لا تهجروا الأراضي القاحلة

محمد التفراوتي5 يونيو 2006آخر تحديث :
لا تهجروا الأراضي القاحلة

 

 

 

 

 

 

آفاق بيئية : خولة المهندي

في الخامس من يونيو من كل عام يحتفل العالم بيوم البيئة العالمي ونتذكر نحن العرب نكبة حزيران ثم ننساها مع كل النكبات الأخرى التي تلتها منذ 1967 حتى اليوم حتى فقدنا القدرة على العد والتذكر! بل نحن لم نتورع عن إضافة نكبات جديدة كل عام بعضها عسكري وسياسي واستراتيجي والكثير منها بيئي ومصيري.

موضوع هذا العام كما أعلنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو ” الصحاري والتصحر” وتحت شعار:” لا تهجروا الأراضي القاحلة” . وبقدر ما بودي إطلاعكم على الوضع العالمي للتصحر وفقدان الأراضي الزراعية للابد لصالح العمران أو ليس لصالح أي شيء صالح اصلا ، فإن علي  التركيز على وضعنا المحلي فالحديث عما يجري في العالم سهل على كثيرين لكن مايجري هنا في ديارنا هو مايسكت عنه. فاسمحوا لي أن أتابع محاولاتي لكسر الصمت التي بداتها مع جمعية اصدقاء البيئة منذ ست سنوات، عل الكلام يسهم في فهم الواقع وتوقع سيناريوهات المستقبل وبالتالي تغيير توجهاتنا وسلوكياتنا اليوم لأجل مستقبل أفضل.

عام 2000 كان شعار يوم البيئة العالمي :”الألفية الجديدة ..حان وقت العمل” وبدانا حينها العمل بتدشين اول موقع بيئي عربي على الانترنت للتوعية البيئية باللغتين العربية والانجليزية ومنه انطلقت نواة أول جمعية بيئية في البحرين تؤسس من قبل شباب بحريني تحت قيادة نسائية وتحوي في عضويتها نساء ورجال وأطفال البحرين بتنوعهم الثقافي والعرقي وتوجهاتهم الفكرية والسياسية جميعا لأجل هدف واحد وهو حماية بيئة البحرين عبر نشر الوعي البيئي. ومع نمو هذ ه الجمعية يبدأ التأسيس للعمل البيئي الأهلي المنظم في البحرين ويبدأ دور الضغط الأهلي لتحقيق حماية أكبر للبيئة في البحرين. هذه الجمعية تحملت مسؤليات جسيمة ونجحت بعد محاولات عديدة غير ناجحة في تكوين تحالفات بيئية فاعلة مع مؤسسات أخرى تحمل بعض الهموم البيئية التي أثقلت كاهل أصدقاء البيئة، وكان من أهم تلك التحالفات اللجنة الوطنية لحل مشكلة الأكياس البلاستيكية عام 2001 ومن ثم  التكتل البيئي لحماية فشت العظم الذي اسسته عام 2004 مع نقابة الصيادين والجمعية الأهلية للهوايات البحرية.

 وكان من القضايا التي تبنتها جمعية أصدقاء البيئة قضية تدمير المزارع والتعدي على الحزام الأخضر، وكان لصحيفة الوسط بالذات دور جيد مع الجمعية في الكشف عما يجري للمزارع وعلى الأخص في بني جمرة ومحاولة إنقاذها وتقيق نجاح مرحلي قبل أن يفاجأ الجميع بتصريح من الجهة التنفيذية المعنية بأن القانون لايحمي المزارع خارج الحزام الأخضر. وكان لأصدقاء البيئة مواقف مع أراضي الحزام الأخضر حدت ببعض الأشخاص للاتصال بالجمعية وإبلاغهم أن بعض المسئولين في الجهة التنفيذية أخبروهم أنهم لايمانعون في إعطائهم أذونات للتعمير في أراضيهم الواقعة في الحزام الأخضر لولا قلقهم من جمعية أصدقاء البيئة، فضلا عن الهجوم الذي تلقته الجمعية عبر الجرائد من بعض المستثمرين وبعض الصحفيين الذين وقفوا مع المستثمرين.

النجاحات التي حققت كان من أهم مظاهرها مسيرة الجمعة الخضراء في ديسمبر 2003 مع احتفالات البحرين  بالعيد الوطني  للتأكيد على أن الدفاع عن بيئة الوطن ورئته وتراثه الزراعي وبقية بيئات مياهه العذبة بتنوعها الحيوي هو جزء من حب الوطن والوفاء له والاحتفال بأعياده. نشرت الجمعية خلال المسيرة نسخة من مرسوم بقانون حماية النخيل الصادر من الأمير الراحل (رحمه الله) في الثمانينيات من القرن الماضي والذي يحدد عقوبات تصل إلى الغرامة والحبس لمن يقطع النخيل أو يهملها أو يتسبب في أذيتها. وكان من مظاهرها الوقفة المشرفة لنواب الشعب مع رفض التعدي على مناطق الحزام الأخضر ومساءلة الوزير المختص الذي أعلن أنه لم ولن يسمح بالتعمير في الحزام الأخضر. الأرض التي أثار أصدقاء البيئة حولها القضية لم يتم التعمير عليها حتى الآن، لكنه لم يتم إعادة زراعتها واستخدام المياه المعالجة في ريها كما اقترحت الجمعية ومن وقع على احتجاجها في يوم الجمعة الخضراء، بل هجرت وتركت أرضا قاحلة إلا أن هطول الأمطار كان ينبت فيها العشب البري الأخضر الذي يبعث الأمل في نفوسنا كلما نظرنا إليه.

النجاحات طبعا مرحلية وقليلة مقارنة بالجهد التطوعي العظيم المبذول لتحقيقها وكان من الإخفاقات (في حق رقي وحضارة وثقافة البحرين ) التي بليت بها قضية الحزام الأخضر أن أسست لجان لدراسة الموضوع بعد ذلك من قبل جهات تنفيذية ومجالس بلدية بالدرجة الأولى، لم تدعى لها جمعية أصدقاء البيئة بل لم تعلم أصلا بها حتى قرأ الجميع آثار توصياتها ومنها خطة المواءمة التي تقضي على البيئة لتوائم هوى المستثمر على حساب الأرض الزراعية التي تجرف وتصحر وتحول إلى أحزمة إسمنتية فتخسر البحرين كل ماكانت تقدمه الأرض الزراعية لصالح مكاسب لأفراد قلة من ملاك الأرض التي ما من أحق من البحرين بشرائها وتملكها إذا كانت لاتستطيع منع مالكها من تدميرها. لكننا كمؤسسات مجتمع معنية بالأمر وكأفراد متخصصين ومهتمين بالتراث الزراعي والتنمية المستدامة ومنها الاستثمار الرشيد عبر السياحة البيئية لم نستشار ولم ندعى لطاولة حوار كما هو الحال في جميع القضايا البيئية المصيرية ،

ويبقى السؤال في أي 5 يونيو ، وتحت أي شعار سيدرك متخذو القرار والمؤتمنون في الجهات التنفيذية والمنتخبون من قبل الناس في المجالس البلدية ببلد المؤسسات وفي عهد الديموقراطية ، أهمية الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني وأهمية الوضوح والصراحة والاحترام في التعامل مع هذه المنظمات الأهلية التطوعية التي تعمل لأجل ذات الأهداف المدونة في وثائق تلك الجهات؟

إلى أن يحين ذلك الوقت فإن عبارة مثل :”لاتهجروا الأراضي القاحلة” لا يمكن أن يكون لها أي صدى.

خولة المهندي  – 5 يونيو 2006

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!