذات صلة. ويستلزم هذا الأمر سياسة علوم وطنية، وبرنامج أبحاث خاضع للمساءلة محلياً، والتزاماً سياسياً، وإدارة أبحاث وقيادة ممتازتين، وآليات تمويل مستدامة، وحوافز تطوير مهني لجذب المواهب الشابة والبالغة والمحافظة عليها.

يجب تحسين الروابط بين جماعات الأبحاث والسياسات إلى حدّ كبير، ما قد يعزّز قدرة الحكومات على استعمال المعرفة لتلبية حاجاتها لصنع السياسات.

يجب إنشاء مجموعات باحثين ومفكرين في الشؤون المائية ومراكز امتياز خاصة بالمياه لكي تؤدّي دوراً وسيطاً في تقريب علوم المياه من السياسة.

يجب إنشاء آليات وعمليات مؤسسية لتسوية ميدان العمل وإعطاء صوت لجميع الفاعليات الاجتماعية التي تتأثر بالسياسات المائية. ويمكن أن توفّر هذه الآليات منتدى لكافة الأطراف المعنية لخوض حوار سياسي واستخدام المعرفة في التفاوض بشأن اختلافاتها.

تشجيع الجامعات ومراكز البحث المائي المعنية بالمساعي الأكاديمية في العالم العربي لتقدّم برامج مبدعة بمستوى شهادات تجمع بين الدراسة الهندسية ودراسات السياسة العامة المحترفة.

ينبغي على الحكومات أن تشجّع العلماء وخبراء المياه الشبّان لتطوير فهم عام لدورة السياسة، حيث هي موجودة، ولتوليد معرفة علمية يتحسّسها صانعو السياسات لتكون ذات مصداقية وذات صلة بحاجاتهم.

ينبغي على صانعي القرار أن يحموا القرارات الاستراتيجية في الأبحاث والسياسات المائية من تأثير برامج المساعدة الدولية، مع المحافظة على مستوى عالٍ من التعاون العلمي مع مراكز أبحاث ذات مستوى عالمي.

تحتاج منظمات الأبحاث المائية إلى التزامات ومهامّ سياسية قوية لوضع الأبحاث في صلب السياسة المائية، وتحديد السياسة المائية في قلب السياسة الإنمائية الشاملة، لا العكس.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!