آفاق بيئية : محمد التفراوتي
منتدى دولي بالعيون يناقش سبل الاستفادة من الابتكار من أجل التأقلم مع تغير المناخ
شهدت مدينة العيون، يومي 2 و 3 ماي الجاري، عقد المنتدى الدولي الأول حول الزراعة الملحية والتدبير المستدام لاستخدام المياه المالحة في المناطق الصحراوية ، والمنظم من قبل مؤسسة فوسبوكراع وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية والمركز الدولي للزراعة الملحية.
وشكل الملتقى فرصة سانحة لتبادل الآراء والمعارف العلمية ومختلف الحلول والتدابير التي تهم الموارد المائية في المناطق الصحراوية . وعرف عرض مجموعة من الأبحاث التي تروم تحقيق إكتشافات علمية تساهم في تنمية غذائية مستدامة .
وعمل الملتقى على تقديم حلول للطلب المتزايد على مياه الري في المناطق القاحلة خاصّة في المناطق التي تتضاعف فيها الحاجة إلى مياه الري بسبب ظاهرة الملوحة؛ كما هو الحال في فم الواد .
وتطرق المنتدى للعديد من المحاور من زوايا مختلفة، ركّز من خلالها على التفاعل بين التخصصات العلمية المختلفة من قبيل كيمياء التربة، وعلوم النبات، وعلوم الري، والهندسة الزراعية، والتكنولوجيا التطبيقية في مجال النباتات والاقتصاد
وركّز العمل الميداني على زراعة 19 محصولًا تمّ تجربتها في محيط فم الواد. وقد مكن بفضل هذا العمل ، الذي صاحبه تدريب الفلاحين على الممارسات الفلاحية الجيدة في البيئات الملحية ، من فهم نسب توزيع الأملاح في التربة وأسبابها، وتطوير ممارسات إدارة المحاصيل التي تحقق إنتاجية عالية؛ ومن ثمّ تحسين دخول الفلاحين في محيط فم الواد.
وتنظر مؤسسة فوسبوكراع للبحث والابتكار على أنّه أحد العناصر الرئيسية لمواجهة تحديات التنمية البشرية. لذا، فقد تحول الاستثمار في تعاون علمي الذي استمر على مدار أربع سنوات إلى أعمال ملموسة، من بينها زراعة الثمام الترياقي على نطاق واسع، وإطلاق مشروع تثمين أصبح مصدر دخل لـ 30 امرأة في فم الواد.
وقد نتج عن دمج الكينوا في الكسكس المحلي الخماسي (المؤلف من خمسة أنواع من الحبوب الكاملة) منتجًا محليًا جديدًا؛ وهو الكسكس السداسي. ويُبرز منتج «الكسكس السداسي» الجديد، إضافة إلى مواكبة مؤسسة فوسبوكراع لثلاثين امرأة، فائدة البحوث وأثرها عندما يتمّ تسخيرها لخدمة المجتمعات.
وأفادت السيدة احجبوها الزبير رئيسة مؤسسة فوسبوكراع ان منطقة فم الواد بجهة العيون عرفت مساعي ناجحة تم تحقيقها في مجال الزراعة في البيئة المالحة والذي مما أعطى للفلاحين الأمل في الاستغلال الزراعي المستدام لأراضيهم متحدين إشكال الملوحة.
وقالت السيدة أسمهان الوافي المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية بالإمارات العربية المتحدة أن بعض المنتوجات ستغير صورة الإنتاج الفلاحي لمحيط فم الواد من قبيل نباتي الثمام الترياقي الغني بالبروتين والبقولي السيسبان ، واللذان يستخدمان كعلف، ثم الكينوا وهي حبوب غذائية ذات إنتاجية عالية يبلغ متوسط إنتاجها 3 أطنان للهكتار الواحد بنوعية وحجم جيدين للغاية .
وعرضت السيدة أسمهان الوافي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية سبل الاستفادة من الابتكار من أجل التأقلم مع تغير المناخ .
وذكرت السيدة شرفات افيلال ، كاتبة الدولة المكلفة بالماء سابقا ، بأنشطة مبادرة منتدى المياه في الشرق الأوسط . وعالج السيد خورخي باتل-سيلز من جامعة فالنسيا بإسبانيا المقاربة المتعدد المعايير لأبحاث ملوحة التربة .وتناول السيد لحريزي استراتيجيات لتحسين تحمل ملوحة المحاصيل : استخدام فتيلة البذور . أما محور ” نموذج SALTMED لإدارة المياه والمحاصيل والأسمدة” فناقش أبحاثة السيد رجب رجب، عن مركز علم البيئة والهيدرولوجيا، المملكة المتحدة. أما السيد محمد الحشيشة عن المعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية والمياه والغابات، من تونس فتناول محور الابتكار والخبرة العملية في استخدام المياه المالحة على مستوى الضيعات بتونس ، في حين استعرض السيد فاسيل كيبيدي وضعية، ودوافع ، وسيناريوهات الإدارة المقترحة للتربة المتضررة بالملوحة في إفريقيا .
وناقش المشاركون في حلقة نقاش،أطرها خبراء في المجال ، مختلف الاستراتيجيات المبتكرة للأمن الغذائي والزراعة المستدامة في المناطق الصحراوية والمالحة . وتناول فريق بحث المؤلف من ستيف جرين، ليزلي كينيدي، ويلينغتون، من نيوزيلاندا بحث حول تأثير الملوحة على استخدام مياه النخيل والطلب على الري ومردودية المحاصيل .
ومن جهته عرض دانييل بيرتيرو، من كلية الهندسة الزراعية، جامعة بوينس آيريس، بالأرجنتين بحثه حول تأثير درجات الحرارة العالية والبيئات المالحة على الكينوا ، ليتناول السيد باس برونينج، عن شركة «Salt Farm» للزراعة في التربة المالحة، من هولندا محور حول “الزراعة الملحية، حل عملي لمشكلة عالمية” . أما محور إدارة التربة والمغذيات في ظروف الزراعة الملحية فعالج تفاصيل أبحاثه السيد منير جميل الروسان، أستاذ خصوبة التربة وتغذية النبات، من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
وتدخل الباحث عبد رب الرسول بن موسى العمران، من جامعة الملك سعود، الرياض، بالمملكة العربية السعودية حول موضوع إدارة الري في ظروف الملوحة ثم تناول السيد مشتاق أحمد، من كلية العلوم الزراعية والبحرية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، بسلطنة عمان موضوع تحلية المياه لأغراض الزراعة ” هل هي عملية مستدامة؟” .
واستعرض الدكتور رضوان شكر الله من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أكادير رفقة مجموعة بحث مكونة من كل من الدكتور عبد العزيز ميموني رئيس مركز الوطني للبحث الزراعي بأكادر والدكتور عبد العزيز حيريش المركز الدولي للزراعة الملحية. والدكتور عبد الرحمان اليمني بحث عن تحسين نظام إنتاج الأعلاف في المزارع المتأثرة بالملح في محيط فوم الواد بالعيون، مبرزا المشاكل المطروحة والمتمثلة في زيادة ملوحة المياه والتربة وانخفاض المحاصيل العلفية الرئيسية من قبيل علف الذرة والبرسيم و سوء تدبير الري و مشكلة الحشائش و هجرة الكثبان الرملية وتحولها ، ليعرض أهداف البحث والتي تتجلى في تقييم إنتاجية المحاصيل البديلة في ظل الظروف الملحية لمنطقة فوم العود ومدينة العيون واختيار أنسب المحاصيل لاستبدال الذرة العلفية والبرسيم و تعزيز القدرة التقنية لشركاء المشروع بما في ذلك المزارعين والتقنيين حول ممارسات الزراعة البيولوجية ثم تطوير نظام رصد ملوحة التربة والمياه في المنطقة . ذلك أن تربة المنطقة في الغالب رملية إذ أن 43 في المائة من طين الرمل و 35 في المائة من الرمل . كما تمثل المنطقة المزروعة 55 في المائة من المساحة الكلية التي تصل إلى 245.5 هكتار. وتصل نسبة الري بالتنقيط إلى حدود 88 في المائة.
وعرض الدكتور شكرالله خرائط الملوحة وتطور ملوحة الماء وملوحة المياه الجوفية قبل فيضانات 2016. وتشير النتائج التي توصل إليها فريق البحث، السالف الذكر، إلى أن المحاصيل البديلة مثل الشعير ، وسبانيا والذرة الزرقاء ، والكينوا ، أظهرت إمكانات كبيرة لزراعتها في ظروف ملحية واستخدامها كمحاصيل غذائية وعلف.وتعكس الغلة المهمة لهذه المحاصيل الإمكانات الهائلة لاستبدال المحاصيل التقليدية مثل الذرة والبرسيم ونجاح زراعة الكينوا يمكن أن يكون حلاً حكيماً لتحسين دخل المزارعين المحليين ولجني فوائد من التربة المتأثرة بالملح.
وأظهرت تجارب على ست حقول زراعية إنتاجية عالية في كل من الكتلة الحيوية الطازجة والجافة من الشعير ، وإنتاجية عالية من الحبوب ومن الفول الصويا والشعير في ظل ظروف الملوحة. أظهرنبات “سيسبان” ،وهو جنس نباتي يتبع فصيلة البقولية من رتبة الفوليات،
أداء جيدًا تحت درجة ملوحة عالية جدًا (9 جم / لتر) ويمكن استخدامها كعلف للرعي. ووفقًا لتصور المزارع ،فالمحصول البديل الأكثر هو للبرسيم والذرة العلفية التي يعتمدها المزارعون. ويجري الآن زراعة مساحات شاسعة من قبل الجمعية التعاونية لزيادة تطوير هذا المحصول.
يشار أن المنتدى يعد حدثا علميا كبيرا يتميز بمشاركة متحدثين بارزين من جميع أنحاء العالم لتبادل الآراء والحلول المتعلقة بإدارة الموارد المائية في المناطق الصحراوية وخاصة استخدام الماء المالح من مصادر مختلفة. وتنشد مؤسسة فوسبوكراع وشركائها تقديم حلول للطلب المتزايد على مياه الري في المناطق القاحلة خاصة في المناطق التي تتضاعف فيها الحاجة إلى مياه الري بسبب ظاهرة الملوحة، كما هو الشأن في منطقة فم الواد .
=====================
دردشة مع الدكتور رضوان شكر الله خبير في البيئة الزراعية حاوره محمد التفراوتي
يعرف المحيط السقوي لفم الواد بجهة العيون ارتفاع ملحوظ في نسبة ملوحة التربة والمياه الجوفية نظرا لعدة عوامل. وأثر هذا الارتفاع في نسبة الملوحة بشكل ملحوظ على انتاجية المحاصيل العلفية .حيث في بعض المزارع صار من غير المجدي زراعة هذه المحاصيل مما أثر نسبيا على دخل الفلاحين.ووقع المركز الدولي للزراعة الملحية (اكبا) اتفاقية مشروع بين اكبا ومؤسسة فوسبوكراع وتعاونية حليب الساقية الحمراء والمعهد الوطني للبحث الزراعي بالشراكة مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الهدف منها تحسين المستوى المعيشي للفلاحين الصغار من خلال تحسين إنتاجية الذرة العلفية والبرسيم وإدخال اعلاف جديدة متحملة للملوحة.
ما هي مرامي مشروع تحسين انتاج الاعلاف في المزارع المتضررة من مشكل الملوحة
يهدف المشروع احداث خرائط لملوحة التربة والمياه الجوفية بالإضافة الى تحاليل التربة ومياه السقي وووضع توصيات حول استراتيجيات لتحسين إنتاج الذرة والبرسيم من خلال التدبير المعقلن للسقي والتسميد والملوحة واستخدام أنواع جديدة من المحاصيل المتحملة للملوحة ثم توفير الموارد الجينية والمساعدة في إدخال الأعلاف المتحملة للملوحة في محطة التجارب الزراعية وحقول المزارعين وكذا رصد وتقييم نظم إنتاج الأعلاف المتحملة للملوحة .وإجراء دورات تدريبية للشركاء المحليين والفلاحين حول نظم الإنتاج المستدامة بما في ذلك إدارة الري والملوحة وتحسين إنتاج المحاصيل فضلا عن المساعدة في إنشاء مختبر محلي لاختبار التربة والمياه.
هل مشكل الملوحة في المحيط السقوي لفم الواد مستفحل بشكل كير ؟
عملنا رفقة فريق بحث مميز من انشاء اول خريطة ملوحة تربة لمنطقة فم الواد سنة 2015 قبل فيضانات سنة 2016 على عمق 20 و40 سم . تبين الخريطة ان ملوحة التربة ترتفع من الشرق في اتجاه الغرب (المحيط) وتتركز بشكل كبير في الطبقة السطحية للتربة (0 –20 سم). درجة الملوحة في النصف الغربي من المحيط السقوي تفوق 8 دسيسيمنس/متر الشيء الذي يؤثر بشكل كبير على انتاجية المحاصيل بما في ذلك البرسيم والذرة العلفية خصوصا هذه الاخيرة حساسة لهذا المستوى من الملوحة.
ما هي نتائج المشروع ؟
بينت نتائج التجارب المنجزة في منطقة فم الواد ملائمة عدة محاصيل بديلة للظروف المحلية وقدرتها على مقاومة الملوحة. اهم هذه المحاصيل هي البلوپانيكوم والسيسبانيا والدخن اللؤلؤي والشعير والكينوا والتريتيكال التي ابانت عن انتاجيتها العالية في ظروف الملوحة مقارنة مع المحاصيل التقليدية.
لقد استحسن الفلاحون محصول البلوپانيكوم ويرون فيه علف ملائم للأبقار خصوصا وهو يحتوي على 16% من البروتينات (نفس المحتوى البروتيني للبرسيم) ويقترحون ان يتم إنتاجه على نطاق أكبر في المنطقة. كما اثارت السيسبانيا اهتمام الفلاحين حيث اقترحوا ان تستعمل ككاسر للرياح او نبات رعوي. في حين محصول الكينوا يمكن ان يستعمل كمحصول ذو قيمة عالية لإنتاج اغدية ذات قيمة غذائية مرتفعة كالكسكس والدقيق والسلطة والخبز…الخ.
ومن خلال النتائج المحصل عليها تم تصنيف المحاصيل حسب تحملها للملوحة في المجموعات تتجلى في محاصيل مقاومة للملوحة المرتفعة ومحاصيل متحملة للملوحة المتوسطة ومحاصيل متحملة للملوحة المنخفضة .
وندعو بذلك إلى ضرورة إنشاء وحدة لإنتاج البذور ومعالجتها لضمان استمرارية جودة البذور وإنتاجية المحاصيل البديلة. كذلك هناك حاجة لإجراء تحاليل لمعرفة جودة العلف وتجارب لتحديد مكونات ونسب العلف الامثل للحصول على انتاجية عالية من الحليب.