آفاق بيئية: محمد التفراوتي
إن القدرة على التواصل بشكل فعال عبر الحدود الثقافية أمر بالغ الأهمية لنجاح أي مسعى بين الثقافات أو المتعدد الجنسيات. يساعد ذلك في تحسين العلاقات من خلال تسهيل المحادثات ثنائية الاتجاه، والتي بدورها تعزز التفاهم المتبادل بين الأشخاص من خلفيات متنوعة. و معرفة الممارسات الاجتماعية والمعايير الثقافية.
إن افريقيا موطن لمجموعة واسعة من التقاليد الثقافية، وكلها تختلف عن بعضها البعض. وكل منها منحت الشعب الأفريقي وسيلة للتعبير عن مشاعره وعواطفه بطريقة غير مبالغ فيها ـ وهي الطريقة التي تشكل ضرورة أساسية في ثقافة ذات سياق رفيع. والتقاليد الأفريقية متنوعة للغاية، وغنية للغاية من حيث تعبيراتها الرمزية، ومتكاملة للغاية في منطقها، إلى الحد الذي يجعل المرء يشعر وكأنها تدخل عالماً معقداً ومتكاملاً من الناحية الجمالية. وهذا هو العالم الذي يسعى أولئك الذين ينتمون إلى الشتات الأفريقي إلى إعادة اكتشافه. ويتواصل الأفارقة بطرق مختلفة عديدة، والطريقة التي يعبرون بها عن مشاعرهم وعواطفهم دقيقة للغاية. وكثيراً ما لا يكون التواصل مباشراً وقد لا يعرف الشخص ما يتم توصيله إليه إلا عندما يحدث ذلك للمرة الثانية أو الثالثة، أو حتى في وقت لاحق في بعض الأحيان. وهذا أمر شائع لأن “المعنى” غالباً ما يكون ضمنياً. وذلك لأن الرموز في العديد من المجتمعات الأفريقية أكثر أهمية من الرسالة الحرفية. وتستخدم الرموز للتعبير عن العالم المحيط بها وفهمه. إن هذا الارتباط بين الرمز والتعبير واضح في العديد من التقاليد الفنية مثل الموسيقى والرقص والفنون البصرية ورواية القصص. إن استخدام الرموز ضروري لفهم الاتصال الأفريقي، لأنه يشكل جوهر فهم الذات والآخر.
و يعتبر تعلم كيفية فهم التفاصيل الدقيقة للتواصل أمرا ضروريا عند العمل مع أشخاص من ثقافات أخرى. ومدى القدرة على التعاطف مع الآخرين. و القدرة على التكيف كأحد أهداف التواصل بين الثقافات هو تعليم الناس كيفية تعديل طريقة حديثهم لاستبدال الغموض والصراع والعداء بالوضوح والانسجام والتعاون. ولهذا من المهم أن نكون قادرين على التكيف في تفكيرنا وردود أفعالنا وتفاعلاتنا مع الآخرين، وكذلك في كلامنا واستماعنا ومحبتها للآخر لأنه نلتقي في البعد الانساني ونقتسم التعايش في الارض بمواردها المتنوعة والمشتركة..
ويعكس الملتقى الاخير الذي نظمه مركز تاوسنا للدراسات والأبحاث ومجلة نبض المجتمع، بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975، مع الجالية الأفريقية في سياق دمج الجالية الأفريقية بجهة سوس ماسة في محيطها الاجتماعي، رؤية حصيفة تتطلع إلى تلاقح الثقافات والحضارات…
وحرص المركز خلال هذا اللقاء التواصلي على مشاركة نوعية وتمثيلية لمجموعة من أفارقة جنوب الصحراء من السنغال، النيجر، الكاميرون، غينيا، وساحل العاج، مع بعض الفعاليات المغربي من مهاجرين و أساتذة و ونشطاء جمعويون. ومكن اللقاء من نسج بيئة مفعمة بالألفة والتواصل بين البلدان المشاركة و خصوصياهم الاجتماعية والتراثية. وتحدث المشاركون عن مختلف المعارف والافكار التي تبرز هوياتهم و الجوانب المشتركة من حيث العادات والتقاليد و البعد الانساني بشكل عام، فضلا عن الجوانب الأكثر جوهرية لهويات الأقليات والشعوب، وهي لغاتهم وفنونهم ومعارفهم التقليدية وروحانيتهم. فضلا عن أوجه التشابه والاخلاف اللذان ينمان عن غنى ثقافات وتنوع هويات المجال الافريقي وثراءهما.
*وأفاد الدكتور خالد العيوض ان الملتقى يندرج ضمن رؤية المركز كفضاء للمثاقفة والانفتاح على مختلف الثقافات بدء من الثقافات الافريقية ثم الاوروبية وغيرها من الثقافات الوافدة على المحيط. ومن بين المحاور التي يشتغل عليها المركز محور الهجرة بكل أبعادها وتمضهراتها، وذلك لكوني، كرئيس للمركز، باحث متخصص في الهجرة.
لم يقتصر الاحتفال بالسنة الامازيغية داخل أسرنا أو مجتمعنا بل ارتئينا أن ندمج في الاحتفال الوافدين والقاطنين الجدد بالمنطقة، كي يطلعوا على ثقافاتنا ويتذوقوا طعامنا بمكوناته المحلية ومميزاته وخصوصياته. “نتشارك الملح”. والملح له دلالته في التقريب والاحساس بالأمان ونبد العنف والغدر. وذلك في إطار أبعاد رمزية تمتد لما هو إنساني يروم نحو العيش المشترك والانفتاح على الثقافات الاخرى مع الاعتزاز بالهوية المحلية وتقديمها للآخر دون إقصاء أو انغلاق على الذات.
وقال الدكتور خالد العيوض أن “ما نقوم به في المغرب وكل ارجاء أفريقيا هو عبارة عن صحوة تستوجب الرعاية من قبل جميع أبناء القارة، المثقفون منهم والفاعلون من مختلف التخصصات على أساس أن إفريقيا هي للأفارقة ولن يشيدها إلا أبناؤها، الخبراء، الممتدون في بقاع العالم، والذين يمتلكون مؤهلات تعد قوة بشرية هائلة يتطلب استثمارها في هذا الإقلاع والصحوة. يجب ان تحتل القارة السمراء مكانتها في قلب العالم، بحكم توسطها العالم وذات مساحة كبيرة. لذا يجب ان تستعيد مكانتها الحقيقية داخل الفضاءات التنموية. وهذه الأنشطة التي نقوم بها هي بوابة للنقاش وفتح الحوار بغية بناء مستقبل افضل لنا جميعا يؤكد الدكتور العيوض.
اشتمل الملتقى على عرض وتناول وجبات الكسكس و “تݣلا” المطبوخة بنكهة سوسية وبمهارات وخبرة وممارسات ذات هوية أمازيغية أصيلة.
يذكر أن الملتقى شهد كذاك فقرة فنية أداها الفنان موسير أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة “لارياش” الغنائية جمعت بإبداع بين الأداء الأمازيغي وكذا الأفريقي.
يشار أن العديد من الأقليات والمجتمعات الأصلية في مختلف أنحاء القارة الأفريقية تتعرض للتهجير بسبب الصراعات السياسية، واستخراج الموارد الطبيعية، ومشاريع البنية الأساسية الضخمة، والمتنزهات السياحية. وبالنسبة للعديد من المجتمعات، ترتبط الثقافة ارتباطا وثيقا بالقدرة على الوصول إلى أراضيها، وعندما يتم قطع هذه الصلة، تصبح ثقافاتها معرضة للخطر. و تتسم سياسة المغرب حيال الهجرة و اللجوء نحو المغرب على البعد الإنساني والاجتماعي بمقاربة الإدماج منذ سنة 2013، ، في سياق احترام الحقوق وكرامة المهاجرين وتسوية وضعياتهم القانونية وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتيسير اندماجهم في المحتمع وسوق الشغل.