آفاق بيئية: عبد الله أزيـــــكي
رغم اتخاذ الفاعل الجيولوجي المصدر الرسمي لزلزال “ءيغيل” لارتباطه بوضعية مكونات الصفائح، وبوضعية التركيب الجيولوجي للعناصر الترابية بجبل الأطلس الكبير. لهذا تشكلت نكبة “ءيغيل” عبر بؤرة الهزات الارتدادية منذ ليلة الجمعة 08 شتنبر 2023 إلى ألان في جميع الأمكنة المعينة في خريطة زلزال “إيغيل” كتارودانت ومراكش وازيلال وشيشاوة وطاطا ووارزازت واكادير. مع العلم أن رسم الخيوط العنكبوتية لدبدبات الزلزال الممتدة إلى المناطق الداخلية الشمالية كتازة والقنيطرة وسلا والرباط والدار البيضاء والجديدة وأسفي والصويرة.
تمكن العلماء عبر الدراسة الميدانية والدراسة المخبرية من كشف خبايا زلزال “إيغيل”، كما اسند أمر البحث على ضوء المقاربة الأساسية في العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي وعلم التربية والتاريخ، لإبراز أهمية ونتيجة الإنسان ككائن فاعل ومنفعل (الموضوع والظاهرة / كالذاتية والموضوعية / كالمعطى المؤدلج والمعطى الوضعي / كالظاهر والباطن … الخ) أي حالة ارتباط ذات الإنسان عضويا بالبنية المزدوجة والمركبة بين المتناقضات لإثبات المعلمة الكلية لمكوناته الوجودية ومعطياته الذاتية، لاعتباره الكائن المركب لا الكائن المنعزل رغم فعالية العودة الى الذات معرفيا ووجوديا عبر التأمل الفلسفي والتفكير التربوي والتصور الاجتماعي، والاقتداء بفعالية الاعتبار الأخلاقي وفعالية قيمة المواطنة التقديرية بعيدا عن فعالية رغبة المصلحة الذاتية والنخبوية لمنع عملية الإعاقة وإزالة العوائق المادية والمعنوية مع اللجوء إلى فتح نافذة الإغاثة لفائدة الإنسان للدفاع عن كرم هويته، وكرم قيمه الفردية والجماعية / الذاتية والفضائية / الجسدية والذهنية / المادية والرمزية بعيدا عن معيار التميز العنصري والاستغلال الاستعماري. قال عبد الله العروي في هذا الشأن : “الواقع هو أن كتاب عهد الاستعمار (…) كانوا يميزون دائما ما هو من التاريخ، وما هو دونه” والتعبير الإعلامي الصادق لا المزيف والمؤدلج. مع العلم أن المغرب قد استفاد تاريخيا من الكوارث الطبيعية والصحية المتنوعة كالطاعون والجدري والسل والكوليرا وتيفويد وبوحمرون والعوايا وكوفيد منذ القدم . استدل هنا بمجموعة النصوص الوثائقية، منها نص الناصري : “وفي 965 هـ / 1558 م كان بالمغرب وباء عظيم كسا سهله وجباله” . ونص أبو زيد عبد الرحمان التمنارتي :” لما تتابع الوباء على مدينة تارودانت في عام ستة بعد الألف إلى ست عشرة (القرن 17 م / 11 هـ) تفوه الناس منها وخلت جوامعها وأسواقها ومرافقها الدينية والدنيوية” . ونص كوستون : “قد انتشرت المجاعة والأوبئة بين سنتي 1222 م / 1240 م .. قد هلك في البلاد والعباد ما لم تهلكه الحروب” في صفوف المغاربة محليا لتقوية الصراع السياسي مما أدى إلى “انتشار الثورات المحلية وإحداث ارتباك اقتصادي واجتماعي من طرف أعضاء مجلس انفلاس أو من طرف المخزن أو من طرف الأعيان أو الأهالي” . ونص محمد الضعيف اثر وصفه حالة تارودانت في فترة 1674 م ” قد سلم أهل تارودانت من الحصار (القائم على المدينة) وأصبح جيشه (السلطان مولاي اسماعيل) من أمس الحاجة إلى هدنة لاسترجاع قوته وإعادة تنظيمه، وان البلاد تعرف قحطا مفرطا” . أسجل مع سجلات الملاحظين من العلماء والسياسيين ملاحظتهم الفريدة عن أهمية أسوار المدينة (العتيقة) وقصباتها : “باعتبارهما يمثلان شهادة الحماية والصيانة الكلية لأهل البلد” . كما يمثلان حسب مليكة العاصمي نموذج المعلمة التربوية لدورهما الفعال ” في تكوين الفرد الفعالية والثقافية” . واكتساب تقنية مواجهة المخاطر والأزمات والكوارث والنكبات المادية والمعنوية. وكذا الأوبئة الطبيعية والثقافية. لكم نموذج حالة الأوبئة بالمغرب من منتصف القرن السادس الميلادي إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي .
الجدول
المرجع : عبد الله ازيكي – المكون الثقافي – صفحة 233/234
بالفعل استفادت المملكة المغربية وأهلها وأطرها من الظواهر السائدة بالمملكة عامة وجبل الأطلس الكبير خاصة قديما قبل حادثة “ءيغيل” 2023 تاريخيا واجتماعيا اذكر منها :
1) ظاهرة زلزال فاس ومكناس واكادير والحسيمة.
2) ظاهرة التحول الاجتماعي منذ القدم إلى اليوم لبنية المجتمع المغربي القديم والحديث. وكذا المكون السوسيوثقافي المحلي والعالمي السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
3) إحداث التغيير في وثيرة الهجرة الداخلية والخارجية منذ العصور القديمة إلى العصر الحديث أو المعاصر.
4) تدفق الأنشطة التجارية عبر الممرات والأسواق والمحلات المحلية والموانئ والمطارات عبر العصور والأمكنة بجبل الأطلس الكبير.
5) تنظيم العلاقات الدبلوماسية مع أعضاء الدول الأجنبية والجمعيات والمؤسسات الاقتصادية والتربوية والإعلامية تنظيما محكما، لتحديد إستراتيجية العمل والتأسيس والتنظيم لتحقيق التنمية والاستفادة من الأزمات الطارئة.
6) تفعيل عملية التقويم الذاتي إعلاميا وتربويا بمعرفة الحق والواجب / الحاجة والضرورة / مغزى القيم الأخلاقية ومغزى القيم الفوضوية والمصلحية.
7) الاستغلال الحسن لنكبة زلزال 2023 اثر تحويلها إلى حالة فرصة التقويم والبناء وتأسيس قاعدة مشروع أساسي للبحث والعمل.
اثر هذه الاستفادة عرف المغاربة بعد الزلزال المتطلبات المادية والمعنوية والحاجيات الضرورية لانقاد ومد يد المساعدة لأهل الأطلس الكبير. رغم شساعة مساحة بؤرة الزلزال بالمغرب تم دراسة وتقييم نتائج ظاهرة زلزال “ءيغيل” لارتباطها عضويا بجميع معطيات تخصص البحث العلمي والدراسة الأكاديمية كعلم الزلازل والفيزياء والفلك والهندسة والجغرافيا والجيولوجيا. كما ترتبط عضويا بالإنسان لان حضور الإنسان في هذه الحادثة يعتبر ضروريا، لاكتساب الزلزال صفة الحادثة التاريخية والاجتماعية. هنا تكمن فعالية حضور الإنسان في الحادثة. مثلا وقع الزلزال في مكان لم يخلف أثرا على الإنسان أو لم يخلف نتيجة (مادية أو معنوية / الحضارة والثقافة ) لم يشكل الزلزال ظاهرة إنسانية رغم وقوع الحدث، اقصد بهذا المثال مزاولة الزلزال وغيره من الكوارث الطبيعية نشاطهما بالقمر أو زحل … أو إحدى المجرات الفلكية دون مشاركة الإنسان، وإحداث اثر على الإنسان بخطة مباشرة أو خطة غير مباشرة.
اسند للظاهرة الإنسانية التقويم المزدوج بين الإيجاب والسلب أو بين الثابت والمتحول حسب خاصية طبيعة تكوين الظاهرة، وحسب نتيجة فعل وفعالية العمل والممارسة ، إثر هذا المعيار يتم تصنيف مكتسبات زلزال “ءغيل” إلى المكتسب السلبي و المكتسب الإيجابي. مع العلم أن كلمة “ءيغيل” كلمة أمازيغية دالة على الذراع ، لهذا مثل زلزال “ءغيل” في خارطة المملكة المغربية ما يمثله الدراع في الجسد.
المكتسب السلبي: أحدده إجمالا في ما يلي :
حسب المجال الجغرافي : شملت بؤرة زلزال “ءيغيل ” مساحة كبيرة في الخريطة الوطنية إلى حوالي 25 % من مساحة المملكة المغربية. كما إحتضنت بؤرة الزلزال منطقة الحوز و مراكش و شيشاوة و تارودانت.
شملت أنشطة الزلزال المنطقة المهمشة بالأطلس الكبير .
يتميز واقع الأطلس الكبير بصعوبة المسالك.
تعميم خوف مغاربة العالم ( اليهود/ المسلمون) ( الأمازيغ/ العرب) مما أدى إلى إحداث نماذج غريبة من أنماط السلوك وارتسامات التصور.
تصدر الحيرة الفعل تعبير عن القلق و التوتر، كما تشكل فرصة تحول ظاهرة الخوف إلى محور السؤال و موضوع قضية مسخرة للفحص أو النبش للبحث عن الجواب المقنع إعلاميا و اقتصاديا و اجتماعيا و نفسيا .
المكتسب الإيجابي : أحدده إجمالا فيما يلي:
1- الاستفادة من نتائج الكوارث الطبيعية و الصحية السابقة في تاريخ المغرب (الفيضانات / الأوبئة / الكوارث الطبيعية / الكوارث الثقافية ) كزلزال فاس و مكناس و أكادير و الحسيمة .
2- تحديد إستراتيجية حسب خطة محكمة و حسب نظام تدريجي و حسب خطة الهدف الإجمالي : أي التحكم الكلي أو الجزئي في الخطة، أو إنجاح عملية الإنقاذ و المواجهة ، أو إنجاح عملية التمويل و الاستقرار للمتضررين و المنكوبين مع توفير الأدوات اللازمة للاستقرار ( المادية و المعنوية / الإنقاد و البناء) و الإقامة حسب طبيعة المعطى الثقافي لأهالي منطقة الأطلس الكبير، و حسب نظام العائلة و العشيرة و الدوار و القبيلة . لضمان وحدة التكوين الهيكلي لفائدة نظام البنية التكوينية التربوية و الاجتماعية بالأطلس الكبير. أو لخلق أو الاحتفاظ بمبادئ المكونات الثقافية المحلية، أو لاكتساب روح مواجهة الحادثة الظرفية ( زلزال “ءيغيل”) لضمان سهولة الهدف.
3- الشعور بفعالية مداخلة المساعدة الإجتماعية علاجيا و ديداكتيكيا لمواجهة الحالة الصحية و التربوية و مواجهة المخلفات والعواقب النفسية على الاسرة والطفل.
4- تحقيق وتعميم المساواة في تقسيم العمل وتوزيع الادوار حسب طبيعة القدرات والكفاءات، بالتالي يتم تصنيف الوظائف بين جميع مكونات الهيئات والمنظمات المشاركة (العسكرية والمدنية / المحلية والكونية / الجماعية والجمعوية ). بالتالي ترسم بسهولة خيوط مواجهة عواقب النكبة ونتائج الخسائر. كما يتم ابراز اليات توزيع الوظائف وتحديد الادوار بين الاعضاء المشاركين لخدمة متطلبات الحادثة.
5- التسلح بالصبر سواء من طرف المنكوبين او من طرف الاطر العسكرية (المغاربة والاجانب) او من طرف اطر المجتمع المدني (الجماعة / الجمعيات ) لضمان تحقيق الهدف الاجمالي.
6- تصقيل الذاكرة الاجتماعية عبر الاعلام والانشطة التعليمية والتربوية والاجتماعية المغربية والإبداع المغربي عبر الصورة و الكتابة أو الحركة و الريشة والقلم للإحتفاظ بسمة و معالم الشخصية الاجتماعية للشعوب و الأمم الأصلية.
7- الإقرار بفعالية التضامن الإجتماعي لتوفير متطلبات الحاجة الفردية و الجماعية و لضمان تحالف مغاربة العالم أو لضمان التكافي إثر تكيف وجهة المجهود لمواجهةالكوارث و العراقيل،و من جهة أخرى يتم تحقيق مواجهة انقسام و تفرقة الشعوب و الأمم عبر خلية التضامن الإجتماعي يتم تغيير بند الأزمة من بند يقدم خدمة لتحبه او طبقة معينة و خاصة إلى بند يقدم خدمة للقيم الإنسانية مع العلم أن الظاهرة ترتبط بالمجتمع و الإنسان أثناء مس الكرامة و الحقوق و القيم. بالتالي أقول ما قاله برنارد وزنبرجي في وصف حالة المغاربة وخطة الاستعمار لتأسيس حلف الابيريين من المغاربة السلام ” فقد كان بعض مغاربة السلم يخرجون بقيادة شخص يدعى يعقوب بن الغريبة (JACOB BEN GHARIBA) … قد كان بعضهم يقتادون بالقوة وكان الآخرون يسيرون في أعقابهم وكانوا يأتون بالكثرة … شاهدنا في النهر (نهر أم الربيع) ما لا يقل عن مائة سفينة . قد حملت جميعها من الصبايا و المغربيات. إذ لم يكن أحد يرغب في دفع شيء من النقود في النساء و الرجال” و الأطفال المغاربة بازمور.
8- اتخاذ التدرج معيار التأسيس و البناء و اتخاذ التدرج عملية أساسية لإبراز وثيرة و مسار النجاح و التوفيق.
أقول أخيرا أن زلزال “ءيغيل” يعتبر مصدر إغاثة أهل منطقة جبل الأطلس الكبير انه يعتبر مصدر النقمة بشهادة المغاربة و العالم و بشهادة التاريخ لأن مفاخر الأمة و بواعث اعتزازها (تنال عبر) التذكير باللحظات التاريخية في حياتها (…) لذلك تكتسي الذكريات الوطنية قيمة رمزية عميقة الدلالات بليغة التعابير قوية الإشارات في الوطنية الحقة والمواطنة الإيجابية بحمولتها الوازنة و قياسها المثير، و ذخائرها النفسية تتناقلها و تتوارثها الأجيال المتعاقبة سعيا لصيانة الذاكرة الوطنية” و اكتساب المجتمع ثقة التضامن الاجتماعي و الاعتزاز بالوحدة التعدد والاتفاق رغم التباين والاختلاف.
اكادير في 17/09/2023
المراجع
– احمد الناصري. الاستقصا. منشورات دار الثقافة 2001.
– الضعيف الرباطي. تاريخ الضعيف.
– عبد الله ازيكي. المكون الثقافي والشخصية الاجتماعية. اكادير 2004.
– عبد الرحمان حزل. المجاعات والاوبئة في مغرب القرنين 16/17. منشورات الرباط 2010.
– عبد الرحمان التمنارتي. الفوائد الجمة في اسناد علوم الائمة. تحقيق اليزيد الراضي مطبوعات 1991.
– مليكة العاصمي. سؤال العصر. عدد 69 سلسلة شراع 2001.
–