الفارق الآن، أنهم خرجوا من مؤتمر دوربان في جنوب أفريقيا، الذي أنهى أعماله أخيرا، بصيغة ضبابية تبدو في ظاهرها واعدة لكن في حقيقتها ليست سوى عملية تأجيل آخر، جرى تلميعها وتقديمها على أنها المدخل المناسب. استعاضوا عن اتفاقية جديدة بشبه ” خارطة طريق ” وهو عنوان متلازم أعرب من خلاله الممانعون عن “استعدادهم” للبحث في اتفاقية مناخية إلزامية بحلول 2015.
وقد تنازلوا تحت ضغط الموعد وقبلوا، للحفاظ على ماء الوجه، بالتفاوض في هذا الاتجاه. لكن التفاصيل والملاحق بقيت متروكة للمشاورات اللاحقة. سيناريو سبق وتكرر في مؤتمرات السنوات الماضية، من تايلاند إلى كوبنهاغن إلى كانكون المكسيك، التي كان من المفترض أن يشهد أي منها ولادة البديل عن بروتوكول كيوتو، الذي ينتهي مفعول الشق الأول منه بعد سنة من اليوم. لكن في كل مؤتمر كان يجري ترحيل الملف للمؤتمر المقبل، وتغليف الإخفاق بالوعود وبالتسويات الهشة رفعاً للعتب. فسخونة المناخ ليست أولوية ضاغطة، لدى الكبار. حسابات التنافس الاقتصادي والسياسي، ما زالت تأتي في المقدمة.
أهمية مؤتمر دوربان المناخي السابع عشر، ليست فقط في أنه أتى عشية موعد استحقاق التجديد، بل في أنه أيضاً جاء في لحظة لا تحتمل التسويف. التحذيرات المتجددة التي يطلقها معظم العلماء، تنذر بأن سخونة الكوكب تصبح كارثية بحلول عام 2017، وربما لن تصبح قابلة للانكفاء. وبحسب تقارير أخيرة لمجموعة من هؤلاء العلماء، فإن “انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد ازدادت بمعدل 9،5% العام الماضي”. أي بما مقداره 500 مليون طن إضافي من هذا الغاز جرى ضخّها في الهواء. وهي أكبر زيادة سنوية منذ بداية الثورة الصناعية. والمعلوم وفق تقديرات المرجعيات الموثوقة ان الصين تنفث حوالي 2 مليار وربع المليار طن من هذا الغاز سنوياً، والولايات المتحدة حوالي مليار ونصف. ثم تأتي الهند في المرتبة الثالثة.
ومع أن مثل هذه الأرقام الهائلة وما يرافقها من نداءات مستعجلة تأتي معزّزة بالأدلة العلمية، مثل الهبوط الثابت ولو البطيء في درجة برودة قمة جبال الهمالايا، والتي تهدّد بذوبان ثلوجه في غضون ثلاثين سنة، إلاّ أن الجهات الأميركية المحافظة والمناوئة للالتزام بإجراءات تخفّف من توليد غازات الدفيئة بسبب كلفتها الاقتصادية، تقوم بحملة مضادة من خلال التشكيك بصرخات العلماء وتمييعها وتصويرها على أنها “رعب لا مبرر له”، أو في أحسن الأحوال مبالغ فيه. تهوين وجد صداه، بدرجة أو بأخرى، في مداولات دوربان. الوفد الصيني اعتمده بصورة ملتوية، من خلال ربط موافقته لأول مرة على المشاركة في التفاوض حول اتفاقية ملزمة، بشرط التزام أميركا والدول الصناعية الأخرى ” بسياسة مناخية حازمة “.
الأميركي فعل الشيء نفسه، واشترط ” الاطلاع المسبق على حقيقة الالتزام المنشود”. وكأن في الأمر لغزا. والوفد الهندي جاءت موافقته أيضاً متلازمة مع مطالبته بعدم اتخاذ إجراءات تحدّ من عملية التنمية التي تشهدها بلاده. وهو الخطاب الدفاعي الهروبي نفسه. وفي النهاية، عودة إلى الطريق المسدود والمألوف نفسه.
إذا كانت المقارنة مع المؤتمرات المناخية السابقة هي المقياس فإن قمة دوربان فتحت الباب إلى المعالجة اللازمة. ولو أن الوعد بالانضواء تحت مظلة الانضباط متواضع ولا ضمانة لترجمته. أما إذا كانت الإجراءات المطلوبة هي القياس، فالمؤتمر أخفق في مهمته. فما لم يتهيّب الملوثون المخاطر وتصبح مثل هذه التدابير إجبارية شاملة بدءا من 2020 في الحدّ الأقصى، وما لم تتوفر الجدّية لتأسيس الصندوق الدولي الموعود منذ كوبنهاغن والقادر على ضخّ مئة مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع متطلبات التغيير واستخدام الطاقة النظيفة، فإن مؤتمرات المناخ باقية عند ما انتهت إليه في دوراتها الخائبة حتى الآن: الاكتفاء بتحاشي الانهيار والخروج بوعود لشراء المزيد من الوقت. الخطر أن الوقت شارف على النفاد.
المطلوب بين 2020 و2050، حسب الدراسات العلمية، تقليص الانبعاثات وردّها إلى ما كانت عليه في التسعينات، لتحاشي ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئوية، مع ما ينتج عن ذلك من شحّ غذائي واضطرابات أمنية. مع ذلك تواصلت لعبة العضّ السياسي على الأصابع وبقي البحث عن الحلول الناجعة والمتاحة يدور داخل الدوّامة المقفلة إياها.
المصدر : واشنطن- فكتور شلهوب