انطباعات خاصة حول زلزال يوم الجمعة بالمملكة المغربية
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
وأنا مستلق على أريكة في المنزل، شعرت بالاهتزاز بشدة، التفتت يمينا كي أنهبه إبنتي لتكف عن الشغب وتحريك أريكة، فإذا بي أحدث نفسي، المكان ليس فيه سواي. قمن من مكاني متوعدا من يصر على تكسير الهدوء الذي أحاول أن أنعم به، بعد جولة متعبة مع الأسرة من أجل تبضع بعض الحاجيات. وإذا بالكوب الموجود على مكتبي يهتز، فجأة شعرت برعشة خفيفة، ودوار غير معتاد. الاهتزاز يتواصل بقوة أكبر، الأمر أصبح جديا وبات الخطب جلل، ليس أمامي إلا ثواني معدودة، استعرضت من خلالها شريط سيناريو النجاة أو الردم مع أسرتي تحت الأنقاض.
لا منجى ولا ملجأ إلا إطلاق الساقين للريح بشكل غريزي. نزل طفل مهرولا نحو الأسفل، اصطدم بسيدة سقطت أرضا وأصيبت برضوض، فحملها إبنها بين ذراعيه ليخرجها بعيدا. وفي العمارة المقابلة رجل يحمل أمه المنهكة فوق ظهره مسرعا بها نحو مكان آمن.
لم يبد لي إلا الاحتماء في السلالم الأكثر صلابة. فتحت باب منزلي وإذا بأسراب من الجيران تستبق على السلالم لبلوغ ساحة الإقامة السكنية. وجدت نفسي دون وعي رفقة الجيران في ساحة الإقامة دون أسرتي، بعدها سمعت أحد جيراني يصيح بقوة وبشكل هيستيري مناديا “أولادي” أولادي “. كان يبحث عن أبناءه ويدعوهم للخروج من الشقة، كما يدعو باقي الجيران للخروج، وكان بعضهم قد فجثموا في أماكنهم في صدمة وذهول.
مؤشرات زلزال كبير تتزايد …جلبة عمت المكان. كل هذا الحراك في ثواني معدودة.
يا الله ماذا يجب أن أفعل. لم يسبق لي أن تعرضت لهزة قوية كهذه من قبل.
للحظة باغثتني استفاقة سريعة كأني كنت في غيبوبة، فرجعت صاعدا إلي بيتي وأنا أنادي على أفراد أسرتي. وجدت إبنتي متجمدة في مكانها بعد أن دلفت تحت مكتبها في هلع صامت. بسرعة قياسية هرولت وأنا أنادي أفراد أسرتي كي تلحق بي. وضعت رجلا داخل الشقة ورجلا خارجها. أرى أثاث منزلي يتراقص أمامي، وقد تساقطت بعض القطع على الأرض.
تتزاحم عدة احتمالات وسيناريوهات في مخيلتي بين النجاة أو الموت، لأختتم هذه الجولة الاستعراضية السريعة في ذهني بوجوب بقاء أحدنا حيا على الأقل ليتمكن من إنقاذ من تمكن منه الدمار ، لا سمح الله. يا الله، سكنت دقات قلبي بعدما نزلت زوجتي وكذا ابنتي أمامي متأبطة جهازها (الكمبيوتر) المحمول. ووقف إبني أمامي وهو يهم ليصعد إلى الشقة في اطمئنان تام!!
تجمهر الجيران، مسرعين نحو ساحة عمومية. حدث تعارف لأول مرة لبعضهم. ثم أبعدوا سياراتهم نحو مرآب يبعد عن البنايات الشاهقة.
حاولت الاتصال على التو بوالدتي كي أطمئنها أن أكادير في “سلام وأمان” ليهدأ روعها..لكن شبكة الاتصال حالت دون ذلك.
بدأت في التحري والاستفهام عن رقم درجة الاهتزاز… ثم اتصلت برئيس محطة الأميرة للا عائشة لرصد الزلازل لأغراض تربوية بأكادير والتي تشرف عليها جمعية علوم الحياة والأرض بسوس، ليجيب وقد انفتحت خطوط الإتصال. فاستمهلني مخاطبي إلى حين استجماع المعطيات. تواصلت إتصالاتي بمن هو أقرب إلى نفسي, من أفراد الأسرة والأهل والأصدقاء والأحباب من مختلف المدن المغربية. ثم تقاطرت علي رسائل تستفسر عن وضعي من مختلف أصدقائي من المغرب وخارجه، ممن أتقاسم معهم نفس القيم الكونية والرسالة البيئية من لبنان ومصر والجزائر وتونس والسودان والإمارات والبحرين وفرنسا وإسبانيا وقبرص واليونان …..ومن منظمات بيئية دولية مختلفة. تضامن وتلاحم يثلج الصدر ويخفف وطأة الرزء.
لم أجد بدا من التسلل إلى المنزل بعد سكون الأرض. متجاوزا بعض الأنقاض التي سقطت من بعض الأسطح. فأخذت بعض الملابس أتذثر بها، غير ملابس النوم التي فررت بها من موت محقق كما ترائى لي. واستجمعت بعض مستلزماتي الخاصة. متفحصا مكتبتي وتذكاراتي كآخر عهد لي بها، لعلها تقبر تحت التراب.
قمت مع بعض الجيران بتفحص الجدران والبنايات داخل وخارج الإقامة. وإذا بشقوق تفصل بين العمارة والأخرى، استشرت في عموم الإقامة بمختلف عماراتها.
ثم عم الأمان والسكينة ظاهريا، لكنهما كانا يخفيان وجل ورهبة من تكرار اهتزاز موالي…لتنتشر الإشاعات والتحذيرات وتبادل الرسائل النصية والصوتية.
دلف الساكنة الى بيوتهم في حذر وترقب، ليجلبوا الأغطية والوسادات والكراسي…ثم ايفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء.. في انتظار الهزة الموالية المروج لها في الوسائط الاجتماعية.
مكثت وأسرتي بالسيارة إلى حدود الرابعة صباحا، لنرجع إلى البيت ونخلد إلى النوم في انكسار وصمت وحزن. والعبرات تخنق أنفاسي لما وصلني من صور وفيديوهات، انتشرت كالنار في الهشيم في أدوات التواصل أبرزها الواتساب، تؤكد الدمار الشامل لقرى ودواوير نجم عنها خسائر بشرية وجروح غائرة بمدينة مراكش وضواحيها.
استفقت في الصباح على وقع صداع في الرأس، فوقفت منتصبا، مشرئبا نحو أركان البيت وزواياه. وإذا بشقوق سطحية في طلاء مختلف غرف البيت.
لم تتخلص ساكنة مدينة أكادير اداوتنان وعمالة إنزكان آيت ملول من صدمة اهتزاز يوم الجمعة. وصاحب الهلع والرعب المواطنين خاصة الأطفال الذين ألزموا آباءهم بالمبيت في العراء بعيدا عن سقوف المنازل. حدثت فوضى في الأخبار وتناسلت الإشاعات وخبث المصطادين في الماء العكر بالترويج لحدوث اهتزازات هنا وهناك. مما جعل عموم المواطنين يتركون بيوتهم لليلة ثانية والارتكان في زوايا المساحات العامة ومرائب المتاجر الكبرى والساحات المقفرة والحدائق والمساحات الخضراء. وساوس ألزمتم افتراش الأرض واصطفاف السيارات على قارعة الطريق بعيدا عن البنايات. كل هذا تحت تأطير غير مباشر للسلطات المحلية والقوات العمومية التي تتجول في المكان حفظا للأمن العام وسلامة المواطنين.
حمدت الله على النجاة من زلزلة الأرض والسلامة من أن أكون جزء مما من “أخرجت الأرض” من “أثقالها”.