
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
نشر الاستاذ نجيب صعب مقالا مميزا بعنوان “سياسات المناخ الأمريكية قد تكون باهظة الثمن”، نشر في عدد China Daily الأسبوعي (13–19 يونيو 2025).
ووجه الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، ورئيس تحرير مجلة “البيئة والتنمية” بذلك نقدا لاذعا للسياسات البيئية والمناخية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية، ويعتبرها تدهورا أخلاقيا وبيئيا خطيرا قد يكلف الولايات المتحدة والعالم الكثير في المستقبل.
تحول الدولة إلى عقلية شركات جشعة:
و يشبه الاستاذ صعب الولايات المتحدة بشركة خاصة هدفها الربح السريع، حتى لو كان ذلك على حساب استنزاف الموارد الطبيعية واستغلال ضعف الدول الأخرى.
تراجع غير مسبوق في سياسات المناخ
و رغم أن الرئيس جورج بوش الابن لم يكن رائدا في قضايا البيئة، إلا أنه دعم البحث العلمي ومشاريع الطاقة النظيفة. أما اليوم، فالإدارة الحالية تقوم بـتسييس البحث العلمي. وقطع تمويل الأبحاث الجامعية في مجالات المناخ والطاقة المتجددة. و طرد وسجن الباحثين الذين يعارضون الخط العام. ثم إلغاء برامج تمويل الطاقة النظيفة بقيمة 8 مليارات دولار.
وتقوم بإجراءات مثيرة للجدل من قبيل السماح بالتعدين في أعماق البحار رغم آثاره البيئية وفي تجاهل صريح للقانون الدولي. وكذا إلغاء المعايير الفيدرالية لترشيد استخدام المياه في الأجهزة المنزلية. و وقف تتبع الخسائر الناجمة عن الكوارث المناخية من قبل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وينتج عن النتائج السلبية لهذه السياسات تسريع هجرة العقول. يضيف الاستاذ صعب. و فقدان القدرة التنافسية على المستوى العالمي في مجالات الطاقة النظيفة. و تغليب المصالح الآنية على حساب أجيال المستقبل وحقهم في بيئة صحية.
و يستشهد الكاتب صعب بصعود الصين في مجال الطاقة المتجددة الذي بدأ خلال فترة ضعف السياسة المناخية الأمريكية في عهد بوش الابن. و استثمرت الصين في المستقبل وحققت الريادة في الطاقة الشمسية، الرياح، والمركبات الكهربائية.
يرى نجيب صعب أن التراجع الأمريكي في العمل المناخي والبيئي لن يغيّر الواقع المناخي، بل سيزيد كلفة الإصلاح في المستقبل. وعلى الدول التي تحترم شعوبها وسيادتها أن تستثمر في القدرات الذاتية وتبني تحالفات لحماية مواردها الطبيعية. ويختتم بقوله: السياسات القائمة على التنمر والتدمير لا يمكن أن تدوم.
ما بين الربح السريع والمسؤولية المناخية: قراءة في رؤية نجيب صعب
يعكس مقال الأستاذ نجيب صعب قراءة نقدية عميقة للسياسات البيئية الأمريكية، ليس فقط من منظور بيئي، بل أيضا من زاوية أخلاقية وسيادية. فهو يسلط الضوء على التحول الخطير من إدارة مسؤولة إلى منطق “الربح بأي ثمن”، حيث تختزل الدولة في نموذج شركة جشعة تقوض القوانين الدولية وتهمش العلم وتفرغ المستقبل من أبسط حقوقه.
في جوهر تحليله، يربط صعب بين القرارات البيئية والهويات الوطنية والسيادة، مشددا على أن التراجع في التزامات المناخ لا ينعكس فقط على الداخل الأمريكي، بل يشكل تهديدا عالميا، خاصة في ظل الأزمات المناخية العابرة للحدود.
كما يبرز التباين بين الانكفاء الأمريكي والتقدم الصيني، في إشارة إلى أن الاستثمار في البيئة هو استثمار في السيادة والريادة المستقبلية، وليس مجرد خيار سياسي داخلي.
الرسالة الجوهرية للمقال تتمثل في أن البيئة ليست قضية ثانوية أو نخبوية، بل هي معيار لمستوى التحضر والعدالة وحسن الإدارة. والسياسات المبنية على الاستغلال والتدمير قد تحقق مكاسب وقتية، لكنها تحمل في طياتها كلفة مستقبلية باهظة، على الجميع.