تقديم تقرير أفد السنوي الثالث عشر في سلسلة “وضع البيئة العربية”
في مؤتمر دولي افتراضي
آفاق بيئية : بيروت
أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) اليوم تقريره السنوي الثالث عشر في سلسلة “وضع البيئة العربية”، وذلك في مؤتمر دولي افتراضي تستضيفه الجامعة الأميركية في بيروت. ويشارك في المؤتمر نحو 600 من الهيئات الحكومية والخاصة والجامعات وهيئات المجتمع المدني من 45 بلداً، يرتبطون إلكترونياً عن طريق مركز للتحكم. كذلك يتم بث وقائع الجلسات عبر صفحتي المنتدى ومجلة “البيئة والتنمية” على فيسبوك، والتي يزيد عدد متابعيها على 1.5 مليون شخص.
عمل أكثر من 150 أستاذاً وخبيراً من جامعات ومراكز أبحاث عربية وأجنبية على إعداد التقرير عن الصحة والبيئة ومراجعته. كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت كانت الشريك الأساسي في إعداد التقرير، كما ساهم باحثون من جامعة الخليج العربي في البحرين، وجامعتي القاهرة والإسكندرية ومؤسسة كيمونِكس للإستشارات البيئية في مصر، وجامعة القديس يوسف في بيروت. وشارك في التقرير المركز الإقليمي لصحة البيئة التابع لمنظمة الصحة العالمية.
تتناول فصول التقرير السبعة العلاقة بين الصحة والمياه والهواء والنفايات وتلوث المحيطات وتغيُّر المناخ، فضلاً عن التقدم والعقبات باتجاه تحقيق محتوى الصحة البيئية لأهداف التنمية المستدامة. وأكّد التقرير أنه لم يعد في الإمكان إنكار تأثير المخاطر البيئية على صحة الإنسان. وعند النظر إلى المنطقة العربية على وجه التحديد، وجد أن الإفتقار إلى المياه المأمونة، وزيادة توليد النفايات وسوء طرق التخلص منها، وتغيُّر المناخ، وتلوث البيئة البحرية، كلّها عوامل ذات تأثير سلبي ملحوظ على صحة السكان. ودعا التقرير إلى تبادل الخبرات في التخصصات المتعلقة بالصحة والبيئة عبر البلدان العربية، مع تكثيف التعاون الإقليمي، بما يشمل التأهب للطوارئ لمواجهة الكوارث الصحية والبيئية.
ولفت إلى أن جائحة كورونا المستمرة منذ نهاية 2019 كشفت ضعف أنظمة الرعاية الصحية في المنطقة العربية، والقدرة المحدودة في معظم البلدان على التعامل مع الأزمات الصحية الطارئة. كما أظهرت الجائحة أنه لا يمكن الحفاظ على صحة الناس فقط باستهداف المجموعات التي يمكنها تحمّل تكاليف خدمات الرعاية الصحية. فالهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة هو وجوب توفير “الصحة للجميع”، لا للقادرين فحسب.
صعب: التدهور البيئي مسؤول عن ربع الوفيات
إفتُتحت الجلسات بكلمة ترحيبية من الأمين العام للمنتدى، نجيب صعب، الذي قال إن إعداد التقرير “كان مسعىً صعباً، ليس فقط بسبب ظروف العمل الضاغطة التي خلقها الوباء، والتي وضعت قيوداً على التفاعل الطبيعي بين الباحثين، ولكن أيضاً بسبب انعكاسات الانهيار المالي وعدم الاستقرار السياسي في لبنان على عمل المنتدى. وقد تفاقم ذلك بسبب انفجار مرفأ بيروت، الذي أثّر بشدة على عمل الأمانة العامة للمنظمة ودمَّر مكاتبها. وكشف صعب أن الأوضاع غير المستقرة أدت إلى انخفاض مقلق في التمويل من قِبل الشركاء والجهات الراعية التقليدية، مما يهدد استمرارية المنتدى نفسه.
وقدم صعب عرضاً لأبرز نتائج التقرير، محذراً من أن معدل الوفيات المنسوبة إلى العوامل البيئية آخذٌ في الارتفاع، وهو يقدّر حالياً بنحو 23 في المئة من مجموع الوفيات في المنطقة العربية. ويسلِّط التقرير الضوء على المخاطر الصحية البيئية الرئيسية التي تواجهها المنطقة، مع التشديد على التوصيات والدروس التي يمكن تعلّمها من الأزمات البيئية والصحية، السابقة والحالية، بما في ذلك جائحة كورونا. وأكّد أن البيئة الصحية هي شرط أساسي لأشخاص أصحاء.
بدران: التعاون الإقليمي في الصحة والبيئة
وأشار رئيس مجلس الأمناء الدكتور عدنان بدران إلى أن وباء كورونا فرض واقعاً اقتصادياً واجتماعياً صعباً، نتيجة بصمتنا الشديدة على الطبيعة، التي أدّت إلى تغيير جذري في انتقال الأمراض وانتشارها، ليتحول إلى جائحة كونية بسرعة مخيفة. وقال إن هذا “يفرض علينا التعاون في نهج صحي واحد متكامل، للحفاظ على صحة الإنسان ولبناء قدرات للتعامل مع هذه الأوبئة وتداعياتها والحدّ من مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية”. ودعا بدران وزارات الصحة والبيئة في المنطقة العربية إلى تأكيد أهمية الترابط بين الصحة البشرية العامة والبيئة الطبيعية، وذلك في إطار التعاون الإقليمي.
خوري: نحو عالم أكثر استدامة وإنصافاً
ونبّه رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري إلى أن “قضايا البيئة والأمن الغذائي والصحة العامة والوظائف والعمل، جميعها مرتبطة ببعضها البعض، وهي تتهاوى في لبنان، وفي دول الجنوب، على مستوى العالم عامة. “الآن، أكثر من أي وقت مضى، حان وقت العمل والتضامن عبر الحدود والمجتمعات. لذا نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل العالم ليكون أكثر شمولية واستدامة وإنصافاً. وهذا هو الهدف النهائي لهذا التقرير، والكثير مما نسعى جميعاً للقيام به. لن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، ولن يكون سهلاً، ولكن إذا ثابرنا وقدمنا كل ما لدينا، فأنا على ثقة من أننا سننتصر”.
لامبرتيني: الاستغلال غير المستدام للطبيعة خطر على الصحة
الخطاب الإفتتاحي الرئيسي كان للمدير العام للصندوق الدولي لحماية الطبيعة ماركو لامبرتيني، الذي تحدّث من جنيف عن العلاقة بين الطبيعة والصحة، خاصة من حيث انتشار الفيروسات مثل كورونا. ودعا إلى أن يدرك العالم بشكل عاجل الروابط بين تدمير الطبيعة وصحة الإنسان، لئلا نشهد الوباء القادم قريباً. “يجب علينا كبح التجارة العالية المخاطر واستهلاك الحياة البرية، ووقف إزالة الغابات وتحويل الأراضي، وكذلك إدارة إنتاج الغذاء على نحو مستدام. هذه الإجراءات ستساعد في منع انتشار مسببات الأمراض إلى البشر، وكذلك معالجة المخاطر العالمية الأخرى لمجتمعنا مثل فقدان التنوع البيولوجي وتغيُّر المناخ. العلم واضح في استنتاجه أن الاستغلال غير المستدام للطبيعة أصبح يشكل خطراً هائلاً علينا جميعاً”.
الجلسات: الصحة والتنمية والهواء والمناخ والبحار والنفايات
الجلسة الأولى، التي تمحورت حول التحديات الصحية لأهداف التنمية المستدامة وأثر جائحة كوفيد-19، أدارها الدكتور إيمان نويهض، العميد السابق لكلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت. وتحدثت فيها الدكتورة ريما حبيب، رئيسة قسم الصحة البيئية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتور باسل اليوسفي، مدير المركز الإقليمي لصحة البيئة في منظمة الصحة العالمية. وطالبت حبيب بإنشاء نظام رعاية صحية أولية، بما في ذلك التثقيف الصحي، من ضمن استراتيجيات إقليمية تحدد أهدافاً مشتركة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأشار اليوسفي الى أنه من المتوقع أن يفقد أكثر من 676 ألف مواطن عربي حياتهم قبل الأوان سنة 2020 نتيجة التعرض للمخاطر البيئية التقليدية. وسيرتفع هذا الرقم مع ظهور مزيد من عوامل الخطر البيئية وتأثيراتها، بما فيها الجوع وسوء التغذية. مما يستدعي تحولاً كبيراً في طريقة إدارة أولويات الصحة البيئية.
أما الجلسة الثانية فكانت عن تغيُّر المناخ ونوعية الهواء. وقد أدارها الدكتور فريد شعبان، أستاذ الهندسة الكهربائية في الجامعة الأميركية في بيروت. وشاركت في الجلسة كل من الدكتورة رندة حمادة، نائبة عميد الدراسات العليا والبحوث في كلية الطب والعلوم الطبية في جامعة الخليج العربي، والدكتورة جيهان حسن، الأستاذة المساعدة في كلية العلوم والهندسة في الجامعة الأميركية في القاهرة، اللتين تطرقتا للآثار المباشرة وغير المباشرة لتغيُّر المناخ على الصحة، من منظور عالمي ومن منظور العالم العربي. بالإضافة إلى استراتيجيات التكيُّف المستخدمة حالياً للتصدي لتغيُّر المناخ والفوائد الناتجة عن ذلك على صحة الإنسان. وقدّم الدكتور حسن الدهيني نتائج الفصل الذي شارك في إعداده عن تلوث الهواء، مؤكداً على الارتباط الوثيق بين تلوث الهواء وتغيُّر المناخ وكوفيد-19. “فتلوث الهواء يُساهم في وفاة حوالي 7 ملايين شخص حول العالم سنوياً، وهو ما يتجاوز بكثير عدد الوفيات المتوقعة من كوفيد-19”.
ويَستكمل المؤتمر أعماله يوم الأربعاء بجلستين، الأولى حول المياه والبيئة البحرية والصحة يديرها الدكتور وليد الزباري، منسّق برنامج إدارة الموارد المائية في كلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي في البحرين، ويشارك فيها كل من الدكتورة مي الجردي، أستاذة الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتور عمرو السمّاك، أستاذ علوم البحار، والدكتورة أميرة حمدان، أستاذة الأحياء الدقيقة البحرية في قسم علم المحيطات في جامعة الإسكندرية. وتناقش هذه الجلسة ما أدّت إليه جائحة كورونا من ظهور عدد من المخاطر والتحديات التي لم تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي من قبل، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، وتأثيرات البيئة البحرية على صحة الإنسان في المنطقة العربية، والتي لم تحظ بالكثير من الاهتمام حتى الآن.
أما الجلسة الأخيرة فهي حول إدارة النفايات والصحة، يديرها الدكتور أحمد جابر، رئيس مجلس إدارة شركة كيمونِكس مصر للإستشارات وأستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة القاهرة. وتشارك فيها الدكتورة مي مسعود، مديرة برنامج الدراسات البيئية للخريجين في كلية الصحة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، والدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة البيئة المصرية السابقة، التي تقدم عرضاً خاصاً لتجربتها في ادخال السكان المحليين في معالجة النفايات، مع التركيز على “حي الزبّالين”. وتناقش الجلسة الآثار الهامة لإدارة النفايات على الصحة ونوعية الحياة والحفاظ على البيئة والاستدامة والاقتصاد. كما تتضمن عرضاً وتقييماً لممارسات إدارة النفايات في الدول العربية، والآثار الصحية والبيئية المحتملة لأنواع مختلفة من النفايات الصلبة وفحص البدائل لإدارة النفايات الصلبة المستدامة والمتكاملة.