دليل عملي للسيارات المقتصدة بالوقود في الأسواق العربية
تستهلك سيارات الشركات كميات كبيرة من الوقود، وتطلق ملوثات وانبعاثات مسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ. ولكن بات من الصعب أو من المستحيل العمل من دونها. وكل يوم تتجول على الطرقات في المنطقة العربية ملايين السيارات التابعة للشركات. لذا، في وسع كل شركة المساهمة في حماية البيئة من خلال «تخضير» أسطولها، سواء كان يضم 1000 سيارة أو سيارة واحدة.
فكيف يمكن تخفيض استهلاك الوقود والانبعاثات في سيارات الشركة من دون التأثير سلباً على أدائها؟ وكيف توضع معايير لاختيار سيارات الشركة المملوكة أو المستأجرة؟ هنا معلومات وتدابير مفيدة من «دليل كفاءة الطاقة» وهو يصدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية، كأحد نشاطات «المبادرة العربية للاقتصاد الأخضر» التي ينفذها.
يمكن تحقيق مكاسب مجدية من كفاءة الطاقة في سيارات الشركات. فتشغيل «أسطول أنظف» لا يعني فقط زيادة عدد السيارات الهجينة (هايبريد) أو المسيَّرة بوقود بديل، إذ إن الإدارة الجيدة تتضمن المثابرة على قياس انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري وتخفيضها. وثمّة العديد من الاستراتيجيات المنخفضة الكلفة أو العديمة الكلفة للحدّ من استهلاك الوقود وتخفيض الانبعاثات. منها اقتناء سيارات أصغر حجماً وأخف وزناً، وتقليل فترات تشغيل المحرك خلال التوقف، وتقصير المسافات التي يتمّ اجتيازها بحسن اختيار الطرق، وتخفيف الحمولة.
وللحصول على أكبر مقدار ممكن من التخفيضات، ينبغي النظر أولاً إلى السيارات التي تشكل أكبر جزء من أسطول الشركة. فتحسين كفاءة مئة سيارة بنسبة 3 في المئة هو، في العادة، أبعد أثراً من تحسين كفاءة ثلاث سيارات 100 في المئة.
في ما يأتي معلومات يتوجب جمعها تمهيداً لوضع استراتيجية كفاءة سيارات الشركة:
ـ ما هي المهمات الأساسية التي تؤديها السيارات؟ مثلاً: تسليم البضائع، نقل موظفي المبيعات، تخزين المعدّات للتقنيين.
ـ ما عدد السيارات التي تستخدمها الشركة، وما هي أنواعها؟
ـ ما معدّل المسافات التي تُقطع في كل مهمّة؟
ـ هل تتوافر سيّارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود يمكن أن تقوم بالمهمّة؟
ـ ما هي العمليات المعتمدة لمراقبة استهلاك الوقود؟
ـ ما هي الجهود التي بُذلت لتثقيف السائقين بشأن كفاءة الوقود؟
ـ هل يتم حساب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من أسطول السيارات، سنويّاً على الأقلّ؟
ـ هل تعتمد الشركة برنامجاً بيئياً لسياراتها؟ ما هي أهدافه؟
ـ هل تدير الشركة سياراتها بنفسها أم تتعامل مع شركة مختصة بإدارة السيارات؟
تحسين اختيار السيارات
أهم قرار بيئي يتعلّق بأسطول الشركة هو: أي السيارات ينبغي اقتناؤها؟ إن تغييرات طفيفة في عملية اختيار السيارات يمكن أن تؤدي، مع مرور الوقت، إلى فوائد بيئية ومالية عظيمة. ويمكن اعتماد الاستراتيجيات الآتية لتحسين عملية الاختيار:
اختيار الحجم المناسب. يجب دراسة الاحتياجات التشغيلية لجميع السيارات والاستغناء عن السيارات الزائدة. تُقارَن متطلبات المهمّات مع فئات السيارات وأحجامها المناسبة. ويؤخذ في الاعتبار أن بعض المواصفات الخاصة، مثل سيارات الدفع الرباعي أو المحركات ذات الست أسطوانات أو الثماني اسطوانات، يمكن أن تزيد التكاليف والانبعاثات.
اختيار السيارات الأفضل في فئتها. يُنصح باقتناء السيارات الأعلى كفاءة في استهلاك الوقود ضمن فئتها، والتي تستوفي حدود السعر الذي وضعته الدائرة واحتياجاتها الأدائية.
تقييم تكاليف دورة الحياة. يتم اختيار السيارات بناء على حساب التكاليف طوال حياة السيارة، بما في ذلك الشراء والضرائب واستهلاك الوقود وفقدان القيمة وإعادة البيع.
تقديم حوافز. يمكن تقديم عروض مغرية للموظفين، مثل التحسينات الداخلية وفتحات السقف وأجهزة الاستدلال على المواقع بواسطة الأقمار الاصطناعية، كحوافز لاختيار سيارات أجدى اقتصادياً وأكفأ من حيث استهلاك الوقود.
تحسين استخدام السيارة
تؤثر طريقة قيادة السيارة وصيانتها على نفقات التشغيل وعلى درجة الاقتصاد في استهلاك الوقود وعلى انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ويمكن في هذا الصدد اتخاذ بضعة تدابير ينجم عنها توفير كبير، أهمها:
تثقيف السائقين. من المفيد جداً تعليم السائقين كيف يكونون أكثر كفاءة على الطرق وكيف يقودون مسافات أقلّ. فالتهوّر في القيادة، مثل السرعة المُفرطة مقرونة بالإسراع أو الإبطاء المفاجئ، قد يزيد استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 40 في المئة. ومن الممارسات غير الكفوءة أيضاً دوران المحرّك أثناء التوقف، إذ إن كل عشر ثوانٍ من هذا الوضع تستهلك من الوقود أكثر ممّا تستهلكه إعادة تشغيل المحرّك.
تحسين الصيانة. إذا أردنا أن يكون أداء السيارة على أفضل وجه، وأنّ تظلّ محتفظة بأفضل قيمة عند إعادة بيعها، يجب صيانتها بشكل جيّد. أما إذا تُركت في وضع سيّئ، فقد يؤثّر ذلك سلباً على استهلاكها للوقود وعلى نفقات تشغيلها. وممّا يحسّن مستوى كفاءة استهلاك الوقود تغيير الزيت بشكل دوري، ونفخ الإطارات بالضغط الملائم، بالإضافة إلى إجراءات أخرى للصيانة الوقائية.
التحضير قبل الانطلاق. هناك عدة طرق تساعدك على تخفيض استهلاك الوقود حتى قبل ركوب السيارة، منها:
التخطيط ثم التخطيط: أفضل طريقة لتخفيض استهلاك الوقود هي تقصير المسافة التي تقطعها على الطريق. فعند اختيار الطريق الأفضل ينخفض استهلاك الوقود وتقصر مدة القيادة. اسأل نفسك قبل الانطلاق: هل أعرف كيف أصل إلى المكان الذي أقصده؟ هل الطريق التي سأسلكها هي الأفضل والأنسب؟ هل يمكنني أداء مهمة أخرى على الطريق فأتجنب القيام برحلة خاصة من أجلها لاحقاً؟ هل أقوم بهذه الرحلة في وقت آخر حين تكون حركة المرور أخفّ ازدحاماً؟
التخلّص من الحمولة الزائدة: إن تحميل 100 كيلوغرام إضافية يمكن أن يخفض كفاءة استهلاك الوقود بنسبة 2 في المئة. لذا عليك، قبل الانطلاق في رحلتك المقبلة، النظر في صندوق السيارة وإزالة ما فيه من أغراض غير لازمة.
إزالة كل ما يتعارض مع الانسابية الهوائية: رفوف سطح السيارة وغيرها من الزوائد التي تعيق الانسيابية يمكن أن تنقص كفاءة استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 5 في المئة.
كفاءة استهلاك الوقود بحسب الفئة
نظراً لتشدّد القوانين في بلدان كثيرة بهدف الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في قطاع النقل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وتزايد الوعي بين المستهلكين، بدأت صناعة السيارات إنتاج محرّكات أكثر كفاءة. ولا يقتصر ذلك على المحرّكات الهجينة (هايبريد) أو الكهربائية، بل يشمل المحرّكات التقليدية التي شهدت تحسينات كبيرة وصلت في بعض الحالات إلى تخفيض الانبعاثات حتى 50 في المئة، مع المحافظة على مستوى القدرة نفسها. لكن النقلة الكبيرة التي يحتاج إليها هذا القطاع هي اعتماد نقل عام أنظف وحلول للتخطيط المدني وتصنيف المناطق تتيح الحد من استخدام السيارات.
غير أن الحاجة إلى وسائل النقل الشخصية ستظلّ قائمة، لذا ينبغي أخذ عدد من المبادئ بعين الاعتبار لتقرير الاختيار الصحيح. أولاً، يجب اختيار السيارة على ضوء الحاجة الفعلية المرتقَبة منها، والتي تحدد الفئة التي سيتم الاختيار من ضمنها. ثانياً، ثمّة خيارات عديدة داخل كل فئة، بناء على الاستهلاك والانبعاثات. وعلى المسؤولين عن إدارة سيارات الشركة، كما الأفراد، أن يطلبوا معلومات تفصيلية حول استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
هناك مواقع إلكترونية معروفة توفر معلومات يتم تحديثها دورياً حول المسافة التي تقطعها السيارات بكل ليتر من الوقود، وما يوازيها من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربـون. ومنها http://carfueldata.direct.gov.uk وhttp://www.nextgreencar.com.
يُلاحظ أن بعض الطرازات المبيعة في أسواق الشرق الأوسط، خصوصاً ذات الثماني أسطوانات، قد لا ترد في تلك المواقع الإلكترونية، لأنها مصنوعة خصّيصاً بمحرّكات أكبر ونسبة استهلاك أعلى تلبية للطلب العام في البلدان العربية التي لا تنظم قوانينها هذه المواصفات. كما أن كثيراً من السيارات الواردة في القوائم تكون متوافرة في أسواق أخرى بطرازات هجينة (هايبريد)، لكنها لا تباع في أسواق الشرق الأوسط بسبب غياب الأنظمة القانونية والحوافز التي تشجّع على اقتنائها. وتباع في المنطقة طرازات قليلة من السيارات الهجينة التي تضمها القوائم.
لا يعطي معظم تجّار السيارات في البلدان العربية معلومات حول الاقتصاد في استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، لا على مواقعهم الإلكترونية ولا في المنشورات الموزعة في الشرق الأوسط. وعلى المسؤولين عن سيارات الشركات، والمستهلكين عموماً، رفض شراء أي سيارة إذا لم يُزوَّدوا بهذه المعلومات حولها. كما ينبغي العمل في كل البلدان العربية على إقرار تشريعات تُلزم البائعين بتوفير بيانات استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لكل طراز يُباع. ويجب العمل بإعفاءات ضريبية لتشجيع استخدام السيارات الأقل استهلاكاً وانبعاثات، مع فرض ضرائب تتزايد مع ازدياد الاستهلاك والانبعاثات. وفي وسع الشركات والقطاع الحكومي والمستهلكين عموماً بدء السير في الاتجاه الصحيح، باعتماد حدّ أقصى لانبعاثات السيارات التي يشترونها من كل فئة.
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد تشرين الأول/أكتوبر 2012)