مساهمة خبراء مغاربة في تقرير التقييم الخامس للهيئة
الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
نظمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بالتعاون مع مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، مؤخرا ، بالعاصمة الرباط ورشة تحسيسية بشأن نتائج التقرير الخامس لفريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC ) (الفريق العامل (WG ) الأول والثاني و الثالث و التقرير التجميعي ).
واستهدفت أشغال الورشة صانعي القرار على الصعيد الوطني والاقليمي بالبلدان الإفريقية الفرانكوفونية و المنظمات الدولية والحكومية الدولية , وخبراء علم المناخ وإدارة مخاطر الكوارث و قادة المؤسسات والمنظمات و المجتمع المدني و الباحثين والعلماء المحليين. ووسائل الإعلام الوطنية والإقليمية والدولية.
و يركز تقرير التقييم الخامس ( AR5 ) أكثر على تقييم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ ومضاعفاته على التنمية المستدامة، وكذلك التأثرات الإقليمية، وإدارة المخاطر، وتأطير الاستجابة من خلال التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره.
وسعت الورشة إلى عرض مضمون هذا التقرير والذي يتضمن آلاف الصفحات وتسهيل فهمه. وقدم التقرير مختلف المستجدات في ما يتعلق بالمنهجية ونتائج تغيرات المناخ وآثارها . كما يجدد التأكيد على أن ارتفاع نسبة تركز الغازات يمكن أن يساهم في تغيرات كبرى على مستوى درجات الحرارة، ومستوى ارتفاع البحار و ذوبان الجليد.
ويرنو هذا الملتقى إلى رفع مستوى وعي ذوو القرار حول نتائج تقرير (AR5) ، مع التركيز على التأثير الحالي والمستقبلي على المغرب وإفريقيا وكذلك الحلول الممكنة لمواجهة تحديات تغير المناخ . كما ينشد الملتقى ضمان مشاركة الباحثين والعلماء المحليين في مجال أبحاث المناخ وتعزيز فهم وسائل الاعلام لعلم المناخ وسيناريوهات التغيرات المناخية وعملية إعداد التقارير (IPCC) المرتبطة بالمناخ .
وخلص تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى الكشف عن تأثير الأنشطة البشرية في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي الذي يؤدي إلى تغيرات في الدورة العامة للمياه ، وتراجع كثافة الثلوج والجليد ، وارتفاع متوسط مستوى سطح البحر ، وتغير بعض الظواهر المناخية المتطرفة. وتأكد بأكثر يقين الآن أن الأنشطة البشرية هي السبب الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة التي لوحظت منذ منتصف القرن العشرين.
وأورد التقرير،على مستوى الإسقاطات المناخية، أن انبعاثات غازات الدفيئة الجديدة سوف تؤدي إلى تغيرات مناخية أكثر . وفي نهاية هذا القرن، ستكون الزيادة في درجة الحرارة على سطح الأرض ربما تكون أكثر من 1.5 درجة مئوية مقارنة مع متوسط الفترة 1850-1900. كما أن التغيرات في الدورة العامة للمياه لن تكون موحدة على الصعيد العالمي . ذلك أن التباين في كمية الأمطار سيزداد ما بين المناطق الرطبة والجافة وبين المناطق الرطبة الموسمية والجافة الموسمية . كذلك سيزداد المحيط احترارا مع استيعاب الحرارة على السطح وولوجها لأعماق المحيطات. وسوف يستمر ، بإيقاع أكثر ، ارتفاع متوسط مستوى سطح البحار في العالم .
وتناولت الجلسة الاولى للورشة التي تتمحور حول الجانب العلمي للتغيرات المناخية بمشاركة أربعة باحثين ، من بينهم اثنان من المؤلفين مغاربة لتقرير IPCC، السيد محمد مقسط مدير عام الارصاد الجوية بالمغرب والدكتورة فاطمة الدريوش رئيسة قسم الابحاث للتغيرات المناخية بنفس المديرية . وخلال هذه الجلسة استعرضت فاطمة الدريوش تطور المناخ على المدى القصير (الإسقاطات والتنبؤ) في حين تناول السيد محمد مقسط جانب تطور المناخ على المدى الطويل.
الهشاشة والآثار والتكيف مع تغير المناخ شكل محور الجلسة الموالية التي نشطها أربع باحثين اثنان من المؤلفين مغاربة حيث استعرضا الفصول التي ساهما بهما في التقرير . وقدم الدكتور كريم حلمي من المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري فصل من التقرير حول المحيطات ، في حين قدم البروفسور عبد اللطيف الخطابي تفاصيل فصل الخامس من التقرير والذي يهم السواحل والاراضي المنخفضة.
وأبرز البروفسور الخطابي النتائج الرئيسية لهذا الفصل حيث أشار إلى أن المناطق الساحلية تتأثر بصفة أساسية بثلاث عوامل رئيسية تتعلق بتغير المناخ من قبيل ارتفاع مستوى البحر ودرجة حرارة وحموضة مياه بحار المحيطات. وقال إن العوامل البشرية المتعلقة بتغير المناخ توزع على نطاق واسع وتشكل عنصرا هاما من الآثار المتراكمة التي تعاني منها النظم الإيكولوجية الساحلية .
وعلى مستوى التوقعات المستقبلية أكد الخطابي أنه نظرا لارتفاع مستويات البحار المتوقعة،خلال جل فترة القرن الحادي والعشرين وما بعده ، فإن النظم الساحلية والمناطق المنخفضة ستتعرض على نحو متزايد لآثار سلبية من قبيل الفيضانات وتآكل السواحل. فضلا عن توقع تعرض الناس والممتلكات إلى المخاطر الساحلية والضغوطات البشرية على النظم الإيكولوجية الساحلية .ومن المتوقع أن تزيد بشكل كبير خلال العقود الزمنية المقبلة.
ويستمر تحمض وارتفاع درجة حرارة المياه الساحلية ، يضيف الخطابي ، مع نتائج سلبية مهمة على النظم الإيكولوجية الساحلية. كما أن ازدياد الحموضة سيتزايد أكثر في المناطق التي تعاني اصلا من زيادة التشبع الغذائي (Eutrophisation) . كما أن تحمّض مياه المحيط ياتي نتيجة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في مياه البحر ويؤدي إلى إرتفاع ملحوظ في نسبة الحموضة (أي إنخفاض في pH)، مما قد يؤدي إلى إنخفاض نسبة التكليس لدى كائنات التكليس مثل المرجان والمحار والطحالب والقشريات. ذلك أن ارتفاع درجات الحرارة والحموضة يؤديان إلى تغير لون المرجان مع موت وتراجع القدرة على إعادة التكوين ، و يجعل الشعاب المرجانية في النظام البيئي البحري أكثر ضعفا مع إمكانية أقل للتكيف. كما أن النباتات البحرية والنظم الإيكولوجية للطحالب تنخفض مع زيادة تواتر موجات الحرارة ودرجات الحرارة القصوى من البحر.
وأشار البروفسور الخطابي أن التكاليف النسبية لتكيف المناطق الساحلية مع تغير المناخ في القرن الحادي والعشرين تختلف اختلافا كبيرا بين المناطق والبلدان وداخل الدول. مؤكدا أن تحليل وتنفيذ التكيف مع تغير المناخ الساحلي زاد بشكل ملحوظ في البلدان المتقدمة أكثر من الدول النامية. ثم أن المناطق الساحلية والمناطق المنخفضة ، في المستقبل، سوف تستشعر الآثار السلبية على نحو متزايد من قبيل غمر الاراضي والفيضانات الساحلية وتآكل السواحل بفعل ارتفاع عام لمستوى سطح البحر. وتواجه بعض البلدان والجزر النامية تأثيرات كبيرة مع تكاليف الأضرار والتكيف النسبي المهم (نسبة الدخل الداخلي الخام) .
وتتالت ، خلال جلسة حول التخفيف من الانبعاثات الناتجة عن الانشطة البشرية ، يهدف إلى الحد من التأثير البشري، مداخلات أربع خبراء استعرض من خلالها الدكتور محمد مسولي، مؤلف رئيسي للتقرير، محور التعاون الدولي والإقليمي لتغير المناخ . وتناول المتحدثون الآخرون مجالي الغابات والزراعة والطاقة المتجددة .
وخصص اليوم الثاني من الملتقى لجلستين تدارس من خلالهما الخبراء المشاركون الحوار والتواصل بين الباحثين وذوو القرار السياسي وكذا تعزيز قدرات المجتمع المحلي للعلم والبحث.
يذكر أن الملتقى عرف مشاركة العديد من الباحثين والخبراء من دول إفريقية فرانكفونية. ويشار أن مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطور المناخ تعتبر هيئة مكلفة بدراسة مسألة المناخ خاصة ما يتعلق بقياس التأثيرات والقيام بالملاءمة واقتراح مناهج كفيلة بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن التغيرات المناخية. وعهد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بإعداد تقرير التقييم الخامس الذي يتضمن ثلاث مساهمات بشأن الأساس العلمي الفيزيائي والتأثيرات والتكيف وسرعة التأثر والتخفيف من آثار تغير المناخ أعدّتها الأفرقة العاملة الثلاثة التابعة للهيئة (IPCC)، بالإضافة إلى تقرير تجميعي .
ما هي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)؟
تأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عام 1988 لتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات الاستجابة لهذا التغير.
وقد قامت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منذ إنشائها بإعداد أربع تقارير للتقييم متعددة المجلدات.
وحصلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على جائزة نوبل للسلام لعام 2007، بالاشتراك مع السيد آل غور، نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق تقديرا لعملهما في مجال تغير المناخ.
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) مؤسسة دولية رائدة تعنى بتقييم تغير المناخ. وأُنشئت الهيئة الدولية مشاركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) و المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) لتقديم آراء علمية واضحة للعالم بشأن الحالة الراهنة للمعارف في مجال تغير المناخ، والآثار البيئية والاجتماعية – الاقتصادية المحتمل أن تترتب عليه.
واشتركت كل من المنظمة العالمية للأرصاد العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. (IPCC) وهي هيئة علمية تقوم باستعراض وتقييم أحدث المعلومات العلمية والفنية والاجتماعية – الاقتصادية المتوافرة في كافة أنحاء العالم ذات الصلة بفهم تغير المناخ.
كما أنهاهيئة حكومية دولية مفتوحة أمام جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وقد بلغ عدد الدول الأعضاء في الهيئة حاليا 195 دولة. وتجتمع الهيئة كل عام مرة واحدة على الأقل في جلسات عامة على مستوى ممثلي الحكومات حيث تتخذ القرارات الرئيسية بشأن برنامج عمل الهيئة، ويُنتخب أعضاء مكتبها، بمن فيهم الرئيس. وتشارك الحكومات أيضاً في تحديد نطاق التقارير وترشيح المؤلفين وفي عملية الاستعراض وقبول وإقرار واعتماد التقارير في جلسات عامة. وتمثّل فرصة فريدة لتوفير معلومات عملية دقيقة ومتوازنة لصنعي القرار. وبتأييد تقارير الهيئة الحكومية الدولية (IPCC)، تعترف الحكومات بمرجعية المحتوى العلمي لهذه التقارير، وبالتالي فإن عمل المنظمة يظل على صلة بالسياسات العامة ومحايدا سياسيا.
كيف تعمل الهيئة الحكومية الدولية (IPCC) ؟
يسهم آلاف العلميين من جميع أنحاء العالم في عمل الهيئة بشكل منتظم بوصفهم مؤلفين ومساهمين ومراجعين، ولا يتقاضى أي واحد منهم مقابلا من الهيئة.
تتخذ الهيئة قرارات رئيسية في الجلسات العامة على مستوى ممثلي الحكومات، وتضطلع أمانة مركزية للهيئة الحكومية الدولية بتقديم الدعم لعمل الهيئة.
ويوجد في الهيئة الحكومية الدولية حاليا ثلاثة أفرقة عاملة وفرقة عمل، ويساعد الأفرقة العاملة وفرقة العمل وحدات للدعم الفني (TSUs) الفني التي تستضيفها حكومة الدولة المتقدمة وتقدم لها الدعم المالي بصفتها الرئيس المشارك للفريق العامل/فرقة العمل. وأنشئت وحدة دعم فني لدعم العمل في التقرير التجميعي.
ويتعامل الفريق العامل الأول مع الأساس العلمي الفيزيائي لتغير المناخ، فيما يتعامل الفريق العامل الثاني مع آثار تغير المناخ، والتكيف معه والتأثر به، و الفريق العامل الثالث مع التخفيف من آثار تغير المناخ. وتجتمع الأفرقة العاملة في جلسات عامة على مستوى ممثلي لحكومات. ويتمثل الهدف الرئيسي لفرقة العمل المعنية بالعمليات الوطنية لحصر غازات الاحتباس الحراري في وضع وتنقيح منهجية للتوزيع وإعداد التقارير بشأن الانبعاثات الوطنية لغازات الدفيئة وإزالتها.
إلى جانب الأفرقة العاملة وفرقة العمل، يمكن إنشاء أفرقة عمل وفرق توجيهية أخرى لمدة محدودة أو لمدة أطول لبحث مسألة أو موضوع محدد. ولعل أحد الأمثلة لذلك هو فرقة العمل المعنية بالبيانات ودعم السيناريوهات وتحليل المناخ وتأثيراته (TGICA).