تغير المناخ سيؤثر على أمن وسلامة العالم كله

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
تغير المناخ سيؤثر على أمن وسلامة العالم كله

tolba

استحوذت قضية تغير المناخ بقوة علي اهتمام العالم خلال عام 2007، وانعكس ذلك في بذل جهود دولية حثيثة -خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي- للاتفاق علي إجراءات فعالة تحد من انبعاث الغازات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض والآثار المترتبة عليه.

وقد نبهت التقارير الدولية، التي صدرت أخيرا في هذا الصدد، إلي أن الدول النامية -رغم أنها الأقل إنتاجا لهذه الغازات- سوف تكون الأكثر تأثرا بنتائج هذا التغير المناخي. وقد أثارت توقعات هذه التقارير المتعلقة بأثر التغير المناخي علي مياه النيل جدلا في الأوساط السياسية والعلمية في مصر، بين من يؤكدون صحة هذه التوقعات، ومن يشككون في الأسس العلمية والرياضية التي بنيت عليها.

ونظرا لأهمية قضية التغير المناخي، وأثرها الواضح علي العلاقات الدولية عامة، وعلي العلاقات بين دول حوض النيل بشكل خاص، كان ل- ‘السياسة الدولية’ هذا اللقاء مع الخبير الدولي في شئون البيئة د. مصطفي كمال طلبة، للتعرف علي الأبعاد العلمية والسياسية والدولية المتعلقة بهذه القضية.

وللدكتور مصطفي كمال طلبة خبرة عريضة في جميع هذه المجالات. فقد كان أستاذا جامعيا، ووزيرا، ورئيسا لأكاديمية البحث العلمي في مصر، قبل أن يبدأ رحلته مع قضية البيئة علي المستوي العالمي.

رأس د. طلبة وفد مصر في المؤتمر الدولي الأول عن البيئة الذي عقد في استوكهولم بالسويد عام 1972، والذي علي أثره تم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). وعين د. طلبة نائبا لأول مدير تنفيذي لهذا البرنامج -موريس سترونج- ثم تولي منصب المدير التنفيذي في عام 1976، ولمدة 17 عاما متصلة.

في أثناء هذه المدة، شهد د. طلبة كواليس المفاوضات والمؤتمرات الدولية حول قضايا البيئة. وقد تم تكريمه من قبل منظمات وهيئات دولية عديدة -من بينها الأمم المتحدة- لدوره الشخصي في دفع قضايا البيئة إلي بؤرة الاهتمام الدولي. كما لعب د. طلبة دورا كبيرا في التوصل إلي اتفاقية مونتريال الخاصة بحماية طبقة الأوزون، والتي تعد -حتي اليوم- أنجح اتفاقية دولية في مجال حماية البيئة.

للدكتور طلبة إنتاج غزير علي المستوي العلمي، حيث إن له نحو مائة مقال منشور في دوريات علمية دولية، كما أن له العديد من الكتب عن البيئة صادرة عن دور نشر عالمية، ومنها:

Development Without Destruction(تنمية بدون دمار)

A Commitment to The Future (التزام بالمستقبل)

وقد تم تكريمه من قبل جامعات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبلجيكا، والصين وروسيا، ودول أخري عديدة.

لم تنقطع صلة د. طلبة بقضية البيئة بعد انتهاء عمله في الأمم المتحدة، بل يواصل نشاطاته من خلال هيئات دولية مختلفة، مثل اليونسكو. كما أسهم في إنشاء ودعم عدد من الهيئات غير الحكومية المهتمة بشئون البيئة.

يبدي د. طلبة اهتماما خاصا في هذه الفترة برفع الوعي بقضايا البيئة في مصر والدول العربية. ومن خلال هذا اللقاء، يشرح د. طلبة التطورات العلمية التي علي أساسها ينبه العلماء اليوم إلي الأخطار المترتبة علي تغير المناخ، كما يشرح الأبعاد السياسية والاقتصادية للمفاوضات والاتفاقيات الدولية في هذا الصدد. ويشير إلي أهمية أن تأخذ الدول العربية عامة، والدولة المصرية خاصة، إجراءات للتعامل مع الآثار المترتبة علي تغير المناخ.

ينبه د. طلبة بشدة إلي أن الدولة المصرية يجب أن تواجه بجدية مشكلة أثر تغير المناخ علي مياه النيل، وأن تتعاون مع باقي دول الحوض لاجراء دراسات جادة وعميقة للاسترشاد بها في إعادة ترتيب الأولويات التنموية في ضوء هذه التطورات.

القضية -حسب د. طلبة- لا تحتمل الانتظار، فقد أدرك العالم كله اليوم أن التأخر في التعامل مع التغير المناخي وآثاره سوف يعقد المشكلة، ويزيد بشدة من تكاليف معالجتها.

متي بدأ الاهتمام بقضية البيئة علي المستوي الدولي ؟

قبل عام 1968، لم يكن هناك اهتمام علي المستوي العالمي بقضايا البيئة والتلوث، ولكن قفزت هذه القضية إلي السطح في عامي 1967 و1968 بسبب ظاهرة نفوق الأسماك في العديد من البحيرات في الدول الاسكندنافية: السويد والنرويج والدنمارك. وقد اهتمت شعوب هذه الدول بتلقي تفسير من دولها لهذه الظاهرة. ولذلك، تم اجراء أبحاث اتضح منها أن الغازات المنبعثة من المصانع – مثل ثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين – ترتفع في الجو وتذوب في مياه الامطار، مما ينتج ما يعرف بالأمطار الحمضية، التي تتسبب في رفع درجة حموضة البحيرات، مما يؤدي إلي نفوق الأسماك.

وبالبحث، تبين أن جزءا كبيرا من الغازات المتسببة في هذه الظاهرة ليست ناتجة عن صناعات الدول الاسكندنافية، بل تنبعث من المصانع الموجودة في انجلترا وألمانيا. ولذلك، فقد طلبت هذه الدول، ممثلة في السويد، عقد مؤتمر دولي للبيئة الانسانية، حيث كان واضحا أنها غير قادرة علي حل المشكلة بمفردها، بل كانت هناك حاجة للتعاون الدولي.

عقد هذا المؤتمر الدولي بالفعل في عام 1972 تحت اسم ‘مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة الانسانية’،

(United Nations Conference on The Human Environment)

وعرف أيضا باسم ‘مؤتمر استوكهولم’، وكانت هذه أول مرة يتم فيها حوار جاد حول قضية البيئة.

كيف تم إقناع الدول النامية بالمشاركة ؟

لم تكن كثير من الدول النامية مقتنعة بأنها يجب أن تلعب دورا في هذا الاطار.

في ذلك الوقت، كنت وزيرا ورئيسا لأكاديمية البحث العلمي، وبالتالي كنت رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر في مصر. وحين زارني أمين عام المؤتمر موريس سترونج، الذي جاب انحاء العالم لاقناع مختلف الدول بالمشاركة، أعربت له عن رأي شاركني فيه كثير من المسئولين في الدول النامية، وهو أن الدول الغربية قد وصلت لمرحلة من الغني والرفاهية تمكنها من أن تناقش اليوم قضايا البيئة. ولكن الدول النامية مازال اهتمامها منصبا علي التصنيع والتقدم وتحقيق الوفرة، ثم تلتفت الي مشاكل البيئة في مرحلة لاحقة.

هذا مع العلم بأنني كنت أساسا عالما وأستاذا في الجامعة، فكان من المفترض أن اكون اكثر وعيا.

من أجل إقناع الدول النامية، والدول الصناعية أيضا، بأهمية القضية، تم عقد لقاء غير رسمي في سويسرا عام 1971، قبل انعقاد المؤتمر الدولي، اجتمعت فيه مجموعة من العلماء والباحثين من الدول النامية والدول الصناعية، بالاضافة الي مجموعة من المسئولين من الدول النامية والصناعية، ليتناقشوا معا حول قضية البيئة، وهل تنحصر في مشكلة التلوث، أم أن لها أبعادا أخري?.

في هذا الاجتماع، ظهر لأول مرة أن مشاكل البيئة ناتجة أساسا من الاستخدام غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية المتاحة في أي بلد. وبذلك، تحولت القضية من التلوث الي موضوع أشمل – الاستخدام الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية – وقد غير هذا من مفهوم الدول النامية كلها.

لقد تنبهت الدول النامية إلي أن لها مصلحة في التركيز علي قضية استغلال الموارد الطبيعية، وتكلفتها، حيث إن المستغل الأول لموارد الدول النامية هو الدول الصناعية التي تأخذ الانتاج ‘الطبيعي’ من الدول التي كانت تستعمرها، ثم تصنعه وتعيد تصديره.

وقد ساهم في إنجاح المؤتمر المناخ الدولي السائد في ذلك الوقت. فرغم التنافس بين القطبين الدوليين، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كان هناك نوع من التوازن علي المستوي الدولي، ورغبة في التعاون ومنع حدوث صدام بين القطبين. من ناحية أخري، ظهرت تكتلات مختلفة، مثل مجموعة ال- 77 ومجموعة دول عدم الانحياز، وكلها ساهمت في أن تنفذ قضية البيئة الي قمة اهتمامات المجتمع الدولي. لكن الاهتمام الدولي بهذه القضية تراجع في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي في ظل صعود الاهتمام بقضايا مختلفة، مثل التجارة العالمية، والاصلاح الاقتصادي، ومنظمات مثل الجات والبنك الدولي الي آخره.

هل أثر هذا الاهتمام الدولي بقضايا التنمية علي الافكار المتعلقة بحماية البيئة؟

بمناسبة الاحتفال بالعيد العاشر لمؤتمر استوكهولم، جرت مناقشات -في برنامج الأمم المتحدة للبيئة The United Nations Environment Program

وفي المؤتمر العام الذي عقد بهذه المناسبة- حول استخدام مصادر الثروة الطبيعية المتاحة لأي دولة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدون استنزاف الموارد الطبيعية، بل والحفاظ عليها بحيث تظل متاحة للاستخدام في المستقبل. وفي هذا الإطار، ظهرت فكرة التنمية المستدامة بمكوناتها الثلاثة: حماية البيئة ممثلة في مصادر الثروة الطبيعية، تحقيق النمو الاقتصادي، تحقيق التنمية الاجتماعية. ولكن ظهرت الحاجة لتقديم شرح أكثر تفصيلا لمعني التنمية المستدامة وكيفية تطبيقها.

ولذلك شكلت، بناء علي اقتراح مجلس المحافظين لبرنامج الامم المتحدة للبيئة، لجنة دولية للتصدي لهذه الحاجة، وهي اللجنة الدولية للبيئة والتنمية The World Commission on Environment and Development، WCED برئاسة د. جرو هارلم بروندتلاند، وهي طبيبة، وكانت رئيسة وزراء سابقة للنرويج، وتعمل حاليا كمبعوث خاص لأمين عام الامم المتحدة بان كي مون للتغير المناخي.

وكان نائب الرئيس هو د. منصور خالد، الذي كان نائبا لرئيس وزراء السودان، أي أن رئاسة اللجنة جمعت ممثلا عن كل من الدول المتقدمة والدول النامية. وقد اختارا عشرين عضوا من المتخصصين في مجالات مختلفة ومن انحاء مختلفة من العالم، ولم يتدخل أي طرف آخر في اختيار اعضاء اللجنة.

أصدرت اللجنة تقريرها في عام 1987 بعنوان ‘مستقبلنا المشترك’ (Our Common Future) اشتمل التقرير علي تعريف شامل للتنمية المستدامة، واقتراحات عن كيفية تطبيقها. وقد عرف التقرير التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تضمن الاستجابة لاحتياجات الجيل الحاضر، مع عدم التعدي علي حقوق الأجيال القادمة في المعيشة بمستوي يعادل الجيل الحالي أو يفوقه إن أمكن.

وقد عرضت مقترحات اللجنة علي الجمعية العامة للأمم المتحدة وأقرتها، وكانت الخطوة التالية اعتماد مفهوم التنمية المستدامة كالتزام من جانب كل الدول.

وقد جاء ذلك في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية United Nations Conference on Environment (UNCED) وعرف بقمة الأرض، والذي عقد في ريودي جانيرو من 3 الي 14 يونيو 1992.

اعتمد المؤتمر التنمية المستدامة كسياسة تلتزم بها كل الدول، حتي لا يحدث إضرار بالبيئة أو بصحة الانسان أو بالاقتصاد، نتيجة الاستخدام غير الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية. وقد جمع المؤتمر كل ماتم التوصل اليه في هذا الاطار فيما سمي ‘أجندة القرن الحادي والعشرين’. كما وقعت الدول المشتركة اتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

العيب الاساسي في هذه الاتفاقية أنها تميزت بالعمومية، ولم تلزم الدول الموقعة عليها باتخاذ اجراءات معينة، كما أن الأجندة لم تترجم الي طرق عملية توضح كيفية تنفيذ برامج التنمية المستدامة، وما هي الفترة الزمنية التي ستستغرقها، والتكلفة، ومن الذي سيتحمل هذه التكلفة. واعتقد أن عدم التزام الدول بالاتفاق علي أهداف معينة كان يعكس غيابا للإرادة السياسية في هذه الفترة.

متي بدأ المجتمع الدولي يتجه نحو الالتزام بأهداف محددة لمواجهة مشاكل تغير المناخ والحفاظ علي البيئة؟

ظهر اهتمام عالمي واسع بقضية البيئة مرة أخري بظهور ما سمي بمشكلة ثقب الأوزون. وقد ظهر الاهتمام العلمي بهذه القضية منذ عام 1974، عندما اصدر اثنان من العلماء في جامعة بيركلي بالولايات المتحدة بحثا تشير نتائجه إلي ان الغازات المستخدمة في التكييف والتبريد وأغراض أخري عندما تصعد إلي طبقات الجو العليا، تحدث خللا في طبقة الأوزون. وكانت هذه الافتراضات مبنية علي بحوث معملية، ولم تكن هناك قياسات في الواقع.

اهتمت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (World Metreological Organization)

-وهي احدي هيئات منظمة الأمم المتحدة- بهذا الموضوع، وعملت في الفترة مابين 1974 و1982 علي رصد الغازات المنبعثة وقياس التأثيرات التي تحدث بالفعل علي طبقة الأوزون. وهذه الطبقة، التي ينتشر فيها غاز الأوزون بسمك 15 أو 20 كيلو في طبقات الجو العليا، وظيفتها أن تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية -التي تعتبر ضارة بالانسان والحيوان والنبات- إلي الأرض.

بحلول عام 1982، كانت قد تجمعت لدي منظمة الارصاد الجوية مجموعة كافية من البيانات، مما دفع المجلس التنفيذي لبرنامج الامم المتحدة للبيئة إلي أن يدعو لتشكيل لجنة بين -حكومية للتفاوض علي اتفاقية لحماية طبقة الأوزون. وبالفعل، تم توقيع اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في مارس 1985، ودخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 1988، ولكنها لم تلزم الدول الموقعة باتخاذ اجراءات معينة للحد من انبعاث الغازات التي تؤدي الي الخلل في طبقة الأوزون.

ولكن الاتفاقية التي حققت نجاحا ملحوظا في هذا الصدد كانت اتفاقية مونتريال، أو ‘بروتوكول مونتريال المتعلق بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون’، والتي وقعت في سبتمبر 1987، بعد مفاوضات دولية استمرت عدة شهور. مازالت هذه الاتفاقية تعتبر النموذج المثالي لحل مشاكل البيئة العالمية، حيث اشتملت علي ترتيبات لتمويل التزام الدول النامية بالخطوات المطلوبة. وقد كان هذا النجاح مرتبطا بقوة الحجج العلمية التي استندت اليها. فقد أحدثت دراسة أجراها عالم انجليزي ردود فعل واسعة، حيث أعلن أن هناك نقصا واضحا في طبقة الأوزون في القطب الجنوبي. وعلي أثر ذلك، تم تشكيل خمس مجموعات من العلماء من أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لدراسة هذا الموضوع، والأسس التي بنيت عليها النماذج الرياضية التي توصلت الي وجود ما سمي ب- ‘ثقب الأوزون’. وبعد دراسات ومراجعات، اتفقت المجموعات الخمس علي أن ما يحدث من خلل في طبقة الأوزون سيستمر، حتي لو أوقفنا انتاج كل الغازات المتسببة فيه، ولن تعود طبقة الأوزون إلي طبيعتها الا بعد عقود من التوقف عن استخدام هذه الغازات.

وبينما كان العالم مشغولا بمشكلة انتشار مرض الإيدز، أو نقص المناعة المكتسب، بدأ الاطباء في عام 1988 يتحدثون عن أضرار وصول الأشعة فوق البنفسجية الي الارض نتيجة للخلل في طبقة الأوزون.

ومن هذه الأضرار سرطان الجلد، وعتامة عدسات العيون، والخلل في جهاز المناعة. وأكد الاطباء أن المعرضين لهذه الأضرار بشكل اكبر هم ذوو البشرة البيضاء.

وقد أثار ذلك ردود أفعال قوية في دول الشمال الصناعية، حيث ضغطت شعوب هذه الدول علي حكوماتهم لكي تقوم بعمل جاد لمعالجة هذه المشكلة.

لقد نجحت المفاوضات التي توصلت الي اتفاقية مونتريال، لأن العلماء كلهم تكلموا بصوت واحد، ولأن الاطباء تدخلوا وربطوا بين هذه المشكلة البيئية وصحة الانسان وحياته، وبالتالي، كان هناك ضغط من المواطنين – الذين أحسوا أن حياتهم وصحتهم مهددتان بسبب هذه المشكلة البيئية – علي حكوماتهم لاتخاذ اجراءات جادة.

وهل هناك اتفاق بين العلماء حاليا بخصوص قضية تغير المناخ والاحتباس الاحراري؟

بدأ الاهتمام بدراسة قضية تغير المناخ من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والتي كونت مجموعة لجان لجمع البحوث والدراسات المتعلقة بتغير المناخ، وما سمي بغازات الصوبة الزجاجية، أو غازات الدفيئة.

وتم عقد المؤتمر الدولي الاول عن تغير المناخ عام 1979، واشتركت فيه المنظمة العالمية للارصاد الجوية، وبرنامج الامم المتحدة للبيئة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الاغذية والزراعة، ومنظمة اليونسكو.

وعرضت كل هذه المنظمات الدولية نتائج الأبحاث التي تشير الي ان هناك زيادة واضحة في كميات الغازات التي تسبب ارتفاع درجة حرارة الجو.

وفي عام 1988، وبالتعاون بين المنظمة العالمية للارصاد الجوية وبرنامج الامم المتحدة للبيئة، تم انشاء اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change، IPCC

لكي تجمع كل البحوث العلمية المتاحة في مختلف انحاء العالم عن قضية تغير المناخ، تم تصدر تقارير دورية لكي تنبه العالم إلي التطورات العلمية في هذا الموضوع.

ومن هذه اللجنة، تشكلت ثلاث لجان فرعية، هي :

1- لجنة علمية تتابع وتقيم الجديد في العلم.

2- لجنة تدرس تأثر النظم الاقتصادية والاجتماعية بتغير المناخ.

3 – لجنة تدرس الخيارات المطروحة للاستجابة لهذه التغيرات المناخية، وكيفية الحد من انبعاثات غازات الدفيئة والتخفيف من حدة تغير المناخ.

كانت اللجنة الاولي برئاسة عالم انجليزي، وكانت لها صفة علمية خالصة، ولم يكن عليها أي تأثيرات سياسية.

اللجنة الثانية كان يرأسها عالم من الاتحاد السوفيتي، وقد تدخلت فيها السياسة الي حد ما، لأن الاتحاد السوفيتي -وكان من كبار المنتجين لغازات الدفيئة- كان يريد تجنب الادانة من قبل المجتمع الدولي.

أما اللجنة الثالثة، فكانت برئاسة أحد وكلاء وزارة الخارجية الأمريكية، وكانت تقاريرها مسيسة بالكامل.

بدأت اللجنة الحكومية في اصدار تقرير كل 6 سنوات بناء علي التقارير المرفوعة من اللجان الفرعية الثلاث.

وبما أنها لجنة حكومية، فتقاريرها يدخل فيها شئ من السياسة، وتحاول التوصل الي وفاقات، وقد يأتي ذلك جزئيا علي حساب العلم.

ولكن القاعدة العلمية التي تقوم علي اساسها التقارير قوية، وتتمتع بقدر كبير من الاحترام.

وما السبب في أن قضية التغير المناخي لاقت اهتماما غير مسبوق هذا العام؟

لقد أثارت قضية التغير المناخي اهتماما واسعا هذا العام لعدة أسباب، منها الاهتمام الكبير الذي صادفه فيلم آل جور، نائب الرئيس الأمريكي السابق، عن التغير المناخي، والذي سماه ‘حقيقة مزعجة’ أو(An Inconvenient Truth) . وقد وثق هذا الفيلم التأثيرات الناتجة عن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض من فيضانات وأعاصير وما إلي ذلك. وقد عرض الفيلم، ومدته ساعة ونصف الساعة، بشكل قوي الآثار السلبية لتغير المناخ. وقد أحدث رد فعل كبيرا، خاصة في الدول الصناعية والمتقدمة.

من ناحية أخري، فقد صدر في أكتوبر 2006 تقرير عن اقتصادات التغير المناخي، أعده الاقتصادي البريطاني سير نيكولاس ستيرن (Sir Nicholas Stern) وكان في السابق كبير اقتصاديي البنك الدولي، بناء علي طلب جوردون براون – رئيس وزراء بريطانيا الحالي – عندما كان وزيرا للخزانة. جمع ستيرن 20 من زملائه، وزاروا دولا من مختلف مناطق العالم: الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، الأرجنتين، البرازيل، جنوب إفريقيا، دول شرق أوروبا، فرنسا، ألمانيا، باكستان، والهند والصين، حيث قابلوا اقتصاديين من هذه الدول ودرسوا تأثير تغيرات المناخ علي الاقتصاد، وما هو الوضع في حالة إذا ما طبق العالم إجراءات معينة لمواجهة هذا التغير، وفي حالة عدم اتخاذ أي إجراءات.

وكانت محصلة البحث أن اتخاذ إجراءات للحد من تغير المناخ الآن سوف يكلف الاقتصاد العالمي 1% من إجمالي الناتج القومي العالمي، لكن المشاكل والأخطار والخسائر التي ستنتج عن عدم اتخاذ هذه الإجراءات ستكلف العالم 10% من إجمالي الناتج القومي العالمي. ومع الأسف، فإن الدول النامية سوف تكون نسبة الخسارة فيها أعلي من هذا المتوسط العالمي المقدر ب- 10%. كما أشار التقرير إلي أن 200 مليون شخص قد يتحولون إلي لاجئين بسبب تعرض أماكن إقامتهم للجفاف أو الفيضانات.

وبالمناسبة، فقد عقدت منظمة اليونسكو مؤتمرا بعد صدور تقرير ستيرن العام الماضي، بعنوان ‘حماية كوكب الأرض’ دعت فيه 20 أو 25 من العلماء المهتمين بهذا الموضوع، وكنت واحدا منهم. وكان حاضرا في القاعة نحو 1000 مستمع من مختلف أنحاء العالم، ولم يكن هناك من الموجودين من لم يسمع عن تقرير ستيرن. ولكن عند عودتي إلي القاهرة، فوجئت بأن التقرير لم يحدث أي صدي في مصر، والجهة الوحيدة التي طلبت مني أن ألقي محاضرة عن هذا التقرير بعد نحو شهر ونصف شهر كانت الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وليست أيا من الجامعات المصرية.

من ناحية أخري، أثارت آخر تقارير أصدرتها اللجنة الحكومية المعنية بتغير المناخ – تقرير اللجنة العلمية صدر في يناير 2007، وتقرير لجنة آثار التغير المناخي في مارس، وتقرير الاستجابات في سبتمبر، والتقرير النهائي سيصدر في نوفمبر 2007 – ردود فعل واسعة.

أفاد التقرير العلمي بأن التوقعات السابقة بأن درجة حرارة الأرض كان من المقدر أن ترتفع بمقدار 6ر درجة مئوية في القرن الماضي خاطئة، وبأن كل الحسابات والقياسات التي أجريت أوضحت أنها ارتفعت بالفعل بمقدار 75ر درجة. كما أكد هذا التقرير أنه بحلول عام 2050، ستكون درجة حرارة الأرض قد زادت بمقدار درجتين، بل إن هذه الزيادة يمكن أن تحدث بحلول عام 2035 .

ونتيجة لارتفاع درجة الحرارة، فإن كمية الأمطار المتساقطة في بعض أجزاء من العالم ستنقص بنسبة 50%، بينما تزداد في مناطق أخري، مما يعني أن الإنتاج الغذائي العالمي سيتناقص. من ناحية أخري، سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلي زيادة معدل ذوبان الثلوج، وبالتالي إلي ارتفاع سطح البحر، مما سيؤدي إلي غرق جزر كاملة موجودة في المحيط الباسيفيكي والهندي والهادي، بالإضافة إلي غرق جميع المناطق الواقعة في مستوي منخفض عن سطح البحر.

وكيف ستتأثر مصر بهذه التغيرات ؟

ستؤثر هذه التغيرات قطعا علي الوضع في مصر. فعندنا عدد كبير من المناطق علي البحر المتوسط، وفي شمال الدلتا – بورسعيد والعريش والإسكندرية ورأس البر ورشيد – والتي ستتأثر من جراء ارتفاع سطح البحر.

من ناحية أخري، فعندنا دراسات في مصر تشير إلي أن الأرض في منطقة الإسكندرية تهبط حاليا بمعدل ملليمتر أو 2 ملليمتر كل عشر سنوات، أي أن المشكلة عندنا مضاعفة، فالأرض تنخفض ومستوي البحر سيرتفع، مما سيزيد من حجم المأساة.

من المهم بالنسبة لنا أيضا ما أورده التقرير بأن المياه الواردة إلي الأنهار من الأمطار سوف تتناقص، ولذلك فيجب أن نتساءل: ماذا سيحدث للنيل? ومع الأسف، فليس لدينا حتي الآن في مصر، أو في أي دولة من دول حوض وادي النيل، نموذج رياضي يوضح ماذا سيحدث للنيل.

هناك تسعة نماذج رياضية تستخدم، ولكنها تأتي من الخارج. ثمانية من هذه النماذج تتوقع أن تقل واردات النيل من مياه الأمطار نتيجة لتغير المناخ بمقدار 70%، وهناك نموذج واحد فقط يتوقع العكس، أن المياه الواردة إلي النيل سوف تزيد بمقدار 30%.

فنحن بالتالي في وضع لا نحسد عليه، حيث لا نستطيع أن نتوقع ما الذي سيحدث. فلو نقصت مياه النيل بمقدار 70%، فهذا معناه أن خطط التنمية في مصر يجب أن تتغير بالكامل.

الزراعة في مصر تستهلك نحو 80% من مواردنا المائية. فلو نقصت مياه النيل بنحو 70%، فلا يمكن أن نعتمد علي الزراعة، بل يجب أن نعيد صياغة أولوياتنا التنموية، ونتوجه إلي إنشاء صناعات، وبالتحديد صناعات لا تستهلك الكثير من المياه، مثل الصناعات الإلكترونية التي تستهلك عشر مقدار المياه التي تستهلكها صناعات أخري. كما يجب أن نبتعد عن صناعات الحديد والصلب والأسمنت، لأنها تستهلك كميات كبيرة من المياه. ولن نستطيع أن ننتج ما نحتاج إليه من غذاء، لأننا سنضطر إلي تقليل المساحات المزروعة، أو قد نتجه إلي إنتاج زراعات معينة للتصدير من أجل تمويل شراء احتياجاتنا الغذائية من الخارج.

من ناحية أخري، إذا كان المتوقع هو حدوث 30% زيادة في مياه النيل، فنحن بصدد حدوث فيضانات، وذلك سيؤثر بشكل ما علي السد العالي، وقد يؤدي إلي إغراق مناطق في مصر.

إن التغير المناخي سيؤثر علينا في مصر بشكل أو بآخر. وفي كل الحالات، سيتطلب ذلك إعادة ترتيب خططنا الاقتصادية والتنموية. ولن نستطيع أن نحسم قضية تأثير تغير المناخ علي مياه نهر النيل بدون وجود بيانات مستفيضة يمكن علي أساسها التنبؤ بما سيحدث. ومصر في حاجة إلي تعاون دول حوض النيل من أجل إمدادنا بالمعلومات والبيانات اللازمة لبناء هذا النموذج الرياضي.

وتتضمن هذه المعلومات عدد السكان في كل الدول الواقعة علي نهر النيل، ومعدل نموهم، ومساحة الأراضي المزروعة علي نهر النيل، ومعدل نموها، ومساحة الأراضي المزروعة عن طريق الري، ومساحة المناطق التي تسقط فيها الأمطار، وتلك التي لا تتعرض للأمطار.

كما أن بناء النموذج يعتمد علي توافر معلومات عن تصور هذه الدول لتطورها في الأعوام الثلاثين المقبلة، وما هي خططها للتوسع العمراني والزراعي، وما هي توقعاتها بالنسبة لارتفاع مستوي الدخل والاحتياجات المائية لسكانها.

هناك مؤشرات اقتصادية عن الوضع الحالي موجودة لدي البنك الدولي، لكننا بحاجة إلي الخطط المستقبلية والتوقعات من أجل بناء هذا النموذج الرياضي. وكثير من دول حوض النيل لديها أساتذة ومتخصصون علي أعلي مستوي، وإمكانيات علمية محترمة. وقد لمست ذلك بنفسي خلال عملي وإقامتي في دول مثل أوغندا وكينيا وغيرهما. وهناك علماء من هذه البلاد علي أعلي مستوي من الكفاءة يعملون في منظمة الأرصاد الدولية.

وقد أثرت هذه القضية مع د. محمود أبو زيد وزير الموارد المائية في مصر، لأنها يجب أن تدرج ضمن القضايا التي تناقش في إطار اتفاقية مياه النيل. إن التوصل إلي نموذج رياضي يمكننا من توقع أثر التغيرات المناخية شئ حيوي، لكي نتمكن من التخطيط لمستقبل مصر.

فقبل أن نتبني أي مشاريع مستقبلية، يجب أن ندرس كم سيزداد عدد سكان مصر؟ وما العدد الذي سيضطر إلي الهجرة من أماكن معيشته الأصلية نتيجة لارتفاع سطح البحر؟

من المنتظر بحلول عام 2030 أو 2035 أن يضاف إلي السبعين مليون مصري – التعداد الحالي لسكان مصر – سبعون مليونا آخرون. فلو نظرنا إلي بعض المشاريع المقترحة، مثل مشروع ممر التنمية الذي طرحه د. فاروق الباز، فسنجد أنه لن يستوعب أكثر من 5 أو 6 ملايين، فأين سيذهب باقي السبعين مليونا?

من الممكن أن يستوعب الساحل الشمالي 25 أو 30 مليونا، لكنه مهدد بفعل تأثيرات تغير المناخ. إذن، يجب أن نخطط لكي تبتعد كل المشاريع الجديدة في هذه المنطقة بمسافة 7 أو 8 كيلومترات عن شاطئ البحر، كي لا تكون مهددة.

ويجب أن نخطط لحماية استثماراتنا الضخمة، خاصة الصناعية، ونحدد إلي أين سننقلها كي تكون بعيدة عن ساحل البحر وغير مهددة.

أنا أري أنه ليس هناك وعي كاف بهذه القضية علي المستوي الحكومي أو المستوي الشعبي في مصر. وهناك، مع الأسف، نوع من الخوف من مواجهة الحقائق، خاصة الحقائق الصعبة، مثل احتمال أن تغرق مثلا ثلث الدلتا.

ويجب أن ندرك أنه ليس هناك شك من الناحية العلمية في أن هناك تغيرا في المناخ، وأن ذلك سوف تكون له تأثيرات واضحة علينا. فاللجنة الحكومية المعنية بتغير المناخ فيها 500 عضو، علماء من جميع أنحاء العالم، واللجان الفرعية فيها ما لا يقل عن 200 عالم، وكلهم متفقون علي أن هناك ارتفاعا في درجة حرارة الأرض، وأن ذلك سوف تنتج عنه آثار واضحة. وقد أكدت تقارير هذه اللجنة أنه ليست هناك وسيلة لإيقاف تغير المناخ الذي سيحدث خلال الأعوام العشرين المقبلة، حتي لو توقف العالم اليوم عن إنتاج غازات الدفيئة، وهو لن يتوقف. فالغازات التي تسبب الاحتباس الحراري يمتد عمرها وتأثيرها لما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين سنة، قبل أن تختفي. ولكي يصل العالم لمجرد تثبيت تركيز هذه الغازات في الجو، فيجب أن تخفض الدول الصناعية من 60 إلي 80% من إجمالي هذه الانبعاثات، حتي نستطيع فقط أن نوقف معدل ارتفاع درجة حرارة الأرض.

لقد أحدثت هذه التقارير ردود فعل قوية عند العلماء والشعوب. فالعلم يشير إلي أن هناك من سيموتون من الحر، ومن سيموتون من الجوع، ومن سيتعرضون للغرق نتيجة للفيضانات أو التشريد.

هناك بالفعل عدد قليل جدا من العلماء يخالفون هذه النتائج، ويقولون – علي العكس – نحن علي أبواب عصر جليدي، ولن يحدث ارتفاع في درجات الحرارة. لكن هؤلاء نسبتهم لا تتعدي 1 أو 2%، ومن غير المعقول أن نتجاهل إجماع هذا العدد الكبير من العلماء، ونشكك فيه علي أساس افتراضات هذه النسبة الصغيرة.

ولو انتظرنا حتي تتحول استنتاجات وتوقعات العلماء إلي حقائق، فسوف يكون الوضع أسوأ بكثير، والمشكلة أصعب في العلاج. فعند تحقق ما يتوقعه العلماء من ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين أو ثلاث، فإن ذلك سوف يترتب عليه آثار كبيرة. إن زيادة معدل الأمطار في بعض مناطق العالم تزيد من نسبة بخار الماء في الجو، وبخار الماء نفسه أحد الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي فزيادته ستؤدي إلي ارتفاع جديد لدرجات الحرارة.

ومن الممكن أن ترتفع نسبة غازات الدفيئة في الجو بأكثر مما هو محدد في النماذج الرياضية المستخدمة لتوقع ما سيحدث في المستقبل. هناك من يقول، ولكن ليس هذا مؤكدا، إن درجات الحرارة سترتفع بمقدار 5 أو 6 درجات، وليس درجتين أو ثلاثا، بنهاية القرن. ولو حدث هذا، فنحن نتحدث عن ظروف مناخية مختلفة تماما عن العالم الذي نعيشه اليوم.

من ناحية أخري، فإن ذوبان الجليد في المناطق القطبية يؤدي إلي انبعاث غاز الميثان، وهو من أكثر الغازات قدرة علي رفع درجة حرارة الجو. وهناك توقعات معينة عن كمية الغازات التي ستخرج إلي الجو، لكن لو زاد معدل ذوبان الجليد عما هو متوقع – حسب النماذج الرياضية – وهذا وارد، فإن سطح البحر سيرتفع بمقدار 5 أو 6 أمتار.

في هذه الحالة، عندنا في مصر – مثلا – فإن الدلتا كلها ستغرق، بل وقد يمتد ارتفاع البحر إلي القاهرة، فيجب أن يكون لدي الحكومة المصرية إدراك حقيقي بأهمية هذا الموضوع، وجدية في تناول الآثار المترتبة علي تغير المناخ، ووضع الخطط للتعامل معها. ويجب أن نشكل مجلسا أعلي أو لجنة وزارية لدراسة الموضوع بجدية كافية نظرا للأخطار التي قد تصيب مصر وسكانها.

فعلي سبيل المثال، في مجال الصحة، هناك احتمال أن تنتشر في مصر بعض الأمراض الموجودة في الجنوب، مثل الملاريا، بسبب ارتفاع درجة الحرارة. كما سيكون هناك تزايد في نسب تلوث الأغذية بالسلمونيلا. وسوف تتأثر فئات معينة، مثل الأطفال وكبار السن، بارتفاع درجات الحرارة، مما قد يؤدي إلي زيادة في معدلات وفياتهم، كما حدث بالفعل في فرنسا وسويسرا أثناء موجات الحر الأخيرة. من ناحية أخري، سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة علي المحاصيل التي تحتاج إلي درجات حرارة معتدلة، فيجب أن نفكر في تغيير التركيب المحصولي، وفي نقل المحاصيل المزروعة في جنوب الوادي إلي الشمال.

لكي نستطيع أن نواجه كل ذلك، فإننا نحتاج إلي 10 أو 15 سنة من الدراسة والتخطيط. ويجب تشكيل لجان فنية، تدرس كل منها موضوعا معينا لمدة سنتين أو ثلاث، ثم تنقل نتائجها إلي لجنة تخطط علي أساس هذه النتائج للسياسات الواجب اتباعها.

ليس هناك اهتمام كاف في مصر بدراسة هذه القضية باستثناء وحيد، وهو دراسة أجرتها جامعة الإسكندرية تحت إشراف د. محمد الراعي، حين كان عميدا لمعهد البحوث بالجامعة منذ أكثر من خمس سنوات. فقد درس د. الراعي وفريقه ماذا يمكن أن يحدث في الإسكندرية، وبورسعيد، والعريش عند ارتفاع مستوي البحر. وهذا هو البحث الوحيد من هذه المنطقة الذي استخدم في تقرير اللجنة الحكومية المعنية بشئون المناخ قبل الأخير. ولا يوجد بحث واحد في العالم العربي عن آثار تغير المناخ. هناك عجز شامل في تناول هذه القضية، حتي في مجال البحث العلمي.

وماذا عن الوعي علي المستوي الدولي ؟

هناك علي المستوي الدولي وعي كامل بالقضية منذ عام 1990، وقد انعكس ذلك في تشكيل لجنة توصلت إلي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تم توقيعها، مع اتفاقية التنوع البيولوجي، في قمة الأرض بريودي جانيرو عام 1992 . كما تأكد ذلك بتوقيع بروتوكول كيوتو الملحق بالاتفاقية الإطارية.

ويبدو أن الوعي بمشاكل البيئة ينتشر بشكل أكبر في الدول المتقدمة، حيث تحظي الشعوب بمستوي عال من التعليم، نظرا لوجود جمعيات أهلية نشطة جدا تدعم الاهتمام بقضايا البيئة، كما أن الإعلام يقوم بدور واضح في شرح قضايا البيئة للناس. ولذلك، فالمواطن في أوروبا والولايات المتحدة علي قدر كبير من المعرفة بقضايا البيئة وأثرها علي صحته وأسرته وعلي الاقتصاد.

العلامة الفارقة في الالتزام الدولي بمواجهة قضية تغير المناخ كان توقيع بروتوكول كيوتو، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005، والذي أعلنت فيه الدول الصناعية مسئوليتها عن خفض إنتاج الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، حيث إن إجمالي ما كانت الدول النامية تنتجه في عام 1990 من هذه الغازات لا يزيد علي 10% من الإنتاج العالمي. ولذلك، لم تلزم اتفاقية كيوتو الدول النامية بشئ، لكن الدول الصناعية التزمت بأن تنقص إنتاجها من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري.

لقد وقعت كل الدول الصناعية اتفاقية كيوتو، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكان ذلك أثناء ولاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ونائبه آل جور، ولكن إدارة جورج بوش الابن أعلنت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، ولا تزال خارجها. وهذا موقف لا مسئول تجاه العالم كله.

ويتعلق موقف الولايات المتحدة بالتكلفة الاقتصادية، حيث تضغط الشركات الكبري علي الرئيس بأن تكلفة تحويل التكنولوجيا من أجل تقليل انبعاث غازات الدفيئة ستكون عالية جدا. ومن الملاحظ أن هناك إسرافا في استخدام الطاقة في الولايات المتحدة. فدول أوروبا في الشمال البارد يستخدم فيها الفرد 7 آلاف كيلووات طاقة في السنة، بينما في الولايات المتحدة يستهلك الفرد 13 ألف كيلووات طاقة في السنة.

من ناحية أخري، تثار اليوم قضية استهلاك الصين والهند للطاقة، حيث من المتوقع أن تنتج الدولتان بحلول عام 2020 غازات مسببة للاحتباس الحراري أكثر مما تنتجه الولايات المتحدة. ولكن هناك خلافا بشأن هذه النقطة، لأن تعداد الهند والصين أكثر من مليارين ونصف مليار فرد. فلو قسمت عليهم الغازات المنبعثة من البلدين، لكان نصيب الفرد نحو 1/01 أو 1/02 من نصيب الفرد في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومشكلة الصين، التي تسعي للنمو السريع في إنتاجها الصناعي، أنها تستهلك الطاقة بنسبة عالية، خاصة الفحم الذي يفرز أضعافا مضاعفة من ثاني أكسيد الكربون من تلك التي تنتج عن احتراق البترول أو الغاز. وهناك نقاش في الغرب حول كيفية استخدام الفحم بطريقة تقلل من انبعاث هذه الغازات، خاصة في ظل ارتفاع أسعار البترول والخوف من نضوبه.

والدرس المستفاد من النجاحات السابقة في التوصل إلي اتفاقيات في مجال البيئة هو ضرورة عقد اجتماعات غير رسمية بين وفود دول العالم المتقدم والعالم النامي. فيجب أن يجلس رؤساء الوفود معا في حجرات مغلقة للتعبير عن آرائهم، وسماع آراء الآخرين في جو ليس فيه التزام رسمي. وعن طريق النقاش، يمكن التوصل إلي نصوص توافقية.

وما هو موقع الطاقات البديلة في هذا الإطار؟

تشير التقارير إلي أنه بحلول عام 2040 أو 2050، سيتم تلبية 33% من احتياجات العالم من الطاقة عن طريق استغلال طاقة الرياح. أما عن الطاقة الشمسية، فالملاحظ أن شركات البترول العملاقة هي التي تضع استثمارات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية، وهي التي أنتجت الخلية التي تحول الشمس إلي كهرباء، وهي موجودة وتستخدم في مصر، وكفاءتها غير محدودة، لكن سعرها عال جدا.

ولدي من المعلومات ما يشير إلي أن هذه الشركات هي التي تقف وراء عدم إنتاج هذه الخلية الضوئية علي نطاق واسع، وبالتالي انخفاض سعرها، وذلك لأن الشركات السبع الكبري لم تتفق حتي الآن فيما بينها علي تقسيم النفوذ في ‘حزام الشمس’، أي المناطق التي تتوافر بها الشمس بشكل متواصل خلال العام، وهو بالمناسبة نفس ‘حزام البترول’ بفنزويلا، والمكسيك، وشمال إفريقيا، ومنطقة الخليج.

وأنا أناشد الدول العربية منذ عشرين عاما أن تستثمر جزءا من عائدات البترول لإنشاء معهد مركزي للبحوث في العالم العربي، يبحث في كيفية الاستفادة من الطاقة الشمسية، ليس فقط لإنتاج الكهرباء، ولكن أيضا لتحلية مياه البحار، عن طريق تطوير الأغشية المطلوبة، واستخدام الطاقة الشمسية في ضغط المياه خلالها.

بذلك، نكون قد عرفنا كيف نستغل مواردنا المتاحة لتوفير احتياجاتنا دون الاعتماد علي الغير. ومهما تكن السيناريوهات المستقبلية، فإن المنطقة ستحتاج – بدون شك – إلي موارد مائية جديدة. فخط الفقر المائي يحدد باستهلاك الفرد لألف متر مكعب من المياه في السنة، والفرد في مصر – علي سبيل المثال – نصيبه 800 متر مكعب من المياه في السنة. إن مصر تحت خط الفقر المائي، بينما تعدادنا 70 مليونا. وعندما يصل تعداد المصريين إلي 130 أو 140 مليونا – حتي إذا لم تتناقص مواردنا المائية – فسيصبح استهلاك الفرد 400 متر مكعب. إذن، لا حل إلا بتحلية مياه البحر. وهناك مشروع لدراسة ذلك في عمان، ومشروع آخر في الأردن، ولكن هناك حاجة لتدعيم هذه الجهود وتطويرها، وينطبق ذلك علي التعاون في مجالات كثيرة أخري.

العالم كله مدرك اليوم لخطورة الآثار المترتبة علي تغير المناخ. ولأول مرة، تعرض قضية بيئية علي مجلس الأمن علي أساس أن تغير المناخ سوف يؤثر علي أمن وسلامة العالم كله. ومن مصلحة الدول الصناعية التصدي لهذه القضية، لأن التغير المناخي سوف يؤدي إلي هجرة أعداد كبيرة من المناطق التي تتعرض للجفاف إلي دول الشمال الصناعية، وهذه الدول خائفة من المشاكل التي ستحدث في مجتمعاتها نتيجة لهجرة هذه الأعداد الكبيرة، ولذلك فهي تضغط لتعديل بنود اتفاقية كيوتو للوصول إلي مستوي أقل من انبعاثات غازات الدفيئة. ومع الأسف، فرغم أننا ننتج نسبة ضئيلة جدا من غازات الدفيئة، إلا أننا سوف نتأثر بشكل كبير بالتغير المناخي الذي تسبب فيه.

السياسة الدولية

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!