تقرير جديد للفاو يكشف عن مشكلات انعدام الأمن الغذائي والتغذية في أوروبا وآسيا الوسطى
نحو 14.3 مليون بالغ لا يحصلون على الغذاء الذي يحتاجونه، وسوء التغذية في ازدياد
آفاق بيئية : بودابست/روما
أحرزت بلدان أوروبا وآسيا الوسطى تقدما جيداً في الحد من انتشار نقص التغذية، ولكن لا يزال ما يقرب من 14.3 مليون امرأة ورجل في المنطقة لا يحصلون على الغذاء الذي يحتاجونه، كما أن مشاكل سوء التغذية آخذة في الازدياد، وفقا لتقرير جديد أصدرته اليوم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).
ويحلّل تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في أوروبا وآسيا الوسطى عام 2017 مجموعة من مؤشرات الأمن الغذائي والتغذية لتقدير التقدم الذي أحرزته البلدان نحو تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة) بحلول عام 2030. كما يقيّم إمدادات الطاقة الغذائية، ومؤشرات التغذية مثل التقزم والهزال، وفقر الدم، وزيادة الوزن والبدانة، وكذلك تَغْيِير النظم الغذائية وتأثيرها على الفئات السكانية المختلفة.
وبعد إحراز تقدم هائل في السنوات الأخيرة، يبدو أن المنطقة قد دخلت الآن في حالة ركود. وبقيت معدلات انتشار نقص التغذية دون تغيير تقريباً في القوقاز وآسيا الوسطى وفقاً للتقرير الذي تم عرضه في ندوة إقليمية حول النظم الغذائية المستدامة من أجل أنظمة غذائية صحية.
وقال فلاديمير راخمانين، المدير العام المساعد للفاو والممثل الإقليمي لأوروبا وآسيا الوسطى: “لا يزال الفقر العقبة الأكثر أهمية أمام الأمن الغذائي. لكن هناك طريق واضح الى الامام حيث توفر أهداف التنمية المستدامة إطاراً قوياً للتصدي للتحديات التي تواجهها بلدان أوروبا وآسيا الوسطى”.
ومن أجل تقييم أفضل لدوافع وسمات انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، أدرج تقرير الفاو مقياس تجربة انعدام الأمن الغذائي الجديد، الذي يستكمل تحليل التقدم مقابل مؤشرات الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمن الغذائي والتغذية. وبتقديم تحاليل شاملة وفي حينها، تبين المنهجية الجديدة أن 14.3 مليون بالغ في المنطقة عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الفترة 2014-2016.
ومع ذلك، يقول التقريرأن بيانات التغذية التي جمعتها منظمة الصحة العالمية ضرورية لتقييم الموقف بشكل كامل. إن سوء التغذية في واحد أو أكثر من أشكاله الرئيسية الثلاثة – نقص التغذية وفرط التغذية ونقص المغذيات الدقيقة – موجود بدرجات متفاوتة في جميع بلدان المنطقة، حسب التقرير.
وقالت آريلا جليني، مستشار السياسات في الفاو والمؤلفة الرئيسية للتقرير: “غالبا ما تتعايش الأشكال الثلاثة معاً فيما يسمى العبء الثلاثي لسوء التغذية. ليس من غير المعتاد أن تشهد البلدان معدلات عالية من نقص التغذية والبدانة لدى الأطفال على حد سواء. وقد أصبح النقص في المغذيات الدقيقة وفرط التغذية لدى الأطفال والنساء والرجال مصدري قلق رئيسين فيما يتعلق بالأمن الغذائي والتغذية في جميع أنحاء المنطقة”.
فرط التغذية مشكلة أيضا
واشار التقرير الى ان فرط التغذية بين السكان البالغين هو مشكلة اخرى كبيرة. ويعتبر الشخص بديناً عندما يتجاوز مؤشر كتلة جسمه 30، ومؤشر كتلة الجسم هو نسبة الوزن إلى الطول مقاسةً على أساس الوزن بالكيلوغرام مقسوما على مربع الطول بالأمتار.
واستناداً إلى بيانات منظمة الصحة العالمية، أشار التقرير إلى زيادة بنسبة 30 بالمائة في عدد البالغين الذين يعانون من البدانة خلال الفترة بين 2000-2014. وقد لوحظ أعلى معدل انتشار للبدانة في بلدان جنوب شرق أوروبا حيث تم تصنيف 26.9 بالمائة من مجموع البالغين على أنهم يعانون من البدانة.
وترتبط معدلات البدانة المتزايدة في المنطقة ارتباطا وثيقا بدخل الفرد الذي يسمح باستهلاك المنتجات الغذائية ذات السعرات الحرارية العالية، إلى جانب تزايد أنماط الحياة الخاملة.
وبدرجة أقل، أوضحت جليني أن “البدانة كشكل من أشكال سوء التغذية يمكن أن تكون أيضا نتيجة لتغيير العادات الغذائية حيث يرتبط انخفاض الدخل باستهلاك الأطعمة الرخيصة ذات المستويات العالية من الدهون والسكر والكربوهيدرات المكررة الأخرى”. كما يسهم نقص الوعي حول النظم الغذائية الصحية في تزايد انتشار زيادة الوزن والبدانة بين مختلف فئات الدخل في المنطقة.
ويعاني النساء والرجال في المنطقة من أشكال مختلفة من سوء التغذية. ووجدت الفاو أن النساء في سن الإنجاب هن الأكثر تعرضا لخطر الإصابة بفقر الدم، مما يشكل مشكلة صحية عامة كبيرة.
وفي حين أن المرأة هي المسؤولة أساساً عن زراعة وشراء ومعالجة وإعداد معظم الأغذية المستهلكة، ينبغي – لإحداث فرق حقيقي – أن تستهدف المبادرات الرامية إلى تحسين التغذية كلا من النساء والرجال.
تغير المناخ والتحديات الأخرى
ويتضمن تقرير هذا العام موضوع: ضمان الأمن الغذائي من خلال إدارة أفضل للموارد الطبيعية النادرة والهشة في سياق تغير المناخ.
يتزايد الطلب على الغذاء في المنطقة وتتغير أنماط الاستهلاك بينما التوسع العمراني آخذ في التسارع. وفي الوقت ذاته، كما يحذر التقرير، فإن العديد من نظم الإنتاج في المنطقة أضحت بالفعل غير قابلة للاستدامة، وهي عرضة للصدمات – بما في ذلك تلك الناجمة عن الأحوال الجوية القاسية – مما يجعل المكاسب الإنتاجية المستقبلية غير مؤكدة. وسيتطلب تحقيق الأمن الغذائي في ظل هذه الظروف زيادة مستدامة في الإنتاج الزراعي وصمود أكبر وكفاءة أعلى في استخدام الموارد الطبيعية.
ووفقا للفاو، فإن بعض البلدان في أوروبا وآسيا الوسطى هي من بين أكثر البلدان عرضة للتغيير وتقلبات المناخ، وكثير منها تعاني بالفعل من آثار سلبية على نظمها الإيكولوجية الزراعية. ويجري بالفعل الإبلاغ عن زيادة في الأضرار والخسائر التي لحقت بالمحاصيل والثروة الحيوانية والحراج والقطاعات الفرعية لمصائد الأسماك.
وأصبحت الحاجة إلى الحد من فقد وهدر الطعام، الذي يمثل عالميا أكثر من 30 بالمائة من الأغذية المنتجة، أكثر إلحاحاً. ومن خلال إهدار كميات أقل من الغذاء والحد من الخسائر الغذائية على امتداد سلسلة القيمة، يتم تقليل الضغط على النظم الإيكولوجية الهشة وتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وزيادة كفاءة نظم الأغذية الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي والتغذية.
كما درست الفاو كيف تستعد البلدان كل على حدة لمعالجة مشاكل الأمن الغذائي والتغذية. وخلصت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن الكثيرين قد اتخذوا الخطوات الأولى لتنفيذ خطة عمل 2030 – استكمالاً للتدابير التي اعتمدوها لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية السابقة – فإن عدداً قليلاً منهم فقط لديه أطر لسياسات تعالج الركائز الأربع للأمن الغذائي: الوفرة والوصول والاستخدام والاستقرار.
ولا تزال بعض البلدان تفتقر إلى سياسات شاملة للأمن الغذائي. وفي بلدان أخرى، وجدت الفاو أن الأمن الغذائي يحدد بشكل أضيق بحيث يركز بشكل أساسي على الاكتفاء الذاتي الغذائي الوطني دون مراعاة للأبعاد الأخرى للأمن الغذائي.
وقد وجدت الفاو أن العديد من بلدان المنطقة تدرك أهمية معالجة قضايا التغذية من أجل تحقيق الأمن الغذائي وتحسين رفاه مواطنيها. ومع ذلك، فإن سياسات وبرامج التغذية قد حققت درجات متفاوتة من النجاح وتحتاج إلى أن تقرن بتدابير منسقة – مثل الحماية الاجتماعية والتنمية الريفية وبرامج التوعية الغذائية – وأن تركز على الأسباب الكامنة وراء كل نوع من أنواع سوء التغذية.