بوصلة المناخ تتحول إلى الجهات: الورشة الجهوية تضع أسس التكيف من طنجة

محمد التفراوتي21 يونيو 2025آخر تحديث :
بوصلة المناخ تتحول إلى الجهات: الورشة الجهوية تضع أسس التكيف من طنجة

آفاق بيئية – محمد التفراوتي

احتضن مقر مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، خلال يومي 19 و20 يونيو 2025، ورشة جهوية نظمتها جمعية جهات المغرب بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)، وبدعم من صندوق المناخ الأخضر، حول موضوع: “نحو جيل جديد من برامج التنمية الجهوية الحساسة للمناخ”.

جاء تنظيم هذه الورشة في إطار الدينامية الوطنية التي يشهدها المغرب لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة، خصوصا في ظل التغيرات الحادة التي تعرفها المنظومة البيئية، وتزايد حدة الظواهر القصوى، مثل الجفاف والفيضانات وندرة المياه. وقد أصبح من الضروري اليوم تعزيز قدرة الجهات على التكيف من خلال تخطيط تنموي يستند إلى مقاربات مرنة ومستجيبة للمناخ.

في هذا السياق، اعتمد المغرب خططا جهوية للتكيف والتنمية المناخية المرنة (PADCR) في عدد من الجهات النموذجية، بتمويل من صندوق المناخ الأخضر ومواكبة تقنية من شركاء دوليين. وتشكل هذه الورشة جزءا من جهود مواكبة هذه الخطط، وتعزيز تملك الجهات لأدوات التخطيط المناخي.

سعت الورشة إلى تقوية قدرات المنتخبين والأطر الجهوية والفاعلين المؤسساتيين في مجال التكيف المناخي، من خلال تقديم المعارف الأساسية المرتبطة بتغير المناخ، واستعراض تجارب ميدانية رائدة، وفتح نقاش عملي حول إدماج التغيرات المناخية في إعداد برامج التنمية الجهوية المستقبلية. كما هدفت الورشة إلى خلق فضاء للتبادل والتشاور بين الجهات، وتعزيز التنسيق مع الفاعلين المركزيين والمحليين، وتوجيه النقاش نحو مأسسة التكيف في السياسات الجهوية.

تميزت هذه الورشة براهنيتها في ظل ما تعرفه المملكة من تحولات مناخية واضحة، وتزايد الضغط على الموارد الطبيعية، مما يحتم المرور من مرحلة الوعي إلى مرحلة التفعيل. كما أن التوجه نحو جهوية مناخية فعلية يعد ضرورة استراتيجية لترجمة الالتزامات الدولية على أرض الواقع.
امتدت أشغال الورشة على مدى يومين، وشملت مجموعة من الجلسات العلمية والورشات التطبيقية التي هدفت إلى تعميق الفهم وبناء قدرات المشاركين في مجال التكيف المناخي.

تناولت الجلسة الأولى محاور حددت المفاهيم الأساسية حول تغير المناخ، حيث تم تقديم نظرة شاملة عن الظاهرة، من خلال عرض الوضع المناخي الراهن وتوقعات المستقبل، مع شرح للغازات الدفيئة ومصادرها، وأهم المؤشرات المعتمدة لرصد التغيرات المناخية. كما تم التطرق إلى الآثار والمخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة، واستعراض بعض الأحداث المناخية القصوى المسجلة في المغرب، وما خلفته من خسائر وأضرار. واختتمت الجلسة بإبراز أهمية التكيف كخيار استراتيجي لتحقيق تنمية مرنة ومستدامة.

أما الجلسة الثانية، فتناولت السياسة المناخية الوطنية من زاوية التكيف، حيث تم استعراض التزامات المغرب الدولية والوطنية في هذا المجال، إلى جانب الخطط والاستراتيجيات المعتمدة على المستويات الوطنية والجهوية والقطاعية. وتم التطرق إلى التقدم المسجل في بعض القطاعات، والآليات المعتمدة لتفعيل هذه السياسات من خلال التنسيق المؤسسي وتأمين الموارد المالية.

وفي الفترة المسائية، خصصت الجلسات لتبادل التجارب حول خطط التكيف والتنمية المناخية الصامدة (PADCR). تم تقديم عرض تعريفي حول طبيعة هذه الخطط والمنهجية المعتمدة في إعدادها، مع التركيز على الروابط الممكنة بينها وبين برامج التنمية الجهوية. كما تم عرض تجربتي جهة الشرق وجهة درعة-تافيلالت، مع استعراض الإنجازات والتحديات، وفتح باب النقاش لتبادل الرؤى بين المشاركين.

و خصص اليوم الثاني لورشات تطبيقية جماعية، تم خلالها تقسيم المشاركين إلى مجموعتين اشتغلت الأولى على حالة جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، بينما تناولت الثانية جهة فاس-مكناس كنموذج تطبيقي. وركزت الورشات على تشخيص المخاطر المناخية والهشاشة القطاعية، وتحديد الجهات الفاعلة والقطاعات المعنية، وتحليل المعطيات ذات الصلة. كما عمل المشاركون على اقتراح رؤية استراتيجية وأهداف عملية، وتحديد أولويات التدخل، مع التفكير في مؤشرات ملائمة لتتبع تنفيذ خطط التكيف.

التوصيات والخلاصات

أجمعت التدخلات التي عرفتها الورشة على أهمية مأسسة إدماج التغير المناخي في برامج التنمية الجهوية من خلال اعتماد مقاربات تكاملية ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة، كما تم التأكيد على ضرورة تطوير أدوات التشخيص الميداني لقياس المخاطر المناخية والهشاشة المجالية بشكل أدق، وكذا تمكين الجهات من الآليات التقنية والمالية التي تساعدها على تنزيل سياسات التكيف بشكل فعال وناجع. وشدد المشاركون على أهمية تعزيز التنسيق بين مختلف المستويات الترابية والقطاعات الحكومية لضمان تقاطع السياسات وتكاملها، مع تعبئة التمويلات المناخية وتوجيهها نحو الحاجيات الحقيقية للمجالات الترابية، واعتماد مؤشرات دقيقة وقابلة للقياس من أجل تتبع فعالية الإجراءات المتخذة وتقييم أثرها على المدى المتوسط والبعيد.

يشار أن الورشة شهدت مشاركة منتخبون جهويون، خصوصا أعضاء اللجان المكلفة بالتنمية المستدامة، والبيئة، والتخطيط، إضافة إلى أطر إدارية وتقنية من مختلف جهات المملكة، وممثلي المصالح اللاممركزة، خاصة المديريات الجهوية للبيئة والولايات، وعدد من الخبراء الوطنيين والدوليين في مجال المناخ.

ويذكر ان الورشة تعد خطوة عملية في مسار بناء قدرات الجهات، ووضع أسس حقيقية لتخطيط جهوي يأخذ بعين الاعتبار رهانات المناخ، ويعزز صمود الأقاليم المغربية أمام المخاطر المتزايدة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!